مضمون وشرح ابيات
خدمة المديح لوالدة الاله .. الذي لا يجلس فيه
وقد قسمت الكنيسة البيوت الاربعة والعشرين الى اربعة ادوار لكي يكون لكل اسبوع من الصوم العظيم دور بستة بيوت،مجموع الادوار كلها للاسبوع الخامس من الصوم ويتلى معها القانون المولف مثل سائر القوانين من تسع اوديات (تسابيح) فجاء مع الاربعة والعشرين بيتا من اجمل ما كتبه الكتبة الكنسيين وألسن الفصحاء. ففي كل فقرة منها تتمثل العبادة الالعية وتعظيم السيدة العذراء والدة الاله الطاهرة مع حرارة الايمان المسيحية .
هذا النشيد من اجمل ما كتيته اقلام الكتبة الكنسيين وألسن الفصحاء ،فمن يا ترى هؤلاء ؟من هو واضع هذا النشيد ومتى وضع؟ الاراء في ذلك كثيرة متضاربة وبوسعنا ان نحصرها بين عدد قليل ممن وردت اسماؤهم في تاريخ الكنسي ونسبت اليهم عملية نظم هذا النشيد البليغ في لغة تقرب نوعا ما من لغة الكتاب المقدس في عهديه،هؤلاء هم :
ابوليناريوس من مؤلفي الكنسية المشهورين في القرن الرابع ، البطريرك المسكوني سيرغيوس(608 -638 ) ، جورج بيسيذس شاعر بيزنطي في اواخر القرن السادس. البطريرك المسكوني فوتيوس(820- 891) ، البار المرنم رومانوس امير كتَاب الكنسيين البزنطيين الحمصي الاصل ،كان شماسا في كنيسة القيامة في بيروت وكاهنا في القسطنطينية .
كانت تلاوة هذا النشيد محصورة في كنيسة واحد في القسطنطينية وهي كنيسة فلاخرنون ،ومن اوائل القرن الثالث عشر عمت تلاوته كنائس الشرق طافة في ايام معدودات من الصوم الكبير .
الدور الاول
" بشارة والدة الاله "
من البيت الاول الى البيت السادس
البيت الاول| جبرائيل بالنعمة يبشر| : " ان الملاك المتقدم ارسل من السماء ليقول لوالدة الاله افرحي …" .
في هذا البيت اشارة واضحة الى الملاك " الملاك المتقدم" اي الملاك جبرائيل وهو في مقدمة الالوف من طغمات الملائكة،وهو الذي ارسل من السماء ليبشر والدة الاله مريم بانها ستلد المسيح الذي لا نهاية لملكه وذلك بقوة الروح القدس وحلوله عليه.فحوى هذا البيت مأخوذ من انجيل لوقا حيث يقول :" وفي الشهر السادس ارسل الملاك جبرائيل من قبل الله الى مدينة في الجليل تسمى ناصرة .."(1:26- 38) ويلي ذلك الحوار الذي تم بين مريم والملاك جبرائيل.وهذا الملاك ظهر للكاهن زكريا ليقول له ان امراته العاقر اليصابات ستلد ولدا (لوقا 1: 5) اما كلمة والدة الاله فيرجع تاريخها في كتب العقائد الكنيسة الى سنة 431 م المجمع المسكوني الثالث. هذه الكلمة " والدة الاله" (theotokos) على اختصارها وتركيبها من اربع مقاطع تحتوي على " سر كامل" كما يعلم بذلك القديس يوحنا الدمشقي.
اليت الثاني| اضطراب مريم |:" ان القديسة (مريم) لما رأت ذاتها في النقاوة قالت لجبرائيل بجرأة…"
في هذا البيت جواب مريم البتول للملاك جبرائيل وهنا تدعى مريم العذراء قديسة لطهارتها من كل عيب.وجاء في ختام هذا البيت وسواه من البيوت التالية الهتاف الموجز"هليلويا" وهو هتاف موجز عبراني المبنى والمعنى ويدل على تسبيح الله " سبحوا الله" وقد ورد بكثرة في اسفار العهد القديم ونراه ايضا في بعض آيات العهد القديم،ولا سيما في سفر الرؤيا :" وبعد ذلك سمعت صوتا عظيما من جمع كثير من السماء قائلين هليلويا ان لالهنا الخلاص والمجد فالقوة… وقالوا ايضا هليلويا وان دخانه يتصاعد الى دهر الدهور.فخرَ الاربعة والعشرون شيخا والحيوانات الاربعة وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين:آمين هليلويا.وخرج من العرش صوت قائلا سبحوا الهنا.. وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه عزيرة وكصوت رعود شديدة قائلة هليلويا لان الرب الاله القدير قد ملك …"(19:1- 6).
ويقال ان كنيسة اورشليم هي التي ادخلت هذا الهتاف الموجز في كتب صلواتها مستعملة اياه في مواقف الحزن والتوبة وكذلك في مواقف الفرح والسرور. ولما عمَ استعمال هذا الهتاف في كنائس الشرق والغرب سمحت الكنيسة الغربية استعماله في مواقف الفرح فقط بعكس الكنيسة الشرقية فانها سمحت استعماله في حالتي الفرح والحزن.
البيت الثالث | تساؤل مريم وجواب الملاك |:" ان البتول التمست ان تعلم علم ما لن يعلم فهتفت للملاك قل لي…"
في هذا البيت من النشيد التماس من مريم العذراء ان تعلم ما لا يمكن ان يرتقي العقل الى معرفته وهو بنصه تابع للحوار بينها وبين الملاك.هنا يتمثل الخوف للملاك في اجابته على السؤال المطروح امامه من البتول:"كيف يمكن ان يولد ابن من احشاء نقية.."في الاجابة البليغة من جهة لاهوتية سامية نقرأ فما نقراءه ان البتول مريم هي حافظة سرالراي الذي لا يوصف وايمان يستلزم الصمت. وهنا اشارة الى ما جاء على لسان النبي حبقوق الذي يقول :" يارب اني سمعت سماعك فخفت"(3: 2).وان هذا الذي تسأل عنه هو "فاتحة عجائب المسيح "ومنه تشعبت بقية عجائبه المدونة في الانجيل المقدس وهو في الوقت نفسه " بدء تعاليمه" ومعلوم ان التجسد وولادة المسيح من البتول مريم هما اساس المسيحية وبدونهما لم تقم هذه الديانة وفيما يلي كلام بشير الى سلم يعقوب الذي رآه في المنام وان مريم ولدت " النور" الذي، في ليلة مظلمة من ليالي شهر كانون الاول اضاء العالم بعد ان اضاء الاماكن المجاورة لبيت لحم اليهودية.
البيت الرابع | الحبل : آحتواء الكلمة |:" حينئذ ظللت قدرة العلي لاجل الحبل من لم تختبر زواجا فاظهرت احشاءها المثمرة …".
فيه الرد على سؤال والدة الاله وهو حقيقة تجسد الكلمة في احشائها بحلول الروح القدس. ولا نشك بان هذا البيت من النشيد جاء مبنيا على آية الانجيلي لوقا الرسول:" فاجاب الملاك وقال لها ان الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله "(لوقا1: 35) .
البيت الخامس | الزيارة لاليصابات ونشيد المعمدان |:" اسرعت البتول الى اليصابات وكانت حشاها قد تقبلت الاله فحالما عرف الجنين هذه سلام تلك فرح …".
