كتابات آباء الكنيسة
يقصد كنسياً بكلمة "آباء" معلمي "الايمان المسلّم مرة للقديسين"[1] الذين تميزوا باستقامة الرأي وقداسة السيرة. ولانهم كانوا يلدون المؤمنين روحيا في كنيسة المسيح يسوع، ولا يزالون من خلال كتاباتهم، صاروا لهم آباء [2] . وبخصوص الكتابات، فليس كل الذين ولدوا أبناء بالروح كتبوا، وليس كل الذين كتبوا من هؤلاء قد حفظت كتاباتهم. بالمقابل فليست كل الكتابات المسيحية المحفوظة هي لقديسين، قويمي الايمان والحياة، وبالتالي فمن لم تكن عندهم خبرة حياة حقيقية مع الله أهلتهم أن يستنيروا بنور الثالوث لا يمكن أن يدرج ما كتبوا مع مؤلفات الآباء القديسين. انهم ليسوا أكثر من كتاب كنسيين أو مسيحيين.
بناء على هذا يمكن القول ان كتابات آباء الكنيسة تعني ما حفظ من كتابات، من أيام الرسل حتى يومنا هذا، لآباء قديسين مجاهدين، رأوا مجد الله واختبروا خلاصه وملكوته فعبروا عن ذلك بالروح القدس الماكث فيهم[3]. وهذه الكتابات تعتبر من تراث الكنيسة الارثوذكسية أي الكنيسة الأولى الجامعة، لأنها استمرار أصيل للتسليم الرسولي الأول، والمرجع الأفضل لتفسيره وعيشه. اذ الروح نفسه الذي أرشد الرسل الى جميع الحق[4]، هو الذي أرشد ويرشد القديسين في كل عصر إلى جميع الحق.
وفي الواقع هذه الكتابات تشكل تراثا ضخما للغاية تتنوع لغاته ما بين يونانية ولاتينية وشرقية متعددة، ومواضيعه ما بين رسائل رعائية أو ظرفية، أو مؤلفات دفاعية أو تفسيرية للكتب المقدسة أو عقائدية ايمانية أو نسكية أو شعرية الخ…
أما الآباء أنفسهم فيتنوعون اما بحسب الزمن الذي وجدوا فيه[5]، واما بحسب المكان الذي خدموا فيه[6]، أو الشعب الذي انتموا اليه[7]، أو المكانة العالية التي اشتهروا بها[8]، الخ…
ما يهمنا أن نشدد عليه هنا، هو أن الفترة الآبائية لم تتوقف عند زمن معين كما يظن البعض. قسم من هؤلاء يعتبر أنها انتهت في القرن الخامس، بينما يروح البعض الآخر أن القديس يوحنا الدمشقي هو آخر أب عند الكنيسة الشرقية. والواقع هو انه ان كان الابن المتجسد حاضرا مع كنيسته كل الأيام[9]، والروح القدس ماكثا معها الى الأبد[10]، فهذا يعني أن المتكلمين بحسب روح الله[11]، وهم الآباء، لا بد أن يوجدوا في كل قرن من قرون حياة الكنيسة على الأرض، وهذا ما حصل فعلا. أكثر من ذلك، فقد وجد آباء قديسون في أزمنة لاحقة لا يقلون تألقا في القداسة واللاهوت وخدمة الكنيسة عن الآباء الأولين مثل سمعان اللاهوتي الحديث في القرن الحادي عشر والقديس غريغوريوس بالماس في القرن الرابع عشر. وأما في القرون الأخيرة فعندنا، بين القديسين الذين يمكن أن يصنفوا كآباء، نيقوديموس الآثوسي الذي رقد في مطلع القرن التاسع عشر، والقديسان نكتاريوس أسقف المدن الخمس، وسلوان الآثوسي اللذان رقدا في الربع الأول من القرن العشرين.
[1] يهو 3:1
[2] يقول الرسول بولس مخاطبا أهل كورنثوس:"… لكن ليس (لكم) آباء كثيرون. لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع" (1كور 15:4).
[3] يو 16:14
[4] يو 13:16
[5] كأن نقول رسوليين اشارة الى الآباء الذين كان لهم اتصال مباشر بالرسل مثل اقليمس أسقف روما واغناطيوس أسقف انطاكية، أو نقول مناضلين ونحن نعني الذين دافعوا في القرن الثاني وما بعد، عن الايمان المسيحي مثل يوستينوس الفيلسوف أو ايريناوس أسقف ليون، أو ان نقول متأخرين ونحن نشير الى آباء العصور الحديثة الخ…
[6] كأن نقول مثلا كيرللس الاسكندري أو كيرللس الأورشليمي أو امبروسيوس أسقف ميلان الخ…
[7] كأن نقول مثلا افرام السرياني أو مكاريوس المصري الخ…
[8] كأن نعطيهم صفة الكبير تعبيرا عن دورهم القيادي العظيم مثل أثناسيوس الكبير الخ… أو أن نلقب بالكواكب أو الأقمار من لمع في سماء الكنيسة بامتياز وهم باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الذهبي الفم الخ…
[9] مت 20:28
[10] يو 16:14
[11] 1 كور 2: 11-13