الكرسي الانطاكي المقدس عبر التاريخ
بقلم المعلم اللاهوتي
الشماس اسبيرو(المعترف)
المقدمة
" لمحة جغرافية وتاريخية خاطفة":
في الفصل 8 من أعمال الرسل انحدر المسيحيون من أورشليم إلى السواحل،فوصلوا أنطاكيا وقبرص وذلك قبل عام 36م.في عام 36 المذكوراهتدا بولس الرسول إلى المسيحية واعتمد في دمشق حيث كان الرسول حنانيا رئيسا للكنيسة القائمة قبل هذا التاريخ.وطار بولس إلى حوران وربما دخل الاردن.لا ندري إن بلغ البتراء عاصمة دولة الأنباط.وصعد مرة من أنطاكيا الى القدس برا أي غالبا عن طريق الغاب وشتورة وحمص ونابلس. كعادته بشر في كل مكان .وزار رسلا مناطق من بلادنا مثل بلاد ما بين النهرين وكيليكيا ونشروا المسيحية فيها.وفي أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني نرى القديس إغناطيوس أسقفا أنطاكيا للبلاد السورية.وبيت صيدا كانت تابعة لقيصرية فيليبي أي نابلس الجولان ولذلك فالرسل بطرس اندراوس يعقوب ويوحنا وفيليبس من الجولان.وبولس من كيليكيا.وبرنابا من قبرص.وكان الكرسي الانطاكي يشمل المشرق وقبرص وبلاد ما بين النهرين استقلت قبرص عام 419 وفلسطين 451.وفي القرن الرابع حاربت الاميرة العربية الارثوذكسية ماوية (وربما ماريا) الامبراطور بولس قسطنطديوس الاريوسي،فوصلت نيقية،وارغمت السلطات على سماح برسامة الناسك العربي موسى أسقفا على العرب .فتوسعت خريطة الكرسي الانطاكي فوصلت جيورجيا التي استقلت عام 750 .
ما بين الوثائق التاريخية عن عدد المطرانيات والاسقفيات الانطاكيا.ننقلها هنا عن كراسات ارثوذكسية :"موجز التاريخ الأبيض للكنيسة الأنطاكيا.
معرفة أحوال الكرسي الأنطاكي الأرثوذكسي من ا؟لأمور الشاقة جدا جدا.أبناؤه غريقون في هذه المنطقة،تقلَب آباؤهم قبل الميلاد وبعد الميلاد على كل التيارات الحضارية والثقافية التي هبَت على المنطقة. وتمتعوا بمرونة خاصة للاستيعاب الحضاري والثقافي. والاندماج الإداري،والتبادل التجاري،والتفاعل السياسي. وعرفوا أحيانا كيف يلوذون بالصمت، ليتجاوزا المحن العواصف،صامدين صمود الرواسي.ولتقديرهم أحسن تقدير ما علينا إلا أن نقارن تاريخهم بتاريخ إخوانهم في البطريركيات القسطنطينية والاسكندرية وأورشليم. لقد تهلهلت هذه، بينما صمدت انطاكيا التي تخبطت في المناحرات والانشقاقات منذ القرن الثاني الى اليوم .في القرنين الثاني والثالث عصفت فيها رياح الغنوسطيين الكفرة. في الثالث أرهقها أيضا كفر بولس السمسياطي أسقفها محمَي اليهود في قصر زنوبيا. في الرابع تعصب كثيرون فيها لآريوس.كان تلميذا أنطاكيا للقس لوكيانوس مؤسس المدرسة الانطاكيا.وكان ورفقاء الدراسة يتغنَون ويتناشدون برفقة التلمذة له.وبعد تخبط طويل انتهى الأمر في الاسكندرية في العام 362 بلباقة القديس اثناسيوس أسقفها.ذهب اليه وفد.فكان حكيما في التفاوض.
ولكن الكرسي الانطاكي دخل معمعة التاريخ العثماني المضطرب المنخور بالتغلغلات الأوروبية.فمنذ العام 1535 عقد السلطان سليمان القانوني اتفاقية مع فرنسوا الأول ملك فرنسا منحه فيها امتيازات.ثم كرَت معزوفة الامتيازات حتى بات السلطان يملك،ولا يحكم ،إلا تعسفا وقضى العثمانيون على الحضارة والثقافة، ليحوَلوا الناس "إلى أشباه دمى يسهل تحريكها .وقبل العثمانيون كان الغشم المملوكي. وقبله الحروب الصليبية.وقبلها حكم الأتابكة.فتاريخ الكرسي الأنطاكي في هذه الحقبات كلَها تاريخ بؤس شديد.وقبلا في العهد العباسي قامت ثورات عديدة أنهكت البلاد،"إذ استيقظت ،بعد فوات الأوان ،على خسارتها الفاحشة بزوال عرش الأمويين في دمشق .
