20- وبالروح القدس
الواو واو العطف – "الروح القدس" معطوفة على ما قبله أي: "أؤمن بالإله الواحد الآب، وبالرب الواحد يسوع المسيح، وأؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب الذي هو…".
الروح القدس – هو الأقنوم الثالث من الثالوث القدوس. ينبثق من الآب (يوحنا 26:15). أي ان أقنوم الروح القدس ينبثق من أقنوم الآب لا من جوهره، وقد سبق فشرحنا ذلك. وهو الرب كما أن الابن ربٌ: "وبالرب الواحد يسوع … وبالروح القدس الرب…".
الزيادة على الدستور – كان يُظن أن زيادة لفظة على دستور الايمان قد جرى في اسبانيا. إلا أن التحقيق أثبت تزوير الكثير من المصادر. حتى مجمع طليطلة في العام 589 أورد دستورَ الإيمان النيقاوي كما يتلوه الأرثوذكسي أي : "وبالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب" لا: "المنبثق من الآب والابن". ولكن يقال إن الزيادة بدأت في اسبانيا[1].
شارلمان – لعب شارلمان دوره في مؤتمر فرانكفورت 794 في زيادة اللفظة على الدستور. انعقد مجمع في مدينة إيكسAix الفرنسية في العام 809. وسافرت بعثة أساقفة فرنجة إلى روما في نوفمبر 809. فرفض البابا لاون الثالث "إقحام" هذه اللفظة في النصوص الليتورجية الرومانية. وعلاوة على ذلك، طلب حذفها من "النصوص الليتورجية في الكنائس الاخرى…". فقد رأى "من الأفضل العودة إلى الاستعمال القديم"[2]. وكتب دستورَ الايمان على لوحَين باليونانية واللاتينية ووضعهما على باب كنيسة القديس بطرس بروما. والنص هو النص الذي يتلوه الأرثوذكسي اليوم.
البابا لاون الثالث – شارلمان حلم بإمبراطورية مستقلة، فشقَّ الكنيسة. شقَّ الغرب المسيحي عن الشرق المسيحي. الا أن البابا لاون الثالث أنقذ وحدة الكنيسة حتى جاءنا إمبراطور جرماني آخر اسمه هنري الثاني يفرضها في روما (1022) على عهد البابا بنيديكتوس الثامن قال فيه قديسون غربيون ما قالوا[3].
بلا مجمع – تراجع – وقد أجرى الغرب ذلك بدون علم الشرق والتشاور معه، وبدون انعقاد مجمع مسكوني ليقرّر ذلك أو يرفضه. وسال الخبر مدواراً شرقاً وغرباً ليدافع كل فريق عن موقفه. والحقيقة هي الخروج عن الحد الأدنى المطلوب للخلاص إلى أيدي بشر وسّعوا الخرق كثيراً بدون موجب. ومن دواعي السرور أن يقول اليوم لاهوتي غربي كبير هو الأب لو غيّو Le Guillou: "إن صيغة" الروح القدس ينبثق من الآب والابن لا تقابل التقليد اليوناني في مجموعه. فالقديس يوحنا الدمشقي استبعدها صراحة… الصيغة التي فضّلها اليونان دائماً هي هذه: "الروح القدس ينبثق من الآب ويأخذ من الابن". المقصود باليونان الكتبة الكنسيون ذوو اللغة اليونانية في كتاباتهم.
ويذكر الكاتب الفوارق بين الألفاظ اليونانية والألفاظ اللاتينية. ويذكر أيضاً أن المسألة غير مطروحة إطلاقاً لدى الكتبة اليونان، حتى ولو أمكن أن تبدو واردة في بعض عبارات القديسين ابيفانيوس قبرص وكيرللس الاسكندرية.
قرّر مجمع القسطنطينية في 879-800، بحضور مندوبي بابا رومية، عدم السماح بالزيادة على دستور الايمان (راجع كتابنا "شهود يهوه، السبتيون، المعمدانيون، المتجدِّدون…). وقد وافق البابا على هذا.
سبق ثيئوذوريتوس القورشي يوحنا الدمشقي إلى التصريح بأن الروح القدس لا ينبثق ابداً من الابن (الرسالة 171 إلى يوحنا انطاكيا بعد المصالحة مع كيرللس الاسكندراني، أي غالباً في ربيع 333). وقد عرض إيمانه في رسالته إلى ديوسقورس الاسكندرية فقال إن الروح القدس ينبثق من الآب (الرسالة 83). وهذا ما قاله اثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس اللاهوتي والذهبي قبله. أما الدمشقي فقال:
"إن الروح القدس من الآب ونسمّيه روح الآب. ولا نقول إنّ الروح القدس من الابن ونسمّيه روح الابن… ونعترف أن الابن يُظهره ويمنحه لنا … يمنح لنا اشراقَه بواسطة الشعاع، فينيرنا به ويكون متعتنا" (ص72-73 من المئة مقالة، منشورات المكتبة البولسية، جونية، 1984).
وهذا ما عبّر عنه جيداً نصُ لو غيّو الذي استشهدتُ به.
تقارب – وهذا أيضاً كسبٌ كبير بعد أن أجهد عباقرةٌ غربيون نفوسهم للتدليل على أن الكتبة اليونان قالوا بانبثاق الروح القدس من الابن. فالكاتب يشك حتى في عبارات ابيفانيوس وكيرللس، يشك في أن تتحمل معنى انبثاق الروح من الابن.
هنا وفي أمكنة أخرى من هذا الكتاب نرى تقارب وجهات النظر بين الشرق الأرثوذكسي والغرب الكاثوليكي. والحوارات اللاهوتية القائمة كفيلة – بعون الله – بتوسيع التقارب.
إنما يحتاج الامر إلى تكثيف الخطوات وصلوات الرهبان. فطغيان ذهنية البحث على حساب التقوى والصلاة والسجود لا يستجدي الروح القدس بما فيه الكفاية. اللهم! أصلحْنا وباركْنا وألهِمْنا سواء السبيل والاتحاد المسيحي الكامل. ألهِبْ قلوب الكاثوليك والأرثوذكس في شقّي أوروبا بنار المحبة وروح الانفتاح لتتعانق روما والقسطنطينية وموسكو في الوفاق العقائدي التامّ لمجد اسمك ولدمار الرذيلة والإلحاد.
الروح ربٌ – الروح القدس ربٌ مثل الابن. فهو إله مثله. اذن الروح القدس يحيي. ففي بدء التكوين جاء:
الروح والخلق – "في البدء خلق الله السموات والارض. وكانت الارض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرفّ على وجه المياه" (1:1-2). لفظة "يرفّ" تردّ إلى العربية لفظة عبرانية تذكِّر باحتضان الطيور فراخها ورفرفة جناحيها فوقها. جاء في التثنية: "كالنسر الذي يحرِّك عشَّه، وعلى فراخه يرِّف ويبسط جناحيه، فيأخذها ويحملها على ريشه" (11:32).
الروح كان يرفّ فوق الخربة الخالية.
الروح هو – اذن – مبدأ الحياة على الارض.
ولما خلق الله آدمَ صنعه من تراب ثم "نفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الانسان نفساً حيةً" (تكوين 7:2 ). بهذا خلق اللهُ روحَ الانسان، فصنعنا الله على صورته ومثاله، كما جاء في الترجمة السبعينية المعتمدة يونانياً.
روح الله وروح الانسان – "الروح القدس روحٌ. والجزء الأعلى من الانسان اسمه روح. الارتباط واضح. إنما الروح القدس هو إله، بينما روح الإنسان مخلوقة. ولكنها على صورة الله، فلذلك تتمتع بصفات روحية ترفعها فوق الماديات.
الروح القدس يَبين في مطلع سفر التكوين قريباً من الأرض والإنسان. الأقانيم الإلهية جميعاً اشتركوا في خلقنا. جاء في المزامير: "بكلمة الرب صُنعت السموات وبروح فيه كلُّ جنودها" (6:33 أو 6:32 في السبعينية).
إنما قربُ الروح القدس مِنا يعطي روحنَا أهمية خاصة. في عدة مواضيع ركَّز الكتاب المقدس على أن الله خلق فينا روحاً (أيوب 3:27 و14:34، المزمور 29:103 والجامعة 7:17)، وأن الروح هو الذي خلقنا (ايوب 4:33 والمزمور 6:32). جاء في يهوديت: "….أرسلتَ روحك فخُلِقُوا" (17:16).
المحيي – ولذلك فالروح القدس هو المحيي الذي منحنا الروح. التقابل بين الروح القدس الإله وبين روح الإنسان المخلوق واسع جداً في العهد الجديد.
يعيدنا – ويقبض الله أرواحنا، فنموت، ونعود إلى التراب. ويرسل روحه فنُخْلَق، ويتجَدد وجهُ الارض (المزمور 30:104). فحزقيال النبي تحدّث في الفصل 37 عن هبوب الروح في الأموات ليحيوا ثانية.
فالروح القدس أحيانَا في البدء فمنح آدم روحاً، ويُحيينا في النهاية، فيعيدنا إلى الحياة، ويلحم أجسادنا المائتة بأرواحنا الماثلة لدى الله.
العنصرة – وفي العهد الجديد عقد الروح القدس ناسوتَ يسوع من مريم العذراء. وهو نفسه وَلَدنا، يوم العنصرة، في يسوع فصرنا أعضاء جسد يسوع (أي الكنيسة) وأبناء وإخوة يسوع.
في العهد الجديد تأتي لفظة "الروح القدس" بمعنى الأقنوم أو نعمة الروح القدس.الحسّ السليم يعرف كيف يميّز بين المَعنَيَين. في العهد الجديد يُذكرُ الروح القدس كأقنوم إلهي منبثق من الآب سرمدياً، والروح القدس كنعمة إلهية مرسلة على الرسل والمؤمنين في الزمان. والعهد الجديد ينوِّع استعمال الألفاظ بين الآب والابن والروح القدس للتركيز على الثالوث القدوس. لكن النعمة الإلهية هي نعمة الآب والابنِ والروحِ القدس. وكذلك النور والمجد والقوة والسلطان والصلاح والبِّر والشركة و.. و.. هذه كلها قوى إلهية مشرقة من جوهر الثالوث القدوس وليست الجوهر.
الثالوث – نسجد للروح القدس مع الآب والابن ونمجد الثلاثة معاً. السجود هو لله. التمجيد هو لله. نسجد سجدة واحدة ونرفع مجداً واحداً للثالوث بدون أي تمييز، لأن الثلاثة متساوون وواحدٌ في الجوهر.
علاقتنا بالله – علاقتنا بالله الثالوثي علاقة سجود، لأن الله أعظم منا إلى حدٍ نشعر معه بأننا عاجزون عن الوقوف في حضرته، ورفعِ العيون اليه. الملائكة تخشع له. فهل ننتفخ ونحن مجبولون بالآثام؟ أمام جلاله كيف نَثبت إن لم ننسحق، وتلتصق رقابنُا العاتية المتكبرة بالتراب، رهبةً وارتعاداً؟
التمجيد – وعلاقتُنا بالثالوث علاقة تمجيد. نرفع له المجد نظراً لعظمته الذاتية، ونظراً لعظمته في خَلْقِه، مجدُه ساطع وباهر، ويستفزُّنا للتسبيح كما نسمع في خدمة القداس: "بتسبيح الظفر مترنمين وهاتفين وصارخين وقائلين: قدوس، قدوس، قدوس رب الصباؤوت"، على ما سمع اشعياءُ السيرافيم يسبِّحونه (6 ،1-6)، وجاء في سفر الرؤيا (8:4 و…).
الإلهام – الروح القدس نطقَ بالأنبياء على ما ذكرتْ الكتبُ المقدسة. فهو الذي قاد الانبياء والرسل في كتابة الكتاب المقدس على ما ذكر الرسولان بطرس وبولس.
الإلهام والتجسد – نظرية الكنيسة في الإلهام الالهي تنبثق من عقيدتها في تجسّد الرب يسوع: اتحدت الطبيعتان والإرادتان والفِعلان بدون طغيان اللاهوت على الناسوت. إنما أشرق اللاهوتُ في الناسوت.
الكاتب مستنير – الروح القدس أشرق في الكتبة القديسين، فأنارهم وأرشدهم وعلَّمهم وعصمهم من الخطأ. ولكن لم يجعلهم أدوات بلا شعور ولا إحساس. لقد أخذ كلَّ واحد منهم كما هو. لذلك نرى كلاً منهم يحتفظ بقالبه الإنشائي الأدبي الخاص. فإنشاء متى ولوقا ويوحنا ومرقس وبولس وبطرس ليس واحداً. لكل منهم شخصيته وقالبه الأدبي والثقافي.
