الروح بهيئة حمامة
من أقول القديس يوحنا الذهبي الفم عن عيد الظهور الإلهي
لماذا ظهر الروح القدس بشكل حمامة؟ الحمامة حيوان أليفٌ طاهر. وبما أن الروح القدس هو روح وداعةٍ، لذلك تراءى بشكل حمامة. ومن ناحية أخرى، هذا يذكرنا بقصةٍ تاريخيةً قديمة، عندما غمر الطوفان كل المسكونة، وكاد الجنس البشري أن يفنى، كانت الحمامة الطائر الذي بيَّن بوضوح نهاية الغضب الإلهي، حاملة في منقارها غصن زيتون، كخبرٍ مفرح يعلن السلام العام. كل ذلك كان رسماً لما سيحدث لاحقاً. كانت حالة الناس أبشع بكثير من حالتهم الحاضرة، وكانوا يستحقون عقاباً أكبر. فلكي لا تيأس أنت الآن، يذكِّرك هنا بتلك الحادثة القديمة: حين كان الرجاء مفقوداً، وُجد حلٌّ وإصلاحٌ. كان الطوفان في ذلك الوقت تأديباً، وأما الآن فقد جاء الحل عن طريق النعمة والعطية الجزيلة. لذلك ظهرت الحمامة، لا تحمل غصن زيتون، ولكنها تشير إلى الذي سيخلص من كلِّ الشدائد، وتبسط أمامنا رجواتٍ صالحة؛ لأنها لا تُخرج إنساناً من الفلك، بل تقود بظهوره المسكونة كلها إلى السماء. لا تحمل غصن زيتون بل البنوَّة للبشر كلهم.
الآن، وقد أدركت قيمة العطية، لا تحسب أن قيمة الروح ناقصةٌ، بسبب ظهوره بشكل حمامة. أسمع البعض يقول إنه كما يختلف الإنسان عن الحمامة كذلك يختلف المسيح عن الروح؛ إذ ظهر المسيح بصورة طبيعتنا الإنسانية، بينما ظهر الروح القدس بصورة حمامة. فبم نجيب عن كل ذلك؟ إن ابن الله اتَّخذ طبيعة الإنسان، بينما الروح القدس لم يأخذ طبيعة الحمامة. لذلك لم يقل الإنجيلي إن الروح ظهر ‘بطبيعة حمامة’ بل قال ‘بشكل حمامة‘. ولم يظهر الروح بعد ذلك بهذا الشكل، الحقيقةُ شيءٌ والتدبير شيءٌ، التنازل شيءٌ، والظهور العابر شيءٌ آخر.
معمودية الروح القدس
‘فقال لهم هل أخذتم الروح القدس لما آمنتم فقالوا له: لا بل ما سمعنا أنه يوجد روحٌ قدسٌ* قال: فبأية معمودية اعتمدتم فقالوا: بمعمودية يوحنا* فقال بولس إن يوحنا عمَّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع* فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع ووضع بولس يديه عليهم فحلَّ الروح القدس عليهم’ (نص رسالة اليوم). كل من يجهل الروح القدس يجهل يسوع المسيح. كان يوحنا يعلِّم أن المسيا ينبغي أن يأتي ‘توبوا فقد اقترب ملكوت السموات’. ثم يعمِّد كل من التزم حياة توبة في سبيل تهيئة نفسه لاقتبال المسيا الآتي. يقول :’الآن وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار. أنا أعمدكم بماء التوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني…هو يعمدكم بالروح القدس والنار’ (مت10:3-11) بهذه الأقوال يبيِّن المعمدان أن الأمر يتطلَّب فقط استعداداً حسناً، أي توبة واعترافاً وإيماناً، وليس بالضرورة أتعاباً وأعراقاً. وبعد أن أظهر الفارق الشاسع بينه وبين المسيح بدأ يذكِّر قلة أهمية معموديته نسبة إلى معمودية المسيح وأنه لا يمكن أن يقدِّم لهم سوى الإرشاد إلى التوبة والاعتراف. لم يقل ‘بماء الغفران’ بل قال ‘بماء التوبة’. وعن معمودية المسيح قال ‘سيعمدكم بالروح القدس’ يقصد غنى النعمة أي: مغفرة الخطايا، رفع اللعنة، الصلاح، التقديس، الخلاص، التبني، الأخوة. هذا كله تتضمنه مواهب الروح القدس الغزيرة. لم يقل سيعطيكم الروح بل قال سيعمدكم (سيغطسكم) بالروح القدس ونار مما يكشف عن قوة النعمة. من المحتمل أن تلاميذ يوحنا جاءوا إلى أفسس من منطقة لم تصل إليها الكرازة بالمسيح. كان يوحنا يكرز بمعمودية التوبة(أع24:13). لم يقل بولس لهم إن معمودية يوحنا ليست بشيء بل قال إنها لا تكفي وليست كاملة. فقال: معمودية يوحنا هي معمودية التوبة وليست معمودية غفران الخطايا، مرشداً إياهم إلى مقام أسمى، وموضحاً أن معمودية يوحنا لم تكن تمنح غفران الخطايا لأن الغفران الكامل يأتي من المعمودية باسم الرب يسوع والروح القدس.