ولدت بربارة في اوائل القرن الثالث في مدينة نيقوميذيا في بيثينيا (تركيا الحالية)، وقد نشأت يتيمة الام في منزل ابيها ذيوسفورس . وكان ذيوسفورس من اشراف نيقوميذيا ، شديد التمسك بالوثنية ، حاد الطبع ، لا يجسر احد في حضرته ان يخالفه الراي .
وشبت بربارة بهية الطلعة ، عذبة الكلام ، حادة الذكاء، فخاف عليها ابوها من مفاسد العصر وعزم ان يحجزها عن الانظار ،فأقامها في قصر عالي الاسوار جعل لها فيه كل الانواع البهجة والمسرات وخصص لها فيه غرفة رحبة ذات نافذتين في اعالي برج في القصر حتى تستطيع ان تتمتع بمشاهد المدينة ومحاسنها ولا يتسنى لاحد ان ينظر اليها . ولما وجدها على جانب كبير من الذكاء أتاها باساتذة ماهرين لقنوها العلوم العصرية من بيان وتاريخ وفلسفة شأن بنات الاشراف . ولكي تنشأ نظيرة على حب الآلهة ، جعل اصنامهم في كل ناحية من نواحي القصر والحديقة حتى يقع بصرها عليهم اينما اتجهت وحيثما نظرت .
وانكبت بربارة على العلوم واتاحت لها وحدتها عادة التأمل والتفكير وبدأت ترى في تلك الاصنام حجارة صماء لا حياة لها ولا جمال . وقادها تأملها الى البحث عن الاله الحقيقي الذي نثر النجوم في السماء وانبت ازهار الحقل . وكان صيته في ذلك العصر ألا وهو اورجانس الاستاذ في معهد الاسكندرية اللاهوتي . فاسرعت بربارة وكتبت اليه وشرحت له افكارها وطلبت ارشاده .
وفرح اورجانس بكتابها واجابها برسالة بسط لها فيها الايمان المسيحي وهي محفوظة حتى الآن بشكل مخطوطة في المكتبة في بروكسيل ، وسلم تلك الرسالة الى تلميذه فالنتينياس واوصاه ان يذهب اليها ويحمل لها بشارة الانجيل . فلما قرأت بربارة رسالة اوريجانس ارادت ان تعرف المزيد، فاحتالت على حجابها وادخلت فالنتينياس اليها . واذ وقفت منه على عقيدة الكنيسة ، طلبت منه ان يمنحها المعمودية فعمدها واتاها بالقربان .
واذ كان والدها آنذاك غائبا عن نيقوميذيا وقد استدعاه الوالي، قامت بربارة الى الاصنام الموجودة في الحديقة وفي القصر وامرت خدامها بتحطيمها . ثم فتحت نافذة ثالثة في غرفتها رمزا للثالوث القدوس ، حتى اذا ما اطلت على المدينة ترى كل شيء في ضياء نور الآب والابن والروح القدس .
وذات يوم اذ هي منصرفة في الصلاة، ظهر لها الرب يسوع بهيئة طفل جميل الطلعة ولكنه ما لبث ان تغير وتحول الى " رجل اوجاع …لا صورة له ولا جمال " ( اشعياء 53- 3 ) . فادركت بربارة في قلبها معنى الصليب :
في يسوع المسيح اتخذ الله على نفسه جميع تقصيراتنا وهفواتنا وتمردنا وخطيئتنا تجاهه . اتخذها عليه، أي انه ادان نفسه هو في ابنه الوحيد لكي لا ندان نحن معصيتنا نحن احدثت تمزقا داخليا في اعماق قلب الله، فاحتمل ذلك التمزق ورفعه عنا لكي تكون لنا نحن الحياة ويكتمل فرحنا . في كل ما فعله يسوع عمد حياتنا في جميع مرافقها بالصليب فاصبح كل شيء فيه جديدا نضرا وبهيا في براءة الطفولة وفرحها . نور الرب اخترق عتمة حياتنا فحولها الى فردوس مستعاد. طريقنا الى النور هو طريق المحبة المصلوبة .
