ترتيب خدمة الذبيحة الليتورجية هي تهيئة القرابين اللتي ستستعمل في سر الشكر . وفي الكنيسة الأولى كان المؤمنون يأتون بتقدماتهم من الخبز والخمر ويضعونها في غرفة خاصة تسمى أل proskomidh . وكان الكهنة ينتقون منها ما يلزم لتتميم سر الشكر . أن تقديم هذه القرابين يرمز لتقديم أنفسنا الى الله بالإشتراك في ذبيحة ابنه ، إذ أن هذا الخبز والخمر المقدمين هما قوت الإنسان ويرمزان الى حياته وشخصه . فتقديمها إذاً يرمز الى تقديم الشخصية والحياة لله . تصنع خبزات التقدمة من طحين القمح النقي ، وهي مختمرة خلافاً لما تستعمله الكنيسة الكاثوليكية من الخبز الفطير . الكنيسة الأرثوذكسية تتبع في ذلك تقليداً سارت عليه الكنيسة كلها شرقاً وغرباً والذي يستند الى كلمة الإنجيل المستعملة للدلالة على الخبز ، ألا وهي artos ومعناها الخبز الخمير بينما لم تستعمل عبارة azymos والتي تدل على الخبز الفطير . في وسط الخبز يجب أن يكون الطابع الذي يرمز الى المسيح " حمل الله الرافع خطيئة العالم " (يو 1: 29 ) وعلى الطابع مرسوم صليب مع عبارة " يسوع المسيح الغالب " مقسمة على الشكل التالي
is cs
ni ka
هذا يدل على أن المسيح الحمل المذبوح من أجل خطايا العالم بملء إرادته ، قد غلب بموته قوة الشيطان والخطيئة وأشركنا معه في غلبته التي تتجلى بصورة كاملة في مجيئه الثاني المجيد .[1]
ترتيب خدمة الذبيحة وبعض الشروحات حولها
-1– بعد غسل الأيدي يأتي الشماس إلى ألproskomidh ، أي ما درجت العادة أن نسميه المذبح المقدس، ويرتب الأواني المقدسة فيضع الصينية لجهة الشمال والكأس المقدسة عن اليمين ويرتب إلى جانبها بقية القطع كما هو مشار إليه في كتاب خدمة الكاهن . وأثناء ترتيب الأواني يرتل طروبارية : " إستعدي يا بيت لحم ".
أما الكأس المقدس فهو رمز لذبيحة الرب على الصليب وكأس بركة وخلاص البشر. أما الصينية المقدسة فهي ترمز الى السماء بشكلها الدائري وترمز أيضاً الى النعش حيث يضع عليها الكاهن جسد المسيح . في العصر الرسولي ، كانت الأواني المقدسة من الزجاج أو الخشب أو من معدن خفيف وبعد توقف الإضطهاد أصبحت من الذهب الخالص أو من الفضة وهذا دليل تقوي. إنما الله ليس بحاجة إلى أوان فضية وذهبية بل إلى نفوس بهية وطاهرة . الكنيسة قبل استعمالها الأواني الجديدة للخدمة الليتورجية تعمد الى تدشينها بتلاوة خدمة خاصة حيث يمسحها رئيس الكهنة بالميرن المقدس رمز مواهب الروح القدس وبعدها يتضرع قائلاً: " أيها السيد المسيح إلهنا أرسل روحك القدوس على هذه الكأس الجديدة وباركها وقدسها وكملها ".
إن مكان تهيئة القرابين من حيث كونه مكاناً ليتورجياً يرمز إلى بيت لحم والمغارة التي ولد فيها المسيح، لذلك نضع أيقونة الميلاد . فهي أي بيت لحم المكان الذي ظهر فيه المسيح بالجسد لذا فإن ظهوره ليتورجياً يبدأ على المذبح المقدس. [2]
_ 2 _ بعد ترتيب الأواني المقدسة يسجد الكاهن والشماس ثلاث مرات أمام المذبح قائلين في كل مرة : " يا الله إغفر لي أنا الخاطىء ". ثم يأخذ الكاهن الحربة بيده اليمنى والقربانة بيده اليسرى ويرفعهما الى مساوات وجهه وبكثير من الورع والإنسحاق يقول وهو رافعاً نظره الى السماء : " إشتريتنا من لعنة الناموس بدمك الكريم …" .
