من الميمر العاشر
لأبينا الجليل في القديسين غريغوريوس اللاهوتي
سبيلنا أن نتفلسف في العيد قليلاً. ليكون تعييدنا روحانيّاً. وذلك لأنَّ لكل أحدٍ غيرنا عيداً يخصه. وأما خادم الكلمة. فعيدهُ النطق. ومن النطق ما كان ملائماً للوقت. وليس شيءٌ حسنٌ يسرُّ هكذا لأحدٍ من مؤثري الحسنات مثل حضور من يودّ الأعياد والمواسم الروحانية. ويجب علينا أن ننظر هكذا. وذلك أن اليهودي يعيّد ولكن بما يخصُّ الكتاب لأنه قصد الناموس الجسداني فلم يصل الى الروحاني. والصابئَ يعيّد أيضاً ولكن بما يلائم الجسم وعلى حسب مذهب آلهتِه وشيطانية الذين منهم مَن أبدع عوارض الفساد على رأيهم أنفسهم ومنهم من كان تكريمهُ من هذه الأعراض فلذلك صار تعييدهم مضاهياً للفساد حتى يكون تكريم الإله عندهم الإثم بعينِه فيفرّ إليهِ عوضاً من الفساد كأنه محمدة. ونحن نعيّد أيضاً ولكن بحسب رأينا في الروح. والرأي عندنا: إما أن نقول شيئاً مما ينبغي. وإما أن نعملهُ. وهذا هو تعييدنا أن نخزن للنفس شيئاً مما يثبت وينضبط لا مما ينحلُّ وينصرف. ويطرب الحسَّ قليلاً ويفسدهُ كثيراً ويضرُّ به. على حسب الرأي عندي يكفي الجسم شرَّ ذاتِه فلِمَ يزادِ اللهيب مادَّةً ولِمَ للوحش أن يغمر طعاماً حتى يزيد التمكُّن منهُ بعداً ويصعب على الفكر انقياده. فمن ههنا يجب أن نعيّد تعييداً روحانياً.
فأول الكلام فيما يجب أن نقوله وإن طال الشرح قليلاً فيجب على وامقي الكلام أن يؤثروا التعب في ذلك لنخلط ذلك في هذا الموسم مثل ملذَّة ما وذلك أن أولاد العبرانيين يكرمون السابع على سنَّة موسى. كما أكرم أصحاب بيثاغوروس بعدهم الرابع فجعلوه لهم قسماً. وكما أكرم أصحاب آل سيمون ومركيون عدد الثمانية وعدد الثلاثين فقد سمُّوا دهوراً تسامي ذلك في العدد ولست أعلم على أي رأي وقياس ذلك؟ وأية قوَّة لهذا العدد فيكرمونه بها. ولكن على كل حال هم لذلك مكرومون.
السبت اليوم السابع
إلا أن الظاهر في ذلك أن الله عزَّ وجلَّ أبدع الهيولى في ستة أيام وصوَّرها وزيَّن هذا العالم المنظور بأنواع وصور شتَّى لما خلقه. فلما كان اليوم السابع استراح على ما يدلُّ عليهِ اسم السبت فإنهُ باللغة العبرانية يدلُّ على الراحة. فإن كان ههنا رأي آخر أشرف فيتفلسف فيه غيرنا.
والكرامة عندهم (عند العبرانيين) ليست في الأيام وحدها بل هي واصلة الى السنين. فكرامة الأيام ولَّدت لهم هذا السبت الذي يكرّمونه دائماً وعلَّته من عدد أيام رفع الخمير عندهم. وأما كرامة السنين فمنها صار السابع من السنين عام الفصح والتسريح. وليست الكرامة عندهم في السبعة وحدها بل في سبعة السابعين وذلك متشابهٌ عندهم في الايام والسنين. فأمّأ سبعة الأيام فولدت يوم الخمسين يوماً مدعواً عندهم “مقدساً” وأما سبعة السنين فولدت العام الذي يسمونه يوبيلاً وفيه يكون عندهم تسبيل الأرض وعتق العبيد وإطلاق ما اقتني بثمنٍ. فبذا القبيل ليس يزكي الله بواكر الغلات والأبكار وحدها بل نواجم الأيام والسنين أيضاً. فعدد السبعة المكرَّم عندهم بعث لنا كرامة البنديقستي وذلك أن السبعة إذا كرِّرت بمثلها سبعة كانت خمسين إلا واحداً وهو اليوم الذي أخذناهُ من الدهر المستأنف فهو بعينه يزم ثامن وأول بل هو واحد لا ينحلُّ ولا يزول وهناك ينبغي أن تنتهي سبوت النفوس كما يجب أن بعطى جزءٌ للسبعة بل للثمانية أيضاً بحسبما رأى قوم ممن كانوا قبلنا في قول سليمان.
