اسبيرو جبور
المحبة في اللاهوت والتحليل النفسي
(لمحات أخلاقية – روحية)
بمناسبة الـ 2000 لميلاد ربنا يسوع المسيح
الطبعة الثانية
مزيدة
2011
الذكرى الخامس والسبعون
لميلاد المطران اليكسي عبد الكريم (28-9- 1936 – 2011)
وذكرى الثانية عشرة لرقاده (7-7-1999، 7-7-2011)
في جو من قلق الارثوذكسي العام والتحذير من عواقب الوخيمة اصرَ المحاميان ألبير لحام واسبيرو جبور على ترشيح الأب اليكسي عبد الكريم لحمص. فوجئت البطريركيات في 7- 10 – 1969 بانتخاب الأب قسطنطين بابا ستيفانو مطرانا لبغداد والكويت والأب أليكسي لحمص، جنتت جميعا ،وادقعت برقيات تأييد وتهنئة على بطريرك الخالد ثيودوسيوس ابو رجيله.وهكذا اطمأنت البطريركية موسكو الى ان الكرسي الانطاكي جبل لا تهزه الرياح بفضل شبيبته الواعية والمناضلة.
وقد اثبت المغبوط المطران اليكسي انه جدير بثقة البطاركة فكان عزيزا على قلوبهم. وقد اعلمني – رحمه الله- ان المثلث الغبطة البطريرك اليكسي الاول الروسي واعوانه اجزله له انذاك التهاني اذا كان حينئذ في موسكو
23- 9 – 2011
عيد الشهيدة ريسا
اسبيرو
الإهداء إلى
روح زينة مطارنة الكرسي الأنطاكي عبر التاريخ المثلث الرحمات والطوبى أليكسي عبد الكريم
فقيد الكنيسة الأرثوذكسية جمعاء.
عربون
تقدير لشمائله الغُرّ من صبر ووفاء، من صمود ومحبة صافية، من غيرة على الكنيسة ووفاء صادق للبطريرك ثيوذوسيوس العظيم والياس معوّض الشهيد[1]
من أخلص خلّص محبّيه
اسبيرو جبّور
الذكرى الثلاثون لرسامته مطراناً
21/10/1999
وإلى
المتعبّدين الأوفياء دلال وفكتوريا وعدنان وأولغا عشّاق الله بصدق ونبل.
المقدمة
في ثورة تقرّر قال الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم: “بطّلتُ اكتبُ”. فهل يجوز لي أن أتقزّز لألف سبب وسبب وأقول مثله: “بطّلْتُ أكتبُ”؟ لا ثم لا. البون بيننا شاسع، وهو كاتب لأهل الدنيا وأنا أكتُبُ لاهوتاً. إذاً: عملي هو عمل الإنجيليين. احمل بشارة الإنجيل الى الناس[2]. واعلم أن الرب يسوع أعْلًمً رسله الأطهار بما سيعترضهم من عقبات كأداء. فهل يكون حطي من بني زمني أفضل من حظّهم؟ لا. لذلك سأستمرّ مثلهم في الاستشهاد حتى تأتي الساعة.
أرى أنّ المرحلة القادمة هي مرحلة الكراسات على مستوى عامة الشعب إيماناً منّي بأنّ فيه قديسين وأتقياء. صحبٌ في اللاذقية يعلمون احترامي لسقّاء قديس اسمه خليل. صحبٌ في حمص يعلمون احترامي لآذنة مدرسة الأطفال نعيمة التي شفاها الرب يسوع مرّتين من سرطان الدم. وهكذا دواليك. هؤلاء البسطاء هم قدّيسو الله العليّ. طفل اسمه فادي في الثانية عشرة من عمره رقد بسبب سرطان الدماغ. صبَرَ صبْرَ أيوب بإيمان القديسين. زرتُه في مشفى مار جرجس في بيروت قبل رقاده، فكان وجهه ذا لمعة، ولدينا أطفال عديدون يسطع الروح القدس في وجوههم. هؤلاء الذين لا يعيرهم الناس انتباههم في الحقيقة سكّان قلبي. لا تخدعني مظاهر الناس ومناصبهم وأموالهم، لا تجلب لبّي الفصاحة، ولا المال، والجاه، والمنصب، والجمال، بل القداسة، فأنا محامٍ منذ 2/10/1947، إذاً: لا يخدعني الكلام بل أحني رأسي للأعمال، لا يسحرني مجلّد ضخم في “المحة” بل لهفة على المنكوبين، وحميّة في إسعاف الواقعين، ونخوة في نجدة المصابين، ودمعة حارّة على جراح المجروحين.
في أحد أيام العام 1971 أو 1972، كنتُ في الطريق الى حلب وفي السيارة جلا دين من احد المذاهب. أحدهما تفاصح وتفاصح وتفاصح… أُغمِيَ على الثاني واستفرغ، فهبَبتُ إلى نجدته، وانتهرتُ السائق على تقصيره، أما الكسيح الفصيح فلم يبالِ بأمرِ زميله. ولمّا عدنا إلى السيارة سألني عن اسمي وعملي فقلتُ له: المحامي اسبيرو جبور… وقلب الصفحة لفصاحة بارعة من نوع آخر.