رفع القربانة هو تذكار لإرتفاع المسيح على الصليب وظهور لمحبته. لأنه بذبيحته على الصليب أعتق الإنسان من لعنة الناموس ومنحه حرية الروح. حيث يقول القديس باسيليوس : " لأن الآب إقتبل المصالحة والابن عمل على تحقيقها والروح القدس غدا هبة للذين جعلوا أصدقاء الله . فالواحد هو المحرر ، والآخر هو الفدية التي بها حررنا ، والروح القدس هو الحرية عينها ".[3]
_ 3 _ ثم يقول الشماس بارك يا سيد. والكاهن يجيب ممسكاً بالحربة والقرابين بيديه راسماً الصليب فوق الصينية المقدسة وقائلاً: " تبارك الله إلهنا كل حين الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين ". ثم يأخذ الحربة ويرسم بها شكل صليب فوق ختم القربانة المقدمة قائلاً: " لتذكار ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ". والشماس يجيب: " كل حين الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين ".
وهذا الرسم والقول يعاد ثلاث مرات.
الكاهن مطيع لإرادة الرب يسوع لأنه قال في إنجيل لوقا ( 19:22 ) " اصنعوا هذا لذكري ". نحن نتذكر آلام المسيح وصليبه وموته. لأن الآلام أشد من المعجزات ولأنها تقدم لنا الخلاص ومن دونها ليس من سبيل إلى القيامة. أما العجائب فقد كانت فقط للبرهان وهي تؤكد لنا أن المسيح هو المخلص، أما الآلام المقدسة فتقدم لنا الخلاص أي المسيح [4].
-4-ثم يغرز الكاهن الحربة في يمين القربانة من جهة ويقطع قائلاً: " مثل خروف سيق إلى الذبح ". ثم يقطع من الشمال جهة ويقول: " وكحمل بريء من العيب صامت أمام الذي يجزه ". ثم يقطع من فوق جهة ويقول: " بتواضعه ارتفعت حكومته ". ومن ثم يقطع من أسفل جهة ويقول: " أما جيله فمن يصفه ".
بعد ذلك يقول الشماس: " ارفع يا سيد ". والكاهن يُدخِل الحربة المقدسة تحت ختم القربانة ويفصله عنها قائلاً: " لأن حياته ارتفعت عن الأرض ". ويرفعه ويضعه على الصينية.
-أ- مثل خروف سيق إلى الذبح.
آية من أشعياء النبي تشير عامة إلى آلام المسيح. وذبيحته على الصليب قد سبق رسمها في الفصح اليهودي بذبح الخروف. القديس باسيليوس الكبير يقول في هذا الصدد: " الذي يعطي الحياة للعالم، عندما يقدم ذاته ذبيحة وقرباناً إلى الله لأجل خطايا العالم، فإنه يدعى حمل الله وخروفاً ".
_ب_ مثل حمل بريء من العيب صامت أمام الذي يجزه هكذا لا يفتح فاه.
صمت المسيح في الآمه يدل على قبوله الموت طوعاً حيث يقول في إنجيل يوحنا (17: 18 )
" أنا أضع لأخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني بل أن أضعها من ذاتي" .
_ ج _ بتواضعه إرتفعت حكومته.
يقول بولس الرسول في فيليبي :" أن المسيح أخلى ذاته آخذاً صورة عبد .. .. وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله .. .. .. " . الله هو المحبة والمسيح أظهر على الصليب عمق المحبة والتواضع .
د- وأمّا جيله فمن يصفه.
من يستطيع ولو بأدنى مقياس أن يعرض لطريقة وجود الابن الوحيد. إنّه لأمر مستحيل ولا يخلو من خطر كبير أن يصف الإنسان ولادة الابن من الآب.
-هـ- لأنّ حياته ارتفعت عن الأرض.
هنا يفصل الكاهن الحمل ويضعه على الصينية المقدّسة. هذه الحركة تذكّرنا بقول المسيح: "وأنا متى ارتفعت جذبت إليّ الجميع"[5][6].