إلا أن إكرام السبعة لع شهادات جملة فيكفينا قليل من كثير. كما أن ههنا أرواح سميت كريمة لأن أشعياء عندي (أي حسب رأيي) أنه كان يؤثر أن يدعو أفعال الروح أرواحاً. وكلام الرب مطهَّر سبعة أضعافٍ عند داود. والصدّيق مخلَّص من الشدائد ست دفعات والسابعة فهو فيها غير مجروح. والخاطئ فمصفوح عنه ليس سبع مرات فقط بل سبعةً في سبعين وبضدّ ذلك عقاب الشرّ ممدوح فقايين أُخِذَ منه الثأر سبع مرات. أي طولب بالثار عن قتلهِ أخاه. وأما لامخ فمؤَدٍّ ذلك سبعةً في سبعين لأنه كان قاتولاً بعد الناموس وفرائض الدين. وأما الذين كانوا ذوي شرور فصاروا آخذين في حضونهم سبعة أضعاف ما بُذِر منهم. وبيت الحكمة كان مدعوماً من العمد بسبعة وحجر زربابل فبعدد ذلك عيوناً كان مزيناً. والله ممجدٌ بالتسبيح سبع مرات بالنهار. والعقر ولدت سبعة وأتت بالعدد الكامل وهي ضدٌّ لمن كانت غير تامَّة الأولاد.
وإن تدرجت في النظر في العهد العتيق وجدت أخنوخ السابع في السالفين بالنقلة من المكرمين. ووجدت ابراهيم الحادي والعشرين برئاسة الأبوًّة من الممجدين بزيادة في السرّ مضاعفة لأن السبعة إذا ثُلِّثت كانت بهذا العدد آتية. وقد يجسر أحد من المتجاسرين في كل شيءٍ على الأقدام على آدم الجديد الذي هو إلهنا وربنا يسوع المسيح فيجدهُ من آدم العتيق الذي كان تحت الخطيئة سابعاً وسبعين في العدد بحسب نسبة لوقا المعكوسة. وأرى أيضاً سبعة ابواق يشوع ابن نون ودورات الكهنة. كذلك بهذا المقدار من الأيام فد هُدِمت أسوار أريحا. وأرى عودة إيليا النبي الثالثة لما عاد على ابن الأرملة الصرفندية قد نفخَت فيه الروح المحيي وأرى نضحهُ على شقق اللحم بهذا العدد قد استدعى ناراً منزلة من عند الله أحرقت الضحية وحكمت على أنبياءِ الخزي لما لم يقدروا على مثل ذلك بما قدموهُ من دعائهم. وأرى كذلك مراقبة الغمام وقد أمر بهذا الغلامَ سبع مراتٍ. وأرى من أليشع سبع عطفات على ابن الصومانية قد عطفت بالحياة عليه. ومن هذا المعنى أيضاً أذكر الآن منارة الهيكل ذات السبعة القوائم والسرج السبعة. وفي سبعة أيام أرى الكاهن متمّماً وفي مثلها الأبرص مطهَّراً والهيكل في عدد مثلها مجدّداً. والشعب في السنة السبعين من السبي عائداً ليكون ما تقدم في الآحاد في العشرات مكرراً وسرُّ السابع في عددٍ أتمَّ من غيره مكرماً. وما لي أطيل في القول ويسوع نفسه الذي هو التمام النقي قد رأى أن بغذي في القفر بخمس خبزات خمسة آلاف وبسبع أيضاً أربعة آلاف. وفضل عنهم بعد ما شبعوا أما هناك فاثنتا عشرة قفة وأما هنا فسبعة سلال وليس شيء من ذلك في ظني بغير قياس ولا بعيد من استحقاق الروح.
