حول سرّ التوبة
الأب برفيريوس الرائي
"التوبة الحقيقيّة تجلب التّقديس"
Å التّوبة الحقيقيّة تجلب التّقديس
لا شيءَ أعظمُ سموّاً ممّا يسمّى "التّوبة والإعتراف". هذا السرّ هو هِبةُ محبَّةِ الله للإنسان. بهذه الطريقة الكاملة يتحرَّر الإنسان من الشرّ.
نذهب، نعترف، نشعر بمصالحةٍ مع الله، يأتي الفرح إلى داخلنا، يرحل الذنب. ليس طريق مسدود في الأرثوذكسيَّة. لا يوجد طريق مسدود، لأنَّ المعرِّف الذي أُعْطِيَتْ له نعمةُ الغفران حاضرٌ. عظيمٌ هو الأبُ الروحي!.
هذا الشيء كان عندي منذ الصغر –وما زال حتى الآن. عندما كنت أقعُ في الخطايا، كنت أعترفُ بها وكانت تزولُ عنِّي كلُّها. كنت أطيرُ من فرحي. أنا خاطئ، ضعيف، ألتجئ إلى شفقة الله، أَخْلُصُ، أهدأُ، وأنسى خطاياي بكاملها. كلّ يوم أفكّر بأنَّني أُخطئ، لكنَّني أرغب في أن أجعلَ كلّ ما يحصُلُ لي صلاةً وأن لا أُغلِقَهُ في داخلي.
الخطيئة تجعلُ الإنسانَ كثيرَ الإرتباكِ نفسيّا ً. هذا الإرتباكُ لا شيءَ يزيلُهُ. فقط بنور المسيح يزول الإرتباك. المسيح هو الذي يقوم بالمبادرة الأولى. «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين…». (متى ١١:۲٨). ونحن البشر نتقبَّلُ هذا النور برغبتنا الصالحة، التي نعبِّرُ عنها بمحبَّتنا للمسيح، بالصّلاة وبالأسرار.
كي تتوبَ النفسُ، يجب أن تستيقظ، وبهذه اليقظة، تصيرُ أعجوبة التّوبة. هنا توجد رغبة الإنسان. لكنَّ الإستيقاظ لا يَعْتمدُ فقط على الإنسان. الإنسان لا يقدر وحده. الله يتدخَّل وعندها تأتي النعمة الإلهيَّة. بدون النعمةِ لا يستطيعُ الإنسان أن يتوبَ. محبَّة الله تفعل كلّ شيء. من الممكن أن يستخدمَ طرقاً ما –مرضاً أو شيئاً آخر، حسْبَ الحالة- لِيجلُبَ الإنسان إلى التّوبة. إذاً، التّوبةُ تُنجَزُ بواسطةِ النعمةِ الإلهيَّة. ببساطةٍ وبلطفٍ، نحن نفعلُ حركةً ما تُجاه الله ومن هناك فصاعداً تأتي النعمة.
من الممكن أن تقولوا لي: «إذاً بالنعمة يصيرُ كلّ شيء». هذه هي نقطةٌ دقيقةٌ. وهنا يصير ذاك الذي أقولُه تحديداً. لا نستطيعُ أن نحبَّ الله، إذا ما أحبَّنا الله. يقول الرسول بولس هذا بكلام جميلٍ جداً: «وأمّا الآن إذْ عَرفْتم الله، بل بالحري عُرِفْتم من الله…..». (غلاطية ٤:۹). ويحصُلُ الشيءُ ذاتُهُ مع التّوبة. لا نستطيعُ أن نتوبَ، ِإن لم يُعطنا الربُّ التّوبة.
وهذا الأمر يصلح في كلّ شيء. يعني يصلح المكتوب: «لأنَّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً ». (يوحنا ە١:ە ). إذا لم توجد شروط مسبقة كي يدخل المسيح عميقاً في داخلنا، لا تأتي توبةٌ. الشروط المسبقة هي التّواضع، المحبَّة، الصّلاة، السَّجدات والتّعب من أجل المسيح (الجهاد). إِن لم يكن الشعور صافياً، إِن لم يوجد بساطةٌ، وإِن كان للنفس مصلحةٌ، لا تأتي النعمةٌ الإلهيَّة. عندها نذهب للإعتراف ولكن لا نشعر بارتياح.التّوبة هي شيءٌ دقيقٌ جداً.