ولكي لا تغيب هذه الحقيقة عنها ، رسمت بربارة صليبا كبيرا على حائط غرفتها ، وملأتها تلك الرؤيا شوقا للمخلص، وعلمت يقينا ان طريقها اليه لا بد وان تمر بصليب الشهادة فتشترك بآلامه دربا الى فجر القيامة .
وعاد ذيوسفورس من سفره فرأى اصنام الآلهة محطمة في القصر . وعندما دخل على ابنته ورأى الصليب مرسوما على الحائط استشاط غضبا ودفع بها الى الوالي . فحكم عليها هذا الاخير بن تضرب بالسياط حتى تنكر ايمانها . ولكن بربارة ابت ذلك واذ اغمي عليها من الالم زجت في السجن وجسدها ممزقا من الضرب. ولكن الرب ارسل ملاكه في الليل فلمس قروحها وعادت اليها نضارتها .
واشتد غضب ذيوسفورس في اليوم التالي اذ اخرجت بربارة من السجن سليمة معافات امام الوالي فكان وقع المعجزة على الشعب المحتشد ان آمن كثيرون واعتمدوا . وتقدم ذيوسفورس من الوالي وطلب اليه ان يمنح شرف قطع راس ابنته هو بيده .
ولكن الوالي لشدة ارتباكه مما حدث امر بان يطلق سراح بربارة . فلحق بها ابوها وهي تغادر مقر الوالي ففرت هاربة امامه الى الجبال ولكن ما لبثت ان اهتدى الى مخبأها وفتك بها .
وعاد ذيوسفورس وفأسه تقطر من دم ابنته . لكن قبل ان يصل الى ابواب المدينة اظلمت السماء وتكاثفت الغيوم وانقضت عليه صاعقة فاحرقته ، وكان ذلك عام 235 للميلاد .
في عيد القديسة بربارة نلبس اطفالنا اقنعة اشارة الى رؤيا بربارة للمسيح الطفل وقد شوه الالم منظره . نحن بذلك نعترف بان خطيئتنا قد شوهت براءة طفولتنا .
نرى بذلك بشكل حسي كيف ان ضجيج حياتنا يحجب عنا وجه المخلص الآتي الينا طفلا جديدا ليلة الميلاد . ثم بعد ان يطوف صغارنا بالاقنعة نعود فنجتمع معا لنتاول القمح المسلوق . القمح في تراث الكنيسة رمز القيامة ، فكما ان حبة الحنطة تموت اولا في التربة لتحيا من جديد معطية حبات كثيرة كذلك الشهيد الذي مات من اجل المسيح يقوم ليحيا حياة ابدية وموته كان سببا لتوبة كثيرين وايمانهم ، وهكذا يثمر بعد موته في حياتة الاخرين .
وكأننا بتلك الوجبة العائلية نتوب الى الرب من جديد ، فننزع من حياتنا كل قناع ،ونشفى برحمته من القروح التي تحدثها الشهوات في نفوسنا، ونعود الى الله اطفال من جديد في دفء المحبة التي تشدنا اليه ، عائلة واحدة بالمسيح يسوع وبه مصلوبا، فنؤهل بذلك لنستقبله طفلا في مغارة بيت لحم ونذوق مسبقا طعم قيامته .
طربارية القديسة :
لنكرّمن القديسة بربارة الكلية الوقار ، لانها حطمت فخاخ العدو ونجت منها كالعصفور، بمعونة الصليب وسلاحه .
قنداق القديسة :
ايتها الشريفة بربارة اللابسة الجهاد ، لقد تبعت الثالوث المسبح بحسن العبادة ، فأهملت المعبودات الوثنية ، ولمل جاهدت في وسط الميدان بعزم ثابت لم تجزعي من تهديدات المغتصبين ، صارخة بصوت عظيم ايتها النقية : أني اعبد ثالوثا بلاهوت واحد