الذكرى الخمسون
انتفاضة أرثوذكسية
في 14- 11- 1958 انتخب ثيوذوسوس أبو رجيلة بطريركا،فكان للحدث دويَ خاص. عاد من وليمة رسمية فهزَ الأرض مرتين بعصاه وقال للأب جورج شلهوب :” يا يني يا جورج الكرسي الانطاكي” معتزا بهذا الكرسي التاريخي المجيد . ولكن بعد حين شعر من حوله بالفراغ الكهنوتي واللاهوتي . أعاد مجلة ” النعمة” الى الحياة ،ولكن لم تحظ بأقلام لاهوتية متينة .في الاعام 1961 خاض معركة الاصلاح بدون مخطط.مدَ يده الى قطب الارثوذكسية المشرقية المشهور عالميا اي الاستاذ ألبير لحام . انضم الى البير نفر من أبرشية اللاذقية . فأخذت النار تشتعل في الكرسي الانطاكي شيئا فشيئا حتى كان موعد لله في اللاذقية .
في العام 1966 حلَ الله وملائكته في اللاذقية فوقف الارثوذكس فيها صفا واحدا تقريبا في خط ألبير ،فكان النجاح باهرا وقفزت اللاذقية الى واجهة العالم الارثوذكسي المدهوش بايمان أبناءها الذين أبدوا فروسية حقيقية في أرثوذكستهم اللاهبة . ولكن مرضا أصاب البطريرك في 30 10- 1966 أخرَ الاندفاع الارثوذكسي الواسع النطاق.إنما كان الارثوذكس في الوطن والمهجر قد أصيبوا بخضة أرثوذكسية للنهوض من السبات المظلم . إنما بقي أليبير دولاب المعركة. وفي العام 1969 برز ألبير كالقطب اللامع للسير بالكرسي الانطاكي نحو النهضة الشاملة . ولكن الجحيم فتحت أبوابها من جديد.
في 7- 10- 1969 ترأس البطريرك الخالد ثيوذوسيوس المجمع المقدس ،فانتخب الأب قسطنطين لابرشية بغداد والكويت وتوابعهما،والمغبوط الاب الكسي لحمص وو… فاهتزت دنيا الارثوذكسية، وهطلت برقيات التأييد للبطريرك ثوذوسيوس من بطاركة الدنيا. ومن أهمها برقية المغبوط البطريرك المسكوني أثيناغوراث والمغبوط البطريرك ألكسي الأول (موسكو) والمغبوط مكاريوس رئيس أساقفة قبرص .
استيقظ الارثوذكس نسبيا من السبات ليشاهدوا كرسيهم الرسولي في مخاض كبير . لنهضة كبيرة.وشعر البطاركة ان السدَة البطريركية ستزف الى مطران حلب المغبوط الياس معوَض الطاهر والتقي الورع ،فأرسل اليه البطريرك المسكوني سلفا رسالة تأييد.
أما المغبوط البطريرك ألكسي الروسي فكلَف وكيله في دمشق المثلث الرحمات الاسقف غيرموغين أن يقابل المطران الياس ويبلغه سلفا تهنئة البطريرك والكنيسة الروسية بالمنصب المقبل ،وفي 7- 2- 1970 انتخب المجمع المقدس بدعم هائل من المطران معوَض الأب جورج خضر مطرانا لجبل لبنان .
وعبثا فتحت الجحيم أبوابها ضد المطران معوَض،فرقد في الرب البطريرك الخالد ثيوذوسيوس في 19- 9- 1970 فخلفه المطران الياس في 25 – 9- 1970 والاوساط الارثوذكسية تعلق الآمال على مسيرة نهضوية .
ما هي النهضة التي حلم بها البطريرك الخالد ثيوذوسيوس وألبير لحام وأورثوذكس اللاذقية المؤيدون لهما بجبروت كبير ؟ هل هي المظاهر الباهرة الخارجية الوهمية التي يحلم بها السطحيون؟ لانهضتنا نهضة ارثوذكسية ،أي نهضةايمان وأعمال صالحة وتحابب وتضامن روحي لا زمني .
كانت الكنائس قبل ذلك لا تعجَ بالمصلين .اليوم هي تعجَ بالمصلين.
كان الارثوذكس مقطعيَ الأوصال .اليوم هم في الوطن والمهاجر على اتصال كبير فأخبار الكرسي الأنطاكي صارت في متناول جميع المؤمنين تقريبا. وصاروا جميعا تقريبا ذوي اهتمام بالكنيسة.
كان الكرسي الانطاكي فارغا من الكتبة الكنسيين والوعظ والارشاد.اليوم صارت لدينا مكتبة أرثوذكسية وصار لدينا كهنة متعلمون وأديرة يتقاطر اليها الناس للصلاة والاعتراف والسهرانيات والتوجيه الروحي.
لا اريد ان انتفخ،ولكن على سبيل المثال اذكر أن مجلة ” النعمة” أفلست فطلب مني أواخر العام 1964 أن أدعمها بمقالات لاهوتية فظهرت ست مقالات في العام 1965 هلل لها المطالعون آنذاك.
اليوم لدينا مراجع لاهوتية هامة ما استطاعت الطوائف المسيحية الاخرى إلا ان تعترف بجودتها فسيدنا أفرام كرياكوس أتحفنا بكتاب هام للقديس أفرام .والمغبوط الأب اسحق أتحفنا بكتاب مار اسحق وسواه .
والمغبوط معلمنا الأب الياس مرقس أتحفنا بأشهر كتب القديس غريغوريوس بالاماس وبتحفة القديس العظيم يوحنا السلمي وسوا ذلك .والأب منيف حمصي أتحفنا بجملة من الكتب الروحية الجيدة.أما الدكتور عدنان طرابلسي فأتحفنا بجملة من الكتب المتنوعة لاهوتيا وروحيا وتفسيريا .والأب توما بيطار أتحفنا بسنكسار من ست مجلدات. وأتحفنا المطران باسيليوس منصور بسيرة مطولة للقديس الشهير سيرافيم ساروفسكي وهناك كتَاب كثيرون كما يستطيع المرء أن يرى ذلك في مكتبة معهد اللاهوت في البلمند أو في بيت الحركة الارثوذكسية العظيمةفي بيروت وفي بيوتها الأخرى في الحدث.
وهناك الاهتمام الواسع بالجامعيين،فصار شبابنا الجامعي يهتم بالكنيسة.فصار البحث الديني يستقطب العقول وصار لدينا كتَاب دينيون يستهوون العقول بجاذبية الانشاء كالمطران جورج خضر الأديب المعروف، وانتحر الالحاد والكفر أمام هجماتنا، فخرنا نظرية التطور في كل أسسها والفلسفات الاعتباطية،فكان كتاب الدكتور عدنان طرابلسي( الرؤية الارثوذكسية للانسان ) غلاَ كبيرا في الانثربولوجيات الغربية (علم الانسان) فهزئت مرة الانثروبولوجيات الفرنسية أمام أستاذة الأنثروبولوجيات في الجامعة اللبنانية في طرابلس التي قالت لي : كل استاذ فرنسي يعلَم وفق هواه فلا انثروبولوجيا فرنسية واحدة.
قيل لأعمى منذ مولوده: ان الشمس ساطعة ،فتعجب. العميان فقط لا يستطيعون أن يروا شمسنا الساطعة.ومع ذلك فأنا غير راض عن الواقع لانه في نظري ليس سوى حرف الألف من أبجدية أرجو أن تحققها الاجيال الصاعدة ولو بعد مئة عام .
فلا انظر بيأس الى صبايانا وشبابنا الصاعدين.ففي وجوههم ألاحظ البشرى.
فالنهضة الأرثوذكسية تقوم على القواعد التي وصفها البطريرك الخالد ثيوذوسيوس وصديقه ألبير لحَم وصحبهما الميامين الذين ساروا بالكرسي الأنطاكي نحو احياء اللاهوت والصلاة والصوم والعبادة والعمل الصالح .
الارثوذكسية عمق لاهوتي روحي متفرد .هذا ما أشعرنا به القرَاء. في الارثوذكسية التركيز على الروح لا على الجسد والعالم .وما عدا ذ لك كلَه قشور ومضيعة للوقت.
ورحم الله والديَ واخواتي
10- 11- 2011
اسبيرو جبور