رأي الكنيسة الارثوذكسية في الكهنوت المرأة
إعداد الأب باسيليوس محفوض
المقدمة :
مجدُ الأرثوذكسية وبهاؤها في تقليدها الحي وأصالتها المستمَدة من الكتاب المقدس،مشروحًا بالآباء ومُعاشًا في القديسين. وكل ما لم نستلمه بحسب الوديعة الصالحة هو إبتداع،فكنيستنا كتابية سرائرية آبائية ليتورچية نُسكية… وهي لم تبدأ بنا، وهي ليست حديثة العهد؛ لكنها شجرة رسولية متجذرة في تقليد عريق وممتدّ لكنيسة الروح القدس الحق؛ وكنيستنا تُظهر وحدة فكر كنيسة الله وكمالها في الواقع المُعاش كحقيقة؛ لا مجرد إعلان عقيدي خالٍ من التعبير الحي. فثمّة خط عام لتاريخ البِنية الكنسية؛ ينطلق من جامعية الجوهر والمظهر؛ لأن الروح القدس في الكنيسة هو للتنظيم وللبنيان والهيرارخية. كذلك الإرادة الإلهية هي التي تقودها وتدبرها؛ لأنها ليست منظمة بشرية تخضع للاستحداثات؛ بل مَقامًا إلهيًا وملء النعمة الذي أعطاه الله وكرز به الرسل وحفظه الآباء.
وبناءً على ذلك يَظهر الرأي الكنسي المستقيم بواسطة العمل المستقيم؛ كتعبير عن الإيمان السليم الذي عُهد بكنزه إلى الكنيسة؛ لأن التقليد ليس تعليمًا ظهر في لحظة محددة من الوجود التاريخي للكنيسة؛ بل هو عُصارة خبرة حياتها .
والكنيسة المقدسة حريصة على روحية تطبيق الكتاب المقدس وعيشه؛ وهي ملتزمة بخطها الرسولي،والكنيسة المقدسة حريصة على روحية تطبيق الكتاب المقدس وعيشه؛ وهي ملتزمة بخطها الرسولي… فلا يمكن بعد أن رفضت كهنوت المرأة عبر ألفي عام؛ تخرج الآن عن ما تسلمته؛ لأن إنجيل الرب لا يمكن أن يُكتب من جديد أو يتغير أو يتبدل.
اذا ليس من حقنا أن نضع تعليماً أو تشريعاً أو نظاماً فى الكنيسة لا يتفق مع تعليم الكتاب المقدس. ولهذا فالقديس بولس الرسول يوصى أهل تسالونيكى قائلاً: “فاثبتوا إذاً أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التى تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا” (2تس15:2) ثم يؤكد هذا المعنى محذراً إياهم قائلاً: “ثم نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب الترتيب الذى أخذه منا” (2تس6:3).
الكهنوت المسيحي:
منشأ الكهنوت (العهد القديم ):
الكهنوت منذ بدايته كانت نشأته حسب ما ورد في (خر1:13): “قدس لي كل بكر كل فاتح رحم”. وكان المقصود بذلك كل بكر من الذكور بدلاً من الأبكار الذين افتداهم الرب في أرض مصر ضرب جميع أبكار المصريين. ثم استبدل الرب الأبكار من الذكور بكل ذكر من سبط لاوي “وقال الرب لموسى عد كل بكر ذكر من بني إسرائيل من ابن شهر فصاعداً وخذ عدد أسمائهم. فتأخذ اللاويين لي. أنا الرب. بدل كل بكر في بني إسرائيل فكان جميع الأبكار الذكور بعدد الأسماء من ابن شهر فصاعداً المعدودين منهم اثنين وعشرين ألفاً ومئتين وثلثة وسبعين” (عد3: 40-43).
أما عدد اللاويين “جميع المعدودين من اللاويين الذين عدّهم موسى وهارون حسب قول الرب بعشائرهم كل ذكر من ابن شهر فصاعداً اثنان وعشرون ألفاً” (عد3: 39).ونظراً لوجود فرق فى العدد مقداره مئتين وثلاثة وسبعين فقد طلب الرب عنهم خمسة شواقل فضة لكل رأس (عد3: 47). ولو كان من الممكن منح الكهنوت للمرأة لكان الأولى أن يأخذ هذا الفرق من بين الإناث الذين ولدوا قبل باقى اخوتهم.
منشأ الكهنوت (العهد الجديد ):
لقد أعطى السيد المسيح للرسل بسلطان الروح القدس في الكهنوت أن يغفروا الخطايا على الأرض وأن يصالحوا الناس مع الله وأن يحملوا بركات الخلاص والفداء لجميع شعوب العالم، إذ صاروا وكلاء أسرار الله (1كو1:4).وصيرهم السيد كهنة على مثاله فى تقديم ذبيحة الفداء باستحقاق ذبيحة نفسه على الصليب صائراً هو نفسه رئيس كهنة إلى الأبد.
وقد ربط بولس الرسول بين عمله الكرازي في التعليم وعمله الرسولي في الكهنوت والأسرار وعبّر عن ذلك بقوله: “النعمة التي وُهبت لي من الله حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الأمم مباشراً لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس” (رو 15 : 15 ، 16).
