“الاحد بعد رفع الصليب المحيي”
مصلوبية الله ومصلوبية الانسان
الصليب.. فرح وحب الهي
النص الانجيلي :
(مرقس 8 : 34 -9: 1 )
” قال الرب من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صلبه ويتبعني. لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها, فإنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه, أم ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه , لأن من يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحيي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القديسين, وقال لهم الحق أقول لكم إن قوماً من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة .”
العظة :
باسم الآب والابن واروح القدس ، امين
يا صليب المسيح احفظنا بقوتك
ايها الاحباء : بالامس القريب احتفلت رعيتنا المباركة بعيد حاميها وحارسها ألا وهو الصليب المحيي،اذ عيدنا لرفع الصليب ومازال احتفالنا مستمر،بهذا العيد الكبير الشريف عيد الحب الالهي ، عيد الصليب المحيي.
يا احبائي كان الصليب موجودا في فكر الله منذ الازل، فالله مصلوب بسبب محبته لنا حتى قبل ان خلق العالم وقد تكلم سفر الرؤيا عن الحمل الذبيح قبل انشاء العالم. (رؤ13:8).
الله حمل صليبا كبيرا عندما خلق الاِنسان كائنا حرا، واهداه الكون، وجعل نفسه رهنا لحريته وارادته البشرية. وبنتيجة هذه الحرية يمكن للانسان ان يرفض خالقه ويقول له لا… انا لا اريدك وسوف سأكتفي بذاتي. وقيل على لسان أحد الآباء، ان الله طرد نفسه من الفردوس عندما طرد الانسان منه.
كذلك بعد السقوط، يوضح الكتاب المقدس أن البشر أساؤوا الى محبة الله وعنايته، لكن الرد الالهي على رفض الحرية البشرية لعنايته كان البذل والتضحية وليس الانتقام. ”ليس من حب أعظم من هذا ان يبذل الانسان نفسه عن أحبائه“(يو15: 33). فَسِر الصليب هو سِر محبة الله لخليقته.
ليس من انسان يقدر ان يحب الرب ،الا اذا حمل صليبه الشخصي، وسار وراءه.هذا نتعلمه بوضوح من كلام السيد له المجد في انجيل اليوم :”من اراد ان يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني”.
هذا الكلام بالمبدأ، بسيط وجميل ايضا. وكل الكلام الالهي جميل .ولكن ما معنى الكلام عن الصليب عمليا وحياتيا ؟وكيف نطبقه؟ لا يقدر الانسان ان يكون مسيحيا حقيقيا الا اذا كان عنده صليب شخصي يحمله وهو يسير وراء الرب .ما هو هذا الصليب الشخصي تحديدا؟
هذا الصليب ينبع من محبتي للرب الذي علق ومات على الصليب من اجلي انا. وانا عندما احمل صليبي ،واسير وراءه ، انما اعبر عن محبتي له وشكري ايضا ،فأسمر على الصليب خطاياي وشهواتي حبا به.وجود هذا الصليب في حياتي،علامة انني بدأت اعي حقيقتي وحالتي ، وواقعي،وانني بدأت السير مع الله.هكذا يكون ارضاؤه .
بهذا المعنى نفهم عبارة بولس الرسول : “حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح و فيه أصبح العالم مصلوبا عندي واصبحت أنا مصلوبا عند العالم”(غلاطية 6: 14).
لذا ما يربطنا بالصليب وما يجعلنا نعشق الصليب، لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد
باننا نحب الألم والعذاب أو ب “سادية ” ما ، نحن بكل بساطة نفتخر بالصليب حبّا بالسيد ولأن الصليب يعني لنا القيامة والحياة ولأننا ” قياميون” على شبه سيّدنا القائم من الموت والمنتصر عليه.
بالرب يسوع صار الصليب رمزا لمحبة الله اللامتناهية للبشر:
لم يعد الصليب رمزا للألم “المجرّد”، بل رمزًا لألم “الحبّ” !
لم يعد الصليب رمزًا ل “للخذي و العار”، بل رمزًا ” للتواضع و الحب”!