5 ـ الشماس يقول: إذبح يا سيّد. الكاهن: يذبح الحمل المقلوب على الصينية المقدّسة بالاتّجاه العاموديّ للصليب منتبهاً أن يكون القطع عميقاً، ولكن بدون أن يخرق الطابع. وفيما هو يذبح يقول: "يذبح حمل الله الرافع خطيئة العالم من أجل حياة العالم وخلاصه".
الشماس: أصلب يا سيّد. الكاهن يذبح الحمل مجدّداً بالاتجاه الأفقيّ وبنفس الطريقة السابقة ومن دون أن يفصل الأجزاء عن بعضها ويقول: "بصلبك أيّها المسيح سحق العذاب ووطئت قوة العدو لأنّه لا ملاك ولا إنسان بل أنت يا ربّ خلّصتنا المجد لك"[7].
وحالاً يقلب الخبز المقدّس ويجعل الطابع إلى فوق كما كان. فيقول الشماس: إطعن يا سيّد. والكاهن: يطعن الحمل بالحربة من جهة اليمين فوق حرف (N) ويقول: "وإنّ واحداً من الجند طعن جنبه بحربة. وللوقت خرج من جنبه المقدّس دمٌ وماء. والذي عاين شهد وشهادته حقّ".
عند ذلك يتناول الشماس وعاء الخمر بيمينه ووعاء الماء بيساره ويسكب منهما في الكأس المقدّسة المقدار الكافي وذلك حينما يقول الكاهن "خرج دمٌ وماء".
ثمّ يقول الشماس: "بارك يا سيّد الاتّحاد المقدّس". الكاهن يبارك فوق الكأس قائلاً: "مبارك اتّحاد قدساتك كلّ حين الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين". الشماس: "آمين".
ثمّ يأخذ الكاهن أحد الغطائين ويضعه مطوياً فوق الكأس.
– أ – يذبح حمل الله
المسيح الحمل الحقيقيّ، والضحيّة الطاهرة، يساق إلى الذبح لأجلنا جميعاً ليمحو خطيئة العالم، ليسحق الموت، ليصير للطبيعة البشريّة مبدأ كلّ صلاح. ومبعث حياة أبديّة. أعطى الآب ابنه فدية عنا حتّى نحيا جميعاً به.
– ب – بصلبك أيّها المسيح
بصليب الربّ تندحر شوكة الشيطان وتُداس قوته. انقطعت ديانة الشيطان وتقدّست الخليقة بالدم الإلهيّ. الشياطين اضحت ترهب البشر الذين كانوا قبلاً مستعبدين لها.
– ج – قد خرج دمٌ وماء
عندما طعن الجندي جنب السيد، خرج "دمٌ وماء". هذا الحدث بالنسبة للآباء القدّيسين صورة لسرّي المعموديّة والافخارستيا وقد منحت لنا من الله كصورة لما قد سبق حدوثه. وهذا ما قاله القدّيس كيرللس الإسكندريّ.
خلق المسيح الكنيسة من جنبه وهو راقد، كما خلق حواء من جنب آدم وهو نائم[8].
6 ـ يأخذ الكاهن قربانة ثانية ويرفع عنها بالحربة جزءاً لوالدة الإله على شكل مثلث قائلاً: "لإكرام وتذكار سيدتنا والدة الإله التي بشفاعاتها يا ربّ إقبل هذه الذبيحة على مذبحك السماويّ".
ويرفع الجزء بالحربة ويضعه عن يمين الحمل قائلاً: "قامت الملكة عن يمينك متّشحة بثوب مذهّب موشى".
ـ أ ـ قامت الملكة عن يمينك
العذراء مريم هي صلة الوصل الرابط بين السماء والأرض. فهي تقف بين الإنسان الذي يرفع ذبيحة التسبيح والله الذي يقبل هذه التقدمة. المسيح رأس جسد الكنيسة الذي منه تنبع كلّ موهبة كاملة والعذراء مريم رقبة هذا الجسد التي من خلالها تنحدر العطية العلوية إلى المؤمنين. بحسب البار نيقولاوس كاباسيلاس العذراء هي أرض جديدة وسماء جديدة لأنّها وسعت في حشاها من لا تقدر السماوات على احتوائه ولأنّها طاهرة نقيّة.[9]
ثمّ يرفع من قربانة ثالثة أجزاء الطغمات ويضعها بالحربة ثلاثة صفوف مثلثة على هذا الشكل:
ê ê ê
ê ê ê
ê ê ê
عن شمال الحمل:
ـ أ ـ لإكرام وتذكار رئيسَي الطغمات الملائكية ميخائيل وجبرائيل وجميع القوات السماوية:
– في إقامة القدّاس الإلهيّ تشترك الملائكة أيضاً لذلك يضع الكاهن عن شمال الحمل جزءاً "لإكرام القوات السماوية".