لا يستطيع أحد أن ينكر أن عمل الكهنوت هو امتداد لعمل المسيح الخلاصى على الأرض. ولهذا فالكاهن يمثل السيد المسيح في رسالته الخلاصية. وقيل عن السيد المسيح أنه رئيس كهنة وليس رئيس كاهنات.
ومن جانب آخر نلاحظ أنه لم يكن بلا ترتيب أن جاء السيد المسيح رجلاً وليس امرأة، لهذا يقول الكتاب “يسوع الناصري رجل وقد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب آيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون” (أع2: 22). كل طفل يولد من الممكن أن يكون ذكراً أو أنثى أما السيد المسيح فقد ولد ذكراً إذ هو رئيس الكهنة الأعظم. وله الأبوة الروحية والرئاسة على الكنيسة كلها إذ هو رأس الكنيسة لهذا قيل عنه “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام” (أش9: 6، 7). فالوحي الإلهي هنا يعلن بوضوح أن هناك علاقة وثيقة بين الأبوة والرئاسة والقيادة والإرشاد.
السيد المسيح نفسه اختار رسله من الرجال ولم يختر بينهم امرأة واحدة ولا على سبيل الاستثناء. بل سلم الكنيسة لاثني عشر رجلاً، ثم أرسل إرسالية من سبعين رجلاً، وأوصى بالكنيسة لتلاميذه (مت28) و(مر16) وكلهم من الرجال. كذلك الآباء الرسل لم يختاروا امرأة واحدة لتصير كاهنة بل أقاموا جميع خلفائهم من الرجال فقط بلا استثناء واحد. نلاحظ أن أنواع الكهنوت التى قدمها لنا الكتاب المقدس كلها من الرجال. سواء كهنوت الآباء البطاركة الأول مثل نوح وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب، أو الكهنوت الهاروني، أو كهنوت ملكي صادق، أو كهنوت الرسل وخلفائهم من الأساقفة كله كهنوت رجال وبهذا يكون كهنوت المرأة هو ابتداع في الدين.
عقيدة الكهنوت المسيحي:
ان مفهوم الكهنوت في الكنيسة الأرثوزكسية ، يقوم على مفهوم سرائرية «أي يقوم على خدمة الأسرار المقدسة» ويختلف هذا المفهوم عن المفهوم القس وعمله في الكنيسة الإنجيلية التي لاتعترف بـ «سِرِّ الكهنوت» . وبالنسبة إلى الكنيسة الأنجليكانية – هو ممكن لكل المؤمنين ، كذلك المعمد هو كاهن طالما بواسطة نوال الميلاد الثاني أخذ رسالة تجاه الجماعة الكنسية . من الواضح ان مفهوم الكهنوت يختلف تماما عن مفهومه في الكنيسة الأرثوذوكسية .
وبالتالي فالكنيسة إلانجيلية و الكنيسة الأنجليكانية ، ليست مخيرة لإختيار المرأة لممارسة سِرِّ الكهنوت بل تناقش ترسيمها قساً «كوظيفة»، فوظيفة القس الإنجيلي لا تحمل «رتبة كهنوتية» ( رسامة كهنوتية) لهذا لايسمى القس «كاهناً»، بينما الكاهن في الكنيسة الارثوذكسية السرائرية يحمل رُتبة « كهنوتية لخدمة باقي الأسرار المقدسة » بحسب « التسليم الرسولي» للكنيسة الأولى منذ تأسيسها وترسيمها طبقاً لنصوص الكتاب المقدس، فهي كنيسة الله السرائرية: «هكذا فليحسبنا الانسان كخدام المسيح و وكلاء سرائر الله» «كو4: 1» فالكاهن هو خادم ووكيل لله في ممارسة « السرائر أو الأسرار المقدسة».
في التعليم البروتستانتي مصطلح رسامةχειροτονια يقترب من مفهوم مصطلح : إختيار εκλογη أو مصطلح : وضع اليد للمباركةχειροθεσια لتتميم خدمات كنسية خاصة في سياق كهنوت المؤمنين العام ، بينما في الكنيسة الأرثوذوكسية مصطلح رسامة χειροτονια يتطابق مع الرسامة السرائرية الخاصة بالسلطان الكهنوتي . الكهنوت تراه الأرثوذوكسية على أساس ان مركزه المسيح وليس جسد الكنيسة المكون من أعضائها الرجال والنساء .