الكتاب رسالة إلينا – وما دام الكتاب المقدس ملهَماً اي ان الله قد ألهم الكتبة تدبيجه[4]، فهو يحوي رسالةَ الله إلى كل واحد منا. فيه رسائل إلهية. علينا أن نستقبلها، وان نتناولها بتقوى وخشوع كما نتناول القربان.كلام الله كلامٌ حيّ لا كلام ميت. الروح القدس الذي ألهم الرسل هو نفسه يحفر في قلوبنا كلامه، إن طهَّرناها ـ بجهدنا وجهادنا وبكلام الله ـ من كل دنس. قال يسوع لتلاميذه إنهم أطهار بسبب الكلام الذي كلَّمهم به (يوحنا 3:15). القربان يطهِّرنا. وكذلك كلام الله. النسك يطهِّرنا. كل الفضائل والجهادات تطهِّرنا بالروح القدس.
سموّ كلام يسوع – باسيلوس الكبير، شيخ آباء الكنيسة، أقام تفريقاً بين أسفار العهد القديم وكلام يسوع وبخاصة انجيل يوحنا[5]. يسوع نفسه قال لبعض سائليه إن موسى سنّ لهم شريعة الطلاق – خلافاً للاصل – بسبب قساوة قلوبهم (متى 8:19). ولذلك ألغاها يسوع وأعادنا الى شريعة الفردوس حيث كان آدم وحواء جسداً واحداً.
العهد الجديد أهمّ – ولكن الروح القدس ظهر في العهد الجديد بوضوح؛ ما كان بارزاً في العهد القديم. غريغوريوس اللاهوتي قال إن العهد القديم كشف لنا عن الآب، والعهد الجديد كشف لنا عن الابن، والآن يعتلن لنا الروحُ القدس. أما يوحنا الذهبي الفم فبرع أيضاً وقال إن الانجيل دوّن لنا أقوال يسوع وأفعاله[6]، أما كتاب اعمال الرسل فدوّن لنا أفعال الروح القدس وأقواله.
في كتاب أعمال الرسل نرى الروح القدس يرفرف على الكنيسة بل يحرّك الكنيسة. هو موتورها (محرِّكها) الحيّ الى النهاية.
العنصرة – في يوم العنصرة حلّ الروح القدس على التلاميذ، فعمّدهم. وأقامهم معلّمين على كل المسكونة، وأساقفةً لها، وسكب فيهم كل العطايا الالهية. جعلهم رؤوس البشر، رؤوس الخليقة الجديدة. هم سادتنا المعظَّمون.
الروح قبل العنصرة – قبل العنصرة، كان يأتي من الخارج. في العنصرة حلَّ في داخلنا، في قلوبنا.
في العنصرة اعتلن لنا أقنوماً الهياً، يأتي إلينا ليتجلّى فينا. ناره تطهِّرنا. نوره يُلألئنا. نعمته تؤلِّهنا. مواهبه تزيِّننا. منذ العنصرة صار الزمان كله عنصرة[7].
النعمة والمواهب – تفرّق الكنيسة بين نعمة الروح القدس التي تؤلِّهنا، التي تقود حياتنا في طريق الكمال حتى ملء قامة يسوع، و(بين) مواهبه.
ذكر بولس هذه المواهب. هي تتعلق بخدمة الكنيسة وشفاء المرضى والعجائب وطرد الشياطين اجمالاً. النعمة غير مخلوقة، وممنوحة لكل المؤمنين. والمواهب أيضاً غير مخلوقة، وموجودة في كل المؤمنين بفضل مسحة الميرون. الروح القدس يتولى إظهار المواهب من أجل خدمة الكنيسة كما يشاء ومتى يشاء. فقد يقيم أحدَ المؤمنين شافياً للمرضى أو طارداً للشياطين.
لا نعلم لماذا شفى الله فلاناً ولم يشفِ فلاناً. ولماذا أظهر عجائبه عن يد فلان. عجائب بعض القديسين حصلت بعد وفاتهم لا قبلها (ثيئوذوريتوس. راجع الحاشية من كراسنا "مار مارون"). كانت المواهب تفيض في بعض آباء البراري. إنما كانت تفيض كأنهم مُكْرَهُون عليها. يعرفون أخطار تجربة الشياطين لهم بالكبرياء، اذ يوهمهم (الشيطان) بأنهم عجائبيون لأنهم أبرار صدِّيقون. بعضهم صلّى لكي لا يمنحه الله الموهبة. لذلك تتحفّظ الكنيسة تجاه المواهب، وتراقب، وترشد. وترتاب جداً من الظهورات والأحلام. وتوحي بالحذر الشديد والخضوع لمرشد روحي خبير عليم بعزل الأخ التقيّ عن مخادعات الشياطين واندساساته الماكرة. الشيطان يخدع الأغرار بالظهورات والاحلام[8].
التواضع – القداسة تكمن في التواضع. كل الفضائل قشور إن لم يكن التواضع زينتها وبهاءها. هو سمة عامة لكل الفضائل. كل فضيلة لا تتّسم بالتواضع تفقد نكهتها ووزنها بنسبة كبيرة تبعاً للموقف.
فيا أيها الروح القدس القدوس! كن نوراً يضيء كل حياتنا حتى فراغها من كل ظلمة. فأنت مشتهانا الأوحد.
21- وبالكنيسة الواحدة
الواو حرف عطف. "كنيسة" معطوفة على ما قبلها، أي: "أؤمن بالإله الواحد الآب… وبالرب الواحد يسوع المسيح… وبالروح القدس… وبالكنيسة".
بند ايمان – الكنيسة هي أحد بنود الإيمان. الروس يرسمون الصليب حين النطق بهذا البند.
الكنيسة – ما هي الكنيسة؟ آباء الكنيسة كرّروا كلام بولس الرسول: الكنيسة هي "جسد المسيح". بعض المعاصرين الأرثوذكس (فلاديمير لوسكي، وجيلّه وكرميريس وديمتري ستانيلواي) قالوا مثل الغرب: "جسد المسيح السِّري" (mystique). رفضتُ هذا التعبير الذي لم يستعمله الآباء، ولا خومياكوف (لاهوتينا الكبير في القرن الماضي) ولا بولغاكوف المعاصر، وذلك في مقال ظهر في "الكلمة".
جسد المسيح – بولس قال إن الكنيسة هي "جسد المسيح". صدق الله.
هذا كلام الروح القدس. نقول مع بولس هي "جسد المسيح" والمسيح هو "رأسها".
المؤمنون هم أعضاء هذا الجسد وأعضاء بعضهم لبعض (رومية 12 وكورنثوس الأولى 12 وافسس 4 و..). الروح القدس أسَّس الكنيسة يوم العنصرة، يومَ حل على التلاميذ، فكانوا الكنيسة، فكانوا جسد المسيح.
دعوة – لفظة كنيسة وردت في العهد القديم[9]. فيها معنى "الدعوة" أيضاً.
الضعفاء روحياً يتعلقون بالمحسوسات والمنظورات. ما دمنا نلمس الله بروحنا في الصلاة والقربان، فلا حاجة الى الحواس لمعاينة الله، إلا متى شاء الله. الشيطان يستعمل حواسنا ليخادعنا بظهورات كاذبة وأحلام كاذبة.
لا أقول إن جميع الظهورات والاحلام هي كاذبة.
إنما لا أقبل منها إلا ما يقبله شيوخ الرهبان الضليعين روحياً. وأُفضِّل أن يرفضها الناس جملة وتفصيلاً، وأن لا يتعلّقوا بها أبداً. فيها خطر الكبرياء، وحبّ الظهور، واعتقاد المرء بأنه قديس. والمطلوب هو الشعور بأني رجاسة الرجسات، لا التكبُّر. فبولس علَّمنا أن الشيطان يتلبّس صورة ملاك من نور ليخدع المؤمنين (2 كور 13:11-15). الحذر منه يقضي بالشطب على الأحلام والظهورات حتى يفحصها الشيوخ الروحانيون.
وبالنسبة للأحلام، فإن العلم فضح أسرار ما هو عادي منها. لم تعد لغزاً أبداً ولا نبوءاتٍ بالنسبة للعلم.
فأثناء التحليل النفسي للمرض يلعب تحليل الاحلام دوراً هاماً في الكشف عن لاشعور المريض. حلمُ احدى المريضات تضمَّنَ خلاصة تعقيداتها النفسيّة. أوصلَها المحللُ بلباقة إلى تحليله، فحلّلَتْه وفرغتْ من الخوف من ألغازه. اذاً :لم تعد الأحلام اسراراً. انما لا يجوز تحليلها إجمالاً الا أثناء التطبيب حيث يمارس المحلّل الطريقة الفضلى لفكّ رموزها. أجادَ ابن سيرين في القول بالرمز ولكنّ تحليلاته مخارق وصبيانيات.
تدعو الكنيسة العالم وتبشّره بالخلاص الصائر بربنا يسوع المسيح، ليقبل الخلاص والفرح. فالبشرى سارة.
المعمودية – بالمعمودية يضحي الإنسان عضواً في جسد المسيح، على ما سيجيء في فصل المعموديّة. جسد المسيح كائن حي عضوي لا جمعيّة[10].
السلطات الكنسية – أقام الله في الكنيسة رسلاً وأنبياء ومعلمين وأساقفة وكهنة وشمامسة لخدمة المؤمنين. بموجب السلطات الممنوحة لهم يمارسون وظائف معيّنة للخدمة. مبرّر وجود هذه الوظائف الوحيد هو أن يُقدِّسوا الشّعب (رومية 12 وكورنتوس الأولى 12 وأفسس 4).
السماء والأرض – الكنيسة تجمع الإكليريكيين والعلمانيين في جسدها، أحياء على الأرض كانوا أم أمواتاً. وليس هذا فقط. هناك ترنيمة تقول إن أهل السماء وأهل الأرض هم رعية واحدة: "أيها المسيح الإله، بواسطة صليبك المقدّس، صار الملائكة والبشر رعيةً واحدة وكنيسة واحدة، والسماءُ والأرض ابتهجتا معاً.." (البنديكستاري، القدس 1888، مطبعة القبر المقدس؛ ص 43). وعلى هذا الرأي الذهبيُّ الفم أيضاً، فنحن وأمواتنا الأبرار والملائكة كنيسةٌ واحدة.
الملائكة حرّاسنا – يحرسوننا ويشتركون معنا في الصلاة[11]. والكنيسة تعلِّم أن الأبرار المنتقلين ليسوا أمواتاً بل أحياء وأنهم مثل الملائكة. ويسوع ذكر عن ملائكتنا أنهم أمام اللّه يشفعون فينا.
الآباء القديسون علَّموا أن التجسّد رفعَنا فوق الملائكة. ولذلك فالأبرار الكاملون المنتقلون (أعضاء الكنيسة) هم ملتحمون معنا في جسد يسوع. ويسكن فيهم الروح القدس الساكن في جسد يسوع. ويقول نيكيتا ستيثاتوس إنهم يشعرون بأحوالنا.
الروح يصلّي فينا – والروح القدس هو القدوس، هو الذي يصلّي فينا ويشفع فينا (رومية 8: 15و26 وغلاطية 4:6). وهو الذي يصلّي في الأحياء والأموات وكل خليقة الملائكة[12].
الصلاة للأعداء – وأقوى صورة لمحبة الاعداء هي الصلاة الحارة الصادقة من أجلهم (مكسيموس المعترف)، مقرونة بصفحٍ قلبي كامل لهم، وإلا كانت الصلاة تمثيلاً.
وقال سواه: "اللّه أقام المسيح بمثابة رأس أوحد مشتركاً للجميع: للملائكة والبشر"[13]. وفي تقليد الكنيسة درجنا على ذكر تسع طغمات (أجواق) من الملائكة (ديونيسيوس المنحول، الخييراخية السماوية). قال يسوع إننا سنكون في الآخرة مثل الملائكة (لوقا 20: 36 ومتى 22: 30). ملائكتنا يشفعون فينا في السماء (متى 18: 10) ويفرح ملائكة الله والسماء بخاطىء واحد يتوب (لوقا 15: 10، 6). فالملائكة شركاؤنا. وأمواتنا الأبرار هم، كالملائكة، شركاؤنا. بحق قال نيكيتاس إنهم يشعرون بنا ويشاركوننا.
الصلاة رباط – فالصلاة هي أكمل صورة لاتحاد المؤمنين المكمَّلين في السماء، والمؤمنين المنتظرين على الأرض الانتقالَ إلى أولئك. فبولس الرسول علَّمَنا أننا مقيمون منذ الآن في السماء. ولذلك فنحن غرباء في هذه الدنيا ونزلاء. لا مدينة باقية لنا هنا، بل ننتظر كلنا المدينةَ الأخرى. فاجعلنا، يا يسوع، من سكانها المكمَّلين، واجعلنا والملائكة والابرار وكل الخلائق (رؤيا 8:5- 14 و6: 6- 11 و7: 9- 17 وو….) واحداً.
