عيد دخول السيد إلى الهيكل
كانت مريم العذراء بارة وتقية ومن سبط يهوذا ، خاضعة
كل الخضوع لشرائع بني جنسها ، فلما ولدت ابنها البكر {يسوع المسيح} أجرت عليه دون إبطاء كل ما تفرضه شريعة الكتاب المقدس في مثل هذه الحالة . فختنته في اليوم الثامن بعد الوضع وظلت لا تدخل الهيكل حتى بلغ أربعين يوما فحماته وتقدمت به إلى الهيكل وتريد ان تزيل نجاستها . ( لان الولادة كانت تنجس، في اعتقاد معظم الجماعات الدينية البدائية والشعوب القديمة .) أن تفتدي بكرها .
ولما كانت فقيرة الحال ، قربت للرب على يد الكاهن زوجي اليمام أو فرخي الحمام أحدهما محرقة والآخر ذبيحة . ، مع العلم أنها كانت قادرة أن تقدم حملا حوليا لأنها كانت الوالية على الذهب الذي قدمه المجوس لطفلها الالهي ولكن آثرت أن توزعه على الفقراء ولم تحتفظ به إلا بقليل منه لأجل السفر المنوي إلى مصر .
إذا تقدمة المسيح إلى الهيكل تمت وفقا لطقوس كتابية من الكتاب المقدس ( الخروج ، اللاويون ، العدد ، التثنية ) تعددت عبارات وصور التي تتكلم عن هذا الطقس : " لان كل بكر هو لي " " كل بكر في إسرائيل من الناس والبهائم انهم لي يكونون أنا الرب " (العدد3: 3 1و8 : 17) " قدس لي كل بكر ، كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس والبهائم انه لي " (خروج 13:2و12 ) . هكذا تؤيد النصوص الكتابية على تقديس الأبكار لله يوم ضرب الله أبكار مصر بالضربة العاشرة التي نزلت بهم قبل خروج الشعب العبري من مصر وكانت هذه الشريعة مرعية حين مجيء يسوع المسيح على الأرض .
إذا الرب يسوع خضع للناموس لسبب أعلنه بولس الرسول : " لما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس وننال التبني " ( غلاطية 4:4-5 ) .
إذا يسوع حرص على تتميم كل بر (متى 3-15) وصار " في كل شيء شبيها بأخواته لكي يكون في خدمة الله حبرا رحيما أمينا ليكفر خطايا الشعب " ( عبرانيين 2-17 ) وقد دفع الجزية مع أنها غير واجبة عليه ( متى 17 : 25-26 ) .
أما بعد المسيح أضحى تكريس الأبكار لا يختص فقد الأبكار بل كل الناس . فالمؤمنون جميعا مدعوون إلى أن " يقربوا أجسادهم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادة منهم عقلية " (رومية 12-1 ) . " وأما انتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب " (بطرس 1: 2-9 ) . هذا ما نصلي في القداس الالهي ان نقرّب بعضنا بعضا لله : " لنودع ذواتنا وبعضنا بعضا وكل حياتنا للمسيح الإله " .
كان التطهير عملا يهدف إلى تنقية الأجساد من الأدناس ، فكرة الدنس مرتبطة بمفهوم الخطيئة وهذا المفهوم تطور في تاريخ الإنسانية . فخطيئة آدم أدخلت الظلمة والفساد والموت الروحي والجسدي إلى الإنسان .
إلاّ أن سقوط آدم ما أزال من الطبيعة البشرية الميل إلى الخير فقط بل أدخل إلينا الميل إلى الشر والخطيئة . واصبح الإنسان مسرحا للتنازع بين الخير والشر . هنا يطرح سؤال على أنفسنا عل مريم العذراء بحاجة إلى التطهير ؟ لا . ففي بشارة الملاك لها حلا الروح القدس بها وظللتها قدرة العلي (لوقا 1-15) فحملت في أحشائها عمانوئيل الإله والإنسان . قد ولدته ولبثت عذراء فكانت الولادة معجزة . ولدته بدون مخاض وأوجاع . ولا يفرض الناموس على العذراء النقية أي لون من ألوان التطهير هذا النوع من التطهير قد سقط في المسيحية لان نجاسة هي نجاسة ا القلب .
" ليس الجسد هو الذي يخطأ من تلقاء نفسه إنما النفس بواسطة الجسد ، فالجسد أداة النفس " ( القديس كيرللس الاورشليمي ) { فالمريض } فينا هو " الروح وشهيته العقلية التي هي الإرادة . فالخطيئة هي داء للإرادة .
في رسائل بولس : الإصحاح السابع من رومية والإصحاح الخامس من غلاطية يكشف لنا عن سر الخطيئة والتطهر بدم المسيح الذي كان حاجة ضرورية للبشرية من أجل الفداء فما كان ممكنا لا بوسائل البشرية ولا بقداسة الإنسان الذاتي لهذا أحتاج الإنسان إلى تجسد ابن الله وموته على الصليب وقيامته .
بهذه النعمة يستطيع الإنسان ان يتغير من حالة الرذيلة والتجربة إلى حالة التوبة الحقيقية التي تنقي القلب . " لاشيء مكرهة لله كقلب غير تائب ، إنها الجريمة الوحيدة التي لا يستطيع نوال الصفح " ( القديس ايرونيموس ) . في التوبة الدائمة يصير تطهير الضمير لبلوغ طهارة القلب وبهذه وتيرة يصير الإنسان مشابها للمسيح ، هنا تكمن القداسة لان القداسة موجودة في حالة التوبة الدائمة التي تغير الإنسان للارتقاء في قداسة الحق .
تاريخية العيد: يعود هذا العيد إلى القرون الأولى للمسيحية (35.) وأول إشارة تذكر الاحتفال الليتورجي به موجودة في كتاب الرحالة إيثيريا ( رحلات الحج إلى الأماكن المقدسة ) إذ تخبرنا : " اليوم الأربعين بعد عيد الظهور يحتفل به في اورشليم بأبهة فخمة . وفي هذا اليوم ذاته يصير طواف في كنيسة القيامة … مثل يوم الفصح" لكن لم يكن هناك أي اسم خاص يطلق على هذا العيد إنما كان ذكرى تقدمة المسيح إلى الهيكل هذا ما عرفناه من خلال العظات التي كانت تتمحور حول النص الإنجيلي : ( لوقا 2: 22-4. ) إذ يتكلم عن تقدمة المسيح إلى الهيكل . وسبب تعلق كنيسة اورشليم بهذا الاحتفال الزائد إلى اعتباره ذكرى أول مجيء للمسيح المتجسد إلى اورشليم ، ومنها انطلقت فكرة العيد وعمم في كافة المدن والكنائس في الشرق والغرب . في القسطنطينية ثبته وتبنه وساهم في انتشاره الإمبراطور يوستنيانوس بالاتفاق مع البطريرك القسطنطينية . فهناك إشارة في سجلات المجمع المسكوني الخامس (553) تخبرنا بان " الإمبراطور أمر أن تعيّد الأرض كلها للقاء المخلص ، كما فعل يوستينوس بخصوص الميلاد " . كان يحتفل بالعيد في 14 شباط ولكن أعيد إلى 2 شباط لمرور أربعين يوما على ميلاد المخلص لان عيد الميلاد لم يكن ثابتا . وعيد اللقاء ( عيد دخول السيد إلى الهيكل ) مرتبط من حيث تاريخ الاحتفال به بعيد الميلاد وما زالت الكنيسة الأرمنية تعيد هذا العيد في 14 شباط . في القرن السادس أخذت الكنيسة الانطاكية تحتفل بالعيد اللقاء في 2 شباط وأيضا دخل إلى كنيسة روما في القرن السابع كما يتضح من نص ورد في " الكتاب الحبروي " وهو كتاب يتكلم عن سير وأخبار الباباوات الرومانيين فانه في كلامه عن البابا سرجيوس الأول (687- 7.1م ) الذي أمر بإنشاء صلوات وابتهالات وزيادة في إكرامه وأضاف إليه زياح ليتورجي. مع العلم ان هذا العيد كان معروفا في روما على عهد البابا غريغريوس الكبير (59. –
تحتفل كنيستي بهذا العيد أسبوع كاملا من 2 شباط إلى التاسع منه . وكتب له أباء الكنيسة نشائد وتراتيل كثيرة ما زلنا ننشدها حتى الآن منهم أسقف القسطنطينية اناطوليس ( القرن الخامس ) واندراوس الكريتي ( القرن السابع ) وقزما ويوحنا الدمشقي وغيرهم .
أخيرا : " لم تعد عبادة أسيرة المكان . ( المسيح ) هو الهيكل الجديد ونحن أيضا لأننا جسده نحن فيه وامتداد له وهو فينا . انتم هيكل الروح القدس وروح الله ساكن فيكم العبادة منذ ألان بالروح والحق تكون . العتيق قد مضى هو ذا كل شيء صار جديد ( بلقاء السيد ).