إن جذور الكهنوت نراه في كهنوت المسيح وليس في طبيعة الكنيسة . فالكهنوت يكون في الكنيسة لأجل الكنيسة لكن لا يعتمد عليها ، بل فقط على المسيح ذاته الذي هو رئيس الكهنة الأعظم ، هنا نرى ان الكنيسة الأنجليكانية شأنها مثل البروتستانت يخلطون بين الكهنوت العام للمؤمنين وبين الكهنوت الخاص الذي يقوم بالخدمة السرائرية ، لذلك ليس صدفة ان لا نرى في الكنيسة البروتستانتية استخدام مصطلح مذبح وذبيحة اثناء تتميم ذكرى عشاء الرب ولا تُسمي القائم على الخدمة بلقب كاهن . بالنسبة للكنيسة الأرثوذوكسية ، الكهنة ينتمون الى الكنيسة كأشخاص مؤمنين لكن مصدر الكهنوت السرائري لا يُوجد في الكنيسة بل في المسيح ذاته . نفس الأمر الرسل قد أُختيروا من بين التلاميذ لكن رتبتهم الرسولية ليس لها مصدرها من تلاميذ آخرين بل من المسيح ذاته . كذلك إبن الله أخذ جسد وطبيعة بشرية لكن لقب رئيس كهنه لم يأخذه من الطبيعة البشرية بل من الله أبيه : ( ” كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ». كَمَا يَقُولُ أَيْضاً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ»( عب 5:5-6). إذن الكهنوت السرائري لم يُؤسس على الكهنوت العام بل على كهنوت المسيح .
بالتالي لامجال للقول بأن الكنيسة تفرق بين الرجل والمرأة لأن الكهنوت ليس وظيفة بل خدمة لا يصلح لها كل الرجال بل المُعيَّنين من الله لأن يكونوا وكلاء على الأسرار الإلهية. و لم يحدث في تاريخ الكنيسة وقبلها الهيكل المقدس ولا في خيمة الإجتماع، أن صارت المرأة كاهنة، بل لم تقم المرأة بخدمة الكهنوت على مر التاريخ منذ بدء الخليقة، وهذا المنع في ترسيم المرأة ليس له علاقة بطبيعة تكوين المرأة كما قال بعض المغرضين والسطحيين الذين إستقوا ثقافة الذكورية من مجتمعات البداوة الجاهلية.
ما هية المرأة المسيحية:
الكتاب المقدس يؤكد المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، المساواة في الكرامة وفي الحقوق والواجبات. فنقرأ في سفر التكوين أن الله الخالق عندما فكر في خلق حواء قال: “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ“(تك2/18) والقديس بولس يوضح أن المسيحية هي “ديانة المساواة” فيقول: “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ” (غل 3/28 وأيضا 1 كو 7/3-5)… وهو بهذه العبارة يتخطى حدود الثقافة اليونانية والرومانية والعبرانية…
ولهذا المساواة في المسيحية بين الرجل والمرأة تعني المساواة في الكرامة الإنسانية، فالرجل متساوي كليا مع المرأة أمام الله، الخالق. والمرأة متساوية كليا مع الرجل أمام الله، الخالق. ولكن المساواة المطلقة في الكرامة لا تعني، ولا يجب أن تعني، المساواة في الأدوار والوظائف. فلا يعني أن المرأة مساوية للرجل، مثلا، أن يقوم الرجل بالإنجاب أو الحمل، أو أن تقوم المرأة بتربية العضلات وتبني العنف… كما وصل الأمر في بعض الأوساط الغربية. بل يعني أنهما متساويين في التميزوالفرادة، في تميزهما الواحد عن الأخر، تكمن قوتهما وسعادتهما.
فحين خلق الله آدم وحواء متساويين في المكانة والكرامة وفي الحقوق والواجبات« اصنع له معيناً نظيره»« تك2: 18» و« معيناً» أي تساعد رجلها،و« نظيره» تعني المساواة التامة بينهما في القيمة الإنسانية، ولكن آدم خلق أولاً فهو« أصل ومصدر ورأس» الخليقة الإنسانية، بينما حواء خلقت منه فهي ليست مصدر الخليقة ولا رأسها،«لأن آدم جُبل أولاً ثم حواء»« 1تيموثاوس2: 13»، فكما أن الأب ولد أولاً فهو الذي يعلم إبنه وليس العكس، كذلك آدم خلق أولا فهو من يعلم حواء ولكن ليس آدم أفضل من حواء ولا حواء أفضل منه لأنهما جسداً واحداً في الرب.
كذلك قطع الله عهده الأبدي مع أدم وليس مع حواء، حين أوصاه ألا يأكل من الشجرة المُحرَّمة«تك2: 16»، وبالتالي كان المسؤول الأول أمام الله عن كسر العهد الإلهي هو آدم لأنه أصل ورأس الخليقة، لهذا عاقبه الرب قالاً: «لأنك سمعت لقول إمراتك وأكلت… » «تك3: 17» لأن الله خلقه وله السيادة وقيادة المسؤولية بإعتباره أصل الخليقة، فكان عليه ألا يخضع لزوجته ويكسر العهد الأبدي الذي قطعه مع الله.
فبدا واضحاً مشهد السقوط أن آدم وحواء لم يفهما الترتيب الإلهي الذي خلقهما الرب عليه حين خالفوا وصيته، لذلك قال الرب لحواء: «وهو يسود عليك» «تك3: 16» وليست السيادة هنا هو السيطرة والتمييز والأفضلية في القيمة والمكانة، بل أراد الرب أن يعيد الأمور إلى نِصابها بينهما كما خلقهما عليها، وهو أن لآدم سيادته وقيادة المسؤولية كأصل الخليقة، بحسب الترتيب الإلهي لعملية الخلق.