فيه اشارة الى ذهاب مريم البتول الى مدينة يهوذا عند نسيبتها اليصابات لتهنئتها بما وعدت به من ولادة ابن يكون عظيما ومن هذا البيت يقدم الشاعر الملهم واضع النشيد شخصا آخر ليوجه الى العذراء مريم هتافات الفرح والتسبيح ويتوَج هتافاته بتسمية البتول theodokos)) اي حاملة الاله في بطنها ونص البيت مقتبس من انجيل لوقا (1: 39- 54)،حيث الكلام في زيارة مريم البتول لنسيبتها اليصابات التي كانت تسكن في " الجبل" من مدينة يهوذا. ويرى البعض ان الجبل هو بيت لحم المشهورة ويقول أخرون انه حبرون( الخليل). والبعض يقول انه "عين كارم" على مسافة قريبة من القدس.وفي هذه المقابلة بين مريم واليصابات نرى انقضاء العهد القديم في حبل وولادة يوحنا ( بدلا من زكريا) ،(لوقا 1: 59- 60) ، وهو خاتمة انبياء هذا العهد، وبداية العهد الجديد في حبل وولادة يسوع المسيح من مريم العذراء.وهنا نلاحظ ان هتافات الجنين مأخوذة من البيئة التي عاش فيها يوحنا المعمدان،وهي بيئة الزرع والنباتات والفلاح والفلاحة وما الى ذلك .
البيت السادس | يوسف في شك مريب | :" ان يوسف العفبف قد اضطرب في داخله من عاصفة الافكار المريبة فحين رآك انت البكر حبلى ظنَك مأخوذة خلسة…" .
فيه تعبير عن اضطراب يوسف خطيب مريم العذراء الذي لم يطمئن له بال الا حين ظهر له الملاك في الحلم وانبأه بقضاء الله الازلي بان يرسل الفادي الى العالم مولودا من مخطوبته القديسة.وكان اضطراب يوسف معقولا لان الفتاة التي توجد في حالة الحبل بدون زواج كان قصاصها الرجم بالحجارة وذلك حسب ناموس موسى (تثنية الاشتراع 22: 20- 21)، اما نص هذا البيت من النشيد فهو قائم على مارد في انجيل متى(1: 18- 21 ) .
الدور الثاني
" ولادة المسيح "
من البيت السابع الى البيت الثاني عشر
البيت السابع | مديح الرعاة | :" سمع الرعاة الملائكة يسبحون لمجيء المسيح بالجسد فاسرعوا الى راع فرأؤه…" .
فيه اشارة الى سجود الرعاة للمولود العظيم وتسبيح الملائكة الذين ظهروا حين ولادته يسبحون الله ويمجدونه وبشروهم بالفرح العظيم الذي يخص كل الشعوب. هنا تتمثل امامنا قصة ولادة يسوع المسيح في بيت لحم ،حين كان الرعاة يبيتون،وظهور جمهور من الجند السماويين كما وردت في انجيل لوقا (2: 8- 18).قصة بسيطة في وضعها ولكنها بليغة في معناها ونتيجتها،وفي هذا البيت من النشيد يوجه الرعاة هتافاتهم الى والدة الاله،التي يدعونها " أم الحمل والراعي" وقد جاءت هاتان التسميتان في الكتاب المقدس فيسوع المسيح يدعو نفسه "راعيا" (يوحنا 10: 1) وكلمة " الحمل " مأخوذة من العهد القديم. وقد جاءت على لسان النبي اشعياء" .. وكحمل صامت امام الذين يجزَونه ولم يفتح فاه" ( 53: 7) . وكلمة " حمل " وردت لدلالة على طباع المسيح الهادئة وحلمه في تحمل المشقات والظلم " لاجل ضمير كمطيع لله" كما يذكر بطرس الرسول في رسالته الى المتغربين من شتات لبطي وغلاطية وكبادوكية واسية وبطنية المختارين " ( 1 بطرس 1: 1 و2- 23 ) . وهاتان الكلمتان وسواهما تدل على ان واضع هذا النشيد كان ضليعا في معرفة آيات الكتاب المقدس في عهديه القديم والحديث.
