في مثل هذه الليلة ولد لنا اله . اله على صورة الإنسان ومثاله ، ولد ليذكرنا بان الإنسان هو على صورة الله ومثاله .
منذ نحو 2011 سنة تجسدت بيننا المحبة . قبلها كان الحب امتلاكا . فصار عطاء . عطاء بلا حدود ولا قيد ، عطاء حتى الموت .
ولادة المسيح جعل الإنسان خليقة جديدة روحية بعد أن كان خليقته ترابية وحسب وصارت حياة الإنسان ممتدة في الله إلى ما لا نهاية . ولد الإنسان جديد اليوم ولادة المسيح لميراث أبوي لفرح لن ينزع منه ومجد لا ينطق به . ولادة المسيح هو عطاء مجاني للإنسان الذي شبع شقاء عبر الزمن ، فكانت ولادة المسيح اعظم هبات الله للإنسان .
ولادة المسيح تشهد شهادة حية ناطقة اشد ما يكون النطق ، انه هكذا احب الله الإنسان ، احبه حبا في ذاته ، فاخذ منه جسدا اتحد به واتخذه لنفسه إلى الأبد .
ولادة المسيح هو " عهد محبة " قام واستمر بين الله والإنسان ، هو عهد قطعه الله في ولادة المسيح ولن يتخلى عنه .
الرسول بولس سمى هذا العهد " إخلاء " إذ قال : " أخلى ذاته " ( فيلبي : 2-7 ) ، أي افرغ ذاته كما يتم إفراغ الوعاء أو إفراغ المكان . كيف يخلي ذاته وهو الذي يملئ كل مكان وهو الملء الذي يملئ كل شيء ؟ صار إنسانا . يقول القديس مكسيموس المعترف : بل جاء من غربتنا عن نفسنا في سعينا لنصبح آلهة ، ويعيد كل واحد منا إلى ذاته . أيضا يقول الرسول بولس : " وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " ( فيلبي 2-8 ) .
بولادة المسيح افرغ نفسه من مجده الباهر لنستطيع الدنو منه ويستطيع أن يصل الينا ، ليقتحم كل الحدود ، ليقترب منا ، وقام بهذا طاعة لله الذي لم يرتضِ بذبائح اليهود ، بل احب الإنسان ، فهيأ لابنه الحبيب جسدا والبسه إياه فجاء طائعا يصنع مشيئة الآب .
ما هو قصد الله من موت يسوع على الصليب طاعة للآب السماوي ؟ انه لاجل خلاصنا ، إذا شاء الآب أن يظهر ابنه في جسد يقربه على الصليب ذبيحة من أجلنا . الابن قبل ذلك بطيبة خاطر كبيرة للآب فأخلى ذاته وأطاع حتى الموت موت الصليب .
هكذا بولادة المسيح حلت مشكلة الخلاص ليس بالحديث التعليمي ولا بايآت لكن بحمله خطايا العالم " هذا هو حمل الله الرافع خطايا العالم " وموته على الصليب واكتمل الخلاص بعد أن قام من بين الأموات فأقام معه الإنسان غالبا الخطيئة والموت وبالتالي انتهت اعظم مشكلة واجهت الإنسان وحيرت أنبياءه إذ لم تعد من هناك ضرورة أن يكون الله " اله محتجب " ( اشعيا 45 – 15 ) إذ في
تجسد المسيح التقى الله مع الإنسان في فرادة الحب الإلهي ممثلا في المسيح " آدم الثاني " ، " عمانوئيل " ( الذي تفسيره الله معنا ) وبالتالي انتهى انحجاب الله عن الإنسان إلى الأبد .
" الله ظهر في الجسد " ( 1 تيموثاوس ) .
لذا صار تجسد المسيح للإنسان حاجة ضرورية وغاية في الأهمية لانه عوضه عن كل الناموس والوصايا وكل الكلمات والنبوءات لان فيه وبه استعلن الله للإنسان استعلانا كليا وكاملا والى الأبد : " الذي رآني فقد رأى الآب " ( يوحنا 14- 9 ) .
هكذا كله نعمنا به من تجسد المسيح وبغير تجسد المسيح ما كان ممكنا لله أن يكشف حبه الأبوي للإنسان ولا كان بإمكانية الإنسان أن ينال التبني بدون الابن المتجسد ولتعذر التقديس بدون الروح القدس ولاستحال الاقتراب من الله إذ كيف يصير الله أبا دون أن نصير أبناء بواسطة ابنه المتجسد يسوع المسيح .
نعم نحن بحاجة إلى ولادة المسيح ، حتى نتذكر أننا من السماء والى السماء نعود . نعم نحن بحاجة إلى ولادة المسيح في إنسانيتنا لكي يستيقظ المسيح فينا ، لان المسيح وحده هو القادر أن يعلن المسيح وليس " بابا نويل " ولا ضوضاء العيد ولا المظاهر الغريبة . نعم نحن بحاجة إلى ولادة المسيح حتى نتذكر ونسمع أقواله : " لا تعبدوا ربين الله والمال ، من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ، ويحمل صليبه ويتبعني .