لذا بعد الخروج من الجنة علَّم الرب آدم كيف يقدم ذبيحة حيوانية كمحرقة كفارية للمغفرة، وكان آدم وأبنائه من الذكور« قايين وهابيل» «تك4: 4- 5» هم من يقدمون بخدمة الذبيحة ، وهذه كانت الملامح الأولى لخدمة الذبيحة المقدسة وتقديم القرابين،والتي رسخها الله ليقوم بها الرجل،ولم تذكر العهد القديم أن حواء وبناتها قاموا بتقديم ذبائح كفارية بالرغم أن حواء هي من أخطأت أولاً، ولكن لأن آدم أصل الخليقة فصار المسؤول الأول أمام الرب،.
وجاء الكهنوت بصورة أوضح مع بداية خدمة ملكي صادق ثم سبط بني هارون«اللاويين» والمختص بالكهنوت ولم يكن بينهم إمرأة تكهن لا في خيمة الإجتماع ولا أمام تابوت العهد ولا في الهيكل المقدس، رغم أن الكتاب المقدس مملوء بشخصيات نسائية عظيمة، كُنَّ نبيات مثل «مريم أخت هارون» « خر15: 20» و« هَلْدَةَ النَّبِيَّةِ» «2مل22: 14» و«حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ»«لو2: 36»، ونساء قاضيات مثل «وَدَبُورَةُ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ» قاضية ونبية«قض4:4».
وجاء المسيح وأختار تلاميذه الأثني عشر لم يكن بينهم إمرأة رغم أن «نساء كَثِيرَاتٌ كُانَّت تخْدِمْ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ»« لو8 : 2»،ونساء كثيرة كانت تخدم في الإجتماعات مثل حماة بطرس ومريم أم يعقوب ومريم أخت مرثا.
فبحسب الترتيب الإلهي للخليقة جعل الله المرأة تخضع لزوجها أي لا ترأسه ولا تتسلط عليه لأنها خُلِقت منه ولأجله لكي تعينه ولكنها «نظيراً» له أي مساوية له، ففي الأصل لم يأتِ آدم من إمرأة ولا لأجلها: « لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل» «1كو11: 8- 9» ، فالرجل يسود المرأة في قيادة المسؤولية ،لأنه رأس الخليقة وأصلها، لهذا في خدمة الكهنوت لايصلح أن يترأس «الجسد» الذي هو المرأة على «الرأس» الذي هو الرجل في خدمة الكهنوت والتعلُم والوعظ، لأن التعلُّم في الإجتماعات العامة وأثناء خدمة القداس هو عمل يحتاج لسلطان وقيادة، كذلك في قوله: «أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح و أما رأس المرأة فهو الرجل و رأس المسيح هو الله» «1كو11: 3»، ونحن في تقديم ذبيحة القداس نصلي للمسيح الذي هو رأس كل رجلٍ فلا يصح أن تقدم الذبيحة إمرأة مُتعدية الترتيب الذي رسمه الرب منذ بدء الخليقة وهو أن الرجل رأس المرأة و السيد المسيح رأس الرجل لا المرأة، وليس معني هذا أن الرأس مميز وأفضل من باقي الجسد، ولكن الرأس هنا يعني المصدر والأصل والقيادة والإتحاد، وعليه مسؤولية القيادة لباقي أعضاء الجسد لتحقيق وحدة الجسد وإتحاد أعضائه، فلا وجود لرأس بدون جسد ولا لجسد بدون رأس.
ومن الناحية الكهنوتية فالسيد المسيح ليس فقط رأس كل رجل بل هو رأس الكنيسة كلها، والكنيسة تمثل أعضاء جسده المبارك، فهو رئيس الكهنة العظيم« فاذا لنا رئيس كهنة عظيم قد إجتاز السموات يسوع إبن الله» «عب4: 14، 7: 23»، والكاهن هو نائباً ووكيلاً عن رئيس الكهنة العظيم الذي هو السيد المسيح ويستمد خدمته الكهنوتية منه، لهذا لاتصلح المرأة أن تحمل خدمة الكهنوت لتصبح هي الرأس في قيادة الكنيسة التي هي جماعة المؤمنين والذين هم أعضاء في جسد المسيح، متعدية الترتيب الإلهي الذي أسسه الرب منذ بدأ الخليقة.
لا يوجد في العهد الجديد نَص يشير إلى وجود نساء معلمات في الكنيسة. ربما نجد نبيات أو خادمات أو معاونات؛ لكن لا نجد امرأة في مكانة المعلم الرئيسي للكنيسة؛ وحتى الكهنوت ليس عمل كل رجل لكنه للمدعو من الله كما هارون أيضًا. اذا المرأة من حيث القيمة لها ما للرجل؛ لأنه في المسيح ليس ذكر وأنثىَ؛ لكن لم يذكر التاريخ الكنسي ولا الكتاب المقدس أن قامت المرأة بدور مُطلق في التعليم الجماعي؛ لأن التعليم وظيفة لها سلطان حسب الترتيب الإلهي..