التّوبة الحقيقيّة ستجلب التّقديس. التّوبة تقدِّسنا.
1 عندما يعترف الإنسان، تحرِّره النعمة من الجروحات النفسيَّة
لا يتحمَّلُ الإنسانُ المسؤوليّة فقط لأخطائِهِ. الأخطاء، الآثام، والأهواء ليست هي فقط مسالك حياة شخصيَّة للمعترف.
كلّ إنسانٍ قد أخذ بداخله مسالك حياة والدَيْهِ، وخصوصاً مسالك الأمّ، يعني كيف كانت تعيشُ أمُّهُ خلالَ حملِها له، إذا كانت تنزعج، ماذا كانت تفعل، إذا كان يتعب جهازها العصبي، إذا كان لها فرحٌ، إذا كان لها حزنٌ، إذا كان لها كآبة. آيه، جهازها العصبي كلّه، أثَّر على جهاز جنينها العصبي. عندها، عندما يولدُ الطفلُ ويكبُرُ، يأخُذ بداخله مسالكَ حياة أمِّهِ، أي مسالكَ شخصٍ آخر. تتكوَّن حالةٌ ما في نفس الإنسان بسبب والِدَيْه، التي ترافقُهُ في حياته كلِّها. هذه الحالة تترك آثاراً في داخله، وأشياءَ كثيرة تحصل في حياته نتيجةَ هذه الحالة. تصرّفاتُهُ لها علاقة مباشرة بحالة والديه.
يكبر، يتعلَّم، ولكن لا يُصحَّح. هنا يوجد قسمٌ كبيرٌ من المسؤوليَّة لحالة الإنسان الروحيَّة.
بل يوجد سرٌ واحدٌ. توجد هناك طريقة كي يتحرَّر الإنسان من هذا الشرّ. هذه الطريقة هي الإعتراف الشّامل، الذي يصير بنعمة الله. أي من الممكِنِ أن يقول لك الأب الروحي: – كم كنت أريد أن نكون في مكانٍ هادئٍ، أن لا يكونَ عندي إنشغالاتٌ وأن تُخبرَني عن حياتِك منذ البداية، من الوقت الذي بدأتَ تشعرُ بذاتِك كلّ الأحداث التي تتذكَّرُها وكيف كنتَ تواجِهُها، ليس فقط المحزنة بل والمفرحة منها، ليس فقط الخطايا بل ما هو جيِّدٌ. والنجاح والفشل. كلاهما. وكلّ ما تكوِّنُهُ حياتُك.
مراتٍ كثيرةٍ قد قمتُ بهذا الإعتراف الشّامل ورأيتُ عجائبَ من خلاله. في الوقت الذي تقولُها أنت للمعرِّف، تأتي النعمةُ الإلهيَّة وتحرِّرك من كلّ مسالك الحياة السيِّئة والقروح والجروحات والذنوب، لأن في الوقت الذي تقولُها، يدعو المعرِّف بحرارة للربّ لِتَحَرُّرِكَ. أي لتكون حراً.
أتتني منذ زمنٍ سيِّدةٌ قد اعترفت لي بهكذا نوعٍ من الإعتراف ولاقت إفادة كبيرة. تحسَّنت حالتها النفسيَّة لأنَّ شيئاً كان يعذِّبُها. هذه السيِّدة، أرسلت إليَّ صديقتها وذهبنا خارجاً في الهواء الطلقِ لجوار الصخرة في منطقة كاليسيا. جلسنا هناك وبدأت تلك السيِّدة تكلِّمني. قلت لها:
– قولي لي كلّ ما تشعرين به. إن سألتك أنا عن شيء، أجيبي. وإن لم أسألك، أكملي الكلام، حسب ما تشعرين به.
كنت أتابع كلّ ما كانت تقوله لي، ليس فقط بإنتباهٍ بسيط، بل «كنت أرى» داخل عالمها النفسي تأثير الصلاة. كنت أتابع هذا التأثير في أعماق نفسها و«كنت أرى» كيف كانت النعمةُ تلِجُ إلى أعماقها، كما كنت أنا أتأمَّلُها. لأن عند الأب الروحي توجد نعمةٌ، وتوجد كذلك عند الكاهن.
