الاستعداد للمعموديّة
يذكر القدّيس فترة تهيئة للعماد تتضمن الوعظ، وفي هذا كتب العظات الثماني عشرة لطالبي العماد، ويذكر أيضاً أنه يتم تسجيل أسماء طالبي العماد، وانه في هذه الفترة تتم تلاوة الكتب المقدسة، ويتم الوعظ، ثم يطلب منهم أيضاً السهر والصلاة "هيّئوا قلوبكم لتقبّل التعاليم والمشاركة في الأسرار المقدّسة. ثابروا على الصلاة لكيما يجعلكم الله مستحقّين للأسرار السماويّة …اذكروا الدينونة فتخلصوا." ثمّ يطلب من الذين هم غير مستعدّين بالشكل المناسب العودة في وقت آخر "فاخرج الآن وعد غداً وأنت أكثر لياقةً. إن كنت تهتم بنفسك فالبس ثوباً آخر وعُد. إنّي أنذرك قبل أن يدخل عريس النفوس، يسوع المسيح." ضارباً لهم بذلك مثل المدعوّ إلى العرس وليس عليه ثوب العرس.
ويذكر القدّيس دور المكلّفون بالتقسيمات، ودورهم في أن يوقظوا النفس، فيهرب الخصم-الشيطان-ويبقى الخلاص ورجاء الحياة الأبديّة. ويذكر لهم كيفيّة حفظ النظام وقت التّقسيمات، ويطلب القدّيس من طالب العماد المثابرة على التعليم، وضرورة المجهود الفكري من اجل فهم التّعليم.ويذكّر أيضاً بضرورة كتمان هذه التعاليم على غير المؤمنين" إذا سألك موعوظ من الخارج(أي الذي لم يُقبَل بعد كطالب عماد) عمّا يقوله المعلّمون، فلا تقل شيئاً، لأننا نسلّمك سراً ورجاء في الحياة الأبديّة."
مراسيم المعموديّة
أولاً: في رواق بيت المعموديّة:
1- التوجّه إلى الغرب:
بعد أن يتلو الكاهن الإستقسامات على المزمعين أن يتعمّدوا. يذهبون إلى رواق بيت المعموديّة وهناك يتّجهون نحو الغرب، فالغرب هو منطقة الظلمات المرئية، والشيطان الذي هو ظلام يبسط سلطانه على الظلمات، فأنت تكفر به وتقول:"أنا لم أعد أخشى قوّتك لأن المسيح سحقها إذ اشترك معي في الدم واللحم ليبطل الموت(عبر2:14-15)".
2-جحد الشيطان وأباطيله وأعماله وعباداته:
"في المعمودية دخلتم أولاً رواق العماد، ووقفتم متجهين إلى الغرب وكفرتم بالشيطان، "إني اكفر بك أيها الشيطان"، كما لو كان حاضراً، ثم تضيف"…وبكل أعمالك"، فأعمال الشيطان هي كل خطيئة ويجب التخلّي عنها، " ثمّ تقول:"…وبكل أباطيلك" وأباطيل الشيطان هي منكرات المسرح وسباق الخيل ومطاردة الوحوش في الميدان وكل الأباطيل من هذا القبيل التي يطلب القديس من الله أن ينقذه منها قائلاً:"اصرف عينيّ عن النظر إلى الباطل" (مز37:118) . ثمّ تقول "…وبجميع عباداتك" وعبادات الشيطان هي الصلوات والإكرام الذي يُقام في معابد الأصنام مثل إضاءة المصابيح أو رفع البخور . فعليك أنت أولاً ألا تزاول مثل هذه الأعمال. وتعتبر من أعمال الشيطان أيضاً أعمال العرافة والتنجيم والأفعال السحريّة وغيرها. فتجنب كل ذلك لأنك لو انسقت إليها بعد أن تكون قد كفرت بالشيطان وتبعت المسيح،ستجد المستبدّ أكثر قوةً وستُحرم المسيح وتتعرّف إلى الشيطان وبعد أن تكون قد وضعت يدك على المحراث (لو62:9) فلا تتراجع إلى الوراء نحو الأفعال المرّة لهذه الحياة".