الكهنوت المرأة :
السؤال الذي يفرض نفسه هنا،هو : هل أُثير هذا الموضوع في الكنيسة الأولى ؟ وإذا كانت الإجابة : نعم، ما هو موقف الكنيسة وقتذاك ؟
الإجابة على السؤال الأول ، نعم قد أُثير هذا الموضوع من جانب الغنوسيين والمونتانيين المنشقين وكذلك أتباع بعض الهراطقة مثل ماركيون وغيره . بالتالي ، ما هو موقف الكنيسة وقتذاك ؟ الإجابة : لم تقبل الكنيسة رسامة المرأة في الخدمة الكهنوتية لكن أكدت على مكانة المرأة العظيمة في الكنيسة ، ونرى هذه التعاليم في كتاب تعاليم الرسل المكتوب في النصف الثاني من القرن الثاني في ترجمته السيريانية:Αποστολικαι Διαταγαι , ΙΙΙ,6,1-6 9,1-4 . أساس هذه النصوص هو تعليم بولس الرسول الذي يؤكد على مكانة المرأة في الكنيسة : ( أنظر 1كو14:6-19. 1:7-17 . 3:11-14. 34:14-35. غلا 26:3-29. أفس22:5-23…..الخ ).
وفق الكتاب المقدس رسالة المرأة لا تحتوي على الرسالة الكهنوتية السرائرية . فنحن أما غياب تام لنصوص كتابية تشير إلى دخول المرأة في سر الكهنوت ، وكذلك غياب النصوص الآبائية يؤكد موقف الكنيسة. المرأة قد تكون نبية ، قديسة لكن ليست كاهنة .
لقد أسس الرب يسوع إرارخية حيث أختار ودعا الرسل الأثنى عشر بدون ان يتوجه إلى أُمه أو أي إمرأة لكن سمح لهن ان يتبعنه ( أنظر لو13:6) . أيضاً دعا بطرس قائلاً ” أرع خرافي ” ( يو15:21-17) ، أثناء العشاء السري دعا فقط الأثنى عشر تلميذاً لكي يؤسس الإفخارستيا وطلب منهم ” إفعلوا هذا لذكري ” ( لو 19:22) بعد قيامته وقبل يوم الخمسين نفخ فيهم الروح القدس ، قائلاً : «ﭐقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». وفي رسالته هذه لم يدعو المسيح أمه ولا أي إمرأة . والرسل أنفسهم بعد ذلك لم يرسموا أبدا إمرأة للكهنوت . لدينا شهادة واضحة من القديس إبيفانيوس أسقف سالاميس ضد الهراطقة الذين ينادون برسامة المرأة للكهنوت السرائري ، إذ يقول : ” من الأزمنة الأولى لا نجد إمرأة خدمت خدمة كهنوتية ، بالرغم من اننا نرى في العهد الجديد نساء نبيات أو من الأنبياء ( أنظر لو 36:2.أع9:21 ) ، ولا إمرأة واحدة نجدها من الرسل ، ومن الكهنة . كان يوجد في الكنيسة طقس الشماسات ، هذا مؤكد . لكن هذه الوظيفة تختلف عن وظيفة الكاهن . بالأضافة إلى الشماسات ، لدى الكنيسة الأرامل والعذارى لكن أبدا لا نجد نساء في رتبة الكهنوت . بعد هذه الأجيال الكثيرة التي حملت هذا التقليد لا نستطيع نحن أن نرسم نساء للكهنوت ” [ Επιφανιου , Παναριον lxxix,3 ].
فى القرن الأول كان يوجد كاهنات في الوثنية وفي مصر القديمة فلو كان هناك قبول لفكرة الكاهنات في المسيحية لكان ممكن لذلك يقول القديس بولس الرسول: “يعلم أن ما أقوله لكم أنه وصايا الرب”.قديماً كانت المرأة تقوم بوظيفتين هما: الموسيقى والرقص الديني (المعابد) وبعض النساء من الأسر العريقة كرسن ذواتهن لخدمة إله طيبة فكن يشتركن في معظم الإحتفالات.ومن الأسر 17 ظهر لهن لقب كهنوتي جديد حملته الأميرات التي يصبحن ملكات وهو زوجة الإله.واستمر هذا الوضع إلى نهاية الأسرة 26 حتى إنتهى ،كل هذا معناه أن مصر كان بها كاهنات فلو كان هذا الأمر مقبول في الكينسة لكانت أدخلته فيه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن البعض يُرجع رفض كهنوت المرأة هو قول القديس بولس الرسول لهذه الآية: «لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا… لانه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة» «1كو14: 34- 35»، في هذه الآية كان يوصي بولس الرسول نساء كرونثوس الوثنيات حديثي العهد بالإيمان المسيحي اللاتي أعتدن علو صوتهن في طقوسهن الوثنية، حيث قال لهن قبلها: «لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام» «1كو33:14»، فالصمت هنا للإنصات وعدم التشويش على سماع كلمة الله وفي حضوره الإلهي أثناء الصلوات والقداسات، أما قوله: « لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع، ولكن لستُ آذن للمرآة أن تعلم و لا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت» «1تيمو2: 11»، فالسكوت والخضوع هنا لايقصد منه صمتاً نهائياً للتحقير والتقليل من شأنها ومن دورها، ولكنه سكوت الخضوع الذي إرتبط بألا تعلِّم« تعليماً عاماً»وتتسلط على الرجل داخل الكنيسة، لأنه لو كان يقصد صمتاً نهائياً للتقليل من شأنها ماكان عاد ليقول: «و أما كل إمراة تصلي أو تتنبأ و رأسها غير مغطى فتشين رأسها »«1كو11: 5»، فمعنى« تتنبأ» أي «تُعلم وتعظ» فكيف كانت ستصلي وتعلم وتعظ وهي صامتة ؟! .