22- الواحدة (وحدة الكنيسة)
وضع الدستور 4 أوصاف للكنيسة.
واحدة – الآب واحد، يسوع واحد، الروح القدس واحد، الثالوث إله واحد، المعمودية واحدة. فهل يكون جسد يسوع متعدداً؟ كان آدم وحواء في الجنة جسداً واحداً. الخطيئة مزّقت وحدة الانسان الداخلية. وإن كان البشر طبيعةً واحدة، فإن التمزّق واسع جداً. كلٌّ يختص بالطبيعة لذاته. الانفراد القتّال، والانعزالية، والأنانية، والأثَرة، والعداء، وطغيان الذات شوّهوا قالبنا الأصلي. الانسان إناء من بلّور قد تحطّم، فتناثر متمزِّقاً داخلياً شرَّ تمزِّق.
جَبَرَ كسرنا – ولكن هذه الوحدة عادت في يسوع. الكنيسة واحدة، أي جسد يسوع واحدٌ، أي نحن الكثيرين واحدٌ. يسوع جَبَرَ كسْر الطبيعة. يسوع جدَّد الطبيعة. متى صرنا مكمَّلين زالت الثقوب والشقوق والفسوخ، وخضع أعضاء الجسد (المكمَّلون في شخص يسوع) للإله الآب (اكور 15: 28).
يسوع والروح – فلاديمير لوسكي جعل تدبير يسوع تدبيراً خاصاً بالطبيعة وجعل تدبير الروح القدس تدبيراً خاصاً بالاشخاص. لا يوافقه ستانيلواي على هذا التفريق.
في يسوع ننال الطبيعة الواحدة إذ نصبح أعضاء جسده الواحد. نصير واحداً في الخبزة الواحدة، أي القربان. القربان الواحد يجمعنا بالرأس يسوع. في الروح القدس، تنمو أشخاصنا وتترعرع في نعمة الروح القدس الساكن في يسوع. الروح القدس يربط أعضاء الجسد بعضها ببعض.
الكنيسة والثالوث – بيسوع أخَذْنا الطبيعة. بالروح أخَذْنا القوة الإنمائية. وهكذا يصبح وجودنا كطبيعة وكأشخاص في الابن والروح القدس.
قلنا في الثالوث: إله واحد في ثلاثة أقانيم (أشخاص).
قلنا في التجسد: أقنوم واحد في طبيعتين (من غريغوريوس اللاهوتي والمجمع الرابع المسكوني).
نقول في الكنيسة: أقانيم (أشخاص) بشرية في جسد واحد، في طبيعة واحدة. الروح القدس جعلنا أعضاء هذا الجسد وهو ينمينا فيه.
ما الكنيسة؟ هي على صورة الثالوث القدوس اذنْ. هي واحدة وأعضاؤها كثيرون، كما أن اللّه هو واحد في ثلاثة أقانيم. وصلاة يسوع الأخيرة (يوحنا 17) هي دعاء لكي نصبح واحداً كما أنه والآب واحد. في جرن المعمودية وَلَدَنا الروحُ القدس جميعاً من رحم واحدة هي جرن المعمودية (افرام)، فصرنا أبناءَ الله وإخوةَ يسوع. ولكن أُخوَّتنا في يسوع أقوى من أخوَّتنا الجسدية التي تربطنا بإخوة الجسد. بالمعمودية صار يسوع مطبوعاً في كل واحد منا. نحن نسخ عن الأصل يسوع، بينما يحمل إخوةُ الجسد تشويه طبيعة آدم الساقطة.
والروح القدس الساكن في يسوع يسكن فينا ويُنمينا في يسوع لنبلغ ملء قامة ربنا يسوع وننتهي جميعاً إلى وحدة تامة. فنحن وإن كنا أعضاء كثيرة إلا أننا جسد يسوع الواحد الساكن في السماء المستتر الآن فينا صوفياً على الأرض.
وإذا كنا أنانيين وجسديين وساقطين فالعيب هو عيبنا لأنّنا لا ننمو في الروح القدس.
أعطانا الثالوث القدوس نعمته. بقي علينا أن ننمو فيها عن طريق الصوم والنسك والصلاة والفضائل. نحن أبناء اللّه بالمعمودية. إنما كمال البنوّة وتمامها لا يتحقق إلا في إيمان الشهداء الملتهب ومحبتِهم المحْماة بنيران الروح القدس.
أودّ هنا أن أشدّد الإلحاح على أن الاخلاق المسيحية ليست شعارات وتعابير جميلة ونظريات مثالية ومبادىء نظرية. هي فوق الأخلاق وفوق المبادىء. هي إعادة نسج كياننا البالي نسجاً جديداً – لا بخيوط أطمارنا البالية – بل بخيوط أنوار الثالوث القدوس. أخلاقنا ذات مصدر إلهي. نحن ننسج، إنما الخيوط هي أنوار الروح القدس التي ننسجها في عمق أعماقنا، في السرّ العميق الذي لا يعلمه إلا رب العالمين. فالفصاحة اللفظية ليست العمق الروحي. قد يكون رجل أدب مثقَّف ألمع اللامعين في شرح الإنجيل. المانيا في القرنين 19 و20 قدّمت نوادر اللامعين في الدراسات الدينية، إنما كانوا عقلانيين ملحدين أعداء الروحانية. أساتذتنا هم انطونيوس وسمعان العمودي وسمعان اللاهوتي الحديث وأندادهم، لا فلهاوزن وهارناك وبولتمان وأضرابهم. قال المثل:"أصلك فِعلك". لا ننخدعْ بالكلام والمظاهر الفارغة. الممتلىء من الروح القدس مثل بولس الرسول فضحَ الشيطان الساكن في العرَّافة ويفضح جميع المزيَّفين. الاثرة والانانية سلسلتان جهنَّميتان تعوقان مسيرتنا إلى اللَّه.
القديس ثيؤفانيس الحبيس الروسي هو صاحب أضخم كتاب أرثوذكسي في "الاخلاق المسيحية". بنى الأخلاق على عضويتنا في جسد يسوع. اذاً: هي أخلاق يمليها يسوع وروحه القدوس. الشركة فيها هي الأساس. فالأثرة، والأنانية، والغيرة، والحسد، والحقد، والنفعية، والفردية، والانطواء على الذات، والتمركز على الذات، وعشق الذات (المغذّي للكبرياء والعجرفة والعنجهية)، والمكر، والخداع، والتبطين، والدسّ، والافتراء، والعدوان على أعراض الناس وأموالهم هي أعداء الشركة. ابن المقفع الوثني كان نموذجاً في الوفاء للصَّديق وبذْلِ النفس عنه. إنه يديننا نحن المسيحيين العادمي الوفاء والاخلاص والتجرّد والنـزاهة.
الكنيسة كنيسة النائحين، النادبين، الباكين، المنتحبين، التائبين، لا المتغطرسين والفصحاء الكسحاء.
الخزي يغشاني إذ اكتب هذا بجسارة، وبدون رعدة. هل صحيح أني قائم في جسد يسوع وفي الروح القدس؟ هل صحيح أن الأرض والهواء لم يعودا حيِّزاً، بيئةً، محيطاً لي، بل صار الثالوث القدوس هو مقرّي وفضائي؟ يا لهول السر الرهيب، وكيف أنطق به دون ان أحترق؟ ان لطف الله حمى وجودي. لذلك لا أتلاشى.
لا فرق – والكنيسة واحدة في السماء وفي الارض، أينما كان المؤمنون. المؤمنون في أقطار العالم هم جسد واحد. لا فرق فيهم بين أبيض وأسود وأصفرَ وأسمرَ وأحمرَ. لا فرق بين كبير أو صغير، بين ملك وخادم، بين رئيس ومرؤوس. فخادم تقيّ هو أفضل من ملك زنديق وملياردير كافر. لا يحترم المسيحيُّ الا التقوى والخُلُق الكبير العظيم.
لا للمحاباة – فليس عند الله محاباة للوجوه. والملائكة تفرح بخاطىء واحد يتوب. ويسوع يهتم بالخروف الضائع أكثر من اهتمامه بالتسعة والتسعين خروفاً التي لم تضِع . وبولس علَّمنا أن تهتم الأعضاء جميعاً بالعضو الضعيف. فلا غرابة أن نسمع قديساً مثل يوحنا الرحيم يدعو الفقراء أسياده. يسوع فيهم.
احتقار الرذيلة – المسيحي يحتقر الرذيلة أياً كان مصدرها. وانما يبكي على الخطأة ويلتهب في الابتهالات من أجلهم ومن أجل أعدائه. ولا يسجد للاصنام المنحوتة ولا غير المنحوتة. فإن عَبَدَ المالَ والشهوات وأضرابها، عَبَدَ الاصنام. المؤمن الصادق لا يسجد الا للثالوث القدوس وحده، ولا يحفل إلا بالحق على موجب إنجيل ربنا[14]. أطيب الموت هو الموت لأجل الحق.
قلب واحد – ووحدة الكنيسة تعني وحدتنا في الايمان والمحبة والرجاء: يكون لنا فكر واحد، وقلبٌ واحد، وآمال واحدة، وأشواق واحدة في يسوعنا الواحد.
الكثيرون واحد – فاتحادنا بيسوع أقوى من اتحاد جسدنا برأسنا، واتحادِ بدننا بروحنا. بهذه الصورة، ففي يسوع، نحن المتعدّدين واحدٌ. نحن على صورة الثالوث القدوس: واحد في ثلاثة (الثالوث القدوس). ونحن كثيرون في واحد، أي جسد يسوع. نلنا ذلك في المعمودية، بقي أن نحقّق ذلك في أفعالنا وحياتنا[15].
23- "وبالكنيسة الجامعة"
كاثوليكية – لفظة "جامعة" ترجمة للفظة "كاثوليكية" اليونانية. ماذا تعني هذه اللفظة التي كتب فيها الكاثوليك والأرثوذكس كثيراً؟ كان الكاثوليك يعطونها معنى الانتشار العالمي والحضور في جميع أصقاع الدنيا. الا أن مولر وسواه اكتشفوا أن معنى اللفظة كان يعني في أوائل المسيحية معنى غير معناه في اللفظة اليونانية السابقة للمسيح. المعنى القديم هو "جامعة". المعنى لدى آباء الكنيسة الاوائل هو "أرثوذكسية". هذا المعنى الأخير واضح تماماً في كتابات القديس اغناطيوس الانطاكي واستشهاد القديس بوليكربوس تلميذ يوحنا الانجيلي[16]. فالنبرة واضحة: أن الكنيسة الكاثوليكية هي غير كنيسة الهراطقة. قال اغناطيوس:
يسوع والكنيسة – "حيث يكون المسيح يسوع تكون الكنيسة الكاثوليكية" (ص 139).
الروح القدس والكنيسة – وقال القديس ايريناوس أسقف ليون: "حيث تكون الكنيسة، هناك أيضاً هو روح الله (أي الروح القدس)؛ وحيث يكون روح الله، هناك تكون الكنيسة وكلُّ نعمة. والروح هو الحق"[17]، فوجود الكنيسة مرتهن بوجود يسوع والروح القدس.
كيرللس – القديس كيرللس الأورشليمي هو أحد آباء المجمع المسكوني الثاني[18] الذين وضعوا هذا النص من دستور الإيمان. ولذلك فشرْحُه لهذا البند من الدستور جدير بالاعتبار الأول. سأورد نصوصه. هي تحتمل المعنيَين: القديم "جامعة"، والحديث "أرثوذكسية". قال:
1- "نسمّي الكنيسة كاثوليكية بسبب امتدادها الى مجموع المسكونة من أقصى الأرض إلى اقصاها الآخر" (الموعظة 18؛ 23). طبعاً لم تكن في أيامه هكذا بل في الأرض المسكونة. ولكن تطلعات الكنيسة تشمل الأرض كلها.
2- "في حين أن رؤساء شعوب الأرض لا يمارسون إلا سلطة محدودة، فإن الكنيسة القدوسة الكاثوليكية، وحدها، تمد سلطتها في الأرض كلها، بدون حدود، لانه كما هو مكتوب "وضع الله السلام حداً لها" (مزمور 147: 14). ولو كنت أريد أن أقول عنها كل شيء لاحتجت لساعات كثيرة" (18: 27).
3- "لانها تعلِّم، كاثوليكياً وبدون إخفاق، جميع العقائد التي يجب أن تبلغ معرفة الناس، سواء عن الاشياء المنظورة أم غير المنظورة، عن السماوية أم الأرضية" (18: 23).
4- "لانها تُخضِع كل الجنس البشري للتقوى: الحكام والمحكومين، العلماء والجهلاء" (18: 23).