لم يعد الصليب بالنسبة لنا رمزًا للمرض والمعاناة “العبثية”، بل رمزًا لمرض الحب ومعاناة الحب “الخلاصية” ! ذاك النوع الالهي من الحب، الذي عبّرت عنه عروسة نشيد الاناشيد صارخة :”أستحلفكنّ ، يا بنات اورشليم، ان تُخبرنَ حبيبي حين تجدنه أنّي مريضةٌ من الحبّ!”(نشيد الانشاد 5/8) .
بالصليب يا احباءالصليب: منحنا احتقار كل شيء حتى الموت | وبالصليب نتجه صعودا نحو الغطبة والسرور والسلام ،| بالصليب فتح باب الفدوس ،| بالصليب جعلت طبيعتنا عن يمين الله | وبالصليب صرنا ابناء الله وورثته، | بالصليب حررنا من الذات والانا ،| “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ.” ( غلاطية 20:2 ) . بصليب المسيح يحررنا من الأهواء والشهوات | ” لكي نسلك بالروح القدس ” ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” ( غلاطية 24:5 ). بصليب المسيح يحررنا من الخوف ( خوف الموت )| مخلصنا يسوع المسيح الذي ابطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل” (2 تيموثاوس 10:1) صليب المسيح صالحنا مع الله | “وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه …” ( كولوسي 20:1 ) صليب المسيح أبطل جسد الخطيئة ( الخطيئة الساكنة فينا )( تحرير من عبودية الخطيئة ). “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطيئة كي لا نعود نستعبد للخطيئة” ( رومية 6:6 ). .” لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي( أي الشيطان ) وليس له فيّ شيء” ( يوحنا 30:14 ) أي أن الشيطان يأتي ليشن هجومه الأخير على المسيح .
لقد كان الصليب معركة بين ابن الله والشيطان، جرد الرب يسوع فيها قوة الشيطان” إذ جرد الرياسات والسلاطين( أي نزع سلاحهم ) أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه ( أي في الصليب )” ( رسالة كولوسي 15:2 ) .
هذا كله من فعل صليب ربنا يسوع المسيح .
اذا من اراد ان يكون مسيحيا حقيقيا ومؤمنا وجب عليه ألا يستحي من حمل صليب المسيح بل بالعكس فان جميع المسيحيين المؤمنين حقا يحملون الصليب ويرددون قول بولس الرسول القائل:” فلذلك تألم يسوع أيضا خارج الباب ليقدس الشعب بدمه فلنخرجن إليه خارج المعسكر حاملين عاره”(عبرانيين12:13 -13) .هذا يعني اننا ان اردنا ان نحمل الصليب علينا ان ندرك اننا بذلك نشترك في عمل الله الخلاصي وبالتالي هو طريقنا الوحيد إلى الشهادة.الذي يشهد حقا هو الذي يحمل في جسده اماتة الرب يسوع المسيح كما يقول الرسول بولس إلى اهل كورنثوس (رسالته الثانية :4-10)
إذًا ، أنتم وانا، لا نخاف الصليب: ” نحن نعشقُهُ عشقًا “!
لأنّ به كان لنا الخلاص ولأنّ عروس نفوسنا وحياة قلوبنا عُلّق عليه! نحن به نتألم ألم الحب لنولد للحياة، الصليب مع الرب يسوع صار دواءً لداء اسمه لعنة الخطيئة.
يا احباء الصليب: حقا احملو الصليب واتبعوا المصلوب واختبرو الصليب،اختبروا الحب والفرح والسلام كونوا مصلوبين وليس من الصالبين كونوا من المتواضعين
إفرحوا بصليب المسيح ! انتم في قمّة اختبار الفرح السماوي، به تعاينون وجه إلهكم “لأنكَم تُشبهُهُ بالتمام”! هو ليس فرحًا عرفتَ مثله المسكونة، هو ليس ابتسامة عريضة او نشوة عَرَضية! إنه فرح إلهي لا يُعبّر عنه بكلمات، به تدخلون فرح إلهكم ! فطوبى لكم!
يا صليب المخلص حوّط ابناء هذه الرعية بالنعمة للتقدس وابعد عنهم كل الاسواء وساندهم فيبتجهون بقيامتك المقدسة ،آمين