أتدركون هذا؟ يعني عند اعتراف الإنسان، يصلِّي الكاهنُ من أجله. وفي الوقت نفسه، تأتي النعمة وتحرِّره من الجروحات النفسيَّة، التي كانت لسنوات طويلة تعذِّبُه دون أن يعرفَ سببها. آه، إني أصدِّق هذا كثيراً!.
تستطيع أن تتحدّث للمعرّف مثلما تشعر، لكن هذا ليس بالقدر المهمّ، بل بالمقدار الذي يتأمَّله الكاهن المعرِّف داخل نفسك وهو يصلِّي، ويرى كيف حالُك، ناقلاً إليك النعمةَ الإلهيَّة. قد بُرهِن أنّ هذا التأمّل هو إشعاعاتٌ روحيَّةٌ تريحُكَ وتعالجك. لا تعتقدوا أنّ هذه الإشعاعات طبيعيَّة. بل هي حقيقيَّة.
ماذا حدث مع المسيح؟ كشف أمر يد النازفة الدمّ عند لمسها له وقال:
«قد لمسني واحد لأنّي علمت أنّ قوةً قد خرجت منّي». (لوقا ٨: ٤٦). سوف تقول: «أجل، لكنَّه كان الله!». المسيح، بالتّأكيد، كان هو الله. تُرى ألم يفعل الرسُل العملَ ذاته؟
الآباء الروحيّون والمعرِّفون كلُّهم، أُعطِيَتْ لهم هذه النعمة، وعندما يصلّون يطلقونها كما المولِّدات. مثلاً، نريد أن نشعلَ «سخّانة» هنا الآن (بواسطة الكهرباء)، ونضع الشريط من طرفها فقط، لكن لا يتمُّ الإحتكاك، لأنّ الشريط من الطرف الآخر ليس داخل «البريز-Prize». وفي الّلحظة التي يدخل فيها الشريط، يتمُّ الإحتكاك، فتأتي الكهرُباء بواسطة هذا المولّد. هذه هي –روحانيات ديانتِنا.حديثُنا عن شريط ولكنَّه بالفعل هو «التحليل الإلهي النفسيّ».
Å الله يغفر كلّ الخطايا بالإعتراف
أن لا نعود إلى الوراء إلى الخطايا التي قد اعترفنا بها. تذكُّر الخطايا يشكّل سوءاً. هل طلبنا السماح؟ إنتهى. الله يغفر الخطايا كلَّها بالإعتراف.
يجب ألاّ نرجِعَ إلى الوراء وأن ننغلقَ باليأس. أن نكون عبيداً متواضعين أمام الله. أن نشعر بالفرح وبعرفان الجميل لغفران خطايانا.
ليس صحيّاً أن يبالغَ أحدٌ بحُزنِهِ لخطاياه وأن يثورَ ضدَّ ذاتِهِ الشرّيرة وصولاً حتى اليأس. اليأس وفقدان الأمل هما الأسوأ. هما فخٌ ينصُبُه الشيطان، كي يجعلَ الإنسانَ خاسراً حماسَهُ للروحانيّات وأن يحمِلَهُ إلى اليأس، إلى الكسل، وإلى اللامبالاة. عندها، لا يقدرُ الإنسان أن يفعلَ شيئاً ويُصبِح لا نفع له.
يقول: «إنَّني خاطئ، بائسٌ، أنا هذا…..، أنا ذاك…..، لم أفعل هذا…..، لم أفعل ذاك….. . في ذلك الوقت، كان عليَّ أن أفعل، الآن لا شيء….. . خسرتُ سنواتي، إنِّي لستُ مستحقاً». يتكوّن عنده شعور بالإحباط، التدنّي الذاتي غير المثمر، كل هذا بالنسبة له بؤسٌ. أتعلمون كم ثقيلٌ هو هذا الشيء؟ إنَّه تواضعٌ كاذبٌ غاش.
هذا كلُّه مؤشّراتُ إنسانٍ يائسٍ يسيطر عليه الشيطان. يصل الإنسان إلى حدٍّ لا يريد فيه حتى ولا أن يتناول القربان المقدّس، يعتقد أنَّه غيرُ مستحقٍ لأي شيء. يحاول أن يستخِفَّ بطاقته وبذاتهِ، فيصير غير نافعٍ. هذا هو الفخّ الذي ينصِبُهُ الشيطان، كي يفقُدَ الإنسان أملهُ في محبَّة الله. هذه هي أمورٌ مخيفةٌ، معاكسة تُجاهَ روحِ الله. وأنا أفكّر بأنَّني أخطئ.
