القسم الثالث من القداس الالهي
( قسم المؤمنين )
(3)
مجموعة من الطلبات، التي تسبق الكلام الجوهري0
بعد الانتهاء من وضع القرابين على المائدة المقدسة يبدأ الكاهن بتلاوة سلسلة من الطلبات التي تسبق الكلام الجوهري . هذه الطلبات قسمين، القسم الأول يجيب الشعب " يارب ارحم"، إذ يطلب الكاهن من اجل القرابين المكرمة والمكرسة
"من أجل هذه القرابين المكرّمة المقدمة الى الرب نطلب "،
" من أجل نجاتنا من كلّ ضيق وغضب وخطر وشدة الى الرب نطلب "
القسم الثاني فيجيب الشعب:" استجب يارب "، ويسأل الكاهن ان يجعل نهارنا بلا خطيئة 0
"أن يكون نهارنا كله كاملاً مقدساً سلامياً وبلا خطيئة من الرب نسأل"
" ملاك سلام مرشداً أميناً حافظاً لنفوسنا وأجسادنا من الرب نسأل "
" مسامحة خطايا و غفران زلاتنا من الرب نسأل "
غضب الله يظهر بطريقتي: من خلال النخلي عن المتكبر في أعدائه لكي يقتني حسا بضعفه الطبيعي، أيضا غضب الله هو انقطاع منح المواهب الإلهية 0 ان تكبر الإنسان يجلب غضب الله، ولكن الله بغضبه يربي الإنسان ويقود المتكبر الى الخدر والتواضع 0
يشدد الذهبي الفم على أننا لا نحصل من الله على ما نطلب لأننا نطلب حجرا وليس خبز الحياة، لتكن طلبتك كