زكا الصغير …انطونيوس الكبير
الاحد 17 كانون الثاني 2010
الانجيل الخامس عشر من لوقا
انجيل زكا العشار
لوقا (19: 1-10)
في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز في أريحا إذا برجل اسمه زكا كان رئيساً على العشارين وكان غنياً. وكان يلتمس أن يرى يسوع من هو فلم يكن يستطيع من الجمع لأنّه كان قصير القامة. فتقدم مسرعاً وصعد إلى جمَّيزةٍ لينظُرَه لأنّه كان مزمِعاً أن يجتاز بها. فلمّا انتهى يسوع إلى الموضع رفع طرفه فرآه فقال له يا زكا انزل فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحاً. فلمّا رأى الجميعُ ذلك تذمروا قائلين انّه دخل ليحُلَّ عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال ليسوع هاءنذا يا رب أُعطي المساكين نصف أموالي. وإن كنت قد غبنت أحداً في شيءٍ أردُّ أربعة أضعافٍ. فقال له يسوع اليوم قد حصل الخلاصُ لهذا البيت لأنه هو أيضاً ابن إبراهيم* لأنّ ابن البشر إنما أتى ليطلب ويُخلِّص ما قد هلك.
العظة
ايها الاحباء:هذا النص الذي تلي عليكم الآن من انجيل لوقا جاء في سياق صعود المسيح الى اورشليم ليموت هناك حيث اخذ التلاميذ على انفراد وقال لهم انه سيموت ويقوم في اليوم الثالث ، وعلى الطريق ستحدث امور منها شفاء الاعمى وارتداد زكا العشار.
وحين اقترب يسوع من اريحا ناداه الاعمى ياابن داود ارحمني ، فرحمه وشفاه ،ثم انضم الاعمى الذي رأى الى مرافقي يسوع ، واخذ الشعب يسبح الله وانتشر الخبر في كل اريحا فوصل الخبر الى رئيس العشارين زكا .
اسم زكا يعني الطاهر والنقي ، هنا نتعجب كيف ان يكون هذا العشار والسارق نقيا وهو خاطئ بفعل وظيفته : اذ يسرق الناس ويعطي من حصيلته المسروقة قسما للحاكم الروماني ، اذا هو خائن لربه لوصاياه وخائن تجاه الشعب ، هذا الاسم لا يليق به .
فاصبح زكا معزولا عن باقي الشعب وانغلق على ذاته ، اذ ترفض الجماعة التعامل معه، ممنوع عليه الدخول الى الهيكل او المجمع ، من مهنته صار غنيا وفي نفس الوقت حصل على مصائبه.
بعد هذه المقدمة عن زكا نعود الى النص ، كان زكا رجلا واسع الحيلة والمعرفة ، لم يكن اي شيء يمكن ان يسيء الى مركزه ، لذلك ركض وصعد الى الشجرة مثل الاولاد الصغار ، لكي يرى يسوع الذي كان يجتاز من هناك ، كان يشتهي ان يرى المسيح اي الله.
كان زكا عاشق ان يرى المسيح وبسبب هذا العشق الالهي رفعه عن الارض كأنه اصبح على سحابة ، لا يرى الا المسيح وعندما رأى الرب اذداد فرحا .
لقد مس المسيح قلبه فاصبح انسانا اخر من عشار الى غيور من ملحد الى مؤمن من مذنب الى خروف معد للذبح. هذا الشوق جعل زكا يوزع ماله واعطى الذين اظلمهم اربعة اضعاف كل هذا جاء نتيجة رؤيته للمسيح . اذا رؤية المسيح وحدها قادته الى هذا الفعل، المسيح لم يعطيعه اي تعليم او اية عجيبة ، فقد شوقه وعشقه للمسيح
هنا بادر يسوع واتى الى زكا العشار المعلق على الشجرة وطلب بيتا يتناول فيه طعاما مثل واعظا متجولا . قال له انزل سريعا ينبغي ان امكث ( لاحظوا) ولم يقل اريد ان امكث بل ينبغي ، هذا تعبير عن حنان ومحبة المسيح لزكا.
هذه المرة الاولى والوحيدة عرض المسيح نفسه للضيافة ، اذ لم يسأل زكا هل له بيت وهل احواله موافقة للقبول الضيف ، لانه عرف كل احواله وعواطف قلبه ، اختار يسوع بيت زكا اذ راى في قلبه استعداد للترحيب به واستعداد زكا للتوبة والتغيير الحقيقي.
لذلك نزل زكا سريعا بدون تردد ولم يقول لست مستحقا بل عجل ونزل واستقبل يسوع بفرح وهذه علامة الخلاص
ووصل شكل الى ذروة اذ لم يقررالمسيح فقط ان يأكل في بين زكا انما اراد ان يقيم عنده بعض الوقت.
انتم تعرفون بانه كان اتهام اليهود للمسيح انه يأكل مع الخطأة فكم بالاحرى انه يقيم في بيت خاطئ في بيت عشار لذلك تذمر اليهود وتشكك الجميع . اما جواب المسيح لهم بطريقة غير مباشرة اذ يقول بمعنى: استريح واقيم حيث يوجد ايمان ، اذهب حيث المحبة. انا عارف بما سوف يقوم به هذا الرجل الخاطئ سوف يعطي امواله للفقراء ، الى مثل هؤلاء الناس انزل ضيفا وانا شاكر ومسرور.
