الأعياد السيدية (مواعظ ومقالات)
الفصل الثامن: امام الصليب في الجلجلة
الشماس اسبيرو جبور
قايين قتلَ أخاه هابيل بسبب الحسَد، والحَسَد مُرتبط بالحقد والكراهية، والحسود قاتلٌ معنوياً إن لم يلجأ الى القتلِ مادياً. بونتيوس بيلاتس الوالي في فلسطين كان يعلم أن اليهود أسلَموا المسيحَ اليه حسَداً ليُميتوه. الحسَدُ خطيئةٌ كبيرةٌ جداً ، حاكَمَ بيلاتس يسوع مع أنه قد ثبَتَ له أن يسوع هو بريئاً ومع ذلك أسلَمَه الى الجلد بالرغم من إنذار إمرأته بأن لا يؤذي يسوع. أسلَمه الى الجَلد فجلده العسكر المتوحشون بأسواطٍ فيها مساميرَ صغيرة تجرح الجسم كلّه، فجُرِح جسم يسوع برمَّته ووضِع على رأسه إكليلٌ من شوك وضُرِبَ بالقصَبة وهُزِءَ به، ثم أُسلِمَ ليُصلَب فقاده الجندُ الى الجلجلة وهو مثقَلٌ بالجراح ومتعبٌ جداً. بسَطوه على عودَي الصليب وغرزوا في يدَيه ورِجلَيه اربعة مسامير، وبقيَ إكليلُ الشوكِ غالباً على رأسه وهو على الصليب، وذاق من الألم ما ذاق، وفي النهاية طُعِنَ جنبه بحربةٍ فخرج منه دمٌ وماء. إقتسمَ العسكر ثيابه فيما بينهم وألقَوا القرعة على لباسه فبقيَ على الصليب شبهَ مجرَّدٍ من الثياب. هذا ما فعَلَه الناس بالإله المتجسِّد. فما عساهم يفعلون بسواه؟ الحسد والحقد اللذان نهشا يسوع نهشاً، ينهشان بني البشر جميعاً. إن كان الإنجيل قد علَّم الناسَ إخفاء الحسد والحقد بنسبةٍ ما فما زالت هاتان الأفعيان قابعتيَن في كلِّ إنسان. الروح القدس وحدَه ينزع الحقد والحسد من الإنسان. عُلِّق يسوع على الصليب، وبسَطَ يدَيه وتألَّم من ذلك آلاماً مبرِّحة، ونعرف أنه في يوم الخميس تساقطَ العَرق منه كقطرات دمٍ في الجثمانية. مَن صَلَبَكَ يا يسوع؟ صَلَبَكَ البشر وأبناء جنسك على الأخص. حسدُهم قَتَلَك. قلتَ لبيلاطس أن الذي أسلَمَكَ اليه هو ذو خطيئة أشنع بكثير من خطيئتي. بيلاطس، نعم. المجلس اليهودي الأعلى الذي حَكَمَ عليكَ بالموت فقادكَ الى بيلاطس ليُنفِّذَ قرار الموت وليس بقرارٍ عادي، بل أرادوا الصلب لتموتَ مُهاناً، محتَقَراً على الصليب. القصاص فاحش. نعم، الحسد والحقد قتلا المسيح ابن الله. هذه الأمَّة التي رَبيَت على الكتاب المقدَّس أي العهد القديم، ما استفادت منه شيئاً يُذكَر فبقيت مُصِرَّة على قتل الأنبياء والمرسَلين. أنت الآن على الصليب في الجلجلة عُرياناً مجرَّداً من ثيابِك لا تملك شيئاً ولكنك علَّمتنا أننا بهذا التجرُّد، بهذا الإنصلاب، نملك الحياة الأبدية. حمَلتَ على الصليب خطايانا وآثامنا وآلامنا وضعفاتنا وذلّنا وعارنا وخِزيَنا، لكي تُمجِّدَنا. آلامُك صارت شفاءً لآلامنا، جراحُك صارت شفاءً لجراحنا، تنهداتُك صارت شفاءً لتنهداتنا. ولكن يا يسوع، كم الطبيعة البشرية ممعِنة في الإجرام حتى حمَّلتكَ آلامَها برُمَّتها. بولس الرسول علَّمنا في الفصل 