معمودية الاطفال
يا ليتنا نعرف شيئًا واحدًا هنا: أنّ معموديّة الأطفال لا يجوز تأخيرها بتاتًا. ما يـعرفـه العـارفوـن أنّ المسيـحيـّين الأوائل كانوا يعمّدون أطفالهم في اليوم الأربعين لولادتهم. هذا، أوّلاً، لا علاقة له بما نشأ، في الغرب، من أنّ الطفل يولد وارثًا خطيئة آدم، ويجب أن يعتمد فور ولادته لتُغفَر له، بل تجاوبٌ مع إرادة الربّ الذي خلّصنا فيما كنّا “أطفالاً مضطربين” (أفسس 4: 14)، وأعطانا أن نبلغ “قياس قامة ملء المسيح” (أفسس 4: 13). فالمعموديّة يتعلّق قرارها بالله الذي يؤمن بحرّيّتنا فوق ما نعتقد. إنّها أن ندخل معه في حركة حبّ ينمّيها، يومًا فيومًا، قبول النعمة التي وهبنا إيّاها مجّانًا. وهذا، تاليًا، لا علاقة له بالخوف من أن يموت طفل من دون أن يعتمد. فنحن، أيضًا، لم نجزم أنّ مَنْ لم يعتمد نصيبُهُ نارُ جهنّم حكمًا. كلّ لاهوتنا لاهوت رحمة. فنحن، إن حينا أو متنا، فَلِمَنْ نؤمن برحمته إنّما نحن. أمّا إذا تكلّمنا عمليًّا، فإجراء المعموديّة لطفل، لم يتجاوز الأربعين يومًا، يساهم في جوّ من الخشوع يغيب، عمومًا، في معموديّةِ طفلٍ غازل السنة أو أكثر. يخاف. يتوتّر. يبكي. ويضجّ مَنْ حوله، ليساعدوه على الهدوء. وتصوّر كم سيكون ضجيج الكبار مزعجًا! وتصوّر وضعك، كاهنًا، إن دعوت الضاجّين إلى بعض هدوء. سينزعجون. سيتأفّفون. ومن المرجّح أن تبقى دعوتك من دون آذان تصغي. فالطفل يبكي. ويجب، لزامًا، أن نساعده على أن يهدأ. وأنت، إن لم يزعجك بكاء الصغار، فسيزعجك، حكمًا، ضجيجُ كبارٍ كلُّ ما يعني بعضهم أن يغدو أولادهم مسيحيّين في نصف ساعة تمرّ كيفما تمرّ! لبعض الناس تبريرهم الجارح في تأخير معموديّة أطفالهم. ويبدو أنّ ثمّة مَنْ أخذ يؤخّرها خوفًا على ولده من لحظة تغطيسه! هذا، إذا أخّرها، يحسب أنّه سيدفع مجريها إلى أن يسكب على طفله الماء سكبًا. لا نريد، هنا، أن ندخل في أسباب هذا الخوف المَرَضيّ، بل أن نذكّر مَنْ تروّعهم إقامة المعموديّة، كما تجرى في كنيستنا، بأنّ مَنْ كانوا أرثوذكسيّين منهم قد غُطِّسوا، هم وآباؤهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، في الماء يوم معموديّتهم. فلفظة المعموديّة تعني، في اللغة اليونانيّة، تغطيسًا. هذا لا يعني أنّ مَنْ يُسكب عليه الماء، (لغير سبب: مرض طارئ مثلاً)، ينال معموديّةً ناقصة. لا، البتّةَ. ولكنّنا نؤثر التغطيس، لنصوّر أنّ المعمَّد، بنزوله كلّيًّا في الماء ثلاث مرّات، يـشارك المسيح في مـوته وقيامته (قابل مع: رومية 6: 3). فكلّ ما يجري في السرّ له معانيه المحيية. ونحن لا نعتقد أنّ المعنى (الجوهر) يمكننا أن نعبّر عنه من دون المحافظة على الشكل. فالشكل، في تراثنا، يحمل الجوهر. ومن الشكل، في المعموديّة، التغطيس الذي يقول، ببلاغة، إنّنا “صرنا