وأنت إذا تفقدت في نفسك وجدت أعداداً كثيرة فيها ما هو أعمق من ظاهرها إلا أم ما تحتاج إليه في هذا الوقت أن العبرانيين إمَّا على هذه الأحوال. و‘ما على ما يقرب منها. وإما على ما هو أجلُّ منها يكرمون البنديقستي (العنصرة) ونكرم ذلك نحن أيضاً كما أن ههنا أيضاً من رسوم العبرانيين أشياءَ أُخر كثيرة معمولة على جهة الرسوم وعائدة عندنا على معنى السرّ.
فإذا كنا قد قدَّمنا في هذا اليوم هذا المقدار من الكلام فسبيلنا الآن أن نصير الى ما يتلو ذلك فيما بعد من القول. فنقول إننا معيدون عيد الخمسين وورود الروح وصلوا الميعاد وتمام الأجل. والسرُّ عظيم القدر وكريم من كل جهة. فجسدنيات المسيح قد انتهت بل الذي انتهى هو أحوال قدومهِ الجسداني لأنني متوقف عن أن أسباب الجسد قد انتهت ما دام لا يقنعني قول بأن الأجود انتزاحهُ عن الجسد. وقد ابتدأت الآن أسباب المسيح؟ فهي بتولٌ وميلادٌ ودذود وتقميط وملائكة يمجدون ورعاة يتسارعون ومسير كوكب وسجود مجوس وحملهم هدايا وقتل هيرودس اطفالاً وهرب يسوع الى مصر وعودتهُ من مصر وختانتهُ ومعموديتهُ والشهادة لهُ من العلو وامتحانهُ ورجمهُ بالحجارة لأجلنا نحن الذين كان ينبغي أن يعطينا مثالاً للتألم من أجل الكلمة وتسليمهُ وتسميرهُ ودفنهُ ونشورهُ (قيامته) وصعودهُ وأتيانهُ وما نالهُ كثيراً والآن إمّا من قِبل ماقنيهِ من المسبة واحتمالهِ لها لأنهُ طويل الأناة. وأمّا من قبَل وامقيهِ (محبيه) فمن الاقتضاءِ والتسخُّط وهو ينظر فكما يؤخر الرجز عن أولئك كذلك يؤخر الصلاح عن هؤلاء. أما أولئك فيمهل لهم عطية وقت يكون لتوبتهم وأما هؤلاء فيمتحن ودَّهم ألاّ يكونوا في الأحزان ناكصين وفي الجهاد عن حسن الديانة مقصرين وذلك أصل في التدبير الإلهي وشأن لأحكامهِ التي لا تدرك وبها يقوّم أحوالنا بحكمته. فهذه أحوال المسيح وهذا شأنها وستبصرها فيما بعد زائدة شرفاً. ويا ليتنا كذلك عندها
لماذا ظهر الروح في شبه السنة نارية؟
أما ظهوره في أَلسنٍ فلوضع اختصاصه بالنطق. وأما كونها نارية فأنا أطلب في ذلك إحدى الخصلتين. إما أن يكون ذلك من أجل الطهارة. لأن القول عندنا قد عُرف ناراً مطهرة بحسب ما يعرف ذلك من يريدهُ من مواضع كثيرة. وإما من أجل الجوهر لأن إلهنا نار ونار مهلكة للفساد وإن كنت أنت تتسخط من حيث يضيق عليك أن يكون في الجوهر مساوياً. وأما أن الألسن كانت منقسمة فذلك كان لاختلاف المواهب. وأما أنها كانت جالسة فلأجل الملوكية والاستقرار في القديسين لأن لله كرسيّاً هو الشاروبيم. وأما نزوله في علية فإن لم يُظَنَّ بي التجاوز عن الواجب فذلك لاستعلاءِ القابلين إياه وارتفاعهم عن الأرضيين لأن هنا علالي مكنوفة بمياه إلهية يسبح الله. ومع ذلك فيسوع نفسه في علية شارك في السرّ الذين كملوا في الرفيعات ليبيّن هذا أنه في بعض المعاني ينبغي أن يتطأطأ الله إلينا بحسب ما عرفت أنه كان في القديم بموسى مصنوعاً وفي معنى آخر سبيلنا نحن أن نرتفع إليهِ ثم يصير هكذا الاتصال فيما بين الله وبين البشريين بامتزاج الرتبتين. ولكن إذ أثبت كل واحد منهما فيما يخصهُ أحدهما في شرفه والآخر في ذلتهِ فالجود حينئذٍ ممسك عن المخالطة