4 من كورنثوس الثانية أننا مُتنا فيكَ، فمُتَّ عنا، فنحن قد مُتنا فيكَ. انت متَّ عن البشر أجمعين وبموتِك هذا عنهم، ماتوا هم جميعاً ليقوموا معكَ جميعاً. حَمَلتَ أسقام البشر. خطايانا هي سبب موتِكَ على الصليب، انتَ متَّ على الصليب كفّارةً فداءً لنا. بموتك على الصليب أنقذتنا من الجحيم، والدليل على ذلك هو نزولك في ذلك اليوم الى الجحيم لتُخرِجَ منه جميع المؤمنين بكَ من ابراهيم واسحق ويعقوب الى يوحنا المعمدان. كلّهم كانوا في الجحيم لأن الخطيئة أفسَدَت كلَّ شيء فلم يبقَ بين البشر طاهرٌ. الكل خطئوا وأعوَزَهم مجد الله. الكل احتاجوا الى دمِك الطاهر ليتطهَّروا، ليبرَؤا. لو لم تُصلَب وتمُتْ على الصليب وتنزل روحُك البشرية الى الجحيم، لبقيَ الناس أجمعين في الجحيم من آدم وحواء حتى آخر نسَمة على وجه الأرض في يوم الدين. بموتِكَ على الصليب أخرجتنا من الجحيم، ولكن مَن أماتَكَ على الصليب؟ البشر أماتوكَ على الصليب. من هم هؤلاء البشر؟ أليسوا نسل آدم وحواء؟ اليست جذور الخطيئة هي الجريمة الموجودة في كلِّ نسل آدم وحواء؟ مَن يرتكب الجرائم على الأرض منذ آدم وحواء حتى اليوم؟ أليسَ نسلُهما؟ نعم.
هذا النسل ملوّثٌ، لا يمكن تطهيرُه الا بدم المسيح. ما العمل؟ إن قرأنا التاريخ، وجَدنا فيه ضعف البشر، هوان البشر. ماذا كنا نقرأ قبل مئة عام، ماذا كان يُكتب في التواريخ وماذا كانت التواريخ؟ كنا نقرأ تواريخ الحروب، تواريخ الملوك والأباطرة والطغاة الذين يُشعلون النيران والحروب في هذه الدنيا. كانت أخبار الحروب والفتوحات تملأ كتب التاريخ. عندما كنا في صف البكالوريا أيام الإنتداب الفرنسي، كان كتاب التاريخ تقريباً محصوراً في الثورة الفرنسية وحروب نابليون وحروب الأوروبيين. لذلك تاريخ البشرية ملوّث بالدم، بالحروب، بالعداء، بالحسد والغيرة. هل زال الحسد من البيوت؟ هل يخلو بيت في العالم كلِّه من حسد الإخوة؟ التطوّر التاريخي بفضل الإنجيل طمثَ الأمر بنسبةٍ معينة، ولكن الحسد موجود وهو يُحرِّك الناس ويٌقلِّب القلوب على القلوب ويشحن القلوب بالعداوات والأحقاد. فإذن، المسيح صُلِبَ من أجل الناس كافةً. ما وجِدَ إنسان لم يُصلَب يسوع من أجله حتى من أجل أمِّه التي قالت ” تُعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”. مَن هو مخلِّصها، مَن هو فاديها؟ هو ابنها التي كانت في تلك اللحظة تحمِله في بطنها. فاذا كانت العذراء مريم أطهر من الملائكة والشمس والقمر والنجوم إحتاجت الى الخلاص بدمك يا يسوع المسيح، فماذا يستطيع أن يقول أيُّ إنسان على وجه الأرض؟ فكلُّ مَن يدَّعي الطهارة، إنما يدَّعيها بروح إبليس، ليس من طاهرٌ على وجه الأرض. في سفر أيوب ” القمر والشمس ليسا بطاهرَين أمام الله”. فإذن يا حبيبي يا يسوع امام صليبك، انا مجرمٌ سفّاح وإن كنتُ لم أحمُل السلاح. فأفكاري مجرمة، هواجسي مجرمة، نيّاتي مجرمة، إندفعاتي مجرمة، حركاتي اللاشعورية مجرمة. ما لا أفعله في اليقظة أفعله في الحلم، فأنا مجرمٌ من نسلٍ مجرم، ابي آدم وأمي حواء ولذلك ورِثت عنهما السقوط والاستعداد لإرتكاب الخطايا والهفوات. إن لم أقتلْ بالسيف أقتل في أفكاري، أقتل في هواجسي، أقتل في أحلامي. هل نيّاتي صافية مئة بالمئة، هل من طهارة داخلية مئة بالمئة على الأرض؟ مَن هو الطاهرُ باطنياً في داخله؟ الطهارة في نظرِكَ يا يسوع هي طهارة الباطن لا طهارة الخارج. مَن هو الطاهر داخلياً مئة بالمئة؟ أنتَ وحدَكَ فقط طاهرٌ في باطنك وفي خارجك. انتَ الطهارة فقط أما البشر فجميعُهم تحت وكر الخطيئة. جميعهم مَدينون ولا خلاص من دينونتهم إلا بدمِكَ الطاهر الكريم. يسوع، أنتَ أمامي مجرَّداً من الثياب. يا للعار! البشر جرَّدوك من ثيابِك واقتسموها وتركوكَ بلا ثياب معلَّقاً على الصليب. ما هذا العار الذي أصابَ البشرية بتجريدِك من ثيابِك؟ تجريدُك من ثيابك خطيئة جنسنا البشري. كيف احتملَ البشر أن يُعَرّوك أمام الأنظار؟
كيف احتملَ البشر عرض شخص في الرابع والثلاثين من العمر على الصليب عارياً. هذا ملء الإهانة الى جانب المسامير والحربة. يسوع، امام صليبِك أشعرُ بذلّي وعاري. صَلَبتكَ خطاياي ومع ذلك انتَ مصلوبٌ لتمحو خطاياي. بيدي أمسَكتُ المِطرقة لأُدخِلَ المسامير في كفّيكَ ورِجلّيكَ، بيدي نحرتُ جنبَكَ بالحربة وسال دمكَ لكي يُطهِّرني من هذه الجرائم، من كل خطاياي الطوعية والغير الطوعية ليجعلُني في باطني وأعمق أعماقي طاهراً بدمِكَ الطاهر الكريم. ربي والهي يسوع المسيح، لا أعرف كيف أسجد أمام صليبِك. علَّقتُكَ على هذا الصليب لأُهينَك، فإذا بكَ بهذا الصليب تُهين الشيطان عدوّي وتقهر الموتَ عدُوّي، وتقهر الجحيمَ عدُوّي، وتقهر الفسادَ عدُوّي، وتقهر المصائبَ والأوجاع و أعدائي. أنتَ مصلوبٌ لكي تجدّدَني فتخلقني بدمك الكريم خلقةً جديدة ابرأُ فيها من الإثم والخطايا والجرائم. انا صلَبتُكَ وانت بصليبِكَ أحيَيتني، انا عدُوَّك وأنتَ تسفِكُ دمَكَ من أجلي.
ربي يسوع المسيح، ما هذا السرُّ العجيب الغريب؟ انا أصلبُك وانتَ تفتديني، انا أصلبُك وانتَ تحبُّني، انا أعاديك وانتَ ترحمَني. كيف قابَلْتني بهذه المراحم وانا المجرم؟ يسوع المسيح يا حبيبي، يا روحي، يا خلاصي، انا إنسانٌ شرير لا أستطيع أن أؤدي لك الشكر الواجب، لا أستطيع أن أنطق بالشكر اللائق بك لأني ملوّث. إن لم يغسلْني دمُكَ الطاهر النازل من كل جنباتِك، فكيف أستطيع ان أتطهَّر؟ كيف استطيع أن أنطق بلسانٍ طاهر؟ لساني ملوّث، حياتي ملوّثة، فكري ملوّث، روحي ملوّثة، جسمي ملوّث. انا بالخطايا وُلِدتُ بجُملتي وانا خاطىءٌ كبير. ألم يَقُل باسيليوس” ليس احدٌ بريءٌ من الخطيئة ولو كان عمره يوماً واحداً “.