البيت الثامن |ملاك يقود المجوس كنجم غريب| :" لما راى المجوس نجما يسيَره الله اتبعوا ضياءه واتخذوه مصباحا …".
في هذا البيت اشارة واضحة الى مجيء المجوس من المشرق الى اورشليم والذين لما رأوا كوكبا(نجما غريب المظهر) ومسيَرا نحو هذه المدينة اتبعوه ليستعصوا عن الملك الذي يشير اليه بظهوره وسيره الغريب. وقد انفرد من الانجيليين بسرد هذه القصة الفريدة في نوعها في تاريخ الاديان القديس متى الذي يقول في مطلع الاصحاح الثاني من انجيله:" ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيردوس الملك اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق الى اورشليم …". ويستدل من عدد الهدايا المقدمة منهم الى " الصبي" ( يسوع المسيح)،وهي ذهب ولبان ومرَ " بانهم كانةوا ثلاثة وفي هذا العدد آراء متضاربة بين الباحثين.
البيت التاسع |مديح المجوس|:" لما رأى فتيان الكلدانيين بين يدي البتول جابل البشر بيده وادراكوا انه السيد …" .
جاء هذا البيت من النشيد متمما للبيت السابق، وفيه كلام عن فتينان الكلدانيين، اي المجوس، الذين قاموا بتقدمة الهدايا الى البتول، وفي نص الانجيل الى الصبي (اي المسيح) وهتافهم الى العذراء لانها والدة النجم (المسيح) الذي لا يغيب وفجر النهار السري. ان والدة الاله بعد رقادها وانتقالها الى الاحضان السماوية تدعى "فجر النهار" رمزا الى متعة المؤمنين في العالم الآتي. وفي هتافات المجوس الموجهة الى البتول يشار اليها بصفات متعددة: مطفئة اتون الضلالة اي مبطلة عبادة الديانات الفاسدة،ومستنيرة مساري الثالوث،اي معلنة الايمان بالثالوث الاقدس، ومخرجة المغتصب العادم الانسانية عن الرئاسة اي مقوضة سلطان الشر والخطيئة في شخصية الشيطان، ومظهرة محبة المسيح للبشر، ومخلصة ومنقذة العالم من عبادة الاصنام المتنوعة،ولا سيما من عبادة النار، وتنتهي هتافات المجوس الى البتولب وصفها مرشدة المؤمنين الى العفة، ومولدة في افئدتهم الفرح والسرور،ولا شك فان " العفة"هي في كطليعة الفضائل وهي هبة من الله ليكون الانسان كاملا ومسرورا اي مرتاح البال وهادئا في حياته وآخرتها.
البيت العاشر |سرعةالعودة بعد اتمام النبؤة| :"لما صار المجوس مبشرين حاملين الله عادوا الى بابل بعد ان اتموا النبؤة عنك …".
فيه الكلام عن رجوع المجوس الى بلادهم وتبشيرهم بالمخلص المولود في بيت لحم اليهودية.في هذا البيت من النشيد تتمة للبيتين السابقين وخاتمة لزيارة المجوس للمولود العظيم في بيت لحم .وحكاية هذا البيت المختصر مدونة في انجيل متى(2:12) ،حيث يقول "ثم اوحى " الملاك" الى المجوس في الحلم ان لا يرجعوا الى هيردوس، فرجعوا في طريق اخرى الى بلادهم بابل" في النشيد ،وفارس في رأي آخرين و" المشرق" في رواية الانجيل المقدس .وسياسة المجوس كما وردت في الانجيل والنشيد تدل على حكمة بالغة وايمان راسخ بان مولود بيت لحم هو الملك القدير الذي اتى الى العالم لخلاصه من وطأة الشر والفساد المستحوذين عليه .
البيت الحادي عشر| من مصر دعوت آبني|:" لما جليت نور الحق في مصر اجليت ظلام الباطل لا نها اصنامها لم تحتمل قدرتك …".