في النوال والتفضل على البشر فلا وصول للمشاركة فيهِ. وقد حصل فيما بينهما هوة عظيمة لا سبيل الى عبورها ولا تكون مانعة للغني وحدهُ عن ألعازر وأحضان ابراهيم المأثورة بل تمنع الطبيعة الكائنة الزائلة عن غير الكائنة الثابتة. وهذا الروح قد أنذر بهِ الأنبياءُ حسب ما قيل “روح الربّ عليَّ الذي بهِ مسحني”. وسوف يستقرُّ عليهِ سبعة ارواح. وانحدر روح الربّ فهداهم وأرشدهم. وروح علم أفعم بصلئيل رئيس صنَّاع قبَّة الزمان. وروح جديد رفع إيلياس على عجلة. وطلبهُ أليشع مضاعفاً. وداود اعتضد واهتدى بروحٍ صالح رئاسي وهذا الروح وعد بهِ في الأول على لسان يوئيل النبي في قولهِ: سيكون في الايام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل جسدٍ أي جسدٍِ مؤمن وعلى بنيكم وبناتكم. وما الخ. ووعد به أيضاً يسوع المسيح بعد ذلك لما مجَّد ومُجّد اي مجَّد الآب وجَّدهُ الآب وأما الميعاد فعمرٌ جزيل وهوأن يدوم الى الدهر ويثبت. أي مع المستحقين له الآن على ممرّ الأوقات. وفي الآخرة مع مَن يستأهله هناك. إذا نحن حفظناهُ في سيرتنا كاملاً وام نطرهُ بمقدار خطايانا. هذا الروح خلق الخليقة والقيامة مع الابن ويحقق ذلك عندك قوله بكلمة الرب تشددت السموات وبروح فيهِ كل قواتها. وقوله روح الإله صنعني ونسمة ضابط الكل هي التي تعملني وقولهُ في موضع آخر ترسل روحك فيخلقون وتجدّد وجه الأرض. وهو الذي يصنع الميلاد الثاني الذي هو روحاني. ويحقق ذلك عندك قولهُ: إنهُ لا يمكن أحد أن يرى ملكوت السموات أو يصل إليها إذا لم يولد من فوق بالروح. وإن لم يتطهر من المولود الأول الذي هو سرٌّ من أسرار الليل بخلقة نهارية مضيئة يخلقها كل أحدٍ في ذاته.
الروح القدس هو روح الحكمة
هذا الروح حكيم جدّاً يحبُّ البشر حبّاً شديداً فإن أخذ شاباً من الرعاة جعله مظفراً بالغرباء ولك شهادة على هذا ظفر داود بجليات وجعلهُ طارداً الأرواح النجسة بالحانهِ وترنمهِ وأشهرهُ على اسرائيل ملكاً وإن أخذ راعي غنم مقلَّماً ثوبهُ جعلهُ نبيّاً فاذكر في ذلك داود وعاموص وموسى كليم الله. وإن أخذ غلاماً ذكياًّ جعلهُ مع صغر سنهِ قاضياً على الشيوخ ويشهد بذلك دانيال الذي غلب الاسد في الجبّ. وإن مجد صيّادين صادهم المسيح ليتصيدوا العالم بشصّ كلامهم وخذ لي في هذا بطرس وأندريا وبني الرعد الذين أرعدوا الروحانيات. وإن كانوا عشَّارين فهو يربح منهم التلمذة ويصنعهم تجاراً ليسافرون بالأرواح والقائل ذلك متى الذي أمس عشّاراًَ وصار اليوم بشيراً وإن كانوا مضطهدين ملتهبين أَحال غيرتهم وجعلهم كبولس بدلاً من شاول وبلغوا في حسن العبادة ما بلغوهُ في الشرّ.
الروح القدس هو روح الوداعة
وهذا الروح هو روح دعةٍ إلا أنه يحتدُّ على الخطأة فسبيلنا أن نباشرهُ وديعاً لا غضوباً باعترافنا بما هو أهلهُ ونفورنا من مسبَّتهِ ولا نؤثر أن نراهُ ساخطاً سخطاً لا غفران لهُ. وهذا الروح هو الذي جعلني لكم اليوم نذيراً جرياً فإن لم ينلني شيءٌ من المكروه فللَّه المنَّة ولإن نالني فالمنَّة أيضاً كذلك. ففي الأول من هذين الإشفاق على مبغضينا. وفي الثاني يقدسنا. ويكون هذا الثواب خدمتنا في بشارتهِ أن نتوفى بدمائنا.