فقد أعلن أوّلاً للملائكة تدبير الله للبشر وسرّ محبة يسوع الإلهيّة لهم ومن خلالهم بلغت إلينا نعمة المعرفة:
1. جبرائيل بشّر زكريا بولادة يوحنا
2. رئيس الملائكة حضر إلى العذراء ليبشّرها
3. ملاك أعلم يوسف أن العذراء قد حبلت من الروح القدس.
4. ملاك بشر الرعاة بولادة المخلص وجند من الملائكة السماويين ظهروا بغتة مسبحين الله وقائلين: "المجد لله في العلى…".[10]
ـ ب ـ للأنبياء
ـ ج ـ للرسل
ـ د ـ للمعلمين
ـ هـ ـ للشهداء
ـ و ـ للأبرار
ـ ز ـ الماقتي الفضة
ـ ح ـ القديسين يواكيم وحنة ويوسف الخطيب وسمعان الشيخ والقديس اليومي
ـ ط ـ القديس صاحب الخدمة
الكنيسة هي محفل القدّيسين والقدّاس الإلهيّ هو الحدث الذي يجمع كلّ الكنيسة إلى "طريقة حياة مع الله" وإلى "توافق وتجانس مع الله". في القدّاس نحن مع "جميع القدّيسين". محفل القدّيسين هو البرهان أنّ الله سبق ومنح لنا الملكوت. لأنّ المسيح تجسّد وبشر وعلم وتألم ومات وقام ذلك كي يرفع البشر من الأرض إلى السماء وليصيروا محفل قديسين وارثين لملكوت السموات.[11]
– 8 – أ – يقطع الكاهن جزءاً يضعه تحت الحمل قائلاً: "أذكر أيها السيد المحب البشر جميع الأساقفة الأرثوذكسيين وابانا ورئيس كهنتنا (فلان) والكهنة المكرّمين والشمامسة الخدام بالمسيح وكل طغمة الكهنوت وجميع اخوتنا الخادمين معنا، وجميع المتوحدين والمتوحدات، وجميع اخوتنا الذين دعوتهم بتحننك إلى شركتك أيها السيد الكلي الصلاح".
ثمّ يذكر رئيس الكهنة الذي رسمه إذا كان حياً، ثمّ يذكر من يشاء من الأحياء بأسمائهم.
– ب – ثمّ يقطع جزءاً ويضعه تحت أجزاء الأحياء قائلاً: "لتذكار المطوبي الذكر الذين عمّروا هذه الكنيسة المقدّسة (أو الدير المقدّس) وغفران خطاياهم
ثمّ يقطع جزءاً ويذكر رئيس الكهنة الذي رسمه، إذا كان راقداً، وينحت برأس الحربة كالعادة ذاكراً من يشاء من الراقدين بأسمائهم، قائلاً: "أذكر يا ربّ عبيدك …".
وفي النهاية يقول: "لتذكار جميع آبائنا وإخوتنا الأرثوذكسيين الذين رقدوا على رجاء القيامة والحياة الأبدية أيها الربّ المحبّ البشر".
وأخيراً يقطع الكاهن جزءاً من أجله ويضعه مع أجزاء الأحياء قائلاً: أذكرني يا ربّ أنا أيضاً عبدك غير المستحق واغفر لي كل ذنوبي الطوعية والكرهية".
يقول القدّيس سمعان التسالونيكي إنّ الجزء الذي يرفعه الكاهن عن أحد الإخوة ويضعه أمام الحمل على الصينية فإنّه يشترك على الفور بالتقديس عند استحالة الخبز إلى جسد المسيح. وبهذا تتحقّق شركة عقليّة بين المسيح والإنسان. وإذا كان هذا الإنسان ممن يعيشون في التقوى، أو ممّن أخطأوا وتابوا، فإنّ نفسه تقتبل شركة الروح بحال غير منظورة. أمّا إذا كان من العائشين في الخطيئة وبقي ملتصقاً بها فإنّ التقدمة المرفوعة إنّما تقدّم لدينونته.
