كيف انطلق عيد 25 كانون الأول من روما في منتصف القرن الرابع، لينتشر في كافة الكنائس المسيحية.سعت روما إلى اقناع هذا العيد منفصلاً عن عيد الظهور الإلهي، على الكنائس الشرقية. [1] لكن هذا السعي لم يكن في أغلب الأحيان سهلاً.
ففي الواقع، أصرّت كنائس شرقية كثيرة على إبقاء عيد الميلاد ضمن الإطار القديم أي مرتبطاً بعيد العماد الممتد بين الخامس والسادس من كانون الثاني.
وقد كانت المعارضة في سوريا متصلبة بشكل خاص. وحاولت روما منذ عام 375 ولعشر سنوات متتالية، أن تقنع انطاكيا بتغليب تاريخ 25 كانون الأول، لكنها لم تنجح إلا في عهد القديس العظيم يوحنا الذهبي الفم. لقد دعا الحاضرين، خلال عظة الميلاد الشهيرة في2. كانون الأول من سنة386[2] للتجمع ثانية بعد خمسة أيام، أي في 25، للاحتفال بعيد ميلاد المسيح "مهد كل الأعياد" العيد الذي "يفوق الأعياد الأخرى رعدة وإجلالاً". فبرأيه على كل فرد أن "يترك منزله ليتأمل سيدنا مستلقياً في المذود ملفوفاً في مهده، هذا المشهد الرائع الذي يثير القشعريرة".
لبّى جمهور كبير دعوته، فحاول يوحنّا الذهبي الفم في عظته الشهيرة إقناع مسيحيي كنيسته أنه يجب الاحتفال بعيد ميلاد المسيح في 25 كانون الأول لأنه التاريخ الحقيقي الذي ولد فيه المسيح.
ففي الواقع إن الرغبة في انتشار اعتماد تاريخ 25 كانون الأول للاحتفال بعيد الميلاد كانت الحافز لبدء البحث في التاريخ الحقيقي لميلاد يسوع .فحتّى ذلك الحين لم تكن هذه المسألة تحتلّ سوى مكانة ثانوية في احتفال الميلاد. يعبّر يوحنّا الذهبيّ الفم ببلاغة عن الفرح الذي يغمره أمام فكرة أن هذا التاريخ، الذي عُرف فقط منذ عشر سنوات في انطاكيا، بات اليوم يتوهّج بنور جديد، "كما لو أنّه نُقل إلينا منذ عصر قديم وسنين عديدة". إن يوحنّا الذهبيّ الفم هو الذي نجح بتغليب تاريخ 25 كانون الثاني بحيث بات هذا الأخير يُعتبر أيضاً في كنيسته تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد.
وأما في القسطنطينية فقد تم اعتماد هذا التاريخ بفضل غريغوريوس النازيانزي، المدافع عن ألوهة المسيح والمتحمس للإيمان النيقاوي ضد اريوس . وفي مصر فانه لا يوجد دليل على الفصل قبل سنة 431[3] لكنّ الكنيسة في أورشليم لم تتقبل قط أن يتم سلخ عيد الظهور الإلهي الواقع في 6 كانون الثاني عن فحواه الأساسي لصالح عيد جديد. حاول القديس جيروم استخدام بلاغته عبثاً، لكنّ المسيحيين في أورشليم تمسّكوا بموقفهم معتبرين من في الأرض المقدسة أكثر وعياً للتقاليد ممّن يقبعون في أقصى الغرب.
وفي خضم هذا الخلاف باتت الأطراف أكثر تشديداً على مسألة التاريخ المتعذّر حلّها، إذ بدأ الفريقان بالسعي لإثبات تاريخ مولد يسوع، أحدهما متمسّكاً بالسادس من كانون الثاني، والآخر بالخامس والعشرين من كانون الأول. ولم تتراجع الكنيسة في أورشليم عن معارضتها لاعتماد تاريخ 25 كانون الأول إلا في منتصف القرن السادس. وبقيت كنيسة واحدة متمسكة بموقفها، وهي الكنيسة الأرمنية التي ما زالت حتّى اليوم تحتفل بعيد العماد في 6 كانون الثاني، وهو سبب لاعتبار الشعب الأرمني "شعباً عنيداً [4] ".
