شرح وتفسير رسالة عيد الميلاد
(غلاطية 4: 4 – 7)
( 4: 4 ) : يا اخوة لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس
" ملءالزمان " يعني انتهاء زمان الإنسان ، زمان الخطيئة والشقاء والعنة ومجيء ايام الله ، ايام ابن الإنسان ( لوقا 17: 26 ) التي هي ايام الخلاص والبر والمصالحة والحياة الجديدة التي لا تمت إلى هذا الزمان .
الرسول بولس يعتبر نفسه انه عاش نهاية الزمن اذ في ايامه ولد المسيا والمخلص أي عاصر نهاية الدهر وبآن واحد شاهد ملء الزمان ، اذ شاهد الرب يسوع من السماء المسيح لما ابتدأ بخدمته اعلن جهارا انه قد ( انتهى الزمان ) زمان الإنسان وملك الشيطان وعبث الخطيئة والشقاء . " وبعدما اسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقتراب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالانجيل " ( مرقس 1: 14-15 ) .
" أرسل ابنه " أي ان يسوع المسيح كان موجودا سابقا عللا ارساله اذ يرى الرسول بولس في ان ابن الله وجودا في الله في تكوين طبيعته وجوهره .
" ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا : لليهود عثرة ، ولليونانيين جهالة واما للمدعوين يهودا ويونانيين ، فالمسيح قوة الله وحكمة الله " ( كورنثوس 23-24 ) . كما يرى الرسول ان المسيح كان مرافقا لشعب اسرائيل في الإيمان بالوجود السابق للمسيح يلازم فكر يوحنا اللاهوتي : " في بدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله . هذا كان في البدء عند الله . " ( يوحنا 1: 1-2 ) .
" مولودا من امراة " عندما يصف الرسول المسيح بانه ( مولودا من امراة ) فان الاشارة هنا إلى بشريته الكاملة كما إلى لاهوته اكثر مما تشير إلى ميلاد العذراوي برغم بانها تتضمن هذا المعنى . وهذه العبارة المشار اليها ترتبط بما جاء في تكوين (3: 15 ) “ واضع عداوة بينك وبين المراة وبين نسلك ونسلها “ . أيضا نجد هنا ( نسل امراة ) الوعد الذي سوف يسحق رأس الحية .وايضا يصف بولس الرسول كيفية تجسد ابن الله والوعد في تحقيقيه الوارد في اشعياء الذي يتعلق بمولد عمانوئيل كما نتذكر النبي ارميا الذي اعطنا فكرة كيف يتدخل الله في ميلاد مختاريه من امراة : " قبلما صوّرتك في البطن غرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك " ( ارميا 1-5 ) .
" مولودا تحت الناموس " ، بكونه من امراة فهو مولود بالتالي تحت الناموس هذه اشارة إلى ان ميلاده كان من الجنس اليهودي وهذا دليل إلى مكانته كانسان وبالنسبة إلى بولس كل انسان هو تحت ناموس بشكل ما . إلا ان المسيح بقي تحت الناموس ولكن دون سيادة الناموس عليه اذ لم يعمل خطيئة قط والناموس قد جعل وتسيّد فقط على التعديات . فبقي تحت الناموس ولكن ليس تحت الخطيئة فارتفع فوق الناموس ليرفع الذين له فوق الناموس هذا ما حصل عند ساعة الصلب إذا المسيح احتوى في مسرته لعنة الناموس مخاطبا الآب " ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت " ( متى 26-39) وبهذا اكمل فداء الذين تحت الناموس والذين بلا ناموس لان فداء المسيح اتسع بقدر محبته ومحبته اتسعت لتحوي " ليس خطايا العالم فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضا "
( يوحنا 1: 2-2 ) . [/ ( 4: 5 " ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني "
تعني كلمة ( ليفتدي ) انه اشترى لحسابه واحتكر الذين اشتراهم لنفسه غير ان الثمن المدفوع كان هو تقديم نفسه وجسده ذبيحية على الصليب ليوفي الدين الذي اشتراهم . بذلك اصبحنا ابناء الله بصليب المسيح ، وهكذا صارت خشبة العار هي العلامة المميزة لاولاد الله .
إذا الاساس التبني هو الفداء هناك علاقة وثيقة بين " ليقتدي " و " لننال " الأولى هي أساس الثانية . غير ان الله احبنا قبل ان يفدينا وهذا الحب لم يهدأ ولم يسترح حتى وهبنا التبني بالصليب : " لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية " ( يوحنا: 3-16 ) . فالفداء الذي اتمه الابن كان لتحضيرنا لنحصل على التبني من الآب من هنا كانت مشيئة الآب ملحة لكي يكمل لنا الابن عملية الفداء التي نتجت عنها اتحادنا بالابن " انتم فيّ وأنا فيكم " ( يوحنا 14 – 2. ) .