انا مجبولٌ بالخطايا. امام صليبِك يا يسوع أسجُد ولكن هل انا قادرٌ على سجودٍ حقيقيٍ طاهرٍ بريءٍ مئة بالمئة؟ كلا. لماذا؟ لأني ملوّثٌ بالآثام. السجود الحقيقي يتطلَّب روحاً طاهرةً والروح الطاهرة تتطلَّب الإغتسال بدم المسيح والتلميع بأنوار الروح القدس، وانا بعيدٌ عن هذه الأهداف فعلياً لأني أتناول صوَرياً وألتمس الروح القدس صوَرياً، ليس لديَّ قلبٌ خاشعٌ، منسحقٌ، مطحونٌ، يسجدُ أمامكَ سجوداً حقيقياً.
ربي والهي يسوع المسيح، أنتَ مصلوب من أجل خطاياي. كيف هذا؟ انتَ إلهٌ متجسِّدٌ مصلوبٌ الآن أمامي في الجلجلة على الصليب من أجلي انا عدُوَّك، فكم هي فداحة خطاياي حتى استحققتُ أن تموتَ من أجلي. انا لا أستحق شيئاً، لا أستحقُّ إلا نار جهنَّم بسبب خطاياي التي لا تُحصى ولا تُعدّ. فانا جهنمٌ من الخطايا، وانتَ يا يسوع تموت من أجل جهنمي؟ ربّاه، أرسلْ روحُكَ القدوس ليُعينني في شدائدي هذه، في هذا الضيق الذي يُلِمُّ بي. امام صليبك انا قعرُ الجحيم وانتَ بهذا الصليب تُخرجني من قعر الجحيم. انا عدوّك اللدود وانتَ تموت من أجلي. مَن انا لتموتَ انتَ عني؟ أيُّ فَضلٍ عَمَلتُ لكي تموت من أجلي؟ هل انا أهلٌ لهذه الضحية الكبرى؟ هل انا جديرٌ لأن أراك؟ لماذا صُلِبتَ، من أجل مَن؟ من أجل الكُفّار، من أجل أعدائِك. انا عدُوّك، كلُّ مَن يفعل الإثم هو عدُوّك وانا كبير الآثمين ومع ذلك أراكَ مشبوحاً امامي من أجل خطاياي. يسوع، أُكرِّر، بقدر عظمتِكَ كإلهٍ متأنسٍ مصلوبٍ من أجلي، بالمقابل وبالقدر نفسه هي فداحة خطاياي تجاه عَمَلِك العظيم. انتَ الكلّ في الكلّ وانا نفاية النفايات. امام صليبِك، لست دودةً، لست حشرةً بل انا أضعف من دودة وأضعف من حشَرة. لا أستطيع أن أَصِف حالتي امام صليبِك. انتَ الكلّ في الكلّ وانا دون العدَم ولولا صليبك لكان خيراً لي لو لم تلِدُني أمي. ولكن لأنك قبلتَ الصلبَ من أجلي فأنا أسجدُ امام صليبك شاكراً لك هذا المعروف. لو لم تأتِ الأرض وترتفع على الصليب وتموت من أجلي ويجري دمَك من أجلي، وتعطيني جسدك ودمك على الصليب طعاماً وشراباً لإنقاذي من فسادِ حياتي فماذا كان في الأفقِ من آمال؟ الآفاقُ مظلمة، ليسَ أمامي إلّا جهنَّم وانا ابن جهنّم وذاهبٌ الى جهنّم.