في هذا البيت اشارة الى ذهاب الاسرة المقدسة الى مصر، التي سقطت اصنامها عند وصول السيد يسوع المسيح اليها، ونرى في هذا النشيد ان اشخاصا جديدة ترفع الهتافات الى البتول وبعد ان تنسب اليها نهوض البشر وسقوط الابالسة ووطأة ضلالة الخديعة وفضح غش الاصنام يقتبس الهاتفون مادتهم الرمزية الى بعض حوادث العهد القديم،الخاصة بالشعب المختارمنذ خروجه من مصرحتى وصوله الى ارض المعياد التي يدر منها اللبن والعسل وارواء العطاش من الصخرة (العدد 33:8- 13) والخروج 17: 1) ،والعمود الناري ( الخروج 13: 12 واشعياء 4: 5) ورسالة بولس الرسول الاولى الى اهل كورنثوس(10: 1- 2) وحكاية المن (الخروج 16:14- 15)، ارض المعياد التي يدر منها اللبن والعسل ومجموع هذه الحكايات الكتابية وردت هنا " للرمز" الى مكانة نعمة والدة الاله بالنسبة الى العالم المتعطش الى الحياة الابدية والخلاص من ثقل الشر والخطيئة .
البيت الثاني عشر| التقدمة الى الهيكل |:"ان سمعان لما آذان بفراق الدهر الحاضر الخداع قدمت اليه كطفل لكنه عرف انك اله كامل ايضا …" .
فيه اشارة الى ترحيب سمعان الشيخ بالمسيح لما ذهب به يوسف وامه مريم الى الهيكل عند تمام الاربعين يوما من ولادته بحسب الاوامر الشرعية الموسوية. هذا البيت مأخوذ من حكاية الانجيل الخاصة بهذا الموضوع ( انجيل لوق2: 22 ) .
الدور الثالث
" عمل المسيح الخلاصي"
من البيت الثالث عشر الى الثامن عشر"
البيت الثالث عشر| الخليقة الجديدة| :" ان الخالق تجلى علينا نحن خلائقه فاظهر لنا خليقة جديدة فقد نبت من بطن بلا زرع …" .
في هذا البيت من النشيد تمجيد لبتولية مريم العذراء. وهنا الهاتفون يزينون ذكر بتوليتها بصفات بسيطة في وضعها ولكنها عميقة في معناها. وهكذا فانهم يدعونها زهرة واكليل العفاف ورسم القيامة وسيرة الملائكة وشجرة طيبة الثمر وغرسة ذات اوراق حسنة وحاملة هادي الضالين ووالدة فادي المأسورين ومستعطفة الديان ومسامحة الخطأة وحلة العراة وحبا لكل توق ولكل هذه الصفات معان عميقة يمكن ان يتصورها او يتخيلها المرء على صورة تعاليم الكتاب المقدس وشروح آباء الكنسية له. وكفى ان نذكر ان على رأس الهتافات هنا كلمة " زهرة"،"افرحي يا زهرة النقاوة " وهناك اراء بعض اباء الكنيسة فيها يقول اكلمنضس الاسكندري ان "الزهور"تأتي للدلالة على "معاني الكتب المقدسة" .وباسيليوس الكبير يدعو شهداء الكنيسة بتازهور وغريغوريوس النيصصي يمثل الفضائل بالزهور.اما ثيوذوريتوس فتنه يشبه القديسين الابرار بالزهور ذات الرائحة الزكية وهكذت .
البيت الرابع عشر| اجتذاب المؤمنين|:ط إنا راينا ولادة غريبة فلنتغرب عن العالم وننتقل بعقولنا الى السماء فان الاله العلي …"
في هذا البيت سلام جميع المؤمنين للبتول العذراء والدة الاله .
البيت الخامس عشر |التنازل الالهي |:" ان الكلمة غير المحدود كان بكامله مع السفلين ولم يغب البتة عن العلويين وما صار…" .
