الصليب والحياة الابدية
الاحد قبل رفع الصليب المحيي
النص الانجيلي
يوحنا 3 : 13 – 17
قال الرب لم يصعد أحد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن البشر الذي هو في السماء , وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن البشر , لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية, لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية, فانه لم يرسل الله ابنه الوحيد إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم.
العظة
باسم الآب والابن والروح القدس .آمين
يا صليب المسيح احفظنا بقوتك
ايها الاحباء: نحن اليوم نتهيئا وبالاحرى من اول شهر أيلول الذي هو شهر الصليب المحيي في كنيستنا نتهيئا ونستعد لعيد رفع الصليب المحيي الذي سنقيمه عما قليل واستعدانا
لهذا العيد المبارك الكبير كان بصلوات وتضرعات وصوم لان هذه الوسائل تساعدنا على ان نستقبل هذا العيد باستحقاق ولنكون جديرين بان نولد من جديد ونكون من ابناء الحياة الابدية وهذا لا يحصل الا اذا آمان بيسوع المسيح المصلوب.
هنا نسأل او يسأل كل واحد منكم ماذا يعني الصليب له شخصياً
هناك أشخاص كثيرون يعلّقون الصليب على اعناقهم وعلى ابواب بيوتهم وفي سياراتهم. لكنهم للأسف الشديد. لا يدركون معنى صليب المسيح وانتصاره على الموت.
فالمسيح لم يصلب لكي نستمر في حياتنا الخاطئة الغير المبالية. ولم يمت المسيح لنزداد في الغوص العميق في بحر الملذّات الدنيوية الفاسدة. والمطامع المادية الزائلة.
لا يعني الصليب تعصّباً أعمى لهذا الدين او تلك الطائفة, بالمظهر الخارجي, بينما يفرغ القلب من محبة المسيح ومحبة الاخر.
لا يعني الصليب انتماء لهذه المجموعة او تلك, فنتذكّره في المناسبات, وبدون مفهومه الصحيح.
فالذين لا يعرفون معنى صليب المسيح, يسميهم الانجيل بالهالكين الجاهلين, وأما الذين اختبروا قوة المسيح وغفرانه, فيقول الانجيل عنهم أنّ كلمة الصليب عندهم هم المخلّصين فهي قوة الله وحكمة الله. (1كورنثوس18:1و24)
فالمسيح كلمة الله, جاء من قلب الله وذاته متجسّدا, لكي يحمل خطايا البشر في جسده, على الصليب, ليدينها ويمحوها؛ ولكي يغفرها لكل من يؤمن به حقاً وفعلاً, لا كلاماً وادّعاءً ؛ ولكي يمنح كل مؤمن به الحياة الابدية (يوحنا 16:3؛ 40:6و47)
لم يُصلب المسيح لأنه كان ضعيفاً,حاشا, إذ قال لبطرس:”أتظن أني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة؟” (متى 53:26)
لم يُصلب المسيح لأن اليهود او الرومان كانوا اصحاب السلطة, فقد قال المسيح لبيلاطس الروماني : “لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق ؛ لذلك الذي أسلمني اليك له خطيئة أعظم.” (يوحنا 11:19)
وإذ جاء اليهود ليمسكوا يسوع , قال لهم :”من تطلبون؟” فأجابوه:”يسوع الناصري!” فقال لهم يسوع: “أنا هو” فلما قال لهم إني أنا هو, رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض. (يوحنا4:18-6)
لذا كانت ارادة الله أن يأتي في المسيح ويتحمّل خطايا البشر على الصليب, لكي يحرّرهم من الخطيئة ويمنحهم الحياة الابدية الحياة الجديدة بواسطة الصليب.
ولعل ما يضمن للإنسان الثمر والثبات فى الحياة الجديدة التي تكلم عنها الرسول الالهي بولس، في (افسس 2 : 10) هو الصليب ، فلا ثمر فى حياة الإنسان الذي تخلو حياته من الصليب ، ولا يستطيع الإنسان القيام بعمل صالح مكتمل وناجح ووفقاً لإرادة المسيح إلا بالصليب .
وهكذا تظهر أهمية الصليب في كونه عنصر أساسي لنجاح الحياة الجديدة ، بل وكعنصر أساسي فى التمتع بأمجاد الحياة الجديدة التي حصلنا عليها من خلال الصليب.