أمّا بالنسبة للراقدين فلا يحرمون من نعمة التقديس الممنوحة للأحياء. حيث يرد في سيرة المتوشّح بالله مكاريوس المصريّ أنّه لمّا صادف داخل القفر جمجمة أحد كهنة الأوثان سمع صوتاً يقول له إنّه "عندما يتحنّن على الذين في الجحيم ويصلّي من أجلهم فإنّهم يلقون قليلاً من التعزية". والذهبي الفم يقول إنّ نفوس الراقدين المذكورين أمام الحمل على الصينية المقدّسة ستحصل على ربح كبير وفائدة عظيمة وتعزية كبيرة أثناء إقامة القدّاس الإلهيّ.
وعندما ينتهي الكاهن من ذكر الأحياء والأموات يبتهل إلى المسيح أن يذكر حقارته وهكذا تتجلّى على الصينية أيقونة إلتئامنا حول المسيح: أي أيقونة كنيستنا المقدّسة. المسيح الحمل في الوسط، والدة الإله عن اليمين، والقدّيسين عن اليسار، وإلى أسفل المحفل الشريف للمؤمنين كافة الأموات والأحياء.[12]
– 9 –
ثمّ يأخذ الشماس المبخرة ويقول للكاهن: بارك البخور يا سيد. فيجيب الكاهن: بخوراً نقدّم لك أيّها المسيح فتقبّله على مذبحك السماوي…".
القدّيس سمعان اللاهوتيّ يقول في هذا الشأن: "المباخر عندما تشعل وتحرق بخوراً وتنشر رائحة زكية تشير إلى نعمة الروح القدس في نفس كل من هي فاعلة فيه فتنيره ببهاء وتعطر حواسه برائحة عطر روحانية. تنير كأنّها نور وتشاهد من أتقياء القلوب. تفوح كعود الحياة الذي يصلب، لا بل يميت إرادات الجسد ويعطر العالم كلّه ويبهج المؤمنين بفرح روحانيّ". الذهبي الفم يقول: "كما أنّ البخور جيد بحد نفسه وزكي الرائحة إلا أنّه لا يكشف عن رائحة إلا بالنار كذلك بالضبط هي الصلاة فهي جيدة بحدّ ذاتها ولكنّها تفوح أكثر عندما ترفعها نفس ملتهبة".[13]
– 10 – يقول الشماس: "أنجم يا سيد". الكاهن: "وأتى النجم ووقف فوق …". ويفتح الكاهن النجم ويدنيه من البخور ويضعه على الصينية فوق الخبز.
يقول الشماس: "جمّل يا سيد". يفتح الكاهن الغطاء فوق النجم ويدنيه من البخور ويجلّل به الصينية قائلاً: "الرب قد ملك والجمال لبس… ".
يقول الشماس: "غطّ يا سيد". يفتح الكاهن الغطاء الثاني ويدنيه من البخور ويغطي به الكأس قائلاً: "غطّت فضيلتك…".
يقول الشماس: "أستر يا سيد". يأخذ الكاهن الستر الكبير ويدنيه من البخور ويستر به الكأس والصينية قائلاً: "أسترنا يا رب بستر جناحيك…".
بتجسد المسيح وموته وقيامته أخضع الشيطان وانتصر عليه فتمّت على هذا النحو نبؤة المزمور: "الرب قد ملك والجمال لبس، لبس الربّ القوة وتمنطق بها". القوة التي تمنطق بها المسيح هي جسده. يدعو المزمور جسد المسيح لباساً وأمّا بشرته فيدعوها جمالاً لأنّها لا تتحلّى ببشاعة الخطيئة.
المسيح ثبّت المسكونة على الصخرة الحقيقية أي هو نفسه وذلك عبر غلبته على قوى الظلام وسلطانها.
إنّ الجبلة البشرية الترابية رفعت إلى قمّة المجد حيث غدت بالتكريم للطبيعة الإلهية مشابهة لها. فقد غدا البشر آلهة وأبناء. إنّ هذه هي فضيلة الله التي ارتفعت إلى السماوات.[14]
– 11 – الشماس: "بارك يا سيّد". الكاهن: "مبارك أنت يا إلهنا الذي هكذا ارتضيت المجد لك". والشماس يجيب: "كل حين الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين، آمين". (وهذا يكرّرانه ثلاث مرات).
