من صعد إلى السماء وهو حي
إيليا أو المسيح !؟
العبارة اليونانية للصعود هي " analipsis" . تستعمل هذه الكلمة للاشارة الى صعود ( يسوع المسيح ) الاله – الانسان الى السماء حيث يجلس مع الله الآب . لقد كان دائما مشاركا في العرش مع ابيه لكن الآن يشارك متجسدا.
الى جانب كلمة " صعود" يستعمل الكتاب المقدس كلمة " ارتفاع "anodos . الفرق بين الصعود والارتفاع يشير الى السر في الحدث. نستعمل الفعل " صعد للاشارة الى الالوهة، وفعلي " رتفع " و "اتخذ" للاشارة الى الطبيعة البشرية والجسد البشري . لهذا في بعض الاحيان اخرى "صعد"، حتى نؤمن بان المسيح هو اله وانسان في شخص واحد . هذه الكلمات المختلفة تشير الى سر الاله – الانسان ( القديس ذياذوخوس فوتيكي) .
اذا المسيح هو اول من صعد الى السماء بالجسد الذي اتخذ من العذراء وهو الوحيد في ذلك. هذا ما أكده لنا المسيح نفسه في قوله :"وليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء، ابن الانسان الذي هو في السماء " ( يوحنا 3: 13) . عبارة " ليس احد " لا تترك اي شك، لانها تخرج من فم السيد الصادق. لذا يبدو تأكيد المسيح بان احدا غيره لم يصعد الى السماء وكأنه يتضارب مع الكتاب المقدس الذي يذكر ان النبي ايليا ايضا صعد الى السماء.
يذكر الكتاب المقدس حول صعود ايليا النبي :" اذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد ايليا في العاصفة وكأنه الى السماء" ( 2 ملوك 2: 11) .
اما عن صعود المسيح فيقول :"ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء ، وجلس عن يمين الله." ( مرقس 16: 19) . نجد هنا لان في حالة النبي ايليا عبارة " وكأنه الى السماء " بينما في حالة المسيح فيستعمل عبارة "الى السماء" . في اشارة آباء الكنيسة الى هذا الفرق يقولون ان الامر ليس مجرد عبارات مختلفة بل هو موضوع اختلاف لاهوتي . عبارة "وكأنه" تحمل معنى الشك ، بينما " الى السماء" تحمل الحقيقة ( القديس ابيفانيوس). لذلك ليس نفسه وصعود المسيح الى السماء لا يترك اي شك لان الجملة صريحة .
اذا بحسب آباء الكنيسة، بالرغم من ان النبي ايليا اُخذ بجسده لكنه لم يصعد الى السماء حيث الله بل الى فضاء اخر . بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم ايليا موجود الآن في الفردوس الارضي الذي منه سقط آدم بسبب عصيانه وتمرده على وصية الله.
يقول القديس نيلَس انه في الاثير الذي هو اعلى من الهواء ولكن تحت السماوات . يظهر القديس غريغوريوس بالاماس بتمييزه اللاهوتي اكثر تحليلا ويقدم امتدادات لهذا الحدث. فهو يقول بما انه يوجد قيامات كثيرة قبل المسيح كذلك يوجد صعودات كثيرة.
يقول العهد القديم ان روحا اخذت النبي ارمياء الى فوق ،وملاك اخذ اباقوم ،ولكن الاهم هو ان النبي ايليا رفع في مركبة نارية. كل صعودات كانت نوعا من الانتقال ، اي انتقال رفعهم نوعا ما عن الارض لكنه لم ينقلهما الى السماء. بتعبير اخر، لم يمر احد منهم فوق جو الارض . على المثال عينه، كل الذين ارتفعوا عادوا الى الارض ،ماتوا مجددا بعد قليل من
عوددتهم . المسيح قام وتخلص من قوة الشيطان ، وكونه صعد الى السماء، كل ارتفاع هو دونه من حيث الارتفاع .اذا ان صعود النبي ايليا على مركبة نارية كان بمثابة تغيير مكاني ، نوعا من الموت، لذا ان احدا لم يصعد الى السماء الا المسيح .
في التقليد الشعبي يقول الناس إن ايليا حيّ لم يمت ! أولاً ليست عقيدة إيمانيّة أن نؤمن أنه مات أو لم يمت. هذه تقاليد وأحاديث ولا يستطيع أحد أن يؤكد أو ينفي على الإطلاق. وايليا ليس أحسن من يسوع المسيح الذي مات وقبر وقام. وليس أحسن من موسى وحزقيال وأشعيا وإرميـا…
فالمسيح وحده حيٌّ وهو جالس عن يمين الآب يشفع فينا جميعـًا. وليس ايليا ولا أي واحد من القديسين بمنزلة يسوع المسيح.
ايليا النبي مات مثل غيره ونحن ربما نقول إِنه حيّ نسبة إلى ترداده لهذه العبارة: «حيّ الربّ الذي أنا واقف أمامه ». فالربّ رفع إليه ايليا في العاصفة (2 ملوك 2/1) أي علاّه. والعاصفة هي حضور الله الدائم والقويّ. وإذا كنا لا نعرف أين دفن، فهذا لا يعني أنه لم يمت! فنحن أيضا لا نعرف أين هو قبر موسى أو أشعيا أو حزقيال ! قوّة ايليا جعلته مهيوبـًا من الشعب … فهو نبيّ قويّ لا يهاب العظماء، وفي الوقت ذاته نبيّ عاش حياة حميمة مع الله. نبيّ لا يخاف ونبيّ زاهد متنسّك. نبيٌّ يجمع في شخصه نقيضين. نبي كالنار وكالعاصفة في الوقت ذاته، كنور الصباح وكالنسمة الخفيفة.
فالمركبة والخيل الناريّة ترمز إلى حضور الله القويّ وإلى جبروته وقدرته. لم يصعد ايليا إلى هذه المركبة الناريّة، إنّما المركبة الناريّة (أي حضورالله) هي التي فصلت بين ايليا وإليشاع. فأخذ الأوّل (ايليا) الذي مات، بينما وتُرك الثاني (إليشاع) حيّـًا على الأرض إلى أن توفاه الله بعد سنوات.
ينتهي العهد القديم بسفر ملاخي النبيّ. وينتهي أيضاً سفر ملاخي بمقطع يتحدّث فيه عن ايليا فيقول: « هاءنذا أرسل إليكم ايليا النبيّ قبل أن يأتي يوم الربّ العظيم الرهيب، فيردّ قلوب الآباء إلى البنين وقلوب البنين إلى آبائهم ». (ملاخي 3/23-24). ولكنّ يسوع المسيح يقول لنا في الإنجيل إن ايليا قد عاد بشخص يوحنا المعمدان: « فإن شئتم أن تفهموا، فيوحنا هو ايليا المنتظر رجوعه » (متى 11/14). وسأله تلاميذه: لماذا يقول الكتبة إنه يجب أن يأتي ايليا أولاً؟ فأجابهم: ايليا قد أتى ولكنّهم لم يعرفوه بل صنعوا به كلّ ما أرادوا. ففهم التلاميذ أنه قد كلّمهم عن يوحنا المعمدان. (متى 17/10–13؛ مرقس 9/11).
فإذا كان المسيح قد مات، وقبله موسى، وقبله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن ثم كافة الأنبياء، فالموت قد عمَّ جميع الناس (رومية5: 12) والموت سيعمّ مستقبلاً الجنس البشري بكامله. مات ايليا في العاصفة… ونحن نكرّمه كأعظم الأنبياء وككبار الأبرار والقدّيسين.