كذلك الله أعلن في نبؤة يوئيل أن المرأة ستتنبأ عندما يسكب روحه القدوس على كل البشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم «يوئيل2: 28»، وهي نفس النبؤة التي ذكرها بطرس الرسول يوم حلول الروح القدس على المؤمنين في اليوم الخمسين: «يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم… وعلى عبيدي أيضا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون» «أع2: 17- 18»،
الله أعطى موهبة التنبؤ للمرأة مثلها مثل الرجل بلا تمييز، وخدمة التنبؤ تعني الوعظ والتعلم، إذاً السكوت هنا داخل الكنيسة أثناء الصلاة العامة وخدمة الكهنوت فقط وكان الغرض منه الخضوع للترتيب الإلهي الذي خلق الله عليه الرجل والمرأة، وتذكر الكنيسة الأولى أن المرأة صارت شماسة مثل« فيبي» خادمة كنيسة كنخريا «رومية16: 1» و« أوليمبياس» التي كانت شماسة للقديس يوحنا فم الذهب.لذلك رفض الكنيسة لكهنوت المرأة لا يقوم على أسباب تاريخية أو اجتماعية أو فسيولوچية (بيولوچية) فقط؛ لكنه يستند إلى الأساس الكتابي واللاهوتي؛ لأن الكنهوت ليس كرامة؛ لكنه خدمة. وكما اشرنا لم يذكر الكتاب المقدس أن أسباط هارون أو رؤساء الآباء أو التلاميذ الإثني عشر كان بينهم امرأة؛ على اعتبار ان الكهنوت هو امتداد لشخص المسيح الكاهن الأوحد في التاريخ. كذلك الكهنوت بحسب طبيعته التأسيسية هو تطبيق لخدمة المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة. هذا ما تسلمناه بالحُجّة الآبائية وإتفاق إجماع الآباء؛ لم يأتِ في السياق الكتابي العام ولا في تاريخ وأقوال الآباء الأولين أن للمرأة دورًا في خدمة الكهنوت السرائري؛ إذ الكاهن لا بُد ان يكون ذَكرًا ويتقدم الجسد ويستمد كهنوته من المسيح؛ على اعتبار أن لكل عضو دوره الوظيفي والحركي في الجسد؛ خاصة أن الكهنوت في كنيستنا عمل سرائري ذبائحي؛ وليس فقط مجرد خدمة رعوية وتعليمية.
فإن طرح مسألة كهنوت المرأة، ليس مطلباً كنسيا أو قضية إيمانية، بل هو حلقة من حلقات التدهور الإنساني الذي نحياه… وهنا أؤكد أن الأمر ليس فقط دينيا أو إيمانيا أو حتى لاهوتيا إنه غالبا ما ينبع من رغبة في “إتهام للكنيسة بالتميز وباحتقار النساء”... وكأن الكنيسة هي تلك المؤسسة التي تحتقر المرأة ولا تعطي لها حقوقها وتحرمها من الكهنوت ومن المساواة بالرجل…
في الكنيسة البروتستانتية: لا يوجد سر الكهنوت، والاحتفال بسر الافخارستيا هو مجرد استذكار لما قام به السيد المسيح في العشاء الأخير، وبالتالي فوجود قسيسات نساء هو طبيعي ومقبول، لأنهن لا يقبلن “الكهنوت” بل وظيفة التعليم والرعاية…
في الكنيسة الأنغليكانية: هنا تظهر المشكلة ظهوراً جليا، لأنها كنيسة تدعي محافظتها على “الأسرار السبعة المقدسة”، وبالتالي على سر الكهنوت، ولكنها تسمح بكهنوت المرأة، وبوصول المرأة إلى الأسقفية “كمال الكهنوت”، وفي الأيام الأخيرة وصل الأمر لرسامة كهنة وكاهنات وأساقفة شاذين جنسياً. والتعليل التعليمي لهذه الممارسات هو أن الكتاب المقدس لا يحتوي على ما يمنع المرأة من حصول على الكهنوت، وأن منع المرأة من الكهنوت ليس إلا أمرا اجتماعية وتاريخيا لا علاقة له بالعقيدة أو اللاهوت…
تؤكد الكنيسة الارثوذكسية أن التعليل الانغليكاني هو خطأ سواء على المستوى اللاهوتي أو على المستوى الكتابي أو على المستوى التقليدي، أي التقليد الكنسي العريق،كما اظهرنا اعلاه، وذلك للأسباب الآتية:
الخطأ التاريخي:
ليس من الصحيح أن المسيحية لم تقبل كهنوت المرأة لأن الكهنوت عند ظهور المسيحية كان مقتصرا على الرجال، أي أن الرفض هو رفض متعلق بالأسباب التاريخية التي صاحبت ظهور المسيحية وهذا غير صحيح: لأن المسيحية ظهرت في بيئة يهودية وفي ثقافة رومانية ويونانية وكل هذه التيارات، باستثناء اليهودية، كانت تسمح بكهنوت المرأة. بمعنى أن المرأة كانت تقيم الشعائر الدينية كالرجال. وبالتالي فإن الأمر ليس “نتاجا لعبقرية معاصرة” بل كان موجودا وممارسا في الحضارات القديمة، السابقة واللاحقة للمسيحية.ورفض المسيحية منذ بزوغها له يؤكد أن السبب “ليس تاريخيا محضا”، بل هناك أسباب لاهوتية وعقائدية عميقة، سنوضحها …
الخطأ الكتابي واللاهوتي:
إن الكتاب المقدس بكل أسفاره وإصحاحاته،كما اظهرنا ، لا يتكلم عن كهنوت المرأة. فبالنسبة لشعب العهد القديم كان الكهنوت محصورا “فقط على الرجال” من سبط هارون. وبرغم أن الشعوب المجاورة، ومصر التي أُستعبِد فيها، كانت تسمح للمرأة بممارسة الشعائر الدينية، إلا أنه في كل تاريخه الطويل لم يسمح مطلقا للمرأة بالكهنوت.