ويأخذ الشماس المبخرة من الكاهن، ويقول: "على تقدمة القرابين المكرّمة من الرب نطلب". والكاهن يقرأ الافشين بكل ورع:
يا ألله إلهنا، يا من أرسلت يسوع المسيح ربنا وإلهنا الخبز السماويّ وغذاء كلّ العالم، مخلّصاً وفادياً ومحسناً يباركنا ويقدّسنا. أنت، بارك هذه التقدمة، وتقبّلها على مذبحك السماوي، وبما أنّك صالح ومحبّ للبشر، أذكر الذين قدّموها والذين قدّمت من أجلهم. واحفظنا نحن غير مدينين في خدمة أسرارك الإلهية. لأنّ اسمك الكلي الإكرام والعظيم الجلال مقدّس وممجّد، أيّها الآب والابن والروح القدس، الآن وكلّ أوان، وإلى دهر الداهرين، آمين.
ثمّ الختم.
وبعد الختم يسجد الكاهن والشماس ثلاث سجدات، ثمّ يقبّل الكاهن القرابين من فوق الستر الكبير على شكل صليب (فوق الصينية وبعدها فوق الكأس ثم صليب الستر وبعدها طرف الستر فوق المذبح)، أمّا اشماس فيقبّل ذيل الستر فوق المذبح فقط. ثمّ يبخّر الشماس المائدة المقدّسة من جهاتها الأربع والهيكل ويتابع تبخير الأيقونات والشعب من وسط الخورصين. ثمّ يدخل الهيكل ويبخر المائدة المقدّسة من جديد والكاهن ويعيد المبخرة للقندلفت.
ملاحظة: في حال عدم وجود الشماس، يعمل الكاهن ما قلناه عن الشماس ولكنّه لا يخرج من الهيكل بل يبخّر الأيقونات والشعب من الباب الملوكيّ.
الرب يسوع المسيح هو الخبز السماوي ، الخبز الذي يعطيه الآب من السماء ، الذي هو خبز الحياة . في الليتورجيا رمز إرتضاء الآب السماوي بتقدمة الابن ، هو الستر الذي به يحجب الكاهن القرابين المقدمة . الابن اقتبل طوعاً أن يذبح على الصليب حيث يقول في إنجيل يوحنا (6: 28 ) :" نزلت من السماء لا لأعمل مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني ".
تهيئنا الكنيسة بخدمة تقدمة الذبيحة لسر العمل الإلهي الثالوثي : " المسيح يقدم كحمل، الآب ويرمز إليه بالستر يرتضي ويقتبل، أما الروح ويرمز إليه بالبخور فيهيء لدخول الملك العظيم .
إستعادتنا كلنا هي عمل الثالوث القدوس المتساوي الجوهر، عمل قوته وإرادته، فكل شيء هو من الآب بالابن في الروح القدس .
[1] كوستي بندلي – مدخل الى القداس الإلهي – منشورات النور – طبعة ثانية 1975 ، ص 27-28
[2] غريغوريوس الأب – تفسير القداس الإلهي – تعريب الشماس سلوان موسى – البلمند1999 ، ص67-69
[3] المرجع السابق ص70
[4] كباسيلاس، نيقولا، شرح القداس الإلهي، تعريب الأب منيف حمصي، منشورات لجنة أحياء التراث الآبائي الرومي، ص 50 –51.
[5] يو 12: 32
[6] غريغوريوس ، تفسير القداس، تعريب الشماس سلوان موسى، منشورات دير البلمند 1999 ،ص74_76
[7] الأب المتوحد غريغوريوس، تفسير القداس الإلهي، تعريب الشماس سلوان موسي، منشورات دير سيدة البلمند البطريركي، 1999.
[8] المرجع السابق ص 79_ 78
[9] المرجع السابق ص 80 _ 81
[10] المرجع السابق ص 82_83
[11] المرجع السابق ص 85
[12] المرجع السابق ص 87
[13] المرجع السابق ص 89
[14] المرجع السابق ص 91_92