في هذا البيت يعلمنا النشيد بان المسيح الاله المتجسد ما برح وهو على الارض حاضرا بالوهيته في السماء لانه ابن الذي ينلأ الكون والسماوات والارض في وقت واحد.وهنا ناظم هذا الشعر الكنسي يمثل والدة الاله ،والدة الكلمة " غير المحدود" (Ahoritos )والكلمة الوارد ذكرها في مقدمة انجيل يوحنا "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله(1:1) بانها باب للسر المكرم ، وخبرا لا يوقن الكافرون وفخر للمؤمنين ومركبة للجالس على الشيروبيم ومنزلا رفيعا للمستوى على السيرافيم ومفتاح لملكوت المسيح ، وبالتالي رجاء الخيرات الابدية، كل هذه الصفات لها صداها في شخصية والدة الاله التي فتحت للمؤمنين ابواد الفردوس وملكوت السيد المسيح وكانت قد اغلقتها حواء بمعصيتها لارادة الله،(التكوين 3).
البيت السادس عشر |دهشة الملائكة من تجسد الكلمة | : " ان مراتب الملائكة قد دهشت باسرها من فعل تجسك العظيم لانها شاهدت الها لا …" .
في هذا البيت دهشة الملائكة السماويين من نجسد المسيح ابن الله الاولي وتواضعه على الارض وبين الناس،وسبب دهشة الملائكة لانهم لم يكونوا يعرفون من قبل شيئا عن تجسد مخلصنا يسوع المسيح .
البيت السابع عشر| حبسة الفصحاء وبلاغة المؤمنين | :" يا والدة الاله اننا نرى الخطباء المفوَهين امامك كالاسماك بكما فهم في تفسيرهم …".
في هذا البيت سلام من المؤمنين للعذراء مريم التي بولادتها السيد المسيح ابن الله ادهشت عقول العلماء والفصحاء فصاروا في معناه كالسمك لا صوت لهم ولا كلام زهتافات هذا البيت موجهة الى طبقات العلماء والفصحاء من فلاسفة ورجال اشداء في المناظرات حتى والى الاثينائيين المشهورين بصف الكلام والخطابة والشعر زما الى ذلك وعلاوة على ذلك فان والدة الاله تدعى هنا في اثناء الهتافات اناء حكمة الله وخزانة عناية الله وسفينة طالبي الخلاص وميناء السبَاحين في هذه الحياة اي الذين يقضون حياتهم في هذا العالم الفاني ودوما بايمانهم يتوسلون شفلعة والدة الاله ومعونتها قائلين ياوالدة الاله خلصينا بشفاعاتك.
البيت الثامن عشر| تأنس الاله وتأله الانسان | :" ان مدبر الاشياء كلها لكا شاء ان يخلص العالم .قدم اليه طوعا باختياره… "
في هذا البيت يوجد تسبيح موجه الى السيد يسوع المسيح الذي من اجلنا تجسد واصبح انسانا مثلنا، وذلك ليخلص العالم .
الدور الرابع
( مديح مريم ابنها)
من البيت التاسع عشر الى الرابع والعشرين
البيت التاسع عشر | مريم حصن العذارى وفخر الامهات | : " انت يا عذراء يا والدة الاله . سور للعذارى.ولكل الملتجئين اليك.لان خالق السماء والارض هيأك يا طاهرة … " .
في هذا البيت فيه اعترتف صارخ بان والدة الاله عذراء وسور للعذراى وطاهرة وقد سكن في احشائها صانع السماء والارض ومربية صالحة للعذراى ولذا فانها تستحق كل تمجيد وتسبيح .
البيت العشرون | تقديم المديح للملك الوهَاب| : " ايها الملك القدوس ان كل مديح مهما كان مسهبا يتوارى ازاء غزارة رأفاتك…"
فيه تسبيح الى الملك القدس من المؤمنين مع اقراهم بانهم اذا قدموا اليه ما يساوي الرمل عددا من التسابيح فلا يقومون بحق ما انعمه علينا من الخيرات .