وبالرغم من كل صروف الدهر،فقد بقينا صامدين كالرواسي.ففي العام 1143 كان في الكرسي الأنطاكي 13 مطرانية تدور في فلكها 137 أسقفية،فضلا عن 8 مطرانيات بلا أسقفيات.أضف إلى ذلك8 رؤساء أساقفة كبارا وخمسة صغارا.وكان الانتشار واسعا.في الشمال أبرشيات ديار بكر (8 أسقفيات)ودارة (10 أسقفيات)وأورفا(11) ومنبج(9) .حتى الرصافة في بادية هذا الزمان الحاضر الخاوية كانت مطرانية لها 9 أسقفيات.في أقصى الشمال الغربي،كيليكيا (9أسقفيات). في القرن السابع عشر كانت سلفكية ايسافريا (ايصوريا) شمالا تابعة لمطرانية باياس في كيليكيا (رستم 3:62) .وهي في الأساس جزء من الكرسي الأنطاكي. في الجنوب الغربي صور وأسقفياتها الثلاث عشرة.وفي الجنوب الشرقي بصرى حوران (20 أسقفية) التي هوتها صروف الزمن فهاجر أبناؤها في كلَ الاتجاهات .ومازال أرثوذكس جنوب لبنان ينطقون بلهجتها.. في مخطط من أواسط القرن الرَابع عشر،وردت تواقيع مطارنة الكرسي الأنطاكي بينهم مطران خراسان وجيورجيا.يكاد المرحوم حريسوستوموس المؤرخ يرى فيه عدد أبرشياتنا.لا أوافقه على رأيه. هذا يعني أننا كنَا هنا 9 أبرشيات.من غير المعقول أن نكون خلال قرنين بعد 1143 قد نقصنا بهذه الصورة الفاحشة.وتاريخنا الَلاحق كما سيجيء يدَل على أننا كنَا دوما صامدين .لا شك أن ظروفا بائسة عصفت دوما بالوطن.وقضت بالانتقال من منطقة الى منطقة،قبل الهجرة المحبوكة خارجيا في القرن التاسع عشر. إلا أننا بقينا.أورفا والرصافة وافامية وداره وبصرى صارت في متحف التاريخ.ومنيج كذلك لولا أن الجركس قطنوها .ولكن نستطيع أن نلاحظ تجمعا في وسط الكرسي وعلى السواحل.بدليل بروز بيروت وطرابلس وبعلبك والمصيصة(قرب لاسكندرون)وبومبيوبوليس(في كيليكيا( غربا، وحمص وافاميا في الوسط وهكذا لا يبقى من لائحة العشر مطرانات سوى جيورجيا،واورفا ،وبصرى جنوبا.( مر معنا معنا ان عدد المطارنة والأساقفة كان 171 في العام 1145.في أواسط القرن 17 كان عدد أبرشياتنا 14 وقد أختفت منه المصيصة وبومبيوبوليس الواردتين في لائحة العشر:أي 6 أبرشيات علاوة على لائحة العشر(رستم 3:60- 62).في مجمع العام 565 حضر 153 أسقفا ،راجع الاراء المتض في ص 154 من كتابنا "سر التدبير الالهي".ديفريس نظم لائحة للكرسي الأنطاكي في القرون 4- 7 للميلاد.حذف منها فلسطين،ز8 أسقفيات ما ورد ذكرهن إلا في مجمعي نيقية وانطاكيا.بلغ عدد المطارنة والأساقفة 138 (ص 305- 306 من كتابه في تاريخ الكرسي الأنطاكي بالفرنسية).فالصمود في الكرسي الأنطاكي واضح ).
ويرى المؤرخ البريطاني المشهور رنسمان ان الأرثوذكس صمدوا على مذهبهم في ثبات كبير.إلاأنالأرثوذكس كانوا إبان الحكم العثماني جزءا لا يتجزأ من المسألة الشرقية.وزال العثمانيون وبقينا- ويا للأسف الشديد – نقاسي آلام هذه المسألة بضراوة فاحشة أحيانا.والذين لعبوا بأقدارنا دفعونا إلى الهجرة الواسعة.فقد يزيد عددنا في المهاجر على 10 ملايين.لا أعلم بدقة.ومن مهازل التهجير ما جاء في مذكرات ديمتري دباس الدمشقي عن الإيحاء للأرثوذكس بعد فتنة 1860 بالهجرة إلى اليونان.فهاجر قوم وعادوا يقولون :نحن عرب لا يونان.وارتباط المهاجرين بنا اليوم واه جدا بسبب عجزنا عن الخدمات من جهة.وفردية المهاجرين ،من جهة أخرى.الذين لا يفقهون أن الرابطة الروحية أقوى من الموت،فكيف تحدَها الحدود الجغرافية.إلا أن سيادة المطران فيلبس (نيويورك) قلعة صامدة في وجه ذوبان الروابط .
الخاتمة
الكرسي الانطاكي الأرثوذكسي قلعة شاهقة تاريخية في هذا الشرق الحبيب منذ نشوء المسيحية حتى يومنا هذا.وهو يمثل تاريخ هذه البلاد العريق من آلاف السنين.
تميز الارثوذكس في هذا الشرق بحب وطنهم وكنيستهم.وفي عام 2008 وقف الاستاذ في جامعة دمشق د. سهير دكار على التلفزيون السوري يعترف بانه راجع كل الوثائق التاريخية المتعلقة بحروب الصليبية فلم يعثر فيها على ارثوذكسي واحد تعاون مع الصليبيين.وسيستمرون في الولاء للارثوذكسية وللوطن متعلقين بتراب اجداهم الميامين الذين صنعوا الحضارة والمدنية في هذا الشرق منذ ألفي سنة فما دون.وكانت المدن الشرق جميعا قلاعا للثقافة والفكر والحضارة واللاهوت .نحن الذين اعطينا العالم المسيحي يوحنا فم الذهب وجرمانوس الحمصي ورومانوس المرنم ويوحنا الدمشقي والشعر والترانيم والموسيقى وسوى ذلك .