} جيد ألا تخطئ وان أخطأت فجيد ألا توخر التوبة وان تبت فجيد ألا تعاود الخطيئة {
( القديس باسيليوس الكبير)
” ان لم تتوبوا فجميعكم تهلكون ” ( لوقا 13- 3)
” توبوا وارجعوا فتمحى خطاياكم ” ( اعمال الرسل 3- 19 )
ايها الاحباء : يقول الاباء القديسون ان احساس الانسان بخطيئته هي نعمة وعطية عظيمة من السماء، وهي نعمة اهم من رؤية الملائكة .
لهذا فان الانجيل او الخبر السار يبدأ وينتهي بنداء التوبة. ويؤكد اباء الكنيسة على ان القرابين والصلوات التي يقدمها الانسان لله عن نفسه كأنسان صالح لا تصل الى عرش الله ، لان ابن الله قد اتى ليدعو لا الذين يعتبرون انفسهم ابرار ،بل الذين يقرون بأنهم خطأة ( متى 9- 13) .
لذا التوبة هي اهم وصايا الانجيل ،هي العجيبة السماوية التي صالحتنا مع الله بعد ان سقطنا ، التوبة هي تدفق للنور الالهي وانسكابه علينا، لماذا ؟.
لان المسيح قبل بدء بدعوته الناس الى التوبة قال :” ان الشعب السالك في الظلمة قد ابصر نورا عظيما والذين في الظلام اشرق عليهم النور.
اذا التوبة لها علاقة بالنور العظيم الذي يشرق على الذين هم في الظلام والى اقتراب الملكوت السماوات. التوبة اذا استنارة وعبور من الظلام الى النور. وذلك لانه من المستحيل ان نرى خطايانا قبل رؤية نور المسيح ،ويشير الى ذلك القديس ثيوفانس الحبيس بقوله،
مادت الغرفة مظلمة فاننا لا نلاحظ قذراتها ولكن اذا اضيئت بقوة نرى فيها حتى اصغر حبة غبار ،والامر نفسه ينطبق على غرفة نفسنا .
اذا نحن لا نستطيع ان نتوب قبل ان يدخل نور المسيح في حياتنا ويجعلنا نفهم خطيئتنا بشكل حقيقي .
لاجل هذا ولاهمية التوبة فكانت العظة الاولى والوصية الاولى التي نطق بها يسوع ، وايضا هي الكلام الاخير الذي صدر من يسوع قبل صعوده الى السماء، اذ فتح اذهان الرسل وأهلهم ان يفهموا الكتب المقدسة ثم قال لهم : كان لا بد للمسيح ان يتألم ويقوم من بين الاموات وفي اليوم الثالث يقوم وان يكرز بالتوبة ومغفرة الخطايا (لوقا 24)
هذا يعني ان وقت الحياة كلها وحتى الابدية وكل حياتنا على الارض ينبغي ان تكون مجالا للتوبة .
واليكم مثلا لهذا الكلام : القديس ساسين شيخ كبير عاش اكثر من ستين سنة بتوبة ونسك، وهو ملقى الفراش الموت اذ ظهر له السيد المسيح ، فقال له : اعطيني ياسيدي المسيح الوقت لكي اتوب . فقال له الاخوة المتحلقين حول فراشه ألم تتب بعد يا ابانا ، فاجاب القديس : صدقوني يا اخوتي اني لم أبدأ بعد توبتي .
هذا القديس حول الحياة كلها الى توبة والتوبة الى حياة ،لانه كلما ملاته التوبة كلما ازداد شوقه اليها ، لان التوبة توَلد النقاوة الاكثر ارضاء لله ،وفي الوقت نفسه فان التوبة هذه توَلد العطش الى نقاوة اكثر كمالا .
يا احبائي ان قبولكم لمسيحيتكم وايمانكم بالمسيح يسلتزم ان تدركوا وتعوا لخطاياكم وان توبوا كي تبقوا مسيحيين .لا غش فيكم ، لابد ان تروا خطاياكم وان تعترفوا بها وتتوبوا عنها،
كونكم جماعة المؤمنين اي انكم أمنتم بالمسيح ، والايمان بالمسيح وحده لا يكفي ،اذ ارني ايمانك باعمالك ، والعمل الاجلى للتعبير عن الايمان بيسوع هو التوبة والعودة اليه،
اذ نحن نخطئ كل يوم لذا يجب ان نتوب في كل لحظة عن الخطيئة ،هي ايمان وتعبير عن الايمان بان يسوع المسيح هو حاجة دائمة لانه هو ثابت وبه نولد ونتحرك ونوجد وبدونه لسنا بشيء.