من هنا حتم علينا يسوع المسيح وخاصة على المؤمنين بان يحملوا الصليب ويتبعوه، فقال : ” من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ” ( متى 10 : 38 ، 39 ).
” إن أراد أحد أن يأتي ورائي ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها “( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ). ” من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا ” ( لو 14 : 27 )
وهكذا لا يمكن ان يثبت المؤمن في النعمة وان يكون تلميذا ليسوع بدون الصليب، لأن الصليب هو القوة الإلهية التي تشجع الإنسان المؤمن على قبول الألم و تؤهله لاحتمال ضيقات الحياة وصعوباتها، هو قال اي المسيح: ” في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ” ( يو 16 : 33 ) ” ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح .
تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني . لكني قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أني أنا قلته لكم ” ( يو 16 : 2 – 4 )” وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم ” ( لو 21 : 16 – 19 ).
اذا الصليب ليس هو افكارا مجردة بل هو بذل الذات هو التضحية ، الصليب هو مشروع الله الخلاصي، الصليب هو تبني مشروع الله، أي أن نتبع المسيح في دعوته لنا في حمل صليبنا والسير معه والعيش حسب ” قانون بذل الذات الأقصى “. فالصليب هو دعوة من المسيح لنا لنتبعه إلى أبعد ما يمكن في الحياة.
الصليب وبذل الذات هو التجدد الضروري لحياتنا المسيحية. فلا نخف ما دمنا نتجدد فنحيا حسب حياة المسيح وخصوصاً بالصلاة وتبني عملياً الفضائل المسيحية, عندها نستطيع أن نقول مع بولس الرسول: ” أنا لست أحيا, بل المسيح يحيا فيَّ “.
فالصليب الذي يدعونا يسوع أن نحمله كل يوم, بطرق عديدة, يصبح رمز الحب والنعمة. وحمل الصليب هو شرط أساسي لنكون تلاميذه, فنتحد معه في عطاء الحب الكامل.
كل منّا له صليبه الخاص به, “وبهذا الصليب سننتصر”.فـالصليب يُحسب لنا صليباً، إذا استطعنا أن نمتد من البذل من أجل أحبائنا إلى البذل من أجل أعدائنا، ثم إلى الخسارة بإصرار وبرضى، وبإستعداد الموت من أجل أحبائنا وأعدائنا معاً. وقتها نحصل على الحياة الابدية.
يا أحبائي لا قداسة بدون الصليب و لا يستطيع أحد القول بانه مسيحي وانه يتبع المسيح وهو للمسيح بدون الصليب ولا يمكن تصور المسيحية بلا صليب ولا يمكن أن يخلُص احد بعيداً عن الصليب ولا يمكن لنا أن نفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح.
ولا يقدر أحد أن يحيا في قوة و فرح وبهجة وانتصار بعيدا عن الصليب، لأجل كل هذا وذاك نحن نكرم الصليب و نحبه ، بل نمجده لأنه سلاح غلبة أولاد الله والشركة الحية مع المسيح التي نعطى من خلالها البركة والنصرة ، أي المجد والقيامة .
إذا استطعنا أن نضع هذا المفهوم للصليب نصب أعيننا كمسيحيين فنحن نكرم عيد الصليب وذكرى الصليب وخشبة الصليب، لأننا بذلك نأخذ من المسيح سر قوة الصليب كحقيقة نمارسها بالحب.
إن كان لكم يا احبائي هذا الإستعداد وهذا المفهوم المسيحي للصليب: أن تبذلوا من أجل أعدائكم و أحبائكم وتخسروا كل شيء في حياتكم باستعدادكم للموت،فأنتم عندئذ تستطيعون أن تتجاوزوا مرارة الصليب إلى فرح القيامة والحياة الابدية.
احبائي، ليحمل كل واحد منكم الصليب بفرح وشكر وصبر ، بلا تذمر أو ضجر أو ملل ، لأن الطوبى لمن قبل عمل الرب في حياته بكل فرح وصبر وإيمان .
اخيرا : يا يسوعي أنت متَّ على الصليب لأجل خلاصي وخلاص كل البشرية, ساعدني بحبك لأتقبل صليب الألم على هذه الأرض, وأن أساعد غيري على حمل صليبه بطريقة تجعلنا نتحد بك بحميمية, ولكي نختفي نحن لتظهر أنت وهكذا نتمتع بثمار صليبك. آمين