لذا قدم زكا دليلا واضحا وقويا ورائعا عما فعلته زيارة المسيح له، وذلك باعلانه اعطاء نصف امواله للمساكين واربعة اضعاف كتعويض لكل واحد سبق ووشى به.
هذا يدل على توبة زكا العلنية والحقيقية وعن تحويله من قلب قاس الى قلب بسيط محب. وايضا عمل زكا كان اكثر مما هو ضروري تفرضه الشريعة .اذ لا يقضي القانون باكثر من المبلغ الاصلي مضافا اليه خمسه( لاويين 6-5)(عدد 5- 7) لهذا وافق زكا فرحا ان يفعل اكثر مما هو ضروري.
ايضا زكا اكد امام الجميع بان يسوع لم يخطئ حين اختار بيت رجل لم يكن قلبه شرير كما يظن الناس . عرف زكا ان المحبة وحدها تمحو اثار الاهتمام بالمال وانة العدالة وحدها تمحو اثار الظلم.
لهذا قال المسيح لزكا لقد حصل الخلاص لهذا البيت ، لان زكا آمان بالمسيح والايمان بدء الخلاص . ايمان زكا جعله ابنا لابراهيم.
ايها الاحباء كما تعرفون اننا اليوم، الكنيسة تعيَد لقديس بار كبير وهو القديس انطونيوس الكبير ، هذا القديس ولد في مصر من عائلة غنية مشهورة وحكيمة ومتميزة بفضائلها وبايمانها الكبير بالمسيح.
هناك نقاط كثيرة وترابط كبير بين زكا وانطونيوس،كليهما عشقا المسيح، وفرحا بالمسيح،كانوا اغنياء اصبحوا فقراء بالمادة، اغنياء بالروح والايمان بيسوع ، كليهما وزعا اموالهما على المساكين والفقراء، كلهيما تبعا المسيح ، ان زكا صار اسقفا على قيصرية فلسطين وانطونيوس صار ابا روحيا من الطراز الرفيع وابا للرهبان ، كليهما نفذ الوصايا التي اوصى بها الرب يسوع ، كليهما كانا من اصحاب الارادة القوية في اتخاذ القرار المناسب دون تردد او شك فيما يختص بخلاص انفسهما.
اذ اتخذ قديسنا انطونيوس واختار الانجيل ليكون هو معلمه والكنيسة هي مدرسته الحقيقية ، وجاء هذا القرار والاختيار جوابا على سؤال ابيه اذ سأله اي مدرس تفضله ان يكون معلمك الخاص.
كان قلب انطونيوس يشتعل بحب المسيح وكنيسته ، وراح يبني احلامه عليها . بعد موت ابويه وكان عمره 18 عاما اهتم بالبيت وباخته الصغيرة ، وبينما كان ذاهبا كعادته الى الكنيسة وصدف ان قرئ الانجيل فسمع قول الرب للغني ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع ما تملكه وزع ثمنه على الفقراء ليكون لك كنزا في السماء وتعال اتبعني .
وعندما دخل الكنيسة ثانية وسمع الانجيل يقول لا يهمكم امر الغد ( متى6- 24) لم يحتمل البقاء فخرج ووزع الباقي من امواله على الفقراء واودع اخته في رعاية سيدة مسيحية قديسة . فذهب الى البرية وتنسك فكان اول من ذهب الى الصحراء وعاش فيها ، فاصبح مشهورا بالقداسة والحكمة وبالسيرة الملائكية . حتى الاباطرة والفلاسفة والعلماء اخذوا براي هذا الناسك الراهب المتواضع .
ان سر نجاح القديس انطونيوس هو تعلقه بالمسيح ، آمن به وتبعه بدون تردد ، احبه حبا كبيرا وتفاخر بانه يحب الله ويفرح به ، حتى بلغ الى الذروة ، حيث قال انا لا اخاف الله لاني احبه .
لذلك يا احبائي : اذا اردتم ان تجدوا المسيح وان تكونوا مع المسيح الحبيب والحلو وان تكونوا فرحين دائما ما عليكم الا ان تجاهدوا وتحفظوا وصايا الرب وتذوقها. انتم اذا حفظتم الوصايا ستجدون المسيح الذي اوصى بحفظ الوصايا. اذا المسيح موجود في وصاياه.
اسمعوا هذا القول: قيل ان احد القديسين طلب من الله ان يعاين او يرى كل الاباء ، فراهم ما عدا أبا انطونيوس فسأل اين انطونيوس فأجابه حيث الله هناك انطونيوس ، بهذه القداسة وبهذه الطهارة صار انطونيوس موجودا بالله وفي الله. ايها الاحباء : تصادقوا وعيشوا مع القديسين ربَوا اولادكم علموَهم كيف يعيشون الايمان والمحبة والفرح والسلام من خلال تكلمكم مع اولادكم حول حياة القديسين ونضالهم في سبيل ان يحيوا مع المسيح وان يحفظوا وصاياه لان من حفظ الوصايا تأتي الفضائل .
اخيرا : تريد الكنيسة منا في هذا العيد الذي نقيمه لاجل تذكار قديسنا العظيم انطونيوس الكبير، ان نكون جميعا قديسين ونكرم الهنا. تريد الكنيسة من ابنائها كلهم ان يستحقوا الوصول الى السماء عبر شفاعة القديسين، كما وصل القديس انطونيوس الى السماء
لذلك اقتربوا الى الله فيقترب اليكم ( يعقوب8- 4) نعمة صلوات القديس انطونيوس وبركة هذا العيد تحل عليكم اجمعين . امين