البيت الحادي والعشرون | مريم سراج المنارة | :" اننا نرى البتول القديسة سراجا منيرا يضيء للذين في الظلام …"
في هذا البيت يوجه ناظم النشيد الكلام الى البتول القديسة داعيا مصباحا منيرا ،الذي ينير عقول الجالسين في ظلام المعصية، لمعرفة الاسرار المقدسة وعلى هذا الاساس فانه يبني هتافاته بعبارات مأخوذة من شعاع الشمس العقلية والنور الذي لا يغرب ومن البرق والرعد ومن الباهر الضياء وما الى ذلك. وبالتالي يذكرنا الشاعر بما فينا من المعصية الجدية وحاجتنا الى بركة مياه لتنزيل منا دنس الخطيئة وتؤهلنا الى " حياة الوليمة السرية" وما هذه الوليمة الا " ثمر الروح (القدس) وهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف والصلاح والايمان والوداعة والعفاف"، كما يعلمنا بولس الالهي في رسالته الى اهل غلاطية 5: 22- 23 ) .
البيت الثاني والعشرون | الفداء: تمزيق الصَك | :ط لما اراد موفي الديون البشر جميعا ان ينعم عليهم بترك الديون القديمة …" .
في هذا البيت تسبيح (هليلويا) الى سيدنا يسوع الذي حضر بذاته الى جميع البشر ليوفي ديونهم ويعيدنا الى الفردوس بعد ان كنا في عالم الخطيئة ولذلك فاه مزق الصك المكتوب على حساب ديوننا، وهكذا اصبحنا احرارا من كابوس المعصية والخطيئة ومستحقين نعمته. والتعمة هنا جاءت بمعنى محبة المسيح التي لا حدود لها لخلاص الانسان من اللعنة .
البيت الثالث والعشرون | قدَس العلي مسكنه| :" يا والدة الاله بما انك هيكل حي نمدحك جميعنا مرتلين لولادتك …" .
فيه مديح وتسبيح لوالدة الاله لان الرب حل في بطنها وقدسها ومجدها ولذا فانها اصبحت مظلة الاله تاكلمة وقديسة اعظم من كل القديسين وتابوتا مذهبا بالروح وكنزا لحياة لا تفنى وتاجا مكرما للمولوك وفخرا موقرا للكهنة وبرجا للكنيسة لا يتزعزع وسورا للمملكة لا يبهدم وبها يقوم الظفر ومجموعة تلك النعوت تكوَن هتافات هذا البيت ( الثالث والعشرون) من نشيد والدة الاله الذي قلما تاتي مثله اقلام الشعراء الكنيسة الابرار.
البيت الرابع والعشرون | تضرع وابتهال | :" ايتها الام الجديرة بكل مديح يامن ولدت الكلمة الاقدس من كل القديسين …".
في هذا البيت وهوخاتمة المديح تضرعات الى البتول مريم الكلية القداسة والطهارة لكي تتقبل صلواتنا وتنقذنا من اصناف الشرور والشدائد .
ان هذا النشيد عن انتشاره في كنائس الشرق في القرن الثالث عشر بعد ان كان مقتصرا على كنيسة القسطنطينية، وليست لنا معلومات عن تاريخ نقله من اصله اليوناني الى العربية ولا نشك بان ذلك قد تم ما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
ان تاريخ هذا النشيد، الذييدعوه المؤرخون بهرقل الصبي الاول وحروبه المتتابعة ضد الفرس والافار او الافاريين(وهم قبيلة تترية تسربت الى الغرب)والصقالبة ففي 4 نيسان سنة 622 م صمم على السفر لمحاربة الفرس وروى كل من واضعي الحوليات اليونانيين كذرنيوس وزوناراس وتوافان انه اقترض من الاديرة والكنائس واخذ بعض آنيتها الذهبية والفضية فسكها نقودا قائلا ان ضمانته ثمنها خير الكنائس من ان ينهبها الاعداء( الفرس وسواهم) ،اقام ابنه قسطنطين وكان عمره سنتين نائيا للملك يدبره البطريرك سيرغيوس(608- 638م).
