سر التدبير الإلهي
هل الكنيسة في مجامعها المسكونية حدّدت معالم هذا السرّ؟
سقط آدم وحواء وطردا من الجنّة، وانقطعت رابطتهما الحميمة بالله، ولكن الله لم يتخلّى عن الجنس البشري، بل سار في التاريخ نحو استعادة الانسان، فأرسل الانبياء يبشّرون بهذه العودة، نشأ عن ذلك ما نسمّيه: العهد القديم، وهو برمّته نبوءات وإشارات ورموز للعهد الجديد.
الله الآب سرّ مرتضياً، فأرسل ابنه الحبيب الربّ يسوع المسيح ليصير إنساناً، فاتخّذ من العذراء مريم جسداً، حلّ الروح القدس عليهم، غريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقي يقولان: إنّه طهّرها وقدّسها، وذلك لكي تعطي الرب يسوع فضيلة بشرية خالية من أي خطيئة.
صنع الروح القدس من أحشاء مريم جسداً، وضع فيها روحاً بشريّة الرب يسوع المسيح له المجد ادحض هذه الطبيعة البشريّة التامّة بأقنومه الإلهيّ، لم تكن الطبيعة البشريّة موجودة قبل لحظة الاتحاد، كل ذلك تمّ بفعل إلهي بسرعة خاطفة جداً أسرع من البرق.
اتحدت الطبيعتان البشرية والإلهية في أقنوم ربّنا يسوع المسيح، استعملت الفعل “ادحض” وإن كان غير موجود في المعاجم، وهو مشتق من “اتّحد” اتحدت الطبيعة البشرية بأقنوم ربنا يسوع المسيح ولكن أقنوم يسوع الفاعل هو الذي ادحضها، ضمّها الى أقنومه الإلهي.
قبل التجسّد الإلهي كان يسوع المسيح أقنوماً أي شخصاً إلهياً من الاشخاص الثالوث القدّوس. نعبد التجسّد الالهي في يوم عيد البشارة صار اقنومه يضمّ الطبيعتين الإلهية والبشريّة، الطبيعيتين التامتين الالهية والبشرية هذا سرّ فوق مستوى عقل الملائكة هو سرّ إلهي نؤمن به بالايمان، فالعقل عاجز عن إدراك الحقائق الالهية، فإدراك الحقائق الالهية تدرك بالوحي الإلهي بالايمان، فهي وحي إلهيّ للبشر يقبلونه بالايمان. لاهوتياً نقول في الثالوث القدوس إن الآب يملك الطبيعة البشرية برمّتها والابن كذلك والروح القدس كذلك، الطبيعة البشرية برمّتها هي ليسوع المسيح، والطبيعة الالهية برمّتها هي ليسوع المسيح أيضاً.
كيف أتّحدت الالوهة بالطبيعة البشريّة؟
بأقنوم يسوع المسيح فقط بدون ان يتجسّد الآب والروح القدس، هذا سرّ الاسرار، لذلك لاهوتياً نقول: الالوهية تجسّدت في أقنوم الابن، اقنوم الابن فقط هو الذي تجسّد.
اتحدت الطبيعتان يوم عيد البشارة لحظة التجسّد، الطبيعة الالهية تامّة، والطبيعة البشرية تامة أيضاً ولكن يسوع المسيح أخذ طبيعةً بشريّة لا شخصاً بشرياً، لو اتخّذ شخصاً بشرياً لخلص هذا الشخص وحده بينما له المجد اخذ طبيعةً بشريةً ليخلّص الجنس البشريّ برمّته.
فهذا سرّ فوق استطاعتنا، بولس الرسول علّمنا في أفسس وكرّر ذلك بسرّ الايمان: الرب واحد ويسوع المسيح واحد، فوحدة يسوع المسيح تعني وحدة الاقنوم أي وحدة الشخص، والشخص والاقنوم مترادفان، وهذه اللحظة لا تكون متحقّقة إلا إذا آمنا بأن الطبيعة البشرية التي أخذها يسوع المسيح ليس لها شخصٌ بشريّ، بل شخص الاله يسوع المسيح صار شخصاً، وهذا ما نسمّيه لاهوتياً بالتقنين: أي الطبيعة البشرية بدون أقنوم. اتحدت بأقنوم الرب يسوع المسيح وصار أقنوم الرب يسوع هو اقنوماً لها، صارت موجودة في أقنوم الرب يسوع المسيح، فصار أقنوم الرب يسوع المسيح الاله أقنوما لطبيعته البشرية، قبل التجسّد كان اقنومه الالهي يحوي الطبيعة الإلهية، الآن صار يحوي الطبيعتين الالهيّة والبشريّة صار أقنوماً مؤلّفاً فيه الطبيعتان، وصارت الطبيعة البشريّة مقنّمة اي ذات أقنوم، من قنّمها؟ أقنوم يسوع.
صارت ذات أقنوم بشخص ربّنا يسوع المسيح، شخص ربّنا يسوع المسيح صار شخصاً للطبيعة البشرية. نستعمل كلمة “مقنّمة” لان كلمة “مشخصنة” تعني شيئاً آخر.
هذا أمر مهم جداً جداً عقيدة التقنيم عقيدة بالغة الاهمية بواسطتها نفهم كيف أن يسوع المسيح هو أقنوم واحد لا أقنومان، وهكذا عصر أرسطو عصر نسطوريوس واساتذته لم يستطيعا ان يفهما ذلك، فقالا بوجود شخصين وأقنومين في يسوع، وهذا ضلال كبير لان ذلك يعني ان الاتحاد بين الطبيعتين الالهية والبشرية مستحيل، لا يتحدّ الشخصان إنّما تتّحد الطبيعتين في أقنوم واحد، في شخص واحد وفيها جوهرين: الروح والجسد، هذا ممكن، أما اتحاد شخصين فهو غير ممكن على ما قال كيريلوس الاسكندري.
لذلك فالنسطورية مرفوضة تماماً، الخلاص لا يتمّ إلا باتحاد تام بين الطبيعتين الالهية والبشرية في شخص يسوع المسيح، وهكذا في يوم البشارة العظيم، عاد الله الى الانسان فضمّه إليه، في اليهودية الله بعيدٌ جداً جداً ومرهوب جداً جداً. في المسيحية صار الاله إنسانا ليصم الانسان كلّ انسان إليه.