3-التّوجّه إلى الشرق والجهر بالإيمان :
فأنت إذاً عندما تكفر بالشيطان تدوس بقدميك كلّ ميثاق معه (أشعيا15:28) وعندئذٍ ينفتح أمامك " فردوس الله الذي غرسهُ في عدن شرقاً" وطُرد منه أبونا الأول لعصيانه (تك23:3) ورمزاً لذلك اتجهت من الغرب نحو الشرق الذي هو منطقة النور وتقول عندئذٍ "أؤمن بالآب والابن والروح القدس….وبمعموديّة واحدة لمغفرة الخطايا".
ثانياً:المراسيم داخل بيت المعموديّة:
1-خلع الرداء:
"حالما دخلتم خلعتم ردائكم، وكانت هذه صورة لخلعكم الإنسان القديم مع كل أعماله (كولسي9:3) وأصبحتم عراةً مقتدين بالمسيح الذي كان عارياً على الصليب الذي بعريه"خلع أصحاب الرئاسة والسلطة وعاد بهم في ركبه ظافراً (كولسي15:2). إذ بما أنّ القوات المعادية كانت تسكن في أعضائكم فلم يعد من المسموح لكم أن تلبسوا هذا الرداء العتيق.إني لا أتحدث عن هذا الثوب الذي يقع تحت الحواس بل عن الإنسان العتيق الذي تفسده الشهوات الخادعة" (أفسس22:4) فعلى النفس التي خلعته ألا تستردّه. يا للعجب! لقد ظهرتم عراةً أمام أعين الجميع ولم تخجلوا.لأنكم تمثلون فعلاً صورة الأب الأول آدم الذي كان عارياً في الفردوس بدون أن يخجل (تك25:2)".
2- المسح بالزيت:
"ولمّا خلعتم ثيابكم مسحتم من قمّة رؤوسكم حتّى أقدامكم بالزيت المُعزَّم وأصبحتم شركاء يسوع المسيح. فالزيت المُعزَّم يبعد كلّ أثر لسلطان العدو لأنه يتلقى باستدعاء اسم الله والصلاة قوة التطهير ويحرق آثار الخطيئة ويطرد جميع قوّات الشر غير المنظورة".
3-التغطيس:
"بعد أن أدليتم بالاعتراف الخلاصي غُطّستم في الماء ثلاث مرات و خرجتم منه ممثلين بذلك دفنَ المسيح الذي استغرق ثلاثةَ أيام. لأنه، كما أن المخلص بقي في جوف الأرض ثلاثة أيامٍ و ثلاث ليالٍ (متى40:12)، كذلك أنتم خرجتم من الماء أول مرّة لكي تُمثلوا اليوم الأول الذي قضاه المسيح في الأرض ، و غطستم فيه لتمّثلوا الليل، لأنه كما أنّ الذي في الليل لا يرى شيئاً، و لما خرجتم منه أصبحتم كمن هو في وضح النهار . و في اللحظة ذاتها مُتم وَولِدتم ، و أصبح هذا الماء الخلاصيّ لكم قبراً و أمّا في وقت واحد. وما قاله سليمان في موضع آخر يمكن تطبيقه عليكم ، إذ هو قال :"للولادةِ وقتٌ و للموتِ وقت "(جامعة 2:3)، و لكن الأمر بالنسبة لكم حقّق الاثنين معاً: في الوقت الذي متم كان ميلادكم"[1].
5-اللباس الأبيض:
"وفي هذا يقول سليمان مُشيراً إلى ذلك "ولتكن ثيابك بيضاء في كلّ حين، لأن الرب رضي عن أعمالك" (جامعة1:9-2). أما الآن، وقد خلعت ثيابك القديمة ولبست البياض الروحيّ، يجب أن تظلّ ثيابك دائماً بيضاء. أي أن ترتدي النقاوة والبهاء الروحيّ "تبتهج نفسي في الربّ، لأنه ألبسني ثوب الخلاص وشملني برداء البرّ والبهجة" (أشعيا10:61)".