لا أسيرُ (بالجهاد) جيّداً، ولكن كلّ ما يُزعجني، أجعلُهُ صلاةً، لا أُقفِلُ عليه في داخلي، أذهب إلى الأب الروحي، أعترف له به، وانتهى! أن لا نعودَ إلى الوراء ونقولَ لماذا لم نجعلَ من اليأس صلاة. الذي له معنى هو ماذا سنفعل الآن، منذ هذه اللحظة وبعدَها. كما يقول الرسول بولس:
«إذْ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام». (فيليبي ۳:١۳).
كان روحُ الجبنِ يذهب إلى الرسول بولس ليقطعَ له محاولتَهُ المتَّجهة نحو المسيح، لكنَّه تمنطق بالشّجاعة وقال: «….. فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ ». (غلاطية ٢:۲٠).
والقول الآخر:
«من سيفصلنا عن محبَّة المسيح. أشدةٌ أم ضيقٌ أم اضطهادٌ أم جوعٌ أم عريٌ أم خطرٌ أم سيفٌ. كما هو مكتوب إنَّنا من أجلك نُماتُ كلّ النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح». (رومية ٨: 35- ۳٦).
ويقول داود النبيّ: «لا أموت بل أحيا وأحدّث بأعمال الربّ ». (مزمور ١١٧ : ١٧ ). جِدوا اللّذةَ في الكتابات المقدَّسة. تذكَّروا ذلك القول الجميل:
«أنا أحبّ الذين يحبّونني، والذين يبكّرون إليّ يجدونني ». (أمثال ٨ :١٧).
Åعند المسيح يوجد كلّ ما هو جميلٌ وصحيّ
إنْ أحببنا المسيح، يهونُ ويسهُلُ كلّ شيء. أنا لم أصل إلى تطبيقه بعد. أحاول الآن أن أحبَّه. عند المسيح يوجد كلّ ما هو جميلٌ وصحيّ.
النفس الصحيّة تعيش نِعَمَ الروحِ القدس، التي هي: «محبّة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفّف». (غلاطية ە:٢٢– ٢۳). إنسان الله يعيش أيضاً كلّ ما يقوله الرسول بولس في نشيد المحبَّة:
«المحبَّة تتأنّى وترفق…..لا تظنُّ السوءَ…..تحتمل كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء…..المحبَّة لا تسقط أبداً» . (كورنثوس الأولى ١۳:٤– ٨).
هل عندكم هذه المحبَّة كلُّها؟ إذن تكون لكم السعادة، المسيح، الفردوس. وبنيتُكُم الجسدية أيضاً تعمل بإعجابٍ دون خلل. نعمة الله تغيِّرُ الإنسان وتبدِّلُهُ نفسيّاً وجسديّاً. عندها ترحلُ كلّ الأمراض. فلا التهاب في المصران الغليظ، ولا في الغدّة ولا في المعدة ولا شيء. تعملُ كلُّها بشكل طبيعي. إنَّ المشْيَ لَرائع وكذلك العملُ، والحركة، وأن تتمتَّع بالصحّة. لكن، أن تتمتَّع أولاً بالصحّة النفسيّة. الأساس هو الصحّة النفسيّة وتتبعها الجسديّة. الأمراض كلُّها تقريباً تأتي مسبقاً من نقصِ الثقة بالله وهذا يصنعُ القلق.
إلغاءُ الإحساس الدّيني يولِّدُ هذا القلق. إِن لم يكن عندكم عشقٌ للمسيح، إِن لم تنشغلوا بعوامل مقدّسة، بالتّأكيد ستُملأون بالكآبة وبالشرّ. لكن، ماذا يحصَلُ في العالم؟ إستمعوا لي لأقولَ لكم مثلاً.
ذهبت فتاةٌ لعيادةِ طبيب ووصف لها «هورمونات». قلت لها:
– يا إبنتي، لا تأخذيها! أنا لست طبيباً، ولا أريد أن تفعلي هذا على مسؤوليَّتي، لكن أفهم إنَّه يجب عليك أن لا تأخذيها. من المستحسن أن تذهبي على الأقلّ لعيادةِ طبيب غدد Endocrinologue»». مشكلتكِ هي أكثرُ إختصاصاً بطبيب غدد. هي من الزعل المفرط.