يسوع المسيح، لم تكتفِ بالموت على الصليب متألماً من أجلي، بل دفعت ذاتكَ اليَّ طعاماً وشراباً. لماذا؟ لأن نسيجَ كياني برُمَّته فاسد، معَفَّن، موبوء بالجراثيم والآثام. انا بجملتي إنسانٌ متعفِّن، مهترىء، معدّاً للمزابل، معدّاً للطمس في القبر بلا رجاء. ولكن اليوم وامام صليبِكَ يا يسوع، كنتُ ميتاً في الخطايا والزلّات فجاء صليبُكَ يُنعشني، كنتُ تحت سلطان الشيطان فجاء صليبُك يحررّني من الشيطان والخطيئة والموت وكلُّ أعداء الإنسان. يسوع، بموتكَ أنقذتني من الموت. مَن كان يستطيع أن يتصوَّر أن الموت يُنقِذ من الموت؟ انا الآن اؤمن ايماناً مطلقاً بأن موتَكَ أنقذني من الموت وأن آلامكَ تُداويني وتداوي آلامي، وجراحكَ تداوي جراحي، وأن صليبَك هو الدواء الشافي لجميع أمراضي الروحية والنفسية والجسدية. فانا بجملتي خاطىء أثيم وأنتَ بجملتِكَ بِرٌّ وخلاصٌ لطالبيك. فيا يسوع يا ابن الله، ايها المصلوب امامي، أطلبُ منكَ أن تجعل صليبك درعاً ليحفظني من هجمات الشياطين. يسوع، صليبَك هذا، إغرِسهُ في كلِّ كَياني، أختم كلَّ ذرّات كياني ليحفظني من عدوانات الشياطين. بيديكَ المبسوطتَين على الصليب بارِك الناس أجمعين، باركنا نحن عبيدِكَ المؤمنين وقوِّنا لكي نسجدَ لكَ سجوداً قلباً نقياً طاهراً. بدمِكَ الطاهر الكريم إغسلنا وطهِّرنا من كل إثمٍ. ربي يسوع المسيح لكَ المجدُ والإكرام والسجود، امام صليبِكَ في الجلجلة يلتصق جبيني بالأرض، شاعرٌ بأني انا الخزي والعار وبأني لا أستحق أن أرفع رأسي وأنظر الى صليبكَ ولكن انتَ الحنون الرحيم، فقد قبِلتَ أن أُعانق صليبَك. أسجد أمامك يا يسوع مقبِّلاً قدمَيكَ الطاهرتَين لتُعتِقني من كل جرائمي. يسوع، انت مجرَّدٌ من الثياب هذا صحيح، ولكنك بالمقابل مجرَّدٌ من كل عيبٍ ومن كلِّ إثمٍ وجسدُكَ هو معضل الطهارة. كل ما جرى لكَ في حياتِك كان شفاءً لي، فأنتَ الطبيب الشافي. لماذا أتيتَ الأرض؟ أليسَ لتداويني، لتشفيني، انتَ طبيبي الشافي وطبيب البشرية جمعاء ولذلك إكتسحَ صليبَكَ العالم فاتحاً كبيراً، للسلام والأمن لا بالسلاح. هدَيتَ الناس الى صليبِك، فصليبُك هو قيامةٌ وحياةٌ لشعبِكَ وعليه وضعنا رجاءنا. فيا يسوع الحبيب، إرسم صليبِك في كل كياني واجعلني أحمل صليبَك مدى العمر، تُرسَاً سيفاً، درعاً، طعاماً، خوذةً، شراباً. انتَ قُلتَ لتلاميذك عشية الخميس العظيم “خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُكسَر من أجلكم، إشربوا هذا هو دمي الذي يُهراق من أجلكم”، هكذا إرتضَيت أن يُكسَر جسَدُكَ، أن يُسفكَ دَمُكَ، أن تُسحقَ بالآلام لكي تتحوّلَ الى مسحوقٍ طبيٍّ يشفي كلَّ روحي وكلَّ جسدي. هذا المسحوق الذي أتناوله طعامي وشرابي هو الدواء لكلّ ضُعفي. روحي