ما علاقة النور بالتوبة
عظة الاحد :”الاحد بعد عيد الظهور الالهي الكبير الثاني
متى (12:4-17)
في ذلك الزمان لمّا سمع يسوع أن يوحنا قد أُسلم انصرف إلى الجليل. وترك الناصرة وجاء فسكن في كفرناحوم التي على شاطئ البحر في تخوم زبولون ونفتاليم. ليتم ما قيل بأشعياء النبي القائل: أرض زبولون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. ومنذئذٍ ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات.
العظة
باسم الآب والابن والروح القدس ,آمين
ايها الاحباء: ما زلنا نمضي اوقاتا واياما حلوة ومباركة مع عيد الغطاس ومع يوحنا المعمدان، ذاك الذي ظهر معلنا عن مجيء يسوع المسيح ،وقد عرَفنا عليه اضافة لانه هيَا الشعب من اجل ان يكون مستعد لمرحلة روحية جديدة ،تقود البشرية الى الخلاص.
وبداية المرحلة الجديدة بحسب يوحنا المعمدان، يجب ان تكون من خلال كشف عن الخطيئة وقطعها نهائيا ،لذلك يقول النص الانجيلي الذي سمعناه الآن يقول :” الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما “.
اما بحسب راي يسوع فان بداية المرحلة الجديدة يجب ان تبدأ بالتوبة، لذلك فكانت اول كلمة او اول عظة قالها السيد للشعب، من بعد معموديته، كانت “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات” (متى 17:4)، يدعوهم بها إلى التوبة، هي قصيرة ومهمة لأنها تشكل أمراً أساسياً في حياتنا الروحية، أي أن نتوب.
التوبة كما يعرّفها الآباء القديسون هي “تغيير الذهن أو العقل”، التوبة ليست أن تبكي أو تنوح بل هي أن تغير ذهنك وطريقة تفكيرك، إن كنت تفكر دوماً بالخطيئة أو كنت منغمساً بهوى من أهوائك، عليك أن توقف التفكير به أو عنه ولتبدأ التفكير بالأمور الصالحة، وبذلك تكون قد قمت بتغيير ذهنك عن التفكير بالشر للتفكير بالأعمال الصالحة، هذا هو المعنى الحقيقي للتوبة، إذا التوبة ليست أن تبكي أو أن تعاتب نفسك، بل هي أن تغير ذهنك لتصلح حياتك، لتصلح ذاتك فتصبح إنساناً جديداً.
ولذلك علينا أن نتوب ونعترف بقلب طاهر بخطايانا . فإنَّه مَن يُخفي خطاياه يُسبِّبُ فرحاً للشيطان وأمَّا مَن يعترف بها فيكون مصدر فرحٍ عظيمٍ للملائكة وسعادةً لله . لأنَّ الله لا يفرح بتسعةٍ وتسعين بارَّاً بقدر ما يفرح بخاطئٍ واحدٍ عندما يتوب توبةً كاملةً وطاهرة . وبما أنَّ الله يفرح هكذا من أجل توبتنا فلا يجوز لنا أن نحمل خطايانا إلى ساعةِ موتنا والّتي تصبح كالصدأ لنفسنا ، بل يجب علينا أن نرفضها وأن نعترف بها مثل العشَّار لأنَّه حينما يقوم جميع الراقدين عند المجيء الثاني للمسيح فإنَّنا سنعطي حساباً على كلِّ أفعالنا وأفكارنا وأقوالنا .( للقدِّيس صفرونيوس البلغاري)
اما من ناحية الاخرى، عن أي نور يتكلم يوحنا المعمدان ؟، عن نور المسيح، كلنا أخذنا هذا النور يوم المعمودية، لكن أمازال مشتعلاً فينا؟، أمازال ينير الظلمة التي دخلنا فيها بسبب خطايانا؟، كل إنسان معمّد لديه نور المسيح وخصوصاً الذي يشترك بجسد المسيح ودمه، أما الذي لا يشترك بهما لا يغذي هذا النور بل يدعه ينطفئ، الإنسان التائب هو الذي يهيئ نفسه لاشعال النور في داخله.
احبائي : لن يشتعل النور الحقيقي، الذي بداخلكم من يوم المعمودية، بدون التوبة، فيمكن أن يكون هذا النور عند أي مسيحي خامد ولكنه سيكون متقد عند التائب فيقدسه.
اذا ما علاقة النور بالتوبة؟ كي نتوب يجب أن يدخل فينا النور، وما دمنا معتمدين فنحن نملك هذا النور. لكن ما نتائج التوبة؟ من نتائج التوبة أن يسكن فينا نور المسيح، وينضح منا هذا النور، هذه هي علاقة النور بالتوبة، هي علاقة متبادلة، أي عندما تتوب ستحصل على النور الحقيقي، ومن جهة أخرى بدون النور لن تكشف خطاياك ولن تستطيع أن تتوب توبة حقيقية مغيّراً ذهنك ومصلحاً ذاتك مطهّراً إياها.
الإنسان التائب هو الإنسان الذي يمتلك حياة جديدة ملؤها السلام ملؤها المحبة ملؤها التواضع وبالنهاية يكون الملء من روح الله، هذا هو هدف الإنسان المسيحي الحقيقي الذي يسعى لملكوت السموات.
لا تظنوا أن التوبة عمل مؤقت بل هي عمل مستمر حتى نهاية العمر، إن لم نكن تائبين العمر كله فلن نخلص، ولن نحصل على النور الحقيقي ولا على ملكوت السموات.
اخيرا: بهذه الحقيقة والصورة الواضحة التي اعلنها اليوم لنا السيد المسيح في انجيليه،باننا على عتبات ملكوت جديد ندخله ولن ندخله،الا اذ صار هذا النور مضيء في حياتنا وغيرنا حياتنا من اتجاه الى اخر حقيقي الى التوبة ،عندها يسكن فينا المسيح ويفيض منا النور وندخل الملكوت وننال الخلاص.