– بالفعل، لقد مررْتُ بزعلٍ مفرط.
– ايه، هذا هو! كوني بسلام، إهدأي، إعترفي، تناولي القربان المقدّس وستتسوّى حالتُكِ كلُّها.
ذهبت على الأثر لعيادةِ طبيب غدد وأخبرته بما كان يحصُلُ معها.
قال لها الطبيب باستغراب Pa, Pa, Pa ………………
– توقَّفي عن أخذ هذه الأدوية! إرميها! ستؤذيك كثيراً.
وبعد هذه المقابلة إتَّصلت بي هاتفيّاً:
– كلّ ما قلتَهُ أنت لي، قالهُ لِيَ الطبيب.
أتَرَوْنَ، ماذا يحصُلُ؟ بالإعتراف والمناولة المقدَّسة قد شفِيَ أناسٌ كثيرون.
عندما يخلو أحدٌ من المسيح، تأتيه آلاف التجارب وتملأه حسداً، كرهاً، ضجراً، كآبة، ردَّةَ فعلٍ، فكراً دنيوياً وأفراحاً دنيويّة. حاولوا أن تملأوا نفوسَكُم بالمسيح، كي لا تكونَ فارغةً. نفوسُنا تشبه حوضاً مملوءاً ماءً. إن رمَيْتَ الماءَ نحو الأزهار، أي الفضائل التي هي طريق الخير، ستعيش الفرح الحقيقي وتوقف نموّ المساوىء، أي الأشواك.
لكن، إن رميتَ الماءَ نحو الأشواك، فستنمو هذه، وتخنقُكَ وستذبُلُ كلّ الأزهار.
إرموا الأشواك كلّها في الهواء، وهكذا ستعيشون الفرح، بنعمة الله.
«أستطيع كلّ شيء في المسيح الذي يقوّيني. (فيليبي ٤:١٣).
لا تقولوا إنَّكم ستنجزون شيئاً. لا تتصوّروا هذا أبداً. قال الربّ:
«من دوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً». ولا يصير هذا بغير معونة الربّ. يجب ألاّ يثق الإنسان أبداً بقواه بل برحمة ورأفة الله. الإنسان سيقوم بمحاولة صغيرة، والمسيح سوف يكلِّلُها.
إنَّه لضلالٌ أن تصدِّقوا بأنَّكم فُزتم لوحدكم بشيء. بقدرِ ما يتقدّم الإنسان ويقترب من المسيح، بقدرِ ما يتكاثر شعورُهُ بأنَّه غيرُ كامل. في وقت يقول الفرّيسي:
«أنا! أنا صالحٌ، أفعل هذا، وأفعل ذاك، وذلك…..»، إنَّه لَفي ضلال.
3 الصّلاة، – عبادة الله – تحوّل الكآبة وتجعل منها فرحاً
يحصلُ اليومَ مرّاتٍ كثيرةً بأنَّ الإنسان يشعُرُ بشدّةٍ، بيأسٍ، بضعفٍ، بكسلٍ، بضجرٍ وبكلّ التّجارب الشيطانيّة. أن يكون الإنسان في ضيقٍ، في بكاءٍ، في إكتئابٍ، أن لا يعطي أهميّةً لعائلتِهِ، أن يبذِّرَ كومة من الأموال ثمنَ أدوية لمحلّلين نفسانيّين. يصف الناس هذه الحالات «بعدم الإستقرار والأمان». ديانتنا تؤمن بأنَّ هذه الحالات هي تجارُب شيطانيّة.
الألم قوّةٌ نفسيّةٌ وضعها الله في داخلنا، بهدف فعل الخير، المحبَّة، الفرح، والصّلاة. عكس ذلك، يصل الشيطان إلى هدفه فيتناول هذه القوّة النفسيّة من بطّارية نفسنا ويستخدمها للشرّ، مسبّباً لها كآبةً، حاملاً النفسَ إلى الكسل والضجر. يعذّب الإنسان، يعتقلُهُ ويمرضُهُ نفسيّاً.
