كما هو واضح من التسمية هذه الليتورجية هي خدمة تناول القدسات التي تم تقديسها وتكريسها في قداس سابق ( يوم احد ) . وهي الخدمة التي تقام في أيام الصوم الكبير، ماعدا يومي السبت والأحد . وفي ممارستنا الحالة تقام يومي الأربعاء والجمعة .
أقدم الإشارات عن هذه الممارسة في الكنيسة تعود إلى بداية القرن السابع (615) في وثيقة تشير إلى أن هذه الخدمة كانت تمارس في كنيسة القسطنطينية ولكن ليس بالشكل الحالي .وايضا هناك إشارة في قانون الأول من قوانين البطريرك القسطنطينية نيكيفورس المعترف إذ يقول: يصوم الرهبان يوم الأربعاء والجمعة من مرفع الجبن، وبعد تناول القدسات السابق تقديسها يتغذون بالجبن أينما وجدوا .
· أسباب ظهور القداس:
1. الحاجة إلى ممارسة سر الافخارستيا
منذ البدء كان سر الافخارستيا محور الحياة المسيحية وغذاء المؤمنين الحقيقي، لهذا السبب كان المسيحيون يمارسون هذا السر بصورة دائمة ومتواترة. إلى أن ثبت الصوم الأربعيني وصار من الصعب إقامة سر الشكر وما يحمله من طابع الفرح والابتهاج وهذا لا يتلاءم مع طابع التوبة والحزن، أيضا سر الافخارستيا هي سر مجيء المسيح وحضوره بين تلاميذه وبالتالي هو الاحتفال بقيامته.
هناك قوانين مجمعية تمنع إقامة القداس أو التقدمة في أيام الصوم، القانون 49 من مجمع اللاذقية المحلي المنعقد بين 343 و 381 ينص على: " لا يجوز تقديم الخبز في أيام الصوم الكبير باستثناء السبت ويوم الرب . ويشير القانون 52 من المجمع المسمى الخامس – السادس ( ترللو(القبة) ) المنعقد في سنة 692 إلى انه يقام قداس القدسات السابق تقديسها في كل أيام الصوم ما عدا السبوت والآحاد ويوم عيد البشارة المقدس .
لكن هناك سؤال فلماذا نتاول القدسات السابق تقديسها في الصوم ؟ هنا يجب أن ننظر إلى جانب الآخر من سر الشكر وهو الجانب الروحي ، فالمناولة إلى جانب كونها استباقا للفرح الأخير فهي أيضا ينبوع قوة وعضد في المسيرة نحو الملكوت فكون الصوم من هذه المسيرة الصعبة إذ فيها نواجه الشر ولا بد من مواجهة الشر لذلك لا بد من المناولة التي تقوينا وتعيننا لإكمال الجهاد ، هذا ما يفسر دخول قداس البروجزماني أي فوجب أن توجد طريقة للمناولة بدون إقامة القداس الإلهي .
2. ممارسة المناولة الشخصية:
المناولة الشخصية هي المناولة للخبز المقدس المجلوب إلى المنزل من القداس الإلهي، هناك استشهادات كثيرة تدل على ممارسة هذه العادة: ظهرت هذه الممارسة حسب القديس باسيليوس الكبير خلال عصور الاضطهاد، حيث كتب: " أن أي شخص في أوقات الاضطهاد مجبر على أخذ المناولة بيديه الخاصتين وبدون حضور الكاهن… "
– في رسالته 93:" كل المتوحدين في الصحراء الذين ليس عندهم كاهن يأخذون الشركة بأنفسهم من القدسات التي في أديرتهم " .
– إن القديس باسيليوس بعد إقامته أول قداس الهي اخذ خبزا من القدسات إلى منزله لكي يتناول منها وهو على سرير الموت .
– في أواخر القرن الثاني في أفريقيا هناك تقليد بان يأخذ المؤمنون خبزا مقدسا من الكاهن ويحفظونه في بيوتهم لكي يتمكنوا من أن يتناولوه منه كل يوم .
3. افتراضات اخرى:
– الحاجة لحفظ القداسات من القداس الإلهي لمناولة المؤمنين في أوقات الحاجة غير الاعتيادية، كمناولة المشرفين على الموت .
– امتناع المسيحيين عن الطعام في يومي الأربعاء والجمعة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر لأنها ساعة التي اسلم يسوع فيها روحه على الصليب إذا، تمديد الصيام حتى ما بعد الظهر أي زمن صلاة الغروب، وتوفر الخبز المقدس والمحفوظ من القداس الإلهي أعطى المؤمنين على الأغلب فرصة لتناول جسد ودم المسيح .
· كاتب القداس:
ليس هناك إي معلومات أكيدة حول كاتب هذا القداس ولكن منذ القرن الخامس عشر ينسب إلى بابا روما غريغوريوس الذيالوغس ومما يجدر ذكره أن نسبة هذا القداس إلى البابا غريغوريوس ظهرت خلال السنين التي جرت فيها محاولة للوحدة بين الشرق والغرب والتي برز من ضمنها خلاف حول قداس البروجزماني. وبما أن البابا غريغوريوس معترف به من قبل الكنيستين كقديس، فيعتقد البعض أن نسبة هذا القداس إليه في تلك الفت كانت محاولة لحل الخلاف حول القداس وبالتالي تقريب وجهات النظر في شأن الوحدة .