أما بالنسبة لشعب العهد الجديد فيجب توضيح أن الكنيسة ترفض كهنوت المرأة لهذه الأسباب:
1- اختار المسيح تلاميذه الاثنى عشر فقط من الرجال، وهذا الاختيار الواضح للرجال، يعكس فكرا إلهيا، فالمسيح لم يكن “سجينا لعقلية جيله” بل وكما نعرف فقد سمح للنساء بإتباعه، خلافا لكل التشريعات الفريسية واليهودية السارية، كما سمح للمرأة الخاطئة أن تلمسه متحملا إدانة الفريسي له (لو7/37-50) ومتخطيا العادات التي كانت تمنع المرأة من التكلم أو لمس الرجل في الأماكن العامة، بل وأن المسيح وقف وتكلم مع السامرية، لدرجة أن تلاميذه استعجبوا، ولدرجة أن السامرية نفسها قالت له: “كيف تخاطبني وأنت رجل يهودي وأنا امرأة سامرية” (.يو 4/27)… ففي الأمر خروجا بل وتحطيما لعقلية سائدة تمنع الرجل من التخاطب مع امرأة بالشارع ولو كانت أمه أو أخته… وتمنع اليهود من التخاطب مع السامريين… وأيضا لم يحكم على المرأة التي مسكت في ذات الفعل، ولم يدع “الجموع” تقوده للحكم عليها، في مجتمع تعاقب فيه الزانية لا الزاني (يو 8/11)…. هل من البشر من يستحق الكهنوت كما تستحقه مريم العذراء التي قالت: “ها أنا آمة للرب، فليكن لي بحسب قولك”، قالتها فما وحياة… فلماذا إذا لم تلقب ولم تمنح لقب “كاهنة” وهي التي تغار منها القوات السمائية وتمجدها الأجيال؟؟؟
2- في العشاء الأخير حيث أسس المسيح سر الكهنوت: “إصنعوا هذا لذكري” لم تكن حاضرة لا مريم الأم ولا النساء اللواتي كن يتبعهن، وبالتالي فالسيد المسيح أسس سر الكهنوت فقط وحصريا على الأثني عشر رسولا، فكان بالأحرى أن يدعو أمه والتلميذات اللواتي لم يخونوه كما فعل يهوذا، ولم ينكروه كما فعل بطرس ولم يهربن تاركينه وحيدا كما فعل بقية الرسل.
3- والسبب اللاهوتي الأهم هو أن الكهنوت هو امتداد لشخص المسيح في التاريخ، وبما أن ابن الله عندما اتخذ جسدا، جسد رجل، كابن لله، ولم يتخذ جسدا امرأة؛ فإن الكهنوت بحسب “طبيعتها التأسيسية” هو امتداد لشخص المسيح: “من سمع منكم فقد سمع مني، ومن قبلكم فقد قبلني، ومن قبلني فقد قبل أبي الذي أرسلني“… فالكاهن، وبرغم كل ضعفاته وخطاياه، عندما يقيم الذبيحة أو يمارس الأسرار المقدسة، يقيمها باسم المسيح، كممثل لشخص المسيح، كمسيح أخر (. عبر 2/17)…
وهنا ألخص الأمر في بعض الحقائق الهامة:
الحقيقة الأولى: لقد كرم المسيح المرأة، وجعلها “تلميذة له” وسمح له بإتباعه مع الرسل، ولا يمكننا أن ننسى أنه تجسد وجاء إلينا عن طريق إيمان وطاعة امرأة: مريم العذراء، أم الله… ولكنه عندما اختار تلاميذه الاثني عشر اختارهم فقط من الرجال…
الحقيقة الثانية: لم يكن المسيح على الإطلاق “ابن ثقافته” بل أن الأناجيل توضح مرارا وتكرارا بأنه كان متحررا من كل القيود التشريعية المجحفة في حق الإنسان عامة والمرأة خاصة، كان متحررا ومحررا من الفهم الخاطي للشريعة الموسوية… فلم يحترم السبت إن كان احترام السبت يعني عدم احترام الإنسان: “خلق السبت من أجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت”… وسمح لتلاميذه بأكل سنابل الحقول في يوم السبت… وصنع معجزاته في يوم السبت… ولم يخف أن يفعل ذلك حتى ولو كان الثمن هو إدانته وصلبه… فهل يعقل اليوم أن يقال بأنه لم يختار نساء بين تلاميذه لأنه احترم العقلية السائدة؟
الحقيقة الثالثة: أسس المسيح الكهنوت في العشاء الأخير مسلما أيها حصرا لتلاميذه: “اصنعوا هذا لذكري” (لو 22/19-متى26/28)، وكذلك عندما نفخ فيهم الروح القدس وأعطاهم سلطان الحل والربط: “فقال لهم يسوع أيضا سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له.ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو20/21-23)….
