– المجامع المكانية:1
يرجع زمن انعقاد أول مجمع في الكنيسة الى أيام الرسل.
لأنه عندما احتاج الرسولان بولس وبرنابا – في صراعهما في
الى تحكيم الكنيسة، لجآ الى الرسل الذين اجتمعوا مع الشيوخ في
أورشليم (اعمال الرسل 15:2) . وبعد مناقشة الموضوع
أعطوا قرارا ملزما للكنائس، باسم الروح القدس ( اعمال
الرسل : 18: 28) وباسم الكنيسة(اعمال الرسل 15: 22،28) .
وعلى الأرجح فقد دخل نظام المجامع المكانية حيز التطبيق الفعلي في الكنيسةالارثوذكسية اعتبارا من أواسط القرن الثاني، من أجل مقاومة الهرطقات. وكان يحضر المجمع عادة أساقفة كنائس المنطقة التي انتشرت فيها الهرطقة المعنية بالاضافة الى اكليريكيين آخرين منها وعلمانيين. ومع تقدم الزمن صارت هذه المجامع تعقد لبحث جميع أنواع المسائل التي تواجه الكنائس بالاستناد الى التسليم الرسولي. وفي عديد من الأحيان كانت قراراتها تتحول الى قوانين كنسية منظمة لحياة الكنائس وأعضائها.
من بين المجامع المكانية الكثيرة التي عقدت عبر العصور، كان البعض منها ذا قرارات عقائدية أو قانونية مهمة قبلتها الكنيسة الرومية، ولذلك دخلت بكل تأكيد في تراثها.
2- المجامع المسكونية:
لم تعقد الكنيسة في الأساس المجامع المسكونية لصياغة عقائدها. انما كانت الردّ المناسب على الهرطقات التي انتشرت مسكونياً، كما كانت المجامع المكانية في البداية ردّ الكنيسة على الهرطقات المحلية. لأن التسليم الرسولي الواحد (الشفهي والمكتوب) هو بحد ذاته كاف ليُعبر عن ايمان الكنيسة. وبالتالي فليس من الضروري لكي نؤمن بعقيدة ما أن تكون مصاغة في المجامع المسكونية. بكلام آخر المجامع المسكونية لم تأت بجديد من ناحية الايمان. انما أستندت بروح الله على تسليم الرسل فحددت بعبارات واضحة الموضوع الايماني المطروح لكي تقطع الطريق أمام كل التباس أو سوء تفسير كانت تُحدثه الهرطقة المعنية. من هنا تأتي أهمية التحديدات العقائدية المجمعية – والتي تؤهلها أن تُصنَّف في مقدمة التراث الكنسي الارثوذكسسي – لأنها تساعد الانسان على الايمان بالحقائق الالهية بطريقة أقرب ما يمكن الى الى الصواب.
وكما رأينا أعلاه، فأول مجمع مسكوني كان المجمع الذي دعا اليه الامبرطور قسطنطين أساقفة المسكونة كلها – في نيقية سنة 325 – للنظر في هرطقة آريوس. وكان الثاني هو المجمع الذي دعا اليه الامبرطور ثيوذوسيوس الكبير، في القسطنطينية سنة 381، لبحث هرطقة أعداء الروح القدس التي أفرزتها الآريوسية. وقد تمّ في المجمع، اضافة الى دحض الهرطقات، تكملة دستور الايمان الذي كان قد أَلَّف نصفه الأول المجمع المسكوني الأول. ثم تتالت أربعة مجامع مسكونية أخرى، وكانت مواضيعها الرئيسة خريستولوجية (أي تتمحور حول المسيح)، وهي الآتية: الثالث (أفسس 431)، الرابع (خلقيدون 451)، الخامس (القسطنطينية 553)، السادس (القسطنطينية 680 – 681). وقد دحضت على التوالي هرطقات نسطوريوس، أوطيخا، والذين اعترفوا بمشيئة واحدة فقط للمسيح. أما المجمع المسكوني السابع (نيقية 787) فقد حكم على هرطقة محاربي الأيقونات.
وكما هو معروف، فلم تكتف هذه المجامع بدحض الهرطقات واصدار تحديدات عقائدية، بل كانت تصدر معها العديد من القـوانين الكنسـية المهمة لحياة الكنيسة الجامعـة أيضـاً.
3- قوانين الكنسية:
وكما وجدت التحديدات العقائدية لتقف ضد الهرطقة، كذلك وجدت القوانين الكنسية لتقف ضد الخطيئة، ولتساعد في تقويم مسيرة الكنيسة نحو الكمال. لأنها تساعد في تحديد واجبات وحقوق وعواقب سلوك خدام الكنيسة وأعضائها والرؤساء في علاقاتهم بعضهم مع بعض ومع الناس. وكذلك بين الكنائس فيما بينها. أما تراث الكنيسة الارثوذكسي الأساسي من القوانين الكنسية فهو باختصار قوانين المجامع المسكونية ،(قوانين المجامع المسكونية الأربعة الأولى، مع قوانين المجمع المسكوني الخامس السادس (ترولو، 691) بالاضافة الى قوانين المجمع المسكوني السابع )وكذلك قوانين المجامع المحلية التسعة المقبولة من المجامع المسكونية وهي أنقيرة، غنغرة، قيصرية الجديدة، أنطاكية، اللاذقية، سرديقية، قرطاجة، القسطنطينية، قرطاجة ، بالاضافة الى قوانين الرسل القديسين(ليست بالضرورة أن تكون جميع هذه القوانين قد وضعها الرسل أنفسهم، لكنها الى حد كبير من أصل رسولي. اذ ترك الرسل بعضها كتابة ونقل خلفاؤهم البعض الآخر كما سمعوها من أفواه الرسل. أنظر مجموعة الشرع الكنسي، جمع وترجمة وتنسيق الارشمندريت حنانيا كساب، بيروت، 1985، ص 847،)مع قوانين بعض الآباء القديسين (ان بعض الآباء القديسين الذين نبغوا في القرون الثلاثة، من الثالث الى الخامس (مثل ديونيسيوس الاسكندري، غريغوريوس العجائبي، أثناسيوس الكبير، باسيليوس الكبير الخ…) كتبوا رسائل ضمنوها أجوبة قانونية ورد ذكرها في القانون الثاني للمجمع المسكوني الخامس السادس، فصارت بذلك في مرتبة الشرع الكنسي. أنظر مجموعة الشرع الكنسي 872
من الجدير ذكره أن امبراطور الروم جوستينيانوس الذي اشتهر بتنظيمه للشرائع الرومانية المدنية، اضافة الى اصداره مراسيم شرعية جديدة، اعتبر في أحد هذه المراسيم قوانين الكنيسة في منزلة الشرائع.من الذين اهتموا بتجميع القوانين الكنسية واصدارها يوحنا الانطاكي (القرن السادس)، بطريرك القسطنطينية فوتيوس (القرن التاسع) ويوحنا زونارس (القرن الثاني عشر). أما أشهر مفسريها فهو ثيودورس بلسامون الأنطاكي (القرن الثاني عشر)