ان توقيت عيد الميلاد في هذا التاريخ، أي 25 كانون الأول، لم يأتِ بطريق المصادفة، بل أُخذ من الكتاب المقدس، وذلك لان الحبل بيسوع المسيح قد تمَ في شهر آذار، أي بعد مرور ستة أشهر على ظهور الملاك للكاهن زخريا ( لوقا 1:11 )، وذلك يوم خدمة البخور في الهيكل، الذي يصادف شهر أيلول بحسب التقويم الكنسي وشهر تيسفي .( بحسب التقويم العبري ). من هنا يتضح إن ولادة الرب يسوع المسيح يجب إن تتم في شهر كانون الأول، وبدقة أكثر يوم 25 كانون الأول، لان الحبل بيسوع قد تمَ يوم عيد البشارة المصادف في 25 آذار [5].
كذلك اعتنى المسيحيون في تحديد السنة التي ولد فيها السيد المسيح، فقام في القرن السادس راهب يدعى ديونيسيوس الصغير وقال: إن ميلاد المخلص صار في السنة 754 من تأسيس روما ( أو في أواخرالسنة 753 ) وقد وافقه الكثير من الآباء القديسون هذا الرأي، فالقديس ايريناوس يقول: ان ولد سنة 751[6] ومثله قال ترتيليانوس[7] والقديس اقليموس الاسكندري واوسابيوس قالا : انه حدث ميلاد المخلص في سنة 752 .
لكن علماء التاريخ الكنسي اجمعوا على ان الميلاد حدث في سنة 749 من تأسيس روما ويستندون في ذلك إلى ما ذكره الإنجيلي لوقا من ان يوحنا السابق ابتدأ يكرز في البرية في السنة الخامسة عشرة من زمن حكم طيباريوس قيصر – وطيباريوس استلم الحكم في أواخر سنة 746 أو أوائل سنة 765 من تأسيس روما، فإذا يوحنا ابتدأ بالكرازة في سنة 799 وكان وقتئذ يسوع له نحو ثلاثين سنة فينتج انه ولد في سنة 749 وفضلا عن هذا فان يوسيفوس المؤرخ اليهودي يذكر ان هيرودس قد مات في سنة 751 من تأسيس روما وقبل موته بمدة أمر بقتل الأطفال من ابن سنتين فما دون فيكون المخلص قد ولد قبل موته لا أقل من سنة ونصف[8] .
–[1] لدينا شهادة تؤكد على ان كنيسة روما احتفلت بعيد الميلاد مستقلا عن عيد العماد قبل عام 354 حيث بهذا العام دخلت أخت القديس امبرسوس السلك الرهباني على يد البابا ليفيريوس ( 352 – 366 ) ، وشرح لها البابا أهمية هذا الحدث في حياتها ، لا سيما وانه صادف في يوم عيد ميلاد المخلص بالجسد .
[2] – .Migne P.G.T. 49, 351
[3] – بيباوي، جورج " الاحتفال بعيد الميلاد " مجلة النور 1971 العدد 9و1.
[4] – المرجع السابق
[5] -كان الربيع هو الفصل المفضل عند مسيحيي القرن الثاني والثالث، والسبب في هذا، إذا كان المسيح قد ولد في الربيع ، فان الحبل به قد بدأ لتسعة اشهر قبل ذلك الربيع ، وهذا يعني فصل الشتاء . ولكن يكفي الإشارة الى ان 25 كانون الأول هو التاريخ المقابل لـ25آذار . فان كان المسيح حبل به يوم 25 آذار فان ميلاده يكون قد تم بتسعة شهور بعد هذا الحبل وهو 25كانون الأول . لكن يجب ان لا ننسى ان 25آذار اختير على أساس انه يوم خلق العالم ، اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار ، ولكن يجب ان نقول ان حتى منتصف القرن الرابع ، لم يكن أي من هذه الأيام مهما أو موضع اعتبار عند احد في الكنيسة الجامعة .
[6] – المرجع السابق
[7] – المرجع السابق
[8] – للمزيد من معلومات عن زمن ميلاد المسيح بالجسد انظر كتاب: " دائرة المعارف الكتابية – الجزء الرابع – دار الثقافة – مصر 1992 . وأيضا مقالة بعنوان:" تاريخ ولادة المسيح بالجسد " جريدة النهار – 21 كانون الأول – 1999 .