4-مسحة الميرون:
عندما خرجتم من بركة المياه المقدّسة قبلتم المسحة (الميرون)، وهي الصورة الحقيقيّة لمسحة المسيح وأعني بها الروح القدس "إنّ روح الرّب مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء (أشعيا 1:61و لو18:4). لقد مُسح المسيح بزيت البهجة الروحي أي الروح القدس، أما أنتم فمُسحتُم بالدهن وصرتُم شركاء المسيح، ولقد مُسحتُم أولاً على الجبين لتُعتقوا من وصمة العار التي كان يحملها في كل مكان الإنسان الأول العاصي، ثمَّ على الآذان لتحصلوا على آذان تسمع الأسرار الإلهيّة كما قال الرّب يسوع "من كان له إذنان فليسمع" (متى 15:11)، ثمًّ على المناخر حتى عند قبولكم هذا الدهن يمكنكم القول "إنّا في سبيل الله عبير المسيح للسّائرين في طريق الخلاص" (2كو15:2). بعد ذلك على الصّدر لكيما بعد أن تدرّعتم بدرع البرّ تستطيعون مقاومة مكائد إبليس فحافظوا على هذه المسحة بلا دنس لأن هذه المسحة المقدّسة هي صيانة روحيّة للجسد وخلاص للنفس".
6-المشاركة في الإفخارستيّا:
ويشارك المعمّدون لأوّل مرّة في سرّ الإفخارستيّا "ويقول الكاهن في القدّاس الإلهي "القدسات للقدّيسين". "القرابين المُقدّمة على الهيكل مُقدّسة، لأنها تلقت حلول الروح القدس عليها. وأنتم كذلك قدّيسون، بما أنكم وُجدتم جديرين لإقتبال الروح القدس. فالأقداس للقدّيسين، هذا يتفق تماماً. ثمّ تقولون:"قدّوس واحد ، ربّ واحد، يسوع المسيح". وفعلاً ليس هناك إلاّ قدّوس واحد، أما بالنسبة إلينا فنحن قدّيسون لا بالطبيعة ولكن بالمشاركة وبممارسة الفضائل و الصلاة". ويذكر القدّيس أخيراً عظمة العماد"تأمّل في عظمة المنزلة التي أنزلك فيها يسوع!كُنت تُدعى "طالب عماد"، كنت لا تسمع من الخارج إلا صدى ما يُقال، كنت تسمع عن الأسرار دون أن تفهمها. كنت تسمع الكتب المقدّسة دون أن يمكنك أن تسبر عمقها. أنت لم تعد تسمع صوتها من الخارج، لأنّ هذا الصوت يدويّ فيك، لأن روح الله الساكن فيك يجعل من ذهنك بيتاً لله.
في معاني المعموديّة
2-العماد تطهير مزدوج:
"بما أن الإنسان مزدوج أي مركّب من نفس وجسد فلا بدّ له من تطهيٍر مزدوج، لا مادّي لما هو غير مادّي ومادّي للجسد، وهكّذا يطّهر الماء الجسد والروح القدس يختم النفس، فلنتقرّب إذاً من الله (عبر22:10) لأنه بدون الماء ونعمة الرّوح القدس لا يمكنكم أن تكونوا كاملين كما يقول الرب يسوع: "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلا إذا ولِد من جديد" ويضيف: "وكان مولده من الماء والروح" (يو3:3)".
3- أهميّة عنصر الماء:
"إذا أراد أحد أن يعرف لماذا تمنح النعمة بالماء ولا تمنح بعناصر أُخرى فإّنه يجد السبب في الكتاب المقدّس :إنّ الماء لشيء عظيم، فقدتمّ تحرير إسرائيل من فرعون عن طريق الماء، وحيث يُقام عهد مع أحد يوجد هناك ماء،فبعد الطوفان أقام الله عهداً مع نوح(تك9:9)، ورُفع إيليّا إلى السماء وكان هناك ماء، ولا يقدّم رئيس الكهنة البخوّر إلا بعد أن يغتسل بالماء(خر4:29)، وكان رمز العماد هو المغسل داخل الخباء(خر7:40)".