سؤال مهم لماذا لا نتعرف ؟ ما السبب؟ اغلبيتنا لا تمارس سر التوبة والاعتراف مثل ممارستنا للسر الشكر الالهي اي القداس الالهي .
هل لاننا تربينا في صغرنا على عدم ممارستنا للسر التوبة والاعتراف ،وايضا لعدم شعورنا بالحاجة اليه في شبابنا وشيخوختنا . ولكن ما الحل؟ . بعد ان عرفنا ان سر التوبة والاعتراف هو عبور من الظلمة الى النور والدخول الى ملكوت السماوات .
هنا اتوجه الى الاخوة الذي يتعاطون التعليم المسيحي في هذه الرعية ، ان يوجهوا الاطفال والشباب الى ممارسة سر التوبة والاعتراف ، كما يوجهنهم ويعلمونهم القداس الالهي ، ان يدربوهم على ممارسة هذا السر العظيم ، لان الحياة الروحية بحسب الاباء لا تفعل بصورة جيدة ، الا اذ عاش الانسان الاسس الصحيحة للحياة المسيحية منذ الطفولة .لهذا يجب التشديد على اهمية الاحتفال بهذا السر منذ الطفولة الاولى ليتعلموا التوبة والتهيئة لها كما المناولة والتهيئة لها .
اذا نأتي الى يسوع بالتوبة ،ويسوع يأتي الينا بالمناولة الالهية . حيث يدخل المسيح فينا لنصبح معه جسدا واحدا ،وبالتوبة والاعتراف نعود اليه لنصبح واياه روحا واحدة . اذا السرين مترابطان معا
اذ لا مناولة حقيقية بدون توبة حقيقية ،هكذا يقول الاباء القديسون ان استحقاقنا للمناولة يكمن في الاستعداد واول الاستعداد هو التوبة |، اذ كيف اتقدم الى انسان كي أكل واشرب على مائدته وانا بارادتي بعيد عنه ،وكم بالحري ان كان يطعمني اغلى ما عنده وهو جسده ودمه اللذان سفك على الصليب من اجلي .
لان بالتوبة يصبح الانسان الها ، لان التوبة تفعيل للتأله الذي حل فينا ، بتجسده وايضا بالذي اخذناه من المناولة الالهية .
اخيرا لا بد من ملاحظتين حول سر التوبة والاعتراف:
الاولى: ليس عندنا في الكنيسة الارثوذكسية ما يسمى سر الاعتراف ، بل سر التوبة والاعتراف ،مثل سر القربان المقدس ،فالقربان بحد ذاته هو خبز وليس بمقدس الا بحلول الروح القدس الكلي قدسه .
وهكذا الامر بالنسبة للاعتراف اذ هو مجرد كلام ولا اكثر ولا اقل ، اذا اعتبرناه مجرد سرد للخطايا ، اذا لم يقترن الاعتراف بالتوبة ،فليس له علاقة بالناحية الاسرارية اي التقديسية
غاية الاعتراف هو العودة الانسان للذات البشرية اما التوبة هي عوة لله عبر الكنيسة. اذا في الفكر الكنسي ليس الاعتراف بالخطأ فضيلة بل يجب ايضا ان يتوب الانسان .
الملاحظة الثانية : يجب عدم النظر الى التوبة على انها عقاب او تكفير عن الخطيئة، لاننا لا نستطيع ان نمحو خطأنا بمجهودنا الشخصي بل المسيح واسطتنا الوحيدة هو الذي يصلح خطأنا.
يجب ان ننظر الى التوبة من المنظار الدواء الشافي لا القانوني ، التوبة ليست عقابا بل هي وسيلة شفاء، التوبة دواء . التوبة هي جسر بين التائب والرب وهي تعبير عن محبة الرب لنا .
لهذا آمنوا وتوبوا واعترفوا بخطاياكم لانه ليس هناك الا طريق واحد للخلاص هو التوبة، بوابة الله .آمين