( 4: 6 ) : " وبما أنكم ابناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا : يا ابّا الآب"
اول عمل لروح التبني هو ان نصرخ بالصوت العالي في قلوبنا مخاطبا الله الآب بلساننا يا ابّا الآب . فالكلمة "أرسل " تستخدم لدلالة على عمل في ارسال الروح القدس وان هذا الروح هو روح ابنه وليس هذا خلط بين اقنومي الثالوث لكنه هو علامة الوثيقة التي نجدها في الكتاب . فالروح القدس كان وعد لابن بالاضافة إلى انه وعد الآب وبالروح القدس يحيا المسيح في قلوبنا . هذا ما يجعلنا نتأكد من بنويتنا لله ولتعميق العلاقة بين الآب وبيننا . والرسول بولس لا يفرق بين ان ( يصرخ روح ابنه في قلويكم ياابّا الآب ) وان نصرخ بروح التبني يا ابّا الآب لان في كلتا الحالتين الروح هو الصارخ بافواهنا .
في هذه الآية توضح اننا صرنا ابناء في المسيح باتحادنا بالمسيح كخليقة جديدة بالقيامة من الاموات وبسبب الاتحاد في المسيح في ذات القيامة صرنا ابناء الله . نحن نعلم ان الآب هو الذي يرسل الروح القدس اينما وحينما بشاء فكوننا صرنا ابناء الله بالقيامة من الاموات كان من الطبيغي ان يرسل " روح ابنه " فاول عمل للروح التبني ان نصرخ مخاطبين الله الآب بلساننا يا ابّا الآب . وهكذا يعلن روح الابن في قلوبنا في حال التبني كحقيقة معاشة .
" صارخا " تفيد في معنى البشارة الحاملة الفرح التحرر من الناموس الذي كان يوحي بالحرية ولكن حالة التبني اعلى حالات الحرية ،فتحرير العبد شيء وحصوله على حقوق التبني شيء آخر .
التبني هو فوق كل الهبات ففيه يرون الابناء الله أبا حيث العلاقة ترتفع إلى علاقة الشخصية هذه المعرفة الذاتية أنها من خصائص الابن ( يسوع ) وحده إلا ان المسيح وهبنا هذا الشيء الخاص به من الدخول إلى الله ولكن من خلاله هو . " وليس احد يعرف الابن إلا الآب ولا احد يعرف الآب إلا الابن ومن اراد الابن ان يعلن له " ( متى11: 26 – 27 ) . إذا معرفة يسوع للآب هي من خصائص الطبيعة الإلهية ولكن معرفتنا للآب التي وهبنا اياها الابن هي على مستوى الاعلان من خلاله هو .
(4: 7 ) : " إذا انت لست بعد عبدا بل ابنا وان كنت ابنا فوارث لله بالمسيح . "
هنا في هذه الآية يخاطب بولس الرسول اليهود المسيحيين الذين تزعجهم بعض الافكار التي تبثها بعض الجماعات الدينية اليهودية اذ تحرضهم على الرجوع إلى الناموس . بولس يوقظ إحساسهم بالنقلة التي فازوا بها في عملية الفداء التي دفعت اليهم مجانا بينما كانوا قبلا في العبودية . لذا هنا يتوجه إلى كل افراد الجماعة اذ يقول بولس لهم : " لست عبدا بل ابنا " يعني انه ابن الله ليس بالطبيعة انما بالتبني . اذ فبمقدر تكريم ومحبة الله لنا من خلال عمله الخلاصي يعطينا الله الآب الميراث ، وهذا الميراث هو ميراث الله . إذا كنا اولاد الله فنحن ورثته " ووارثون مع المسيح " ( رومية 7-18 ) أي نحن لا نصير ابناء الله ولا ورثة ميراثه إلا من خلال ابنه يسوع المسيح . لذا نحن لسنا عبيدا بل ابناء فالابن يرث من ابيه هذا يجعلنا ان نثق ونفتخر في بنوتنا لله وهكذا تم وعد الله اذ رفع عنا كل عبودية وبذلك اصبحنا ابناء له وبالتالي ورثة لله .
ما زال يقول لنا بولس الرسول : انه ليس بالناموس ننال الموعد وبالتالي الخلاص الحقيقي متوقف ليس على العمل بالناموس بل بالعكس برفع الناموس لان الناموس خلق لنا عبودية ، فبرفع الناموس أعطى الله لابنائه الموعد البركة لابراهيم ولنسله وهي التبني لله ويكون هذا التبني بالمسيح الذي انهى الناموس وبالتالي فنحن من نسل ابراهيم وورثة الموعد ( غلاطية 3: 29 ) . " لتصير بركة ابراهيم للامم في المسيح يسوع لننال بالايمان موعد الروح " ( غلاطية 3 : 13