· زمان ومكان ظهور القداس:
يقول البعض إن ممارسة قداس السابق لقديسها ابتدأت من أورشليم، وذلك من دليل " رحلات ايثيريا " ( الفصل 35 )، إلا أن الرأي المرجح والأكثر ثباتا هو إنها نشأت في إنطاكية بين القرنين الخامس والسادس في زمن البطريرك ساويرس (512 – 518 )، انه ادخل أمورا جيدة في الممارسة منها استبداله المناولة الذاتية في المنزل بالمناولة الجماعية في الكنيسة .
من إنطاكية انتقلت هذه الخدمة إلى القسطنطينية التي قبلتها ما بين السنوات 531 -536، وصارت تقيمها أكثر من إنطاكية في حين اقتصرت إنطاكية ممارسة هذا القداس فقط في أيام الصوم الكبير بعكس القسطنطينية كانت تقام في أيام أخرى .
· الشكل الأولي لطقس القداس:
1. قلنا انه كان مناولة ذاتية تجري في البيوت ثم انتقلت جماعية إلى الكنيسة، فكان الشكل الأولي: تلاوة دستور الأيمان والصلاة الربية وبعد تناول القدسات يتلى: الآن تطلق عبدك أيها السيد ..
2. كان الرهبان يذهبون إلى الصحراء من 2. كانون الثاني إلى سبت لعازر لأجل تنسك، ولكي لا يبقوا فترة طويلة دون اشتراك في الأسرار كانوا يأخذون معهم القدسات وقد قسم ترتيب المناولة:
صلوات قبل المناولة:
– اذكرنا يارب متى أتيت في ملكوتك
– التطويبات، أن المصاف السماوي ..
– دستور الإيمان والصلاة الربية .. يارب ارحم 3 مرات ..
– قدوس الله .. ذوقوا وانظروا … هللوييا ..
– ابارك الرب في كل وقت
صلوات بعد المناولة:
– أفشين الشكر: " نشكرك أيها الرب إلهنا …"
3- القرن التاسع: إذ يحتوي على الترتيب عناصر مشابهة لما نجده في الخدمة الخالية
– قراءات، لتستقم صلاتي، يارب ارحم .
– صلاة من اجل الموعوظين.
– صلاة من اجل المستعدين للاستنارة ( المعمودية) .
– صلاة ثانية من اجل المؤمنين
– الصلاة الربية، احناء الرؤوس.
– صلاة بعد المناولة .
– افشين وراء المنبر .
· القراءات:
في ممارستنا الحالية هناك قراءتان، من كتاب التكوين والثانية من كتاب الأمثال، وتبتدئ هاتان القراءتان من الأسبوع الأول من الصوم حتى نهايته، فحوى هذه القراءات مرتبطة بالتعليم الذي كان المزمعون أن يتقبلوا المعمودية سبت النور يتلقنونه من الأساقفة طوال الصوم الكبير .
موضوع هذا التعليم كان مرتبطا بكتاب التكوين وما فيه من حديث عن خلق الله العالم والإنسان وسقوطه وتدبير الله لخلاص الإنسان ، كان التعليم يحصل في فترة بعد الظهر وتحديا بعد صلاة التاسعة ( الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا ) أي يستمر حتى المساء ، ساعة إضاءة الأنوار وبداية صلاة الغروب .
· إضاءة النور ( مباركة النور ):
– كان يمارس في كنيسة القرون الأولى حين كان يأتي المؤمنون بقناديلهم إلى اجتماع الصلاة . واستمر هذا الجلب للقنديل حتى دخل إلى القداس البروجزماني ولكن تحت صورة أخرى .
– في القرن 11 كانت صلاة الغروب تبدأ في الظلام وحين يقترب وقت إنارة القناديل يخرج رئيس الشمامسة مع 12 شماس من الهيكل ويذهب إلى مدخل الكنيسة حيث القناديل مضاءة، فيأخذونها إلى وسط الكنيسة حيث يعلن الشماس حاملا المبخرة: نور المسيح مضيء للجميع، حينها يضيء الأسقف كل القناديل الموجودة في الهيكل ويذهب الشمامسة ليضيئوا قناديل الكنسية .
– في القرن 15: " في نهاية القراءة من التكوين يخرج الكاهن من الباب الملوكي مع قنديل، فيقف الجميع ويذهب إلى وسط الكنيسة حيث يرسم بالمبخرة إشارة الصليب ويعلن: الحكمة، لنصغ، نور المسيح مضيء للجميع . ( هذا ما يشابه لمل يحصل اليوم )
حيث يقف الكاهن مع المبخرة والشمعة المضاءة إمام المائدة من جهة الشرق ويرسم إشارة الصليب معلنا الحكمة، لنصغ . ثم يرسم إشارة الصليب متوجها إلى الشعب معلنا نور المسيح مضيء للجميع .
– أيضا كان النور يضاء عند الاجتماع للصلاة هو تذكير لهم بحضور المسيح في ما بينهم، الذي دعا نفسه نور العالم ( يوحنا 8:12 و 9: 5 ) .
– أيضا كان يضاء النور في اجتماعات لتناول طعام المحبة حيث أن كل إنسان بدوره كان يُسال أن يقف أمام النور ويرتل نشيدا من الكتاب المقدس .
– أيضا كانت هذه العادة تمارس في البيوت . ( تذكير بطريقة تحضير الحمل ونقل الحمل )
· ملاحظات:
1. يقترب قداس سابق تقديسه من قداس القديس باسيليوس الكبير من جهة صلاة الغروب أيضا يقترب من قداس القديس يوحنا الذهبي الفم عندما تقام صلاة الغروب عيد البشارة إذا وقع في الصوم الكبير .
2. صلاة الأخيرة التي تقال عند المنبر هو أقدم الصلوات في ترتيب الخدمة .