عند سفره مضى الى كنيسة اجيا صوفيا فجثا خاشعا مناجيا الله بقوله" اللهم لا تسلمنا الى اعدائنا جزاء لاثامنا بل ارفق بنا واولنا الظفر لينكشف الاشرار عن الاعتداء على ميراثك". والتفت الى البطريرك وقال :"انني اعهد الى الله والى والدته واليك بهذه المدينة وبابني من بعدي" وتناول بيده صورة قديمة للمخلص وخرج بها الى البوسفور فعبر الى اسيا وصرف الاشهر الاولى في تدريب جنوده واعادة الحمية والشجاعة الى قلوبهم ومن كلامه لهم :"اخوتي وابنائي ،انكم ترون اعداء الله قد اعتدوا على بلادنا وتركوا مدنا خرابا واحرقوا معابدنا ودنسوا مذابحنا وملؤوا من الاقذار كنائسنا اذ جعلوها مأوى لجنودهم واخذ بيده صورة المخلص المذكورة واقسم بها على ان يحارب معهم كواحد منهم الى مماته وان يشاطرهم المخاطر التي تحف بهم ويكون متحدا معهم كأب مع ابنائه.
وقضت الحرب الفارسية بتغيب الامبراطورهرقل عن العاصمة ثلاث سنين متتالية .فعاد الافار الى سابق سيرتهم وارادوا هذه المرة اقتحام القسطنطينيةفي سنة 626م وتقدم الفرس في الحرب حتى خلقيدونية فنكث الافار بعهده واندفع بجموعة الى اسوار هذه المدينة.وكان الامبراطور قد اقام البطيرك سيرغيوس، وصيا على ابنه ونائبه في الحكم مع الوجيه فونوس .
فهب البطريرك بفصاحته وشجاعته يثير الهمم ويشدد العزائم فيطوف العاصمة بالشعائر الدينية ويعلو بنفسه الاسوار ومعه ايقون العذراء. فاصبح على تعبير احد المعاصرين المؤرخين:"خوذة العاصمة ودرعها وسيفها" ويقول معاصر آخر جورج بيسيدس:" ان البطريرك ما فتئ يواجه قوات الظلمة والفساد بايقونتي المخلص والعذراء حتى أدب في قلوب الاعداء الرعب والخوف فكانوا كلما عرض البطريرك من الاسوار ايقونة الشفيعة حامية العاصمة اعرضوا هم عن النظر اليها.
وجمع الفرس اسطولا وحاواوا الوصول الى الشاطئ الاوروبي عبر البوسفور ولكنهم اخفقوا لان مراكب الروم بددت شملهم عند القرن الذهبي "فصبغت المياه بدمهم وغطت البحر بجثثهم " زانقض خاقام الافار بجموعه على الاسوار لاخر مرة في 10 تموز فارتد خائبا وهو يردد:" اني رايت امراة متوشحة باثمن الاثواب تطوف الاسوار من اولها الى اخرها " . وهكذا نجت العصمة (القسطنطينية) من هذا الخطر المداهم فعزا سكانها انتصارهم على الفرس والافار الى السيدة العذراء حامية المدينة زشفيعتها. وبهذه المناسبة التاريخية نظم احد الشعراء المسيحية التسبيحة الشهيرة المسماة"الاكاثيسطوس" اي التسبليحة التي يجلس عند تلاوتها .
الكنيسة الارثوذكسية منذ القرن الثالث عشر لا تزال ترنم مضمونها حتى اليوم مساء كل جمعة من الاسابيع الخمسة الاولى من الصوم الكبير المقدس.