5- "أيضاً لأنها تعالج وتشفي، كاثوليكياً، كلَّ انواع الخطايا التي ترتكبها النفس والجسد، وتملك في ذاتها كل أشكال ما نسميه الفضيلة، في الأعمال والأقوال وفي جميع شتى أنواع المواهب الروحية" (18: 23).
6- "عن هذه الكنيسة القدوسة الكاثوليكية، كتب بولس الى تيموثيئوس: "عليك أن تعلم كيف تتصرَّف في بيت اللّه، أعني كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته" (1 تيمو 3: 15)" (العظة 18: 25).
7- "وبكنيسة واحدة قدوسة كاثوليكية"، لكي تتجنب اجتماعات هؤلاء الناس الموبوءة، ولكي تندمج، إلى الابد، في الكنيسة الكاثوليكية القدوسة التي ولدت فيها من جديد. وإذا سافرتَ يوماً الى مدن أخرى فلا تسأل فقط: أين بيت الرب؛ فإن الكنائس الاخرى أيضاً، كنائس المارقين، تعمل كل شيء لتجعل كهوفها الخاصة تُدعى "بيوت الرب" – لا تسأل فقط فيما بعد ببساطة أين الكنيسة، بل أين الكنيسة "الكاثوليكية". لأن هذا هو الاسم الخاص بهذه الكنيسة القدوسة التي هي أيضاً أُمُّنا جميعاً" (18: 26).
8- يتكلم كيرللس عن نبذ اليهودية من قبل الله ويضيف: "وعندما نُبذت الأولى، ففي الثانية، في الكنيسة الكاثوليكية، كما يقول بولس: "أقام الله… الرسل أولاً والأنبياء ثانياً والمعلمين ثالثاً، ثم منح موهبة المعجزات والقدرة على الشفاء والاسعاف وحسن الادارة والتكلم بمختلف اللغات" (ا كور 12: 28) وكل أصناف الفضيلة، أعني بذلك: "الحكمة والفهم، القناعة والعدل، الرحمة والصلاح، وطول الأناة في الاضطهاد. هذه الكنيسة، بسلاح البِر، سلاح الهجوم وسلاح الدفاع، بالكرامة والهوان، بسوء الذكر وحسنه" (2 كور 6: 6- 8) كلّلتْ الشهداءَ القديسين في الاضطهادات والمخاطر بمختلف أكاليل الصبر المزدهرة…" (18: 27)[19]
كاثوليكية = أرثوذكسية – فيما عدا الفقرة الأولى، لفظة "كاثوليكية" تأتي مرادفة للفظة "أرثوذكسية". وأرثوذكسية هنا تعني الكنيسة القويمةَ الرأي، المناهضة لكنائس المارقين، المتميزة عنهم تماماً. هي أرثوذكسية مستقيمة، بينما هنَّ غير أرثوذكسيات. هي صاحبة التعليم القويم لأن يسوع هو رأسها والروح القدس هو روحها. يسوع هو الحق. ألم يقلْ في الروح القدس: "روح الحق…" (يوحنا 15: 26)؟ ألم يقل بولس الرسول إن الكنيسة هي "عمود الحق وقاعدته" (1 تيمو 3: 15)؟
الحقيقة فيها – فالحقيقة موجودة في الكنيسة الكاثوليكية، أي الارثوذكسية. بولس قال إن جميع كنوز الحكمة والفهم موجودة مخفية في يسوع المسيح (كولوسي 2: 3). وفي المحبة نُدرك ما هو العرض والطول والعلو والعمق، ونعرف محبة المسيح التي تفوق كل معرفة (افسس 3: 19). فالمسيح هو قدرة الله وحكمة الله.
ويسوع صار لنا من الله حكمةً وبِراً وقداسة وفداء (1 كور: 24 و30).
الروح يجري فيها – في هذه الكنيسة الكاثوليكية = الارثوذكسية تجري ينابيع حكمة الله الغزيرة فتروي البرايا بأسرها. ألم يقل يسوع إن من يؤمن به – كما قال الكتاب – ستجري من بطنه أنهار ماءٍ حي، أي الروح القدس الذي سكبه على التلاميذ يوم العنصرة (يوحنا 7: 38- 39)؟ هذا الروح يغذّيها ويروّيها ويقودها ويرشدها إلى كامل معرفة الحق (يوحنا 14: 26 و16: 13- 15). فيها كامل الحقيقة بيسوع، ملئها، الذي يملأ كل شيء في كل شيء. وهو رأسها (افسس 1: 23) الذي يهب لنا روح حكمة… (1: 18- 19).
الحقيقة الكاملة – هي تمسك بكامل الحقيقة. ولذلك فمن ينفصل عنها يخسر هذا الملء ويجتزىء. إنما الحقيقة لا تنقسم. هي كاملة. اذن: غير ناقصة.
للأمم قاطبة – هي منتشرة في كل المسكونة، بينما كنائس الهراطقة كنائس محدودة في الزمان والمكان. ظهرت في زمان معين على يد فلان وفلان وفلان، في مكان كذا… يُشار اليها بالبَنان ككنائس محدثة لا كنائس تمتد في العمق حتى الرسل ويسوع. أما الكنيسة الكاثوليكية = الأرثوذكسية فأصلية في وجودها القديم وامتدادها الاصيل في المسكونة. للخارجين عنها صفة "الشِيَع".
سلطانها مسكوني – رؤساء الأمم رؤساء محليون. كل منهم محصور في رقعة من الارض يمارس فيها سلطانَه دون أن يتعدَّى سلطانُه تلك البقعة. أما الكنيسة فتمارس سلطانها لدى أمم الارض قاطبة. فليست لأمة دون أمة، ولا لقبيلة دون قبيلة. هي ذات رسالة عالمية. كلُّ إنسان مدعو لقبولها والانضواء تحت رايتها والخضوع لها. فالكنيسة تمارس سلطانها على أعضائها أينما كانوا تحت السماء. الذهبي قال إن الاسقف أهم من الملك، والشيء الروحاني أشرف من الشيء الزمني.
لا تمييز عنصري وسواه فيها – هذه الكنيسة لا تميّز الحاكم من المحكوم. وهي مبدئياً مع المظلوم ضد الظالم أياً كان منصبه. هي كنيسة فقراء الله. لا تداهن أقوياء هذا الدهر ضد المستضعفين. توبِّخ الظالم وتعين المظلوم. ولا تميز أمة من أمة، ولا سيِّداً من خادم. فالخادم وسيّده المسيحيان هما أَخَوان في المسيح. ورب العمل والعامل المسيحيان هما أَخَوان في المسيح. الكل فيها سواسيّة.
والشذوذ عن ذلك جريمة يجب أن نتوب عنها بدموع من دم. يسوع حذّرنا من احتقار الآخرين. آباء البراري تنبَّهوا لخطر الاحتقار. لولا الزَّبالين لانتشرت الاوبئة.
من يحترم الزبَّالين؟ علاقتنا بالزبالين تكشف عمق هواننا وذلّنا وغباوتنا. هم محسنون إلينا ونحن نحتقرهم.
إنما وظيفة الكنيسة توبيخ المذنبين ووعظهم من أجل إصلاحهم. فيوحنا فم الذهب اصطدم بالملكة والقصر وكبار رجاله وبالأساقفة في سبيل الحق والعدل والإصلاح، فكلَّفه الأمر مشقات ونفياً وموتاً في المنفى نتج من الإعياء، فكان مع الشهداء. لقد وقف ضد إساءات استعمال السلطة. وما أكثر المسيئين بين أرباب السلطة! فأصحاب السلطان عميان، الا من أنار الله ضميره منهم. والله أعلم بهم.
وأما الجميع فهم عبيد ليسوع المسيح. ما أحلى هذه العبودية التي تحرِّرنا من نير الخطيئة!
"سوبورني" الروسية – في القرن الماضي برز أليكسي خومياكوف العلماني الروسي لاهوتياً أكبر في العالم الأرثوذكسي. أجاد في أبحاثه عن الكنيسة.
أَولى لفظة "سوبورني" اهتمامَه الكبير. هذه اللفظة هي ترجمة روسية للفظة "كاثوليكية" اليونانية في دستور الايمان[20]. تشتق اللفظة الروسية من الاسم "سوبر".
"سوبر" تعني "مجمع". الصفة منها "مجمعية". فكاثوليكيةُ الكنيسة تعني، إذاً، مجمعيَّتها. والمجمعية تعني اشتراك جمهور المؤمنين في حماية الإيمان والتعبير عنه والدفاع عنه. فليس الأمر وقفاً على بطريرك أو مطران. الجماعة المؤمنة كلها مسؤولة ومشارِكة في نشاط الكنيسة[21].
المجامع المسكونية – ولذا فالمجامع المسكونية ليست جهازاً سلطوياً فوق الكنيسة، بل هي أدوات تعبير عن حقائق الإيمان المحفوظة، بالروح القدس، في الكنيسة. ظروف الدفاع عن الإيمان دعت الكنيسة إلى عقد المجامع المسكونية للتعبير المسكوني عمَّا تسلَّمته الكنائس من الرسل والآباء. فنطق الروح القدس بالمجامع. ولذلك فالعقائد التي حدَّدتها المجامع هي عقائد ملهمة بالروح القدس، لا تقبل النقص والتبديل.
وللتدليل على أن الكنيسة، لا المجامع، هي السلطة العليا، أورد اللاهوتيون مسائل المجامع التي شجبتها الكنيسة. فهناك عدة مجامع رذلتها الكنيسةُ واعتبرتها لصوصية ومتآمرة. لم تقبل الكنيسةُ أعمالهَا وقراراتها، وشجبتها، فسقطت مثل أوراق الخريف. فالكنيسة، اذاً، هي التي تقول إن القرار كذا الصادر عن مجمع كذا هو ملهَم أو غير ملهَم.
والمجامع اللاحقة أيَّدت السابقة فأعطتها الصفة المسكونية. لذا نرى المجمع المسكوني السابع يُسبغ الشرعية المسكونية على المجامع الستة السابقة له.
اللاهوتيون الروس (خومياكوف، بولغاكوف، لوسكي، وسواهم) ساروا في الخط الرائع.
أرثوذكسية – كان أندروتسوس[22] أستاذ العقائد في أثينا سبَّاقاً منذ 1907 للبرهنة على أن لفظة "كاثوليكية" تعني "أرثوذكسية".
في العام 1915 قال بذلك سويت[23] الإنكليزي. لحق بهما الكاثوليكيان مولر وكونغار وسواهما[24].
كرميريس اليوناني أخذ بذلك في مقاله المذكور أعلاه من محاضِر اللاهوتيين الأرثوذكس ونوَّه في الحاشية 11 بأن فلوروفسكي على هذا[25]. وكان لوسكي قد كتب مقالاً رائعاً ولكنه غير تام[26]. انتقد الاب ديمتري ستانيلواي موقف لوسكي اللاهوتي حول المقال وحول تمييزه بين "تدبير الابن" "وتدبير الروح القدس"[27]. أسرف قليلاً في النقد[28]. لوسكي لاهوتي كبير، إنما تنقصه أحياناً تماميَّة التعبير. فهو يعي تماماً أهمية يسوع والروح القدس في الكنيسة.
الكثيرون هم واحد – فالكنيسة الكاثوليكية هي الكنيسة الأرثوذكسية التي تعلِّم التعليم القويم الخلاصي. هي جسد المسيح الحامل للروح القدس. الروح القدس يصنع من المسيحيين أعضاء في جسد المسيح، ويربط بعضهم بالبعض الآخر، ويحرِّكهم في الايمان والمحبة والرجاء. وإن كانوا كثيرين، كأشخاص، فهم واحد في المسيح. المسيح والروح القدس يجعلان المسيحيين في جميع أصقاع الدنيا واحداً. يسوع هو رأس الكنيسة الذي يملأها في الروح القدس.
مكسيموس – ويطيب لي أن أُحلِّي هذا الفصل (المحتاج الى كتاب لايفائه حقه) بكلمات القديس مكسيموس المعترف.
فقد جاء بطريرك القسطنطينية بطرس يعرض عليه في السجن أن ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية التي اتفقت كنائسُ القسطنطينية وروما وأنطاكية والاسكندرية وأورشليم على نوعية إيمانها. والمقصود هو عقيدة المشيئة الواحدة. فكان جواب مكسيموس:
الاعتراف القويم – "إن إله الكون، اذ أعلن بطرسَ (الرسول) مغبوطاً لانه اعترف به أصولاً (متى 16: 18)، قد أبان أن الكنيسة الجامعة (الكاثوليكية) هي الاعتراف اعترافاً قويماً وخلاصياً، (أي بالله)[29].
مكسيموس السجين تحدَّى بهذا الكلام بطريرك العاصمة والبطاركة الآخرين وكنائسهم وأبرشياتهم. اعتبرهم هراطقة واعتبر نفسه كاثوليكياً، فالكنيسة الكاثوليكية هي الاعتراف القويم والخلاصي بالله. والله في نص مكسيموس هو يسوع الذي طوَّب بطرس. وضع مكسيموس صفتين: "القويم" و"الخلاصي". فَجَمَع اللسانَ المستقيم إلى الحياة البارة.
الكنيسة الكاثوليكية هي إيمان قويم وأعمال صالحة خلاصية.
مقاومة الانحراف – لوسكي – بحسّ أرثوذكسي سليم – استشهد بهذا النص. وكتب ما أوردناه في الصفحة التالية[30] من هذا الكتاب: حق كل علماني في مقاومة الأسقف المنحرف عن جادة الصواب[31].
مكسيموس وحده هو الكاثوليكية – الراهب مكسيموس وحده هو الكنيسة الكاثوليكية. فليست الكثلكة حضوراً في كل بقاع الدنيا، بل اعترافاً قويماً خلاصياً ولو اقتصر الامر على شخص واحد[32]. حتى القرن السادس عشر كان في الكنيسة الغربية من يقول بذلك[33].
المدهش في مكسيموس هو هذه الروح النبوية الفروسية التي واجه بها بطرسَ القسطنطينية وحلفاءه البطاركة والامبراطور. اتهمهم علناً بالهرطقة. واعتبر نفسه – ضمناً – ممثلاً للكنيسة الكاثوليكية، بما أنه صاحب الاعتراف القويم الخلاصي بالله. بهذا جعل نفسَه سلطةً فوق سلطتهم، فحَكَمَ عليهم، بينما هو راهب بسيط. إنه سلطان الحقيقة التي تمثَّلت في راهب، فدانت بطاركةً وأباطرة. وهكذا فعل مِن بعده بقرونٍ القديسان سمعان اللاهوتي الحديث وبالاماس[34].
رأي لوسكي – أما لوسكي المتأثر بخومياكوف[35] فقد برع في شطحة رائعة أُعيدُ تأليفها بتوسّع ليكون سبْكُ الجمل سائغاً سلساً:
الحقيقة الكاثوليكية حرة في التعبير عن نفسها. فلا يجوز أن يتوهم المرء أو يظن أنها تَخضع في ذلك لموافقة الأكثرية أو دعمها أو توكيدها عن طريقة ما من الطرق مثل الاقتراع العام مثلاً. فكل تاريخ الكنيسة يشهد شهادة معاكسة لذلك. فإن فَهِمْنا الديمقراطية بهذه الصورة أخطأنا. هذا المفهوم غريب عن الكنيسة تماماً. ليست الاكثرية هي التي تقرِّر. قد يخطىء الجميع، ويبقى فرد مثل مكسيموس ناطقاً أوحد بالحقيقة. فديمقراطية الأكثرية ليست كاثوليكية بل هي كاريكاتور للروح الكاثوليكية. يقول خومياكوف: "ليست الكنيسة في كمية أعضائها الأكثر أو الأقل كبراً، بل في الرابطة الروحية التي تجمعهم". فالحقيقة ذات بداهة داخلية. فكيف تنتشر هذه البداهة خارجاً وتعلن عن نفسها بطلاقة إن كان الامر يعني قسراً تمارسه الأكثريةُ على الأقلية؟ فليس "لمفهوم الكاثوليكية" أية علاقة بالرأي العام. فالحقيقة هي وحدها مسند الحقيقة. تستمد قوتها ودعمها من نفسها لا من غيرها. وهذه الحقيقة هي اعتلان الثالوث القدوس، وهي التي تمنح الكنيسة طابعها الكاثوليكي: إنها معادَلة – تفوق الوصف – بين الوحدة والتنوع على صورة الآب والابن والروح القدس، الثالوث المتساوي الجوهر والغير المنقسم[36].
تعدد الأشخاص في الوحدة – لوسكي يقول إن المؤمنين هم أشخاص في كنيسة واحدة، في جسد واحد للمسيح كما أن الاقانيم الثلاثة هم إله واحد، لهم جوهر واحد.
فم الحقيقة – كل هذا يعني أن رأس الكنيسة (أي يسوع) وأن الروح القدس (ساكن فيها بمثابة – "موتور" – محرِّك كهربائي يغذِّيها بالنشاط والطاقات) هما اللذان يفعلان في الكنيسة وفي ضميرها وحياتها. فمن يعش الحقيقة ينطق بالحقيقة ولو وقف العالمُ كله ضده. الناطق بيسوع وروحِهِ القدوس هو فم الحقيقة[37]. قد تضلّ الأكثرية. قد تتآمر على الله والحقيقة.
النوعية مهمة – النوعية هي المهمة لا الكمية. والنوعية هي التعبير في يسوع وروحِهِ القدوس عن وجدان الكنيسة. فليست الاكثرية، كأكثرية، بشيء، بل الروح القدس. أكثريةٌ لا تنطق بالروح القدس هي مهملة. أقلية – ولوكانت فرداً – تنطق بالروح القدس هي مبارَكة. فتجلّي الروح القدس في حياة الكنيسة ومجامعها المقدسة هو مدار الاعتبار، لا المناصب ولا الأكثرية.
المخاض العسير – كيف تمخَّضت الأمور في الكنيسة؟ الجواب عسير جداً. إنما تاريخ الكنيسة يلقِّننا دروساً وعِبَراً. فقد هاج في الكنيسة مؤسسو هرطقات جرفوا وراءهم جموعاً وأباطرة وبطاركة وأساقفة. وكانت الصدمات عنيفة جداً تهزّ كيان الكنيسة. وبعد الضيق الفرج. انتصرت الكنيسة دوماً وانتهت إلى استقرار عقائدي بعد مخاض عسير جداً.
العبرة بالحقيقة لا بالأكثرية – كيف عمَّت الآريوسية المسكونةَ تقريباً على يد الامبراطور قسطنديوس بن قسطنطين، فخنع له أساقفة الدنيا سوى أثناسيوس الاسكندرية وايلاريون بواتييه، ثم انفرط سلكها؟ كيف هدّد بطرسُ القسطنطينية الراهبَ السجين مكسيموسَ المعترف بالبطريركيات الخمس، أي بكل كنائس عصره في العام 662؟ إنما اقتلع الله بطرسَ وصحبه في عاصفة النصر الارثوذكسي في المجمع المسكوني السادس (680): أي بعد 18 سنة من وفاة مكسيموس الملاكِ الحارس والملهِم لهذا المجمع. كيف طوى الله الأباطرةَ والبطاركة والاساقفة ليبقى مكسيموس وحده خالداً؟ كيف خار الجميع في القرن الخامس عشر إلا مرقس الافسسي، فطوى الله الجميعَ وتعلّق الشعبُ بمرقس؟ فكان مرقس وحده، من جديد، فمَ الحقيقة مثل مكسيموس. هذا سر الله.
ضد الهرطقات – صراع الارثوذكسية مع الهرطقات العلنية (والكامنة) قصة لا يعرف أسرارها إلا الثالوث القدوس الذي يقود، بحكمته السرّية، الكنيسةَ نحو ميناء النجاة. اختار مكسيموسَ لمرحلةٍ وسواه لأخرى و…و…
التجلي في الكنيسة – لا أعني بذلك أبداً تحويلَ الكنيسة إلى كيان روحي بلا وجود اجتماعي. فكتبي خلقيدونيَّةٌ قحَّة تنادي بالطبيعتين في شخص يسوع الواحد[38]. إنما تجلّي يسوع في حياة الكنيسة هو سرّ إلهي. فنحن – كما نقلتُ عن اوريجنيس عبر كليمان – داعرة تغتسل بدم المسيح. في هذا الاغتسال سرّ إلهي عجيب على صعيد حياة الفرد. وعلى صعيد حياة الجماعة شيء من ذلك يلعب دوره إلى جانب السلطات الرسولية التي أولاها يسوع والروح القدس للرسل وحلفائِهم: لحماية الايمان، وهم قائمون في وسط الكنيسة (في وسط الجماعة، في وسط الشعب) لا في معزل عن الشعب كأنهم قوة خارجية عنهم. فالبطريرك والمطران هما عضوان أيضاً في جسد يسوع. ويسوع هو رأسهما بالتمام كما هو رأس كل مؤمن. الأسقف في الشعب والشعب في الاسقف. في المجامع المسكونية والمكانية يمثِّل الأسقف كنيستَه، وينطق باسمها، ويشهد بايمانها المحفوظ في شعبها منذ البداية حتى تلك الساعة.
اللاهوتي – في هذه الأجواء يلعب اللاهوتيون الممتلئون روحاً قدساً، أدواراً بارزة كشهودٍ لله وللحقيقة، كحاملين لروح النبوَّة الذي أخذوه بالميرون المقدس (1 كور 12).
فاحتكاكهم بالله في الصلاة والقربان والفضائل، واحتكاكهم بالإنجيل وآباءِ الكنيسة يوقدان فيهم شرارةَ موهبة النبوة (1 كور 14)، إن أنموها كانوا أُمناءَ الله على وديعة الإيمان لإيصالها إلى الشعب بإخلاص، ولتخليدها بإيمان. فلهم مسحة من العليّ. ومسؤوليتهم كبيرة جداً لأنهم هم معلّمو الإلهيات. فويل لهم إن قصّروا أو ضلَّلوا[39].
مكسيموس المعترف، الراهب البسيط، نموذجٌ لهم في التصويب والغيرة الرسولية والدفاع عن الايمان حتى الدم. فليس اللاهوتي الحقيقي عضواً في أكاديمية (مجمع علمي)، بل مناجياً لله.
العلم الاكاديمي بارد وعقيم. تنقصه الحرارة، ويشبه تحاليل الكيمياء[40]. أما اللاهوتي الحقيقي فقد احتكَّ بالله، احتكَّ بالنار الالهية، فصار جمراً، صار لهيباً. لذلك انتقد الآباء القديسون الدراسة العميقة الباردة. لا وَزْنَ للمعرفة المجرَّدة[41].
نحن بحاجة إلى سكنى الثالوث القدوس فينا. منها تدفقات الروح (القدس) المضيئة تنتشر في كل من المطهَّرين لخيره، مظهرةً أسرار ملكوت السموات ومظهرة كنوز الله المخفاة في النفس…
ففي كل إنسان نال هبة كلمة المعرفة، توجد الضرورة الملحة، الضرورة الناتجة عن تهديد الله الذي يقول: "أيها العبد الشرير، الكسلان! كان عليك أن تسلِّم فضتي الى الصيارفة، ومتى قدمتُ استردّ مالي مع ربى" (متى 25: 26-27). فإن هذه الضرورة هي الضرورة التي جعلت داود أيضاً يقول، وهو ممتلىء مخافة: "لم أحبس شفتيَّ، وأنت قد علِمتَ. لم أكتم بِرّك في قلبي، بل تحدَّثتُ بأمانتك وخلاصك، ولم أُخفِ رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة" (المزمور 40/41: 10- 11)[42]. يقصد "بهبة كلمة المعرفة"، الموهوبين للنطق، للتعليم.
تطور وحدوي – ومما هو جدير بالغبطة التطور الحاصل في الغرب. فمن مقال "الكاثوليكية" في معجم اللاهوت الكاثوليكي بالعام 1932 الى مقال "الكاثوليكية" في معجم Catholicisme بالعام 1948، البون شاسع. ويلتقي كاتب الاخير كونغار مع كرميريس اليوناني بنسبة جيدة.
أسألُ الله أن يضرم حماس اللاهوتيين الكاثوليك والارثوذكس للغوص بحرارة لاهبة نورانية، تفتيشاً عن نقاط التلاقي. فالكسب كبير في التقائنا على معنى لفظة "الكاثوليكية"1. وفي شرقنا الكسب أكبر في التقارب بيننا وبين السريان وصحبهم، وفي اعتراف الروم الكاثوليك بنشأتهم في العام 1724 وفي تعييد الموارنة لمكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي (30 كانون الثاني، 4 كانون الاول). حقَّق الله وحدة المسيحيين لخير العالم وسلامه.
24- قدوسة (قداسة الكنيسة)
العنصرة والثالوث – الروح القدس أسَّس الكنيسة في يوم العنصرة المجيدة . يسوع صعد الى السماء فأرسل الينا من لدن الآب الروحَ القدس. عاد هو إلينا ثانية بصورة خفيّة. فالكنيسة هي جسده.
اذن: عاد إلينا يوم العنصرة. والروح القدس ساكن في جسد يسوع، هذا الجسد القدوس. الكنيسة – عبر يسوع – تمتلك الثالوث القدوس، هي قدوسة اذاً.
التقديس – وأمورها كلها قداسة: تقدِّس العالم، تقدِّس البشر، تقدِّس الماء والخبز والزيت في الاسرار المقدّسة، تقدِّس الأيقونات والمنازل وكل شيء. هي تصْنَع قديسين. أعضاؤها مقدَّسون بماء المعمودية، وبالميرون، وبالقربان المقدس، وبالزيت المقدّس و..و… بولس الرسول كان يدعو المؤمنين "قديسين".
25- رسولية
على يسوع ورسله – الكنيسة رسولية لأنها قائمة على يسوع، حجرِ الزاوية، وعلى أساس الرسل (افسس 2: 20 ورؤيا 21: 14). يسوع والرسل (اكور 3: 10- 12) هم أساساتها. وعليهم قام بنيانها. الرسل عمَّدوا الناس وأقاموا أساقفة وكهنة وشمامسة يعمِّدون الناس، ويسلِّمونهم تعليم الرسل. وخلفاؤهم تابعوا تعميد الناس ونقلَ التعليم حتى يومنا هذا. والروح القدس الساكن في الكنيسة هو الذي يقيم رجال الدين. وهو الذي يحفظ التعليم.
أساقفة رسوليون – فليس أساقفتنا فقط رسوليين بل تعليمنا ايضاً هو رسولي. تلقّفناه عن الرسل كابراً عن كابر. وراءنا تسعة عشر قرناً ونصف القرن من الغيرة على إيماننا الرسولي.
شهداء لأجل الايمان – تحمَّل أجدادنا من أجله – في مجمل أصقاع الدنيا – موتَ الشهادة والاضطهاد والضيق، فضلاً عن عبث العابثين، وعدوان الكفَّار والزنادقة والملحدين والمارقين والماجنين وأضرابهم. واجهْنا الحربَ من الخارج والتخريب من الداخل: هراطقة، مخرِّبون…
صلاة: يا يسوعنا! اشدُدْنا بحبال رضوانك الى أروماتنا الرسولية. أنت قلتَ إنك الكرمة ورسلك الاغصان. ونحن فروع هذه الاغصان. فاجعلْنا فيها ثابتين وعلى صخرتك مطمئنين، فبِكَ النصر يا موئلنا الامين!
26- واعترف بمعمودية واحدة…
ما هي المعمودية – المعمودية هي باختصار:
1- نزول في جرن المعمودية ليتم دفن الانسان العتيق المهترىء بالخطايا والضعف والضياع، فريسةَ الاهواء والشياطين.
2- المسيحية أَلغت الختانة اليهودية التي كانت تجري في اليوم الثامن. وحلَّت محلها المعمودية. الأمر واضح مثل الشمس في رائعة النهار في رسالة كولوسي 2: 11- 12. فهي تتم بالتغطيس في الماء والإخراج من الماء. التغطيس للدفن. والإخراج للقيامة. النص صريح لجهة التغطيس. ويعترف له بهذا المعنى التفسيرُ الفرنسي الكاثوليكي المعاصر[43]. وإن وضَعْنا النصوص التالية في خانة واحدة كان الحاصل: اننا بالمعمودية نخلع الانسان العتيق ونلبس الجديد المخلوق خلقة جديدة على صورة خالقه. نولد مع المسيح. نصلب مع المسيح. ندفن مع المسيح. نقوم مع المسيح. نلبس المسيح. نحيا بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح وللمسيح. وباختصار المعمودية تعيد فينا كل حياة المسيح. (يوحنا 15: 5 ورومية 7: 7- 11 وكورنثوس الثانية 5: 14- 17 وغلاطية 2: 19-20 و3: 27 و5: 24 و6: 14- 15 وفيلبي 3: 10- 11 وكولوسي 2: 11- 12 وتيموثيئوس الثانية 2: 11- 12 وعبرانين 9: 26 ورؤيا 1: 18).
الروح القدس حلّ على يوحنا المعمدان وهو جنين في بطن امه (لوقا 1 :41 -44) في الشهر السادس. فهلَّل وارتكض مبتهجاً. هذا يصدر عن عقل وعاطفة. من أعطاه إياهما؟ إنه الروح القدس. وفي العهد القديم نماذج[44].
يسوع بارك الاطفال. لوقا الانجيلي استعمل لهم لفظة berfos (18: 15). وهي تعني لديه الجنين (لوقا 1: 41 و44) والمولود جديداً (2: 16) و(أعمال 7: 19). وهذا يعني أنهم كانوا صغاراً جداً. وقد برئت نازفة الدم بلمسها هدب ثوب يسوع. وبرىء مرضى عديدون لمّا لمسهم يسوع، منهم حماة بطرس مثلا. هذا يعني أن بركة يسوع تعطي قوة إلهية. نالها الأطفال بوضع يده عليهم.
عمَّد الرسل بيوتاً برمتها. فهل كانوا جميعاً فوق الثلاثين من العمر؟
3- بولس الرسول (في افسس 6: 1-6 وكولوسي 3: 20-21) يتوجه الى الآباء والابناء. والنص اليوناني الأصلي لا يدع مجالاً للشك في أن الابناء المعنيين هم أبناء في سنّ التربية والتقويم وأنهم مؤمنون خاضعون للرب. والمعمودية هي المدخل الى الكنيسة.
منذ البداية عمَّدتْ الكنيسةُ الاطفال.
فالارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت متفقون على ذلك. شذَّ شهود يهوه وأضرابهم وبعض الضالين الآخرين. فقد خصَّ الاستاذ البروتستاني الشهير كوامن معمودية الاطفال بكتاب[45]. وكتب زميله بنوا عن المعمودية في القرن الثاني كتاباً. وكان الكاثوليكي الشهير الاب لويس دوشين قد كتب مصادر العبادة المسيحية.
قال بنوا بأن الكنيسة كانت تعمّد الاطفال منذ البداية[46] وقال دوشين بأن الوثائق تثبت (منذ نهاية القرن الثاني) أن الكنيسة كانت تقوم بالطقوس الثلاثة الأساسية معاً: "المعمودية والميرون والمناولة الاولى" (أول قربانة)[47].
كاتب لاتيني قديم قال: "نغذِّي جسم المسيحي بجسد المسيح ودمه"[48]. ترتليانوس (الكتاب اللاتيني المتوفي بعد 222) تكلّم عن معمودية الاطفال كعادة قائمة ومتأصِّلة في زمانه[49]. معاصره كبريانوس اللاتيني[50] أسقف قرطاجنة ذكر معمودية الاطفال (200- 258 للميلاد).
شيخ اللاهوتين غريغوريوس اللاهوتي (389/ 390) شجَّع على تعميد الاطفال[51]. والذهبي الفم (407) شجع على ذلك في خطبه عن المعمودية. واعتبر أوغسطين اللاتيني (430) الأطفال المعمَّدين مؤمنين[52].
وذكر جناديوس اللاتيني[53] تعميد الأطفال الصغار ومسحهم بالميرون ومناولتهم القربان[54].
4- يُدفن المعتمِد في قبر المسيح، ويقوم معه في اليوم الثالث. الروح القدس هو الذي يعمّدنا.
5- نولد بالمعمودية ثانية. ولدتنا أمهاتنا عن طريق التناسل. التناسل هو البقاء على الأرض.
اما البقاء في السماء – فيتمّ عن طريق الولادة البتولية الروحية بدون التناسل الجسدي. كيف؟ الروح القدس يغرس فينا، بالمعمودية، يسوعَ المسيح كما يضع البستاني طعم الزيتونة "الجوية" في الزيتونة "البريَّة". بالمعمودية نحظى بتجديد صورة آدم فينا. بالمعمودية يرسم الروحُ القدسُ يسوعَ فينا.
6- بها ننال إمكانية عيش جديد ينمو في الروح القدس إلى تمام ملء قامة يسوع.
7- بالمعمودية يصنعنا الروحُ القدس أعضاء في الكنيسة أي جسدِ المسيح. واذ نحن أعضاء هذا الجسد نصبح مثله: أبناء الله بالتبني. اذن: نحن أولاد الله.
نعم! نحن أولاد الله وإخوة يسوع.
8- بالمعمودية نشعشع اكثر من الشمس لمدة ما. هذا ما علَّمه يوحنا فم الذهب وكيرللس الاسكندراني وكل الناسجين على غرارهم. اذن: حين يعتمد الطفل يتجلّى كما تجلّى المسيح على جبل ثابور.
9- المعمودية تمحو الخطايا. كيف؟ الروح القدس يمنح ماء جرن المعمودية نعمةَ الفداء الصائر بالصليب. الطفل لا يُغطَّس في ماء عادي بل في ماء أعطاه الروحُ القدس قوةَ التوليد وحمرةَ دم المسيح. نغطس في دم المسيح، نغطس في الروح القدس.
افرام السرياني سمَّى جرن المعمودية رحماً. وقال كيرللس الاورشليمي معاصره: "وكان الماء الخلاصي معاً قبراً ورحماً"[55]. وقال بعدهما تيئوذوروس المصيصة إنه ينبغي على الكاهن أن يطلب الى الله أن يرسل نعمة الروح القدس على الماء ليصنع منه حشا.
10- ولادة أسرارية.. في المعمودية يصير الماء حشا لمن يولد..[56].
هذا موقف ثابت في تعليم الكنيسة السورية على ما ألمح باسيليوس آخذاً بتفسيرها. ففي سفر التكوين كان روح الله يرفّ على وجه الماء. وفي العنصرة عمَّدَنا الروحُ القدس بالروح والماء. في بداية الكون كان الروح القدس يرف على الماء. والآن في الكنيسة، منذ يوم العنصرة، يلد الناسَ بالماء والروح[57].
11- تجري المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس. هذا يعني أن المعتمِد خرج من عبادته وأفكاره وقالبه وانتماءاته ليصير للثالوث القدوس.
12- والمعمودية هي عرس المسيحي. بها ينتقل من الأرض الى السماء، ومن الموت الى الحياة، ومن الظلمة الى النور، ومن الوثنية الى ملكوت الله. فيها يتم نقلُ اسمه من خانة العالم ورئيسهِ ابليس إلى خانة الثالوث القدوس، كما ينقل الموظفُ قيدَ العروس من سجّل أبيها الى سجل زوجها، وكما ينقل قيدَ العقار من اسم المالك الى اسم المشتري. ينقله الروح القدس الى ما سمَّاه الكتابُ المقدس "سفرَ الحياة" أي كتاب الحياة.
لا تُعاد المعمودية – ونظراً لهذا الطابع الخاص، لا تجوز إعادة المعمودية. هي واحدة. فمن كفر بعد اعتماده وعاد، يتمّ فقط مسحه بالميرون المقدس لتجديد قواه التي وهنت لمَّا كفر بإيماننا الأرثوذكسي.
ولكن لماذا استعمل الدستور للمعمودية عبارة: "واعترف بمعمودية واحدة…"؟.
الاعتراف – ماذا يعني الاعتراف؟ المعتمد يعترف قبل نيله المعمودية:
1- بخطاياه معلناً توبته عنها وعن كفره السابق، اعترافاً صادقاً شريفاً حراً خاشعاً. يجري انقلاب جذري في حياته…
2- يعترف ببنود الإيمان المسيحي، فيتلو دستور الإيمان جهاراً ومن كل القلب. فتلاوة الدستور هي دوماً إقرارُ إيمان شخصي.
لم ينكروا الايمان – وفي الكنيسة تعرَّض كثيرون للاضطهادات الوحشية، فاعترفوا بالايمان ولم ينكروه. بعضهم مسجّل في سجل الشهداء، وبعضهم في سجل المعترفين فقط، لأنهم لم يموتوا تحت وطأة العذاب[58].
الأخلاق المسيحية – ما دامت المعمودية في مثل هذه الأهمية، فأين مكان الأخلاق المسيحية؟
في الحقيقة لم أستسغ أيّ كتابة في الأخلاق تسْتلهم ارسطو وسواه. ولم يرق لي كتاب أستاذ الأخلاق في كلية اللاهوت بجامعة سالونيك (اليونان) البروفسور منتزويتس. فإنه يستلهم شخصانية Mounierوصحبه. بينما أنا على رأي ثيئوفانس والأبBorrely . أخلاقنا تستلهم عضويتنا في جسد المسيح. ليس لدينا علم أخلاق فلسفي. عندنا العهد الجديد كما تجسَّد في حياة القديسين وفي كتابات النساك والمتصوفين الملهمين:
1- مكسيموس المعترف (662).
2- يوحنا كاتب "السلم الى الله"[59] (حوالي 650).
3- اسحق السرياني[60] اسقف نينوى (النصف الثاني من القرن السابع).
4- سمعان اللاهوتي الحديث (949-1022).
5- غريغوريوس بالاماس (1359).
6- آباء الفيلوكاكيا[61] اليونانية والروسية والرومانية.
7- اقوال الشيوخ[62] وفي الفيلوكاكيا غيض من فيضِ أقوالهم، وسواهم من القدامى والمحدثين: الذهبي، باسيلوس،…
ولكن لماذا كل هذا الرفض للقالب الفلسفي والعلمي في علم الأخلاق؟
نسيج الروح القدس – السبب هو أن الروح القدس هو الذي ينسج أخلاقنا.