الحقيقة الرابعة: ليس الأمر فسيولوجيا أو بيولوجيا (نفسي أو جسدي)، كما كان الظن سائدا وللآسف لعقود كثيرة، بمعنى أن المرأة فسيولوجيا لا تستطيع القيام بواجبات الكهنوت أو أنها دنسه، لاسيما في أوقات الحيض أو الإنجاب.. إلخ. لأن الله لم يخلق شيئا نجسا، وحيض المرأة لا يسبب نجاسة لأنه جزء من خليقة الله لها، والعهد القديم كان يمنع المرأة من الاقتراب للقدسيات في هذه الفترات لأسباب عملية واجتماعية مرتبطة بالحياة البدوية والصحراوية لا أكثر… وهنا أؤكد أن المسيح جاء ليصل بالعهد القديم لكماله، وأن العهد الجديد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن “كل الخليقة جيدة” (ورأى الله أن كل ما صنعه جيد) وأن الله لم يخلق شيئا نجسا، بل أن الله يعاتب القديس بطرس في الرؤية: “فقلت كلا يا رب لأنه لم يدخل فمي قط دنس آو نجس. فأجابني صوت ثانية من السماء ما طهره الله لا تنجسه أنت”. (أع 11/7-8). والقديس بولس يقول: “كل شيء يحل لي ولكن ليس كل شيء صالح”…”كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم” (تيطس1/15)… فالمرأة كائن طاهر كالرجل، وهي وهو يمكن أن يكونا “غير طاهرين” أو نجسين عن طريق الخطيئة والدناسة لا بسبب كونهما رجلا أو امرأة…
الحقيقة الخامسة: كل محاولة لتعليل المساواة في الكرامة بالمساواة في الأدوار هي محاولة ذئبية تلبس ثوب الحملان، وتتخفى في شعارات جوفاء لتفقد الرجل والمرأة ما يميزهما… فإن قام الرجال بما تقوم به النساء، والنساء بما تقوم به الرجل لن يؤكدوا سوى فقرهما… ولن يصلوا إلا لإلغاء “جمال وسبب وجودهما”…
الحقيقة السادسة: نؤكد مرة أخرى على أن المرأة ليست مخلوقا نجساُ، ولا حتى في فترة الحيض… ومنع المرأة من التناول أو الاقتراب من الهيكل أو من ممارسة الأسرار ليس إلا إرثا ثقافيا يعود للعهد القديم (ق.لا12/4-8)، ولا مكانة له في شريعة المحبة، وفي العهد الجديد، عهد “حرية أبناء الله”… وأظن أنه قد حان الأوان لأن نتحرر من نظرتنا المجحفة للمرأة.. ومن قيودنا التاريخية التي لا علاقة لها بالكتاب المقدس أو بالإيمان المسيحي الأرثوذكسي، أي القويم….
الحقيقة السابعة: في المسيحية لا يجب تفسير عدم قبول كهنوت المرأة كما في الديانات الأخرى، أي إنقاصا من مساواتها بالرجل لأن المرأة في المسيحية مساوية تماما للرجل في الكرامة (كما سبق وأوضحنا)… وهي مستحقة لكل الإكرام والتبجيل، وهل من امرأة حصلت، أو تحصل، على الكرامة والتمجيد كما تحصل العذراء مريم؟؟؟…. فلو كانت المساواة والكرامة الشخصية قادرة أن ترسم معالم الاستحقاق لهذه الدرجة المقدسة، فلا أظن أن هناك في الوجود من تسبق العذراء الكلية القداسة إلى هذه المكانة أعني إلى الكهنوت. ومع ذلك فالعذراء أم الكنيسة، ووالدة الإله، الأرحب من السماوات والكلية القداسة، لم تجد في إعفائها من الكهنوت الأسراري غضاضة وإهانة، فإذا كان هذا حال مريم من الكهنوت، فأين كل النساء في الأرض منه؟.
اخيرا: أن العظماء في الكنيسة ليسوا هم رجال الإكليروس، أو الأساقفة، أو الكهنة إنما هم “القديسين”، والقداسة دعوة مقدمه للجميع بدون استثناء…