يوجد سرٌ واحدٌ. أن تحوّلوا الطاقة الشيطانيّة إلى طاقة خيّرة. إنَّه صعب وبحاجةٍ إلى إستعدادٍ ما. الإستعداد هو التّواضع. وبالتّواضع تنتزعون النعمة الإلهيّة. أعطوا أنفسكم إلى محبَّة الله، إلى عبادته، إلى الصّلاة. ولكن إن فعلتم هذا كلَّه، دون أن تمتلكوا التّواضع، فما حقَّقتم شيئاً.
كلّ الأحاسيس الشرّيرة، عدم الإستقرار، اليأس، الإحباط، التي تذهب للسَّيطرة على النفس، تختفي بالتّواضع. المتكبّر، الأناني يرفض أن تقطع له إرادتَهُ، أن تفضَحَهُ وأن توجِّه إليه الإرشادات. ينزعجُ، يعصِّبُ، يثورُ، ينفعلُ وتتسلَّط عليه الكآبة.
هذه الحالة تُشفى بالنعمة. على النفس أن تغيّر إتّجاهها صوبَ محبَّة الله. الشفاءُ سوف يصير بأن تحبَّ النفسُ الله بشغف. كثيرون من قدّيسينا حوّلوا الكآبة إلى فرحٍ بالمحبَّة تجاه المسيح. أي كانوا يتناولون هذه القوّة النفسيّة، يسلِّمونَها إلى الله، ويبدِّلونَها فرحاً وتهليلاً، في حين كان الشيطان يريدُ تدميرَها. الصّلاة، عبادة الله تحوّل وتقْلُبُ الكآبةَ شيئاً فشيئأً إلى فرحٍ، لأنَّ نعمةَ الله تعملُ فعلَها. هنا بحاجةٍ، أن تكون لك القوّة، لِتنتزِعَ نعمةَ الله التي ستساعدك على أن تتَّحدَ به، ويُحتاج كذلك إلى فنّ. عندما تسلّم نفسك إلى الله وتصبحُ واحداً معه، ستنسى الروح الشرّيرة التي كانت تشدُّكَ من الخلف، وبتجاهُلِكَ لها سترحل هذه الروح. ومن بعد، بقدرِ ما تتفرَّغ لروحِ الله، بقدرِ ما تتوقَّف عن النظرِ إلى الخلف، لترى الروح التي كانت تشدُّك.
عندما تجذبُكَ النعمة، تتّحدُ مع الله. وعندما تتَّحد مع الله وتسلّم نفسك إليه، ترحل كلّ الأشياء الأخرى، تنساها وتخلُص. الفنّ الكبير، إذن، السرّ الكبير، لتتحرّر من الكآبة وكلّ الأشياء السلبية هو أن تسلّم نفسك لمحبَّة الله.
شيءٌ واحدٌ يقدرُ أن يساعدَ المكتئب هو العمل، الإهتمام للحياة. الحديقة، النّباتات، الأزهار، الأشجار، المصْيَف، السير والمشي في الهواء الطلق، هذه الأشياء كلّها ترفعُ الإنسان من الكسل وتخلقُ له إهتماماتٍ أخرى. تفعلُ وتؤثّرُ كالأدوية. الإنشغال بالفنّ، بالموسيقى إلخ…..تعملُ عملاً جيّداً.
أمّا إلى جانب ذلك، فأُعطي المعنى الأكبر للإهتمام بالكنيسة، لمطالعة الكتاب المقدَّس، وللخِدَم الكنسيّة. مطالعاً ومتلقِّناً أقوالَ الله، يُشفى أحدٌ دون فهمِهِ السّبب.
لأقُصَّ عليكم قصَّةَ فتاةٍ، أتت إليّ أنا الحقير( في الربّ ). كانت تعاني من كآبة مخيفة. لم يُشفِها أيُّ دواءٍ، تركَتْ كلّ شيء. تركَتْ عملَها، بيتَها، وإنشغالاتِها. أمّا أنا فقلت لها ما أعرِفُهُ. قلت لها عن محبَّة المسيح، التي تعتقلُ النَّفسَ، لأنَّ نعمةَ الله تملأُ النَّفسَ وتبدّلها.
أفهَمتُها أنَّ هذه القوّة هي شيطانيّةٌ تأخذ النَّفس وتحوّلُ قوَّتَها إلى كآبةٍ، ترميها إلى أسفل، تعذِّبُها وتصيّرها غير مفيدة. نصحتها بأن تنشغلَ بإنشغالاتٍ عدّة، بالموسيقى مثلاً، التي كانت تعْجبُها أولاً إلخ.