على مثاله (المسيح) في الموت”، لنكون “على مثاله في القيامة” (رومية 6: 5). إذا استرجعنا الكلام على الخشوع، فيجب أن نذكر أنّه يستحيل من دون إصغاء جِدّيّ إلى تلاوة صلوات السرّ. مَنْ يهمّه أن يصغي إلى خدمة المعموديّة؟! لا نريد أن نبالغ، فنجرح. غير أنّ المشاركة في المعموديّة، على قاعدة الإصغاء الكامل، بات، اليوم، وجودها نادرًا. معظم الناس تراهم في الكنيسة كما لو أنّهم خارجها. هذا لا يعرف متى عليه أن يقف، أو أن يصلّب وجهه. وذاك لا يمنع نفسه من أن يكلّم مَنْ يقعد قربه في أيّ أمر يخطر بباله. والأنكى أنّ ثمّة مَنْ يطلب المعموديّة لولده من دون أن يعنيه ترتيب الخدمة نهائيًّا! ومثالاً على ذلك، ثمّة مَنْ رفض أن يعمِّد ابنه في كنيسة رعيّته بعد أن أبى كاهنها أن يتساهل في أداء الخدمة. كان ذاك قد اشترط أن تُجرى في عشر دقائق تحديدًا! الخشوع؟ إذا ذكرنا الثياب الخفيفة التي ترتديها معظم النساء، فأين الخشوع؟ بعض المشاهد تجعلك في حيرة متعبة فعلاً. مصيبة إن سكتَّ، ومصيبة إن وجهّتَ إلى أحد ملاحظةً وجيهة. عدنا لا نعرف، أحيانًا، إن كنّا في كنيسة لها قواعد خشوعها، أو في احتفال دنيويّ. كادت المعموديّة تغدو مناسبةً اجتماعيّةً أساسها ارتداء الثياب وما يتبعه من أكل وشرب. ألم نسمع بأشخاص يؤخّرون معموديّة أولادهم، لأنّهم غير قادرين على أن يقيموا حفلة غداء أو عشاء للمناسبة (هذا، إذا لم نذكر الذين يؤخّرونها بانتظار عودة قريب مسافر)؟ والتصوير! أين الخشوع إذا ذكرنا التصوير ووقاحة بعض المصوّرين؟ في بعض المعموديّات، يستحيل أن تعرف إن كانت قواعد السرّ هي الأساس عند المشاركين أو قواعد المصوّرين؟ فللمصوّرين كلّ الحقّ أن يطلبوا منك، كاهنًا، أن تقف حيث يريدون! وترى بعضهم يتدخّلون في ما لا قدرة لهم على فهمه. مرّةً، طلب أحد المصوّرين أن يعيد الكاهن “مشهد التغطيس”، لكونه فاته أن يلتقط صورةً له! يـا ليتنا نعرف أنّ أسرارنا كلُّنا مسؤولون عن إقامتها كما يـليـق بـالله. معمـوديـّة الأطفـال، الـذيـن بلغوا الأربعين يومًا، من أسس هذه المسؤوليّة. كلّ مَنْ مُتِّعَ، أبًا أو أمًّا، بأنّ يختبر أنّ الله أحبّه حبًّا شخصيًّا، لا يقدر على أن يؤخّر عن وليده ما يحييه أبدًا. وممّا يحيينا جميعًا أن نأتي إلى أيّ سرّ من أسرارنا واعين أنّ الله كلّيًّا هنا، ليضمّنا إليه بخشوع نقرّره نهج قربانا منه. فالكنيسة بيت الله الحاضر معنا، ليختطفنا إليه، لا سيّما بكلمات تكشف لنا أنّه يحبّنا حبًّا لا يوصف. ما يجب أن نعرفه جميعنا أنّ حياتنا كلّها هي للمسيح دائمًا. وما نعوز أن ندركه معظمنا أنّ قيمة أسرانا، ولا سيّما سرّ المعموديّة، ليست في صور نأخذها لمن نطلبها له، بل في إيماننا بأنّ اسمه قد كُتِـبَ في “سفـر الحياة” التي لا يدخلها إلاّ المخلِصون.