5-معموديّة الدّم:
"إن لم يتلقّ أحد العماد فهو لا يستطيع أن يحصل على الخلاص، فيما عدا الشهداء الذين يدخلون الملكوت من دون غسيل الماء، لأن المسيح افتدى العالم بالصليب ومن قَلبه الذي طعنه أحد الجنود بحربةٍ "خرج دمٌ وماء"(يو34:19) لكي يُعمّد البعض في الماء وقت السلم، ويُعمّد البعض الأخر في دمهم وقت الاضطهاد. ويسمّي المخلّص الاستشهاد عماداً عندما يقول:أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها أو تقبلا المعموديّة التي سأقبلها(مر38:10)".
7- المعمودية تكريس وتلمذة للمسيح:
"أنتم تنزلون في الماء بخطاياكم، ولكن دعوة النعمة التي تختم نفوسكم لا تترككم تحت سيطرة التنين المرعب، أنتم تنزلون أمواتاً بخطاياكم وتصعدون أحياءً بالبرّ(رومية2:6-بط1 24:2). وبعد أن يجعلكم جديرين بالنعمة، يمنحكم سلطاناً تُحاربون به القوّات المعادية، لأنه كما هو بعد العماد جُرّب مدة أربعين يوماً، (لا لأنه لم يكن في استطاعته أن يقهر بعد العماد، ولكن لأنه أراد أن يعمل كل شيء بترتيب وفي حينه). كذلك أنتم لم تكونوا لتجرؤا قبل العماد أن تكافحوا قوّة العدو، ولكنكم بعد تلقّي النعمة، أصبحتم قادرين على الكفاح، وكلكم ثقة في سلاح البرّ(2كو7:6)".
8-دور الروح في العماد:
"كان يسوع المسيح ابن الله، ولكنّه لم يبشر بالإنجيل قبل العماد، فإذا كان الرب نفسه اتبع هذا النظام، فلا يجوز لنا نحن خدّامه أن نخالفه في نظامه. وبعد ذلك بدأ يسوع يبشر (متى17:4) عندما نزل عليه الروح القدس بهيئة حمامة (لو22:3) إن كانت لك تقوى صادقة فإنّ الروح القدس سينزل عليك، وتسمع أنت صوت الآب، ولكن لن يقول" هذا هو ابني" (متى17:3)، بل "هذا أصبح ابني الآن".لأنك لست ابناً بحسب الطبيعة، ولكنك تتلقّى التبنّي، المسيح هو ابن الله منذ الأزل ولكنك أنت تصبح ابنه في اللحظة التي تتلقى فيها النعمة".
4-الموت الرمزي والخلاص الحقيقي:
"نحن لم نمت حقّاً، ولم نُصلب حقاً، ولم ندفن ونقم حقاً، وإن كان التمثيل صوريّاً إنما الخلاص تمّ حقاً. لقد صُلب المسيح ودَفن وقام فعلاً من بين الأموات، فكلّ هذه النعمة أُعطيت لنا حتى إذا اشتركنا في آلامه بتمثيلها ننعم بالخلاص الحق"
6- نِعم العماد الثلاث :
"وإن كان العماد لتطهير الخطايا والمشاركة في موهبة الروح القدس، فهو أيضاً صورة للآلام المسيح فينا. لذلك يقول بولس الرسول "أو تجهلون أنّا وقد اعتمدنا في يسوع المسيح إنّما اعتمدنا في موته فدُفنا معه في المعموديّة لنموت فنحيا (رومية3:6-4) ، فالمسيح تعذّب فعلاً لا ظاهريّاً. وهو مات فعلاً ونفسه انفصلت عن جسدهِ ودفنه كان حقيقة واقعيّة. أما بالنسبة إلينا فالحالة تختلف، إذ كان موتنا شبه موته ِوآلامنا كانت شبه آلامه "لأننا إذ كنا غُرسنا معه على شبه موته فنكون على شبه قيامته أيضاً" (رومية5:6) ولكن خلاصنا لم يكن شبه خلاص. إنما خلاصاً حقيقي فاحفظوا إذاً هذه التعاليم في ذاكرتكم، لكي أستطيع أنا غير المستحق أن أقول لكم إني أُحبكم لأنكم تذكروني في كلّ أمر وتُحافظون على التقاليد كما سلّمتها لكم (1كور2:11).