التحية الميلادية
لماذا نقول المسيح ولد حقا ولد
ان تعليم المجامع المسكونية عن شخص يسوع المسيح الإله المتجسد هو من أهم العقائدالمسيحية التي صاغها آباء المجامع المسكونية، أهمية هذه العقيدة تنبع من إن الرب يسوع المسيح هو رئيس إيماننا ومكمله .
أهمية عقيدة التجسد هذه تأخذ بدايتها منذ الأيام الأولى للحياة المسيحية إذ ان أولى الهرطقات التي ظهرت في الكنيسة منذ القرن الأول تنكر لاهوت المسيح، هي بدعة المظهرية التي نفت بان يكون المسيح قد تجسد حقيقة . بل ادّعى أصحابها انه اتخذ مظهر جسد . إلا ان نجد في انجيل يوحنا دحضا لتعاليم هذه البدعة حيث يؤكد الإنجيلي على حقيقة تجسد ابن الله .هناك حادثة مسجلة لشخص مسيحي ينكر لاهوت المسيح وقعت عام 19. عندما أشار بائع جلود بيزنطي اسمه ثيودوتس إلى إنكاره للمسيح بقوله:” لم أنكر الله ولكن إنسان ” . أي ينفي بان يكون المسيح قد تجسد حقيقة بل يدعي أصحاب هذه البدعة ( المظهرية ) انه أتخذ مظهر جسد أو شبه جسد .
ايضا تصدى لهذه البدعة القديس اغناطيوس الانطاكي فقال:” هو حقيقة من نسل داود بالجسد وولد حقيقة من العذراء واعتمد من يوحنا ليتم به كل بر .. تألم حقا وقام بقدرته ” ( رسالته الى أهل أزمير )
اذا بتعيّدنا عيد الميلاد نثبت عقيدة التجسد نبرهن على ان الطبيعة الإنسانية التي للمسيح صارت من خلال التجسد بعدا من أبعاد الله وجزء من كيانه وأصبحت البشرية مسالمة وغير عدوة لله لأنها صارت بالتجسد جسد الله،ومن الواضح كما يقول بولس الالهي، ” أنه ما من أحد أبغض قطّ جسده الخاصّ، بل إنما يغذّيه ويعتني به، كما يفعل المسيح بالكنيسة . أو لسنا أعضاء جسده ؟ ” ( افسس 5: 29 – 3. ) اذا ميلاد المسيح هو حدث تاريخي لأنّه جرى في لحظة محددة من التاريخ، عندما كان أوغسطس قيصر امبراطوراً لروما وهيرودس حاكماً لليهودية. شدد الإنجيليون على تاريخية الحدث، لأنّهم يريدون أن يقولوا أن المسيح هو شخص تاريخي. هذا يعني أن المسيح اتّخذ جسداً بشرياً حقيقياً، وأن التجسد لم يكن مجرّد مظهر خارجي أو خيال. وبالرغم من تاريخيته، يبقى هذا الحدث سرّاً. نحن نعرف أنّ الإله-الإنسان، الإله الكامل والإنسان الكامل، موجود، لكن ما يبقى سراً هو كيفية اتّحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في شخص الكلمة. إلى هذا، ما جرى لشخص المسيح، أي اتّحاد الطبيعة الإلهية أقنومياً بالطبيعة البشرية، جرى مرة واحدة فقط.
لماذا نهنئ بعضنا البعض بعبارة “وُلد المسيح!”
عندما نهتف: “وُلد المسيح!”، فهذا يعطي المعني نفسه كما لو كُنّا نهتف: “ولد الميسيّا” أو “ولد الملك!” أو “ولد المخلّص!”. بهذه التحية نحن نؤكّد ونشهد أمام بعضنا البعض بأنه قد أتى إلى العالم ذاك الذي ينبغي له أن يأتي من أجل خلاص البشر، ونحذر بأننا لم ننتظر أحداً آخر غيره. قد حضر ذاك الذي وعد به الله الآب أبوينا المطرودين من الفردوس، وذاك الذي تهجّست وتوقعت حضوره قبائل وشعوب الأمم وتنبّأ عنه أنبياء اليهود، وذاك الذي انتظرته البشرية العاجزة بتنهّد واشتياق على مدى آلاف السنين، الذي أشرق على الأرض كالشمس بعد ليلة مظلمة وطويلة. وهكذا فعندما نهتف: “ولد المسيح!” فإننا نشهد بأن العليّ قد وفى بوعده وبأن نبؤات الأنبياء وتوكّلات البشر قد تحققت وفي لحظة حلّ الفرح محلّ حزن قرون عديدة مضت.
ولد الميسيّا العجيب، وهو إله وإنسان في آن واحد، لتتعزّى به أنظار البشرية المنهكة ولن تعاين آخر غيره.
ولد الملك القوي، الذي يحمل عصا القوة وقنديل الرحمة في آن واحد، لينتعش السقماء العُجّز ويهتفوا قائلين: نحن أبناء الملكوت!
وُلد الفارس المنتصر، ليدافع عن الأبرار ويردّ الخطأة ويُسقط أرواح الهواء الشريرة.
ولد الدليل البصير، ليرشد التائهين ويقودهم.
ولد المنوّر المضيء، ليطرد الظلمة ولينوّر الذين أظلموا.
ولد الراعي الكثير العناية، لينقذ القطيع من الذئاب ويأتي به إلى حظيرته.
ولد المُغذّي الكريم، ليُشبع الجوعى ليس بخبزٍ أرضيٍ لكن بجسده الإلهي السماوي وبدمه المُلهب.
ولد محبّ البشر الوحيد، ليضمّ إلى صدره وليحيي بمحبّته أولئك اليتامى الذين تشرّدوا طويلا بين حفرة الحياة وحفرة الموت.
ولد الفاتح الأعظم، ليسحب الحجاب وليفتح للموتى باب الملكوت السماوي الخالد.
كل هذه المعاني موجودة في العبارة العجيبة التي يحيي المسيحيون بعضهم البعض بها في فترة الميلاد والتي أنا أيضاً أحييكم إخوتي بها وأقول: “ولد المسيح”.