فكل الكتابات علامات، نوتات موسيقية، لا يجيدُ التنغيم واللعبَ تبعاً لفنونها إلا مَن كان الروح القدس يحرّكه. هو الذي "ينقر بالعود". وأنا صوته، أنا أنغامه. مطالعة الفيلوكاكيا تغني عن مائة مجلد في علم الاخلاق. "وسحبة من سحبات" الذهبي ويوحنا السلّمي ومكسيموس واسحق وسمعان اللاهوتي ألذَّ منها جميعاً.
27- معمودية الأطفال.
ما قضية معمودية الاطفال؟ هناك من يرفض هذا المبدأ.
سأختصر. ولكن سأذكر بعض المراجع ليكون المؤمنون على بيّنة من رسولية كنيستهم.
المعمودية نظام أتى به يوحنا المعمدان لمّا خرج ينادي بالتوبة ومجيء يسوع. ويوحنا نبي أعظم من ابراهيم وموسى وهرون وداود وايليا وسائر الأنبياء. فمعموديته شريعة سماوية خضع لها يسوع كما خضع لشريعة الختان والشرائع. فلما نادى بها اعتمد يسوعُ لديه. وكان عمره حوالي 30 سنة. إنما معمودية يسوع تتميم شريعة. فهو بلا خطيئة. ولم يكتسب أي شيء في المعمودية. ولم يكن بحاجة الى التوبة. ومعمودية يوحنا معمودية ماءٍ للتوبة لا معمودية الروح القدس.
ولنعد الى المعمودية، معمودية الاطفال.
فتعميدهم ضروري جداً. بالمعمودية يولد الطفل في المسيح ويتجلَّى مثل المسيح على جبل ثابور. وإن مات كان من أنبياء الملكوت، وكان له قسط من النور[63]. بولس قال في الذين اعتمدوا في المسيح إنهم قد لبسوا المسيح. فأي طعام وأي عناية يقدّمهما الأبوان لطفلهما أفضل من غرس يسوع فيه، ومن إلباسه يسوعَ؟
لذلك أتوسل الى الآباء والامهات أن لا يؤخروا معمودية أطفالهم يوماً واحداً. فإنها تضعهم تحت حماية يسوع، وتحميهم من أذى الشياطين. وتُميت فيهم شوكة الخطيئة والاستعدادات للعوائد الشريرة.
فإن مات الطفل بدون معمودية ارتكب أهله جريمة فظيعة تجاهه، وكان حبهم له حباً ناقصاً ومشوّهاً. سألت أهل طفل مات عما إذا كان معمداً ليتم تجنيزه. نخسهم ضميرهم فأوجعهم.
ويجوز التعميد في أية لحظة من لحظات النهار والليل. وفي حالات الخطر يحق لكل مسيحي يؤمن بالثالوث القدوس أن يعمِّد فيجريه بالطريقة المسماة "الرشم"[64]. يرشّ ماء على الطفل وهو يقول: "يعمَّد عبد الله فلان باسم الآب والابن والروح القدس. آمين". فإن أحيا الله الطفلَ أحضر الأهلُ الكاهنَ ليمسحه بالميرون المقدس ويناوله القربان فقط: دون إعادة المعمودية.
أما ما درج عليه الناس من تأخير المعمودية بسبب الولائم وكلفتها وغياب الاهل عن الوطن أحياناً أو غياب العرّاب، فهو تصرّف غير مسيحي. لا يجوز تأخير معمودية الأطفال ولو أيام الحداد[65].
الحفلات وثنية بينما المعمودية سماوية. ومحبة الطفل تتطلّب أن ننفق كلفة الحفلات على الفقراء وأعمال الخير عن عافية الطفل، لا أن نُتخم بطون الناس بالخمر، فنرتكب الخطيئة عقب عمل الخير.
والناس في بلادنا عبيد للعوائد والتقاليد. يسوع وبَّخ الفريسيين لأنهم اتَّبعوا سنَّة شيوخهم من العلماء السابقين وتركوا نص الكتاب المقدس. صرنا تلاميذ الفريسيين لا تلاميذ يسوع. واحسرتاه!
المسألة تتطلب شجاعة وإقداماً لنسف هذه العوائد. فالمعمودية هي دخول إلى قبر المسيح وصعود إلى جبل ثابور وارتقاء الى يمين الله. فكيف يمكن التوفيق بينها وبين حشو البطون بالاطعمة والخمور؟ اللهم! ارحمنا، واغفر لنا، وأشفق علينا، واهدنا الصراط المستقيم.
أما انتظار عودة الاهل والخلاّن فغير واردة الا إذا كانت السفرة قصيرة. وليس انتظار قدوم العرَّاب بمهم. وقد فقدت وظيفة العرَّاب معناها – اليوم – عندنا. فكم من عرَّاب وعرَّابة يجهل دستور الايمان، أو لا يؤمن به، ابداً! سمعتُ بما هو كفر في هذا الباب: كان العراب غير مسيحي.
يتطلب الموضوع ثورة النساء، لأن الامر يتعلق بحياة أطفالهن وتربيتهم. وخطيئة موت أي طفل بدون معمودية مكواة تكوي الأم المهملة. فهي التي تحتضن الطفل لا الأب. هي المطالَبة بأن تلاحق الأب ليُحضر الكاهن[66].
28- الميرون المقدس
حلَّ الروح القدس على يسوع وهو بعد خارج من نهر الاردن. كان هذا من أجلنا. فالروح القدس مسحه منذ الحبل به.
ولذلك تمسح الكنيسة المعتمد بالميرون المقدس. كان الرسل يضعون أيديهم على المعتمد فيحلّ عليه الروح القدس. لم يتبدّل شيء. فالكاهن يضع يده على المعتمد إذا مسحه بالميرون، ويلفظ الكلمات الضرورية.
لا يحق للعلماني والشماس أن يمسح أحداً بالميرون. هذه وظيفة الأسقف والكاهن.
ومنذ البداية: الكنيسة تمسح المعتمِد بالميرون فوراً. وما زلنا كذلك.
الميرون يمنح المعتمد الروح القدس، فينال النعمةَ المؤلِّهة والمواهب. وقد عالجنا الأمر سابقاً.
الأسرار الثلاثة – المعمودية ولادة. الروح القدس قوة إنمائية. القربان طعام وشراب لمخلوق تُفَتِّتُ قواه شوكةُ الخطيئة، فيحتاج إلى تجديدها.
التوبة الصادقة – الروح القدس والقربان يمحوان خطايانا التي نرتكبها بعد المعمودية، إن تُبنا عنها توبة صادقة. دم المسيح يطهِّرنا من كل خطيئة.
نسيج من نوحٍ – حياة المؤمن نسيج من التوبة والتفجّع والبكاء والنوح والنحيب على خطاياه، ليغسلها بدموع التوبة. هذه معمودية ثانية. اعتبرها بعض الآباء أهمّ من المعمودية الاولى. قال كليمان معتمداً على اوريجنيس:
يغسلها بدمه – "الكنيسة هي هذه الداعرة التي لا ينفكّ يسوع عن غسلها في دمه ليصنع منها العروس التي لا دنس فيها"[67]. وكان أمبروسيوس يصلي: "…الداعرة أفضل مني".
الكبرياء شيطانية – مَن توهَّم أنه بارّ وطاهر نطق فيه الشيطان. الروح القدس يكشف لنا رداءتنا، ويدفعنا إلى الاعتراف بأننا جهنم الخطايا، وبأنه لا يسكن فينا شيءٌ صالح. بمثل هذا التواضع الانسحاقي، وسيل الدموع، نطرد الشيطان، وإلاّ كنا ألعوبته.
[1] – راجع مقالنا في النور الغراء 1973.
[2] – Catholicisme. IV, 7282.
[3] – Catholicisme. IV, 1281.
[4] – النقطة هامة جداً. لم يكن كتبة الكتاب المقدس عناصرَ انفعالية Passifs بين يدي الروح القدس. هناك تعاون Synergia بين الروح القدس والكُتّاب. ليست المسيحية ديانة كتاب. الكنيسة هي جسد المسيح. هي صاحبة الكتاب المقدس لا عَبْدته، ولا صارت عَبْدة الحرف وديانة الحرف. هي ديانة الروح القدس الساكن فيها، بينما هي جسد المسيح. هي المالِك الذي يملك الكتاب المقدس. هي المالك وهو المملوك. يخطأ الذين يعتبرونه المالِك ويعتبرونها المملوكة. هذا "شقلبة" فاحشة للعقيدة الصافية. قامت الكنيسة يوم العنصرة، بينما لم يُكتب العهد الجديد الا بعد حينٍ مُتفرقاً بين كَتبة عديدين. جمعته الكنيسة وقالت: هذا هو العهد الجديد. قبلناه من الكنيسة. هي السلطة التي قالت: إنه كتاب مقدس. لو قالت الكنيسة – مثلا – إن كتابات يوحنا الانجيلي هي غير مقدسة لما دخلتْ الكتابَ المقدس. وهل فيه أعظم من كتابات يوحنا؟ نرفض كل ما رفضته الكنيسة.
[5] – انظر الصفحة 11 من كتاب البطريرك الياس الرابع معوض، من أدب آباء الكنيسة، دمشق، 1978.
[6]– الافشين الاول من غروب اثنين الروح القدس: "الذي علّم أولاً بالقول، وأخيراً أبان ذلك بالفعل".
[7] – الذهبي الفم قال إن الزمان بعد العنصرة والقيامة والظهور الالهي صار كله ظهوراً وقيامة وعنصرة. وقال ان أبرار العهد القديم هم دون أبرار العهد الجديد (راجع كراستنا "الذبائح والنذور").
[8] – في "بستان الرهبان" فصل خاص بالرؤى يحذّر من أخطارها. في السلَّم الى الله رفض للاحلام. عندنا فصل عن المواهب لم يطبع بعد.
[9] – راجع كتابنا "يهوه ام يسوع"، منشورات النور، بيروت 1975 . ووردت اللفظة في الاصل اليوناني 3 مرات في الفصل 19 من أعمال الرسل بمعنى "الجماعة" (34:19 و 40) و"محفل" (39:19) بمعنى محكمة. ولكن الكلمة بمعنى "جسد المسيح" ليست جماعة.
[10] – البعض عرّف الكنيسة بأنها "جماعة المؤمنين". هذا التعريف غير موجود في الكتاب المقدّس: يعطي معنى "جمعيّة" للكنيسة، بينما جسدُ يسوع الحامل الروحَ القدس هو كائن حيٌّ أمثل يحيي أعضاءه. مفهوم "الجماعة" و"الجمعية" يجعل الكنيسة منظمة تقوى بعدد الأعضاء الواسع. الكنيسة هي الملء ولو لم يكن في العالم إلا مسيحي واحد.
[11] – جاء في تفسير انكليكاني للعهد الجديد مطبوع في بيروت 1877 (وأعيد طبعه حديثاً): "إن معناها هنا هو الملائكة القديسون الحاضرون في الاجتماعات المسيحية والمراقِبون سيرة أعضائها" (كتاب العهد الجديد مفصّلاً مع حواش وشواهد، بنفقة جمعية الكراريس البريطانية). ولكل مؤمن ملاك حارس. وحسناً فعلت الكنيسة بإعطاء المعتمِدين أسماء قديسين يشفعون فيهم. واسم المعمودية أهم من اسم المناداة. وعيد القديس الشفيع أهم من عيد يوم الولادة. ولدتني امي في الإثم. أما بالمعمودية فولدْتُ في الروح القدس في الطهارة.
والكنيسة تقول في خدمة القداس الالهي باشتراك الملائكة معنا في الصلاة. انما الكاهن هو الذي يبارك فيصير الخبز جسداً والخمرُ دماً. هل الملائكة شمامسة لدى الكاهن؟ ما أعظم محبة اللّه لنا وأتفه معدننا! إنهم شركاء لنا يصلّون معنا، يملأون الكنائس (مكسيموس المعترف وكاباسيلاس). واذا كان الملائكة يصلّون معنا ويحرسوننا كما لبطرس ملاكه الحارس (اعمال 12:15)، وكان يسوع قد قال بأن الابرار يكونون مثل الملائكة، فهم يصلون معنا أيضاً.
[12] – في الغرب يقولون: "الكنيسة الظافرة في السماء والكنيسة المجاهدة على الأرض". الارثوذكسية لا تشق الكنيسة إلى كنيستين. مسيح واحد. وكنيسة واحدة. غريغوريوس اللاهوتي عدو لدود للزواج الثاني، قال: المسيح واحد والكنيسة واحدة والزواج واحد. رأس واحد لجسدين غير ممكن. أجاز بولس الرسول الزواج للارامل بصعوبة شاقة من باب التساهل لئلا يقع الزنى. مع هذا المعلم الأكبر، أقول بكنيسة واحدة في السماء وعلى الارض. الاموات فيها هم أبرار يشفعون فينا. لوثر قبِل شركة القديسين.