لذلك سأتبارك اليوم بمعالجة جراح الناس بدون فصاحة فارغة وتزويق كلام مُبْهم. الأعمال أولاً واخيراً. نحن قوم قوّالون نقّادون بدون خير يُرتجى. المحبة هي تفتّت الأحشاء على ألدّ الأعداء، عملاً لا قولاً. اعرف كيف يتململ الناس من غيرة سواهم عليهم. في إحدى المرات كنت أخدم أحدهم فنقَ عليّ. ينقلب غالباً المحسَن إليه إلى شرّ الأعداء. قد تكون أحياناً الخناجر المغروزة في ظهرك وصدرك خناجر بشر أحسنت إليهم. صلَب اليهود يسوع مخلّصهم وشافيهم. هل نهمل إنساناً طعنا؟ لا. ولكن قد يكون حقده وحسده، وغيرته، ولؤمه، حواجز تمنعني من خدمته مباشرةً فألجأ الى الوسطاء أو إلى الصلاة الحارة من أجله. مهما انحدر الإنسان الى الجحيم يبقى غزيزاً على قلبنا لأنه قبر المسيح، قد يقوم يوماً، رحم الله والدي، في العشرينات وفي مناسبتين نصح صديقه النافذ و.س. “أخدم أعداءك”. محبة الأعداء بكل طهارة القلب هي المعيار وإلاّ كان مسكناً للشيطان.
لن أتوسع في التحليل النفسي لأهواء الإنسان. سأكون عملياً لأكون مفيداً للأمّهات والآباء في تنشئة أولادهم وفق الأصول المسيحية الصحيحة. فالتعقيد النفسي يعوق النمو الروحي. سيغموند فروويد أبدى ملاحظة قيّمة: “الخادمة طبيعية” بينما “بنت البيت” معقّدة. الرقيّ الحضاري والروحي يكبت أهواءنا ورغباتنا ليُفرَض علينا سلوك فوق الطبيعي. وقد لا ينجح معظم الناس إلا نسبياً في ارتقاء سلّم الصعود، فينجح كثيرون ويفشل كثيرون. في فرنسا ينتحر 12000 نسمة سنوياً، ويخطر فكر الانتحار على قوم عديد سواهم. نصف الفرنسيين مصابٌ – لسباب نفسية – بالحسّاسية والشقيقة ووجع الظهر. ويستفحل استعمال المهدّئات وفيها ما فيها من الضرر. وتعمّ “النرفزة” والضيّق النفسي والكآبة. الحضارة تسحق العاجزين عن الائتلاف معها. العلاج الأنجع والأسهل هو رحابة الصدر بشابة وصبر، “فتنفيس دواليب” الغضب والحسّاسية. الصريح الصادق الواضح الرحب الصدر لا يتحسّس مجروحاً. فالمطلوب إذاً هو الترقّي لا التسكّع أو الفشل. أسأل الله أن يجعل مهمّتي ناجحة لمجد اسمه القدّوس[3].
الفصل الأول
الجنين
يتوهّم كثيرون أنّ مفهوم تربية الجنين هو بلا أساس. العلم أثبت أنّ الجنين شخص. ولذلك تنشط الأبحاث حول العناية به وتربيته. وهذا يعني العناية بالأمّ. فأحوالها النفسية تنعكس على جنينها فوراً كما أثبتنا ذلك في كتابنا” فرد أمْ إنسان؟”، فيجب تجنيبها أسباب الغمّ والفهمن أسباب القلق والاضطراب، يجب أنْ يُحسن الزوج والأهل معاملته دون تدليل يجعلها مائعة. يجب دعم شخصها بالمشجّعات والمفرحات. يجب إقصاء المنازعات الزوجية والعائلية فيتعلّم أهل الزوج حسن معاملة الكنّة لتحبّهم هي أيضاً.
الجوع إلى الحنان طبيعي في الأشهر الأولى للحبل. تجب مراعاة الزوج لتنال منه ما تشاء بدون ميوعة. أعصابها بحاجة إلى الراحة لا الى الضغط. الطبيب المختص يُقرّر نوعية حاجاتها الجسدية من طعام ولباس وسواهما…
وهناك خطر من نوع ىخر هو رقّة المزاج الحسّاس. أنذرتُ 3 حبالى بخطر ذلك على الولادة ممّا يحوجهنّ الى ولادة قيصرية، حذّرتُ رابعة من ذلك وقوّيتُ شخصتها فانتعشت، وصارت تتدرّج في المتانة. وتجاوب الزوج مع ملاحظاتي، فكان الحبل ناجحاً.
وهناك التغذية، فالألبان ضرورية جداً. والمراجعات الطبية خبز جوهري لمراقبة دقيقة لأحوال الجنين وأمه. ينسى الأهل والأطباء أن يُفهموا الحبالى أنّ الولادة أمر طبيعي لا يستدعي الخوف أبداً في عهد المشافي الراقية. خافت زوجة طبيب فشرحتُ لها الأمر وأوصيتُها أنْ تدع الطلق يجري طبيعياً، فيولد الطفل بسهولة. وإن وقع عسر ما فالأطباء يشرفون على الولادات. وذكّرَها زوجها بكلامي، فكانت الولادة- والحمد لله- “شربة ماء”، في بلادنا أخبار السوء السوداء والتشاؤم تسبق أخبار السرور. تشغلنا أخبار مصائب الناس للشماتة. ولا تسترعي انتباهنا أ×بار نجاح أمور الغير. نعقّد الأمور لئلاّ تُحَلّ. نعترض بالقانون لنعطّل مصالح البشر زوراً وبهتاناً. نستقبل أصحاب المصالح بالوجوه الكالحة لنخبط مصالحهم المشروعة لأغراض متنوّعة لا تحصى. لسنا أصفياء القلوب. كيف يستقبل الناس الحبل والولادة؟ مبدئياً يستقبلونهما بالفرح والغبطة. ولكن بعض العتيقين العقيمين روحياً أو نفسياً قد يتشاءمون: حبل غير مرغوب فيه، أو رغم موانع الحبل، أو جنس المولود من ذكر أو أنثى….
كل ذلك يعقّد الأم أو مولودها أو الاثنين معاً، قد يتأثّر المولود نفسياً أو عقلياً فيحتاج الى ال