ضعيفة وجسدي ضعيف وانا برمَّتي ضعيفٌ خاطىء. انا أحتاج الى مسحوق طبي إلهي يداوي ذلّي وضعفي وعاري. يسوع انا إنسانٌ مهترىء، لا يمكن تجديد إهترائي الا بدمكَ الطاهر الكريم فجدّدني بجُملتي بجسدِك الطاهر ودمِك الكريم. دمُكَ المهراق على الصليب يا يسوع إجعله حماماً يطهِّرني من كلِّ إثمٍ وخطيئة ويُزوِّدني بكلِّ برٍّ وقداسة. انتَ قلت من أجلهم أُقدِّس ذاتي ليكونوا هم مقدَّسين بالحق. انتَ أيها الخروف الفصحي، قدَّست ذاتَكَ بالآلام لكي أتقدَّس انا بآلامِك. آلامثك هي حياتي، صليبُكَ هو حياتي، وجودُك على الصليب هو حياتي. كلُّ شيءٍ في هذا الكون هو فراغٌ وقبضَ الريح الا أنتَ يا يسوع. كلُّ البشر الى التراب ولكنك انتَ صعدتَ الى السماء لتُصعِدَنا معك الى السماء في ملكوت البرِّ والقداسة. يسوع المسيح، كنتُ النجاسة والآن بدمِكَ المهراق على الصليب صرتُ مطهَّراً نسبياً، فيا يسوع لا تجعل صليبَك يُغادرني، لا تجعل صليبك يغادرني لأنه إن غادرني أكلَتني الوحوش واستبدَّت بيَ الشياطين. انتَ ملاكي الحارس الأوحد. صليبُكَ يا يسوع غلَبَ الخطيئة والجحيم والشيطان والشرور والفساد والإنحلال. كلُّ البشر كانوا مُعَدّين للهلاك والتلَف بدون أي رجاء أما الآن يا يسوع فقد أصبحنا برمَّتنا رجاءً حاراً نرجوك من كل قلب. تعال أيها الرب يسوع، تعال. الذين لا يؤمنون بقوة صليبِك هم غائبون عن الوجود الحقيقي. بصليبِكَ نستحقُ القيامة، لولا صليبك لما وَصَلنا الى القيامة. بعدَ أن غسَلتنا بدمِكَ على الصليب صِرنا جديرين بأن نحيا معكَ وأن نقوم معك من القبر لنحيا معكَ الى الأبد. كلُّ خيرات الأرض تدفَّقت علينا فاستحققنا الحياة بدَلَ الموت، فصِرنا تحت حكم الله بدلاً من حكم الشيطان. أين غلبَتُكَ يا موت اين قوتكِ يا جحيم؟ الكل ذهبَ قبضَ الريح ولم يبقَ الّا صليبِ يسوع مغروساً في وسطِ الأرض ليلتمسَ الناسَ منه الرحمة والحنان واللطف والشفقة. هل كان في الأرض أمانٌ وسلامٌ؟ انتَ فتحتَ لنا الفردوس. لما قلتَ للصِّ اليمين بأنه سيكون معكَ في الفردوس، فتحتَ لنا الفردوس المغلَق. لم تكتفِ يا يسوع من غسلِنا من خطايانا وتطهيرِنا من آثامنا ومن تجديد قوامنا وتجديد أجسادِنا المهترئة ونفوسِنا الفاسدة الجهنمية بل ألبَسْتنا ثوبَ المعمودية المشرق بالضياء وأهَّلتنا للعيش الكريم بدل من العيش في المقت. يسوع، أيُّ شيءٍ حسَنٌ لم تصنَعهُ؟ بذَلتَ دمَك وهل يبذل الإنسان دمهُ عبثاً. من اجل مَن بَذَلته؟ بذَلتَه من أجل تنظيفي. لا أرى فيَّ مكاناً صالحاً. الكل هوان، لا أستطيع ان أفتخر الا بصليبِكَ يا ابن الله. صليبُكَ فقط هو فخري وما سواه هو موتٌ أسود. يسوع، لا أريد ان أموت موتاً أسودَ. انتَ إذن أرسِل روحكَ القدوس الى قلبي. يسوع، في نظر الناس انتَ محكومٌ عليكَ بالموتِ والإهانة والإذلال والسُخرية، ولكن في نظري انا المؤمن ونظر المؤمنين، انتَ ملكٌ متَوّجٌ على الصليب. في سفر الرؤيا ذِكر لعُرس الحمَل. العرس للحمل ولكن هل للحمَلِ عُرس؟ الحَمَل الفصحي يُذبح ليؤكَل طعاماً فصحياً وانت مذبوحاً على الصليب طعاماً فصحياً ولكنَّكَ انتَ عِريسٌ أيضاً للكنيسة التي خرَجت من جنبِكَ كما خرجَت حواء من جنبِ آدم. ما هذا العُرس العظيم؟ إذن ليس الصليبُ عاراً وليسَ الصليبُ خزياً وليس الصليبُ غمّاً وحزناً وليس الصليبُ إهانةً. الصليب عُرسٌ. الحَمَل الفصحي هو الكنيسة يا للسر العظيم. مساميرك عرس، حربتك عرس، إكليل شوكك عرس، جلداتك عرس. كيف هذا يا إلهي؟ نعم. عرسٌ لأنكَ بها أنقذتنا من الفساد واختصصت بنا شعباً خاصاً بكَ، شعباً كهنوتاً ملوكياً يملكُ معكَ الى الأبد. انتَ افتيدتنا بدمكَ الكريم واشتريتنا بدمِكَ الكريم وصِرنا لكَ بدمِكَ الكريم. في يوم صلبِك صرنا لكَ في الصليب، صرنا مُلكاً لكَ، بذلتَ دمكَ من أجلنا فصِرنا لكَ. إشتريتنا بدمكَ. لماذا؟ لكي تشترينا، لكي تمتلكنا. الآن بالصليب نحن مُلكَك يا يسوع. ما دامت الكنيسة خرجت من جنبكَ الطاهر ونحن أعضاءٌ في الكنيسة وأعضاءٌ في جسدِك فإذن بهذا الدم الكريم صرنا كُنيةً لكَ، ملكاً لكَ، صرنا لكَ، صرنا شعبَكَ الخاص، صرنا خاصَّتكَ. إفتدَيتنا بدمكَ الكريم، صرنا لكَ بدمكَ الكريم. كلُّ الخيرات تنبعُ من جنبِكَ الطاهر، كلُّ المجد يخرج من جنبكَ الطاهر وأنتَ ذبيحتنا الفصحية، والذبيحة الفصحية إحتفالٌ دينيٌّ مهم كثير. نحن أمام الصليب نحتفل بهذا العرس العظيم، عرس خروجِنا من الجحيم ودخولِنا فردوس النعيم. يسوعي انتَ الأول والآخر، انتَ الآتي الى العالم لشراء الجنس البشري من لعنة الناموس وتكريسِه عضواً نقياً طاهراً لرب المجد له المجد والإكرام والسجود الى أبد الآبدين ودهر الداهرين، آمين. من أجل صليبك الكريم أُمحو خطايانا وزلاّتِنا واشفِنا من أمراضِنا وأوجاعِنا. من أجل صليبك الكريم أَنقِذ البشرية جمعاء من السُقم والعُقم والفساد والإنحلال والعداوات والخصومات والحروب وكل المظالم والويلات والأمراض ومن كل خطرٍ وضيقٍ وشِدَّة. ربي والهي يسوع المسيح بصليبك الكريم بارك البشرية جمعاء شافياً إيّاها من الأمراض الجسدية والنفسية واجمع شملَ المسيحيين في العالم في منطقة واحدة ليعبدوك بمخافةٍ كل أيام حياتِهم. لا تُهملنا، لا تتغافل عنا، لا تبتعد عنا، كن دائماً الى جانبنا فإنكَ انت هو الاله العظيم القادر على كلِّ شيء، انتَ افتَديتنا بصليبِك فاحتملتَ الآلام الطوعية لك الحمد، لك الشكر، لك التسبيح يا إلهنا من الآن والى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.