[13] – الموعظة الأولى: 4 على افسس، مين اليوناني 62:16 ب ت.
[14] – في الكنيسة نعطي الفضيلة والتقوى وحدهما اعتباراً. لا نبجِّل إنساناً لأجل ماله ومنصبه وجماله وعلمه ودهائه. الشيطان بارع في اقتناص أمثاله ليفتنه فتنة الحياة الدنيا، ويلقيه في جهنم. حماهم الله منها. المترفِّعون كالطواويس الزاهون المتباهون، أصنامٌ تعبدها الناس نفاقاً للمكاسب أو عن غفلة وغباء. لا نسجد الا ليسوع. كل مجد ابن الانسان كالعشب. الملكة براكيلا زوجة الامبراطور ثيؤذوسيوس الكبير مالك البحر المتوسط وشواطئه كانت تذهب إلى دور العجزة وتصير فيها خادمة. وقبل وفاتها وزعت أموالها على الفقراء. واقتدت بها حفيدتها العظيمة الامبراطورة بولخاريا قبل وفاتها. البابا القديس لاون الكبير يعترف بأنها صاحبة الفضل في انعقاد المجمع الرابع المسكوني. ومعلوم أن القديس كيرللس لجأ اليها ضد نسطوريوس (راجع كتابنا "المرأة في نظر الكنيسة"). أللهم، أنقذ نساءنا من المنافخية ليتواضعن مثل القديسة براكيلا.
[15] – البَون شاسع بين تشعشعنا لمدة يوم أو يومين بعد المعمودية (الذهبي) وبين تخاذلنا اللاحق. ليست المحبة كلاماً معسولاً، بل ناراً قديسة ترشح من القلب إلى أظافر اليدين. ما أسهل الكلام وأعسر التطبيق! يسوع، أنا خائن. يهوذا أسلَمَك مرة وأنا في كل لحظة.
[16] – اغناطيوس الانطاكي في طبعة الينابيع المسيحية، باريس، ص 139 و210- 211 و230- 231 و66- 67 و234. هذه النصوص تعود إلى القرن الثاني. مات اغناطيوس حوالي 107 للميلاد. هو أول مَن استعمل اللفظة.
[17] – ضد الهرطقات 3؛ 24: 15، الينابيع المسيحية، ص 470- 471 من العدد 211.
[18] – انعقد في العام 381 في القسطنطينية ( اسطنبول).
[19] – نقلتُ نصوص كيرللس عن ترجمة الاب جورج نصور (العظات، الكسليك، لبنان). إلا اني صحّحتُ أخطاء ترجمته، ما عدا البند 8. فهو مأخوذ إجمالاً من ترجمة اليسوعيين الجديدة. إنما استبدلتُ فيها بلفظة هبة لفظة "موهبة المعجزات". صارت اللفظة فنية. ولا حاجة الى تفسيرها. شرحناها في مقالنا عن الميرون (مجلة الكلمة الغراء، العدد 10). من المؤسف أن العمق اللاهوتي والدقة الفنية ينقصان الكتبة المسيحيين العرب. وهم يجهلون أصول الكتابة اللاهوتية والترجمة الدينية. فكل ذي قسط من الفهم الديني يتنطس للتأليف والترجمة جاهلاً تواضع يوحنا الدمشقي الذي تناول القلم بعد أن طعن في السن، ونضج واختمر. المسألة نضوجٌ روحي وعمقُ الروح القدس وفعلُه في الكاتب ليعصمه من الزلل. اللاهوتي هو بين آباء الكنيسة. بعد الفراغ من هذا الكتاب طالعت فصلا جيداً عن دور اللاهوتي في كتاب "مؤتمر اللاهوتيين الارثوذكسيين الثاني بأثينا.
[20] – ذهب البعض الى أن أول ترجمة سلافية لدستور الايمان استعملت لفظة "كاثوليكية" اليونانية. وبعد قرون تمّ استعمال لفظة "سوبورني" (القرن 14) بدون لفظة "كاثوليكية". Pierre Baron, Alexis Khomiakov, Roma 1940, P. 227.
[21] – أثناء رسامة رجل الدين، إن قال الشعب إنه مستحق جرت رسامته. وإن هتف فرد أنه غير مستحق توقفت الرسامة وبدأ التحقيق. فليس الشعب لدى الأرثوذكس مشاهِداً أمام شاشة التلفزيون. الامبراطور ورجال الدين خانوا الكنيسة مراراً فشجبهم الشعب. لولا تأييد الشعب للقديس مرقس الافسسي لَطَمَسَ التاريخُ مرقس والأرثوذكسية. العلامة الكردينال نيومن قال في الصراعات الآريوسية إنها صراعات أساقفة بينما بقي الشعب أرثوذكسياً. مكسيموس المعترف طعن ضمناً في البطاركة الخمسة وهو راهب في السجن. وقلَّده بالاماس لاحقاً وهو راهب. طوى الله البطاركة وخلَّد مكسيموس وبالاماس. الحقيقة هي الأساس ولو لم ينطق بها الا قندلفت كنيسة. ولا يقام القداس إلا اذا حضر علماني أو راهب. الكاهن في خدمة الشعب.
[22] – أندروتسوس، اللاهوت العقائدي، اثينا، 1907، ص 280- 281.
[23] – Swete, the Holy Catholic Church, London, 1915, P 34-36.
[24] – Dict. Catholicisme, Catholicité, 722-26.
[25] – Procés-Verbaux du 20 congrès des théologiens orthodoxes à Athènes, 1976, Ath 1978, p
[26] – A l’image et à la ressemblance, Aubier, Paris, 1967, P 167-179.
[27] – Theology and the Church, 1980, P.45-71.
[28] – وقد طالعت مخطوطة كراسة دبَّجتها برعاية الأب قيس صادق عن الكنيسة. اعتمد على كتاب ستانيولواي في العقائد. فاذا به يكرر النقد للوسكي Theologia dogmatic orthedoca, II , Bucarast, 1978, P.197-8.
[29] – مين اليوناني 9: 132أ. راجع عن الموضوع ص 63- 64 من كتاب البطريرك الياس، الصورة الالهية.
[30] – Lossky, à l’image, p. 143.
[31] – كان فانسان دي ليرين (حوالي 450) قد كتب كرّاسة تتعلق بجامعة الكنيسة ومعتقدها القويم: "ما أومن به في كل مكان ودائماً ومن قبل الجميع" (ص 26). "الكاثوليكي الحقيقي.. لا يؤمن إلا بالحقائق المقبولة بصورة جامعية من قبل الكنيسة الكاثوليكية منذ الأزمنة القديمة" (ص 70). "عليهم أن يبتغوا الجامعية من قبل الكنيسة والرأي العام" (ص 90). الناشر الفرنسي يعلق وينقد النص. لا يتفق كلامه مائة بالمائة مع موقف مكسيموس المعترف الأكثر عمقاً ونضوجاً وصوابية. فشخص واحد مثل مكسيموس مثًَل الحقيقة، بينما ضلَّ الامبراطور والبطاركة وأتباعهم.
[32] – Vincent de Lérins, Traditions et Progrès,Desclée de Brouwer, 1998.
[33] – Catholicisme, Catholicité.
[34] – راجع ملحق كتاب البطريرك الياس عن بالاماس، ص 61- 62.
[35] – ونيقولا بردياييف الفيلسوف الوجودي الأرثوذكسي على هذه الخطى الارثوذكسية السليمة.
[36] – Lossky, à l’image et à la resemblance, p. 179.
[37] – "احفظ الودعية الصالحة بالروح القدس الحالّ فينا" (2 تيمو 1: 14).
[38] – يسوع ذو مشيئتَين وفعلَين. الله يفعل بواسطتي بدون أن اكون آلة مسخَّرة عمياء مشلولة الإرادة. إرادته تدعم إرادتي بدون أن تزيلها. لذلك ينضمّ جهدي إلى فعل الله. بيننا تعاون synergia. يخطأ الذين يتركون الأمور تجري على هواها. الاتكال على الله لا يلغي أبداً جهودنا، وبطولاتنا، وحكمتنا، وحنكتنا، وحذقنا، ودهاءنا كقوم شرفاء صادقين. حربنا ضد الشيطان والاهواء هي أضرى الحروب. نحتاج إلى أبرع المحنَّكين لا إلى الأغبياء البُله المغفَّلين التنابل العاجزين المخبولين.
[39] – راجع معالجة الموضوع في كتاب Congrès des théologiens orthodoxes p 386- 412.
[40] – وهو الذي جمّد دينامية اللاهوت وصوفيته شرقاً وغرباً. كُتب التعليم الديني المسيحي كانت ولم تزل شبيهة بكتب الهندسة في الاعدادي والثانوي أيام شبابي. لم أهتم بالرياضيات الحديثة لأعرف التطور الحاصل في الرياضيات.
[41] – Dictionnaire de spiritualité, VI, 847-8.
[42] – في باقي الكتاب أشياء كثيرة عن الكنيسة كان يمكن ان تدخل هنا. فلم اكرر.
[43] – Pirot et Clamer, la Sainte Bible, tome 12,p.116.
[44] – صموئيل (صموئيل الاول 1- 3). اشعياء (افسس 49: 1-2). ارمياء (أر1: 4)
[45] – Oscar Sulman, le Baptême des enfants, Neuchâtel, 1948.
[46] – André Benoît, le baptême chrétien au second siècle, P.U.F, Paris, 1953; P.31 et.125; et P.216ss.
[47] – Louis Duschène, les origines du culte chrétien. [card, 1925; p.309].
[48] -Patrologie Latine.
[49] – Traité du Baptême, Sources chrétiennes, P92.
[50] – P.L. II, 380.
[51] – Hom. 40,17.
[52] – الرسالة الى بونيفاتيوس 98: 10
[53] – P.L. Lviii, 993.
[54] – عالج الاب يوحنا يازجي في اطروحته اللامعة باليونانية "خدمة المعمودية" مسألة معمودية الاطفال في ص 98- 103 ومناولة الاطفال المعمودين فوراً في ص 124- 127 (سالونيك 1983). يكمّل احدنا الآخر ويدعمه. فقد نشرتُ كراسة عن معمودية الاطفال في الكنيسة الاولى.
[55] – المواعظ الميسّاغوجية 2: 4 في الينابيع المسيحية 126 ص 110 و122.
[56] – الخطب التعليمية: 14: 9.
[57] – الامر يدلّ على قرب الروح القدس من البشر. فمنذ العنصرة الروح القدس هو الذي يعمل فينا ويقرِّبنا الى الله. طبعا، ليس من انفصال بين الاقانيم. الذهبي الفم قال: حيث يوجد أحدهم يوجد الأقنومان الآخران، ولكن الأمر يكشف عن رسالة الروح القدس تجاهنا وفي اتجاهنا.
[58] – راجع عن موضوع الاعتراف: البطريرك الياس الرابع معوض، الصورة الالهية في الانسان لدى غريغوريوس بالاماس، منشورات 1984، ص 61- 64.
[59] – ترجمة دير الحرف- منشورات النور.
[60] – النسكيات. ترجمة الاب اسحق عطا الله- منشورات النور، 1983.
[61] – مجموعة أقوال مختارة من الآباء موضوعها "الصلاة".
[62] – ترجمة الأب منيف حمصي، منشورات النور. وأيضاً بستان الرهبان، مكتبة السائح.
[63] – أما التلالؤ الكامل فمن حظ الذين ناضلوا وجاهدوا الجهاد الحسن ملتهبين بعشق يسوع. العشق هو العشق. أي أن طاقة الإنسان العشقية هي واحدة، إما أن تتجه إلى الأجساد أو أن تتجه إلى الله معزَّزة بالنعمة الإلهية. نطرد عشق الجسد بعشق يسوع (السلمي).
[64] – رشم لفظة سريانية. ترجمتها: رسم. راجع مختصر الافخولوجي، ص 98-101، دمشق 1964.
[65] – حتّى الحداد لا يمنع معمودية الطفل. والحداد عادة وثنية. المسيحي يؤمن بأن الموت هو انتقال من الموت الى الحياة. بعد 19,5 قرناً، ما زالت عوائدنا وثنية. ويتعبّد الناس للعوائد والموضة أكثر من الإنجيل. واحرقتاه!
[66] – في كتاب "المزيّفون" عرضنا مطولاً روائع سر المعمودية وقداسته في أسلوب قصصي سهل. في كتاب نيقولاوس كاباسيلاس "الحياة في المسيح" (ترجمة البطريرك القديس الياس معوض) روائع.
[67] – Olivier Clément, Sources. Stock, Paris 1983, p.114-5.