لقد كان تعليم المجامع عن شخص يسوع المسيح الإله المتجسد هو من أهم العقائد المسيحية التي صاغها آباء المجامع المسكونية، أهمية هذه العقيدة تنبع من إن الرب يسوع المسيح هو رئيس إيماننا ومكمله[1] .
أهمية عقيدة التجسد هذه تأخذ بدايتها منذ الأيام الأولى للحياة المسيحية إذ ان أولى الهرطقات التي ظهرت في الكنيسة منذ القرن الأول تنكر لاهوت المسيح، هي بدعة المظهرية التي نفت بان يكون المسيح قد تجسد حقيقة . بل ادّعى أصحابها انه اتخذ مظهر جسد . إلا ان نجد في انجيل يوحنا[2] دحضا لتعاليم هذه البدعة حيث يؤكد الإنجيلي على حقيقة تجسد ابن الله[3] .
ايضا تصدى لهذه البدعة القديس اغناطيوس الانطاكي فقال:" هو حقيقة من نسل داود بالجسد وولد حقيقة من العذراء واعتمد من يوحنا ليتم به كل بر .. تألم حقا وقام بقدرته " [4] ( رسالته الى أهل أزمير ) . اذ علّم القديس اغناطيوس ان الاعتراف بتجسد الإله بالحقيقة ضروري لخلاص البشر كما علّم القديس ايريناوس وأكد على إن التجسد صار لأجل خلاصنا: " المسيح امتلك لحما ودما كي يسترجع فيه ما صنعه الآب إلى حالة البرارة الأولى [5] . إذا الخلاص مرتبط بالإيمان بيسوع المسيح الإله الذي صار إنسانا فإنكار التجسد ليس سوى إنكار لسر التدبير الإلهي برمته .
الا ان هناك حادثة مسجلة لشخص مسيحي ينكر لاهوت المسيح وقعت عام 19. عندما أشار بائع جلود بيزنطي اسمه ثيودوتس إلى إنكاره للمسيح بقوله:" لم أنكر الله ولكن إنسان[6] " . أي ينفي بان يكون المسيح قد تجسد حقيقة بل يدعي أصحاب هذه البدعة ( المظهرية ) انه أتخذ مظهر جسد أو شبه جسد .
لم تصبح مسألة لاهوت المسيح ( عقيدة التجسد ) قضية لاهوتية كبيرة ضمن الكنيسة إلا في عام (318 – 32. ) عندما قام كاهن من الإسكندرية يدعى آريوس بإنكار الوهية المسيح إذ دعا إن المسيح هو أقل من الله وأعظم من المخلوقات هو " عميل " للخلق،[7] يتميز بأنه بين الله والمخلوقات .
قد دعي آباء الكنيسة إلى مجمع نيقية عام ( 325 ) لإيجاد الحل لهذه المسألة، إذ أدرك أباء مجمع نيقية خطورة تعاليم آريوس ولذا عمد هذا المجمع إلى صياغة إيمانية عقائدية تؤكد على إن اليسوع المسيح هو اله من اله، ومساو للآب في الجوهر، وانه مولود غير مخلوق، وان يسوع المسيح تجسد من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا.[8]
أما المجمع المسكوني الثالث، افسس ( 431) أعلن الآباء فيه موافقتهم على الرسالة التي كان كيرلس قد بعث بها إلى نسطوريوس . وأهم ماء فيها: " إننا نعترف بأن الكلمة صار واحدا مع الجسد، إذ اتّحد به اتحادا شخصيا . فنعبد الشخص الواحد ، الابن ، والرب ، يسوع المسيح . إننا لا نفرق بين الله والإنسان ولا نفصل بينهما … " .
إن ما رفضه مجمع افسس هو أن يكون يسوع مجرد إنسان متحد بكلمة الله اتحاد حرية واختيار . فهذه النظرة " تنقض سر التجسد من أساسه لان سر التجسد لا يعني اتحادا خارجيا بين اله وإنسان، بل إن الإله الكلمة نفسه صار إنسانا، أي اتخذ إلى جانب طبيعته الإلهية طبيعة بشرية دون دمج أو اختلاط بين الطبيعتين .
في المجمع المسكوني الرابع، خليقيدونيا (451) أيضا ناقش قضية التجسد حيث أعلن بأنه يوجد في المسيح طبيعتان، الأولى الإلهية والثانية إنسانية . بطبيعته الإلهية المسيح هو " واحد في الجوهر" مع الله الآب، بطبيعته الإنسانية هو " واحد مع الجوهر " مع الإنسانية . ان للمسيح ليس فقط جسدا مثل جسدنا ولكن أيضا روحا وفكرا بشريين ومع ذلك إن المسيح المتجسد الذي له طبيعتان إنما هو شخص واحد . فكان هذا التعليم ضد اوطيخا الذي رفض أن يكون المسيح من طبيعتين بعد الاتحاد، فكان يعتقد اوطيخا بان جسد المسيح أصبح مختلفا عن جسدنا، بمعنى ان الطبيعة الإلهية امتصت الطبيعة البشرية فتلاشت وزالت الإنسانية في الألوهية .
إما المجمع المسكوني الخامس، مجمع القسطنطينية الثاني ( 553) تناول من جديد قضية التجسد[9] فأكد بان واحد من الاقانيم في الثالوث القدوس " قد تألم في الجسد " . غير إن ميزة المجمع المسكوني الخامس تعود إلى عبارته " تبادل بالخصائص " الذي يؤكد من ناحية على عدم تلاشي الإنسانية في الألوهية، لذلك يعتبر هذا المجمع خطوة إلى الأمام من جهة قضية التجسد، إنسانية يسوع المسيح : وجودها دون تلاشيها، تاريخها دون تجريدها .
أما المجمع المسكوني السادس، مجمع القسطنطينية الثالث (68. – 681) تابع السير على خط المجمع الرابع وأعلن بأنه، إذ يوجد في المسيح طبيعتان، الإلهية، الإنسانية . إذن يوجد أيضا في المسيح إرادة إلهية وإرادة إنسانية بدون هاتين الإرادتيين، لا يكون المسيح حقا إنسانا مثلنا .
أما المجمع المسكوني السابع، مجمع نيقية ( 787) تبّت المجامع السابقة له وأعلن: بما أن الله صار إنسانا، إنسانا حقا، فانه من الممكن رسم وجهه على الأيقونات المقدسة، وبما آن المسيح هو شخص واحد وليس شخصين، فان هذه الأيقونات لا تظهر لنا إنسانية منفصلة عن ألوهيته . يقول المطران كاليستوس وير:" لقد أصبح ( المسيح ) ما نحن عليه، لكي نصبح، نحن، ما هو عليه . [10] "
فهكذا فان الإيمان الأرثوذكسي فيما يختص بتعاليم المجامع والآباء حول التجسد ملخص في ترتيلة الميلاد التي كتبها رومانوس المرنم: " ولد لنا طفل جديد الإله الذي قبل الدهور[11] " إذ تؤكد على ان يسوع المسيح هو الله تماما وبالكلية وهو إنسان تام بالكلية، وانه ليس شخصين بل شخص واحد .
هناك شهادة الكنيسة المسيحية الأولى واضحة في دعم تجسد المسيح ولقد أثبتت كتابات آباء الكنيسة والمدافعين عن الإيمان المسيحي، إيمانهم بهذه العقيدة التي تسمو على كل عقيدة غيرها . أشار آباء الكنيسة في كتاباتهم إلى المسيح على انه " الله المتجسد" . فيما يلي مقتطفات من بعض كتابتهم:
القديس كيرللس الاسكندري:
كثيرا ما يعتمد القديس كيرللس على قول يوحنا الإنجيلي:" والكلمة صار جسدا وحل فينا " لكي يربط تجسد الكلمة وحلول الكلمة في كل واحد منا في تفسيره لانجيل متى يقول:" فقد حل فينا كلمة الله وجعل جسد البشرية خاصا له. [12] "
وفي كتاب " تعاليم في تجسد الابن الوحيد يقول بخصوص الآية " والكلمة صار جسدا وحل فينا ": ( لاحظوا أرجوكم، كيف ان الإنجيلي يوحنا اللاهوتي يتوج بحكمة كل طبيعة البشر بقوله ان الكلمة " حل فينا " فهو يقصد ان يقول ان تجسد الكلمة لم يحدث لأية غاية أخرى إلا لنغتني نحن أيضا بشركة اللوغس بواسطة الروح القدس فنستمد منه غنى التبني[13] .) في رسالته 45 ( الى سوكينوس الأسقف المغبوط جدا أسقف ديوقيصرية في أبرشية ايسوريا ) في الفقرة 6: يؤكد حقيقة تجسد المسيح فيقول ".. نرى ان الكلمة الذي من الله الآب وتأنس انه لم يصنع ذلك الجسد المقدس من طبيعته الإلهية بل بالحري أخذه من العذراء مريم " . كما يؤكد في نفس الفقرة ان الطبيعتين اتحدتا بدون انفصام ودون اختلاط ودون تغيير .
فيقول:" فعندما نعتبر كيفية تأنسه نرى ان طبيعتين اجتمعتا أحداهما مع الأخرى في اتحاد لا يقبل الانفصام وبدون اختلاط وبدون تغيير .. " .
ومن الفقرة 8- 41 يرد على الذين يزعمون ان جسد السيد المسيح قد تغير الى الألوهية بعد القيامة فيقول: " لا يمكن ان يكون أمرا مقبولا ان الجسد وهو من الأرض يتعرض للتغيير الى طبيعة اللاهوت فهذا أمر مستحيل لأننا لو قبلنا هذا فأننا ندعى على اللاهوت كأنه شيء صار الى الوجود وكأنه يضيف الى ذاته شيئا لم يكن خاصا به بحسب الطبيعة[14] "
أيضا في رسالته 46 ( رسالة ثانية الى سوكينوس مرسلة من كيرللس جوابا على الأسئلة (، في الفقرة 6: يؤكد ان الجسد الذي أخذه الكلمة من العذراء كان – على عكس ما قال ابوليناريوس – جسدا متحدا بنفس عاقلة، فيقول في فقرة 3 " فان قال احد ان الكلمة تجسد فانه يعترف إن الجسد الذي اتحد به الكلمة لم يكن بدون نفس عاقلة .. فإذ قد اخذ لنفسه ان يصير إنسانا أي يصير مثلنا حسب الجسد من امرأة فقد ظل هو الابن الواحد كما كان قبل التجسد .. وهو بالتجسد متحد بنفس عاقلة[15] " في رسالته 5. ( الى فاليريانوس اسقف – ايقونية ) يتحدث عن طبيعة الاتحاد مبينا ان الكلمة صار إنسانا ولا يعني الاتحاد ان إنسانا حل فيه الله فيقول:" فالله والإنسان لم يكونّا مسيحا واحد باجتماعهما معا كما يقولون، بل كما قلت فان اللوغوس إذ هو الله أصلا اشترك في الدم واللحم مثلنا أي ان الله صار إنسانا وانه قد اتخذ جسدنا وجعله جسده الذاتي [16] … " .
اثناسيوس الكبير :
التجسد عند اثناسيوس كان من الأسباب الهامة لمعرفة الله في ذاته، لان الإنسان، بسبب الخطيئة، انحجبت عنه معرفة الله كخالق حقيقي للعالم وكمخلص للإنسان .لهذا تم التجسد ليستعلن كلمة الله، لكي بواسطته يبلغ الإنسان الى معرفة الله في ذاته، الدخول في النور، وهي المعرفة فيها بعينها يكمن خلاصه الأبدي . هذا بحد ذاته كان عند اثناسيوس احد الأسباب الجوهرية للتجسد أي استعلان ذات الله في كيانه، أي ذات جوهر الله انه آب وابن، بل ولكي يعطي صورة مدركة واقعية محسوسة ومنظورة للآب من خلال حياة الابن المتجسد وإعماله وأقواله وسلوكه بالجسد . يقول في كتابه " تجسد الكلمة " الفصل 15: " كلمة الله اخذ لنفسه جسدا وسلك بين الناس كانسان، وقابل احسسات كل البشر في منتصف الطريق حتى يستطيعوا رؤية الله جسديا فيدركوا الحق بما يعلنه الرب في جسده، فيدركوا الآب فيه. [17] " " لأنه تأنس – أي صار إنسانا – لكي نصير نحن فيه إلها، واظهر نفسه في جسد لكي يعطينا فكرة عن الآب غير المنظور .[18] " لذلك فان تجسد الكلمة كان في الحقيقة تكميلا لعمل حضوره في الخليقة ثم كشفا مفاجئا لفكر الإنسان عن مدى إمكانية وقدرة " الكلمة " للاتصال والاتحاد بالخليقة الممثّلة في الإنسان المخلوق على صورة الله، وهكذا، بحسب القديس اثناسيوس فان التجسد هو المدخل الأخير الذي دخل به الله الى عالمنا، ليكشف سر الخليقة وسر حضوره الدائم وسر الخلاص الذي أكمله يسوع المسيح[19] .
غريغوريوس النزيانزي:
يلقّب غريغوريوس باللاهوتي لأنه دافع دفاع المعلم الماهر ضد الآريوسية وعلّم اللاهوت أي عقيدة الثالوث الأقدس، ووقف حياته على هذه المهمة ولا سيما في القسطنطينية حيث اصطدم بالاريوسيين وكاد يفقد فيها حياته. كتب غريغوريوس سنة 382 رسالتين وجههما الى كليدونيوس ، قبل دخوله في خلوته النهائية ، ومن خلاله الى جميع المهتمين بالموضوع يشرح فيهما حقيقة التجسد وبيّن الطريقة الفعالة لمحاربة بدعة ابوليناريوس . وهاتان الرسالتان في شأن التجسد ليستا أقل أهمية من عظاته اللاهوتية الخمس في شأن الثالوث الأقدس ، وقد قرئتا في مجمعي افسس (431) وخلقيدونية(451) واعتبرتا من أهم وثائق هذين المجمعين في تحديد العقيدة السليمة[20]. يقول القديس غرغوريوس النزيانزي( رسالة الى كليدونيوس ):[21] " الذي أتحد بالله فهو الذي يخلص، والذي لم يتحد بالله فلن يخلص " . لقد كانت هذه المقولة هي برهانه أمام "ابوليناريوس " ( الذي أنكر حقيقة الطبيعة البشرية التي تجسدها المسيح ) في الإصرار على كمال الطبيعة البشرية التي اتخذها الابن الوحيد في التجسد .
القديس ايريناوس
يقول القديس ايريناوس :[22] " ابن الله صار ابن الإنسان، حتى يصير أيضا الإنسان ابن الله ". فليس فقط أعيد بالتجسد اكتمال الطبيعة البشرية أو أعيد تأسيسها وليس فقط ان بالتجسد عادت الطبيعة البشرية الى شركتها المفقودة مع الله اذا كان لا بد ان يستعلن التجسد في كل نواحي الحياة فتدرج في عمره كما يتدرج الإنسان في عمره، وذلك حتى يتقدس الكل به . هذه هي إحدى أساسيات فكرة " استقطاب " الكل في المسيح التي تكلم عنها القديس ايريناوس[23] نقلا عن القديس بولس الرسول ( افسس 1:1.) .
الرسول برنابا :
في رسالته يؤكد برنابا[24] حقيقة التجسد ويربطه بحقيقة الفداء إذ يقول:" لكي يبطل المسيح الموت ويبرهن عن القيامة من الأموات ، ظهر بالجسد واحتمل الآلام .. فلو لم يأت بالجسد لما استطاع البشر ان يروا خلاصهم [25].." ومما جاء أيضا في رسالته لتأييد حقيقة التجسد قال :" ان ابن الله جاء في الجسد ليسد الحاجة التي نشأت عن إثم أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه حتى الموت ولأنه أراد ان يتألم لأجلنا[26] " .
اكليمنضوس الروماني :
في رسالته الثانية[27] يؤكد على لاهوت وناسوت المسيح فيقول:" وعلينا أيها الأخوة ان تعتبر يسوع المسيح إلها يدين الأحياء والأموات وإذا كان المسيح سيدنا ومخلصنا، الذي كان روحا وصار جسدا ودعانا وهو كذلك فإننا ننال جزاءنا بهذا الجسد عينه [28]."
اقليمنضس الاسكندري:
يقول القديس اقليمنضس:"صار كلمة الله إنسانا حتى تتعلم من الإنسان كيف يصير الإنسان إلها [29] " . يتحدث القديس عن عمل الكلمة المتأنس في حياتنا قائلا:" انه شمس البر الذي يقود مركبته فوق الكل، تنشر أشعته بالتساوي على كل البشرية وذلك مثل أبيه الذي يشرق شمسه على جميع البشر وينزل ندى الحق عليهم"[30].لقد صار الابن إنسانا ليس فقط لكي يصير منظورا وإنما لكي يتألم على الصليب من اجل خلاصنا .
القديس يوحنا الذهبي الفم :
أخذت قضية التجسد عند القديس يوحنا الذهبي الفم حيزا كبيرا من اهتماماته الرعائية واللاهوتية هذا ما نجده من خلال عظته الشهيرة بعنوان " يوم ميلاد المخلص" [31] . حيث يعلّم فيها عن ميلاد المسيح من العذراء، أي لماذا أخذ شكل انساني وبأي طريقة أخذه ولماذا اختار ان يتجسد ؟ . ومما يلفت الى الانتباه كثرة اقتباسات وشواهد من العهد القديم والعهد الجديد، ويتضح من هذه العظة ان الذهبي الفم كان يقاوم الهرطقة الاريوسية دون ان يشير إليها صراحة . فيما يلي بعض مقتطفات من هذه العظة:
" … وهنا الميلاد السماوي هو حقيقي والميلاد أرضي أيضا هو حقيقي – غير كاذب – بالحقيقة ولد إله من إله، وبالحقيقة هو نفسه ولد إنسانا من العذراء هو وحدة السماء الابن الوحيد الجنس الذي ولد من الآب، بينما على الأرض هو وحده بذاته الابن الوحيد الجنس الذي ولد من العذراء .."
"… أتى الى جسدي الفاسد والمرئي . لماذا ؟ لكي يعلمنا عندما ننظر إليه وعندما يعلمنا يقودنا الى ذاك لا يرى . لان الناس يؤمنون أكثر مما ينظرون، أكثر مما يسمعونه . ويتشككون في تلك الأمور التي لا يرونها ولهذا قبل ان يأخذ جسدا إنسانيا وان يعطي لعيوننا إمكانية ان نراه لكي يزيل هذا الشك …" .
"… وإذ هو الإله صار إنسانا دون توقف عن يكون إلها . إذ هو الكلمة غير المتحول، أخذ جسدا، نعم أخذ جسدا إنسانيا لكي يسكن فينا . وبالتأكيد هو لم يصر إلها لأنه كان إلها ثم أخذ جسدا إنسانيا[32] "
اوريجنس :
خلال التجسد الإلهي صار الكلمة الإلهي مشابها للناس، يصير الناس مشابهين له .. انه يطلب ان يكون عبيده أبناء يتشبهون به ويدخلون به الى حضن الآب[33] . بالتجسد أيضا دخل الى طريق الصليب لغفران خطايانا .. وأخيرا جعل لنفسه مسكنا في داخلنا .
" ما كنا نستطيع ان نتمتع بمثل هذه المزايا التي نلناها من اللوغس لو بقي كما هو عند الآب منذ البدء ولم يتأنس ..لكنه صار إنسانا استطعنا ان نقبله[34] …"
القديس يوحنا الدمشقي :
يقول القديس يوحنا الدمشقي:" [35] لم يتحد الله بطبيعة البشر، ولم يصر الله ملاكا بل صار إنسانا حقا بالطبيعة، فانه لم يأت ليحرر الملائكة بل ليحرر نسل إبراهيم . ولم يتخذ ابن الله لنفسه طبيعة الملائكة بحسب الاقنوم، بل طبيعة البشر بحسب الاقنوم ."
ترتليانوس :
كانت العقيدة المسيحية في عصر ترتليانوس تهاجم بشدة من قبل الهراطقة[36] الذين انكروا ان يكون للمسيح جسد وقد كان ترتليانوس رؤيته الخاصة للمسيح إمام كل هذه البدع، حيث أكّد ان المسيح كان له جسد حقيقي فكان إنسانا مثلنا من لحم وعظم وانه ولد مثلنا، واعتبر ان الذين يرفضون هذه الحقيقة يرفضون في الوقت نفسه الاعتراف بآلام وموت المسيح المخلص .
المسيح بصفته إنسانا، عرف كل الضعف البشري ما عدا الخطيئة، فهو عانى الجوع والعطش وبكى وخاف من الموت وسفك دمه . ومع ذلك فان " الكلمة ظل كما هو . فهو لم يتغيّر في الإنسان، أي جوهر الإنسان، والإنسان أصبح كما هو، والله أصبح كما هو . فليس الإنسان في يسوع هو " ابن الله "، و إلاَ سقطنا في بدعة التبنَوية [37] .
القديس غريغوريوس بالاماس :
في موعظة قالها القديس غريغوريوس بالاماس في يوم السبت العظيم أوضح، بجلاء ومهارة خطابية وعمق لاهوتي، هدف التجسد الإلهي . " صار ابن الله إنسانا حتى يظهر لنا أي سبب يريد ان يرفعنا . " صار ابن الله إنسانا ليكون لنا مثالا للتواضع ودواء شافيا من الكبرياء ويظهر صلاح طبيعتنا المخلوقة من الله .
صار إنسانا ليكون توكيدا ورئيسا للقيامة والحياة الأزلية حالاً اليأس . وبصيروته إنسانا وقبوله للموت جعلنا نحن البشر أبناء لله وشركاء في الخلود الإلهي .." . يشدد بالاماس في أقواله على المعنى الخلاصي للتجسد، نتيجة الوحدة الاقنومية للطبيعتين في المسيح كان تأله الطبيعة المتخذة:" الكلمة صار جسدا والجسد صار كلمة " هكذا تحقق في المسيح تجديد الصورة وارتفاعها الى المثال الأول " . " .. تجسد ربنا وسيدنا يسوع المسيح هو أميز عمل ولا يضاهيه عمل . ونهاية هذا التجسد الآلام الخلاصية والقيامة " آنذاك كل شيء صار جاهزا لخلاصنا " .
" … لو كان المسيح خلقة لما تمكن ان يوحّد خلائق الله مع الله، ولكان هو بحاجة الى من يوحدّه مع الله .. لم يكن بالإمكان تحقيق تأله الإنسان ككل إذا كان المسيح ليس بإنسان تام[38] . "
هكذا الآباء القديسين تشدّدوا في تأكيد حقيقة التجسد، لان هذا التأكيد هو وحده يعبّر تعبيرا كاملا عما نقله إلينا الكتاب المقدس بشأن المسيح، الوسيط بين الله والناس والكاهن الأعظم، والمخلص الفادي، والمعلم الحق . من الملاحظ ان تسمية عيد ميلاد المسيح بالجسد كان يسمى مع العماد لدى الآباء " الإبيفانيا " أي الاستعلان، أو " الثيئوفانيا " أي " الظهور الإلهي "، أي ظهور ابن الله بالجسد، هذا الذي صار مصدر دخول النعمة للعالم [39] وقد أتى بناء على توسلات القديسين من اجل الخلاص [40] .
[1] – عب 2: 12
[2] – يو 14 : 1 –( 1يو" 1-2 ) ( ايو2: 18 – 19 و 22 – 23 و 4: 1- 3 و 2 يو:7 -11 )
[3] – " يسوع المسيح الإنسان " رعيتي السنة 1996 العدد 1
[4] – معوض، الياس ( المطران " الآباء الرسوليون " سلسلة آباء الكنيسة – منشوران النور 1970
[5] – رعيتي عدد 1 السنة ( 1996 )
[6] – ماكدويل ، جوش و لارسون ، بارت " حقيقة لاهوت يسوع المسيح " ، ص 76 0
[7] – فاضل ، سيروس " يسوع المسيح في تقليد الكنيسة " المكتبة الشرقية ص 48 0
[8] – ماكدويل ،جوش و لارسون ، بارت " حقيقة لاهوت يسوع المسيح " ، ترجمة سمير الشوملي ص 79 0
[9] – انظر القانون 5، 6، 7 من قوانين المجمع المسكوني الخامس 0
[10] – وير، كاليستوس " في معرفة الله – رؤية أرثوذكسية " 0تعريب لجنة الترجمة في أبرشية اللاذقية 1994 0
[11] – المرجع السابق 0
[12] – تفسير متى 11: 18
[13] – " التجسد والميلاد في تعاليم آباء الكنيسة " ترجمة رهباندير القديس أنبا مقار ، دار مرقس ص 29 "
[14] – رسائل القديس كيرللس الجزء الثالث ( 32 – 50 ) 0مركزالدراسات الآباء – نصوص الآباء 34 0 مؤسسة القديس انطونيوس
[15] – المرجع السابق ص 012
[16] – المرجع السابق ص 13 0
[17] – " المسكين، متى ( الأب) القديس اثناسيوس الرسولي" ( البابا العشرون )دير القديس أنبا مقار ، ص 505 0
[18] – المرجع السابق ص 506 0
[19] – المرجع السابق ص 518 0
[20] – النجار، اغناطيوس سركيس ( الأب )" القديس غريغوار النزيانزي " الثيولوغس " اللاهوتي " مكتبة البولسية، ص 130 0
[21] – المرجع السابق 0
[22] – " التجسد والميلاد في تعاليم آباء الكنيسة " ت رهبان دير القديس انبا نقار 0 دار مرقس 1994
[23] – المرجع السابق
[24] – معوض ، الياس ( المطران ) " الآباء الرسوليون " ، سلسلة آباء الكنيسة (1) منشورات النور 1970 صفحة 81
[25] – المرجع السابق
[26] -رستم ،اسد " آباء الكنيسة – القرون الثلاثة الأولى " منشوران النور 1983 صفحة(43)
[27] – هذه رسالة نسبت إليه خطأ 0
[29] – ملطي ، تادرس يعقوب ( القمص )- آباء مدرسة الإسكندرية الأولون – الكتاب السادس –مصر – صفحة ( 93)
[30] – المرجع السابق صفحة( 93)
[31] – يعتقد ان تاريخ هذه العظة ليس بعيدا عن سنة 381 ويرجح انه ألقاها بعد سيامته كاهنا في إنطاكية سنة 386 وربما في سنة 387 بإنطاكية 0
[32] – ميلاد المسيح " القديس يوحنا الذهبي الفم- ت د0 سعيدحكيم يعقوب 0 المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة – نصوص آبائية – 52
[34] – المرجع السابق
[35] – القديس يوحنا الدمشقي – " الدفاع عن الأيقونات المقدسة " كوسبا – لبنان 0 صفحة( 66)
[36] – التبني، المونارخيون، الظاهريون 0
[37] – سيدهم اليسوعي ، وليم ( الأب ) " طرطليانوس" موسوعة المعرفة المسيحية – آباء الكنيسة -6 ، دار المشرق بيروت
[38] – معوض ، الياس ( المطران ) " الصورة الإلهية في الإنسان لدى القديس غريغوريوس بالاماس" 0 صفحة ( 25 )
[39] – غريغوريوس في مدح باسيليوس 0
[40] – كيرللس الكبير في تفسير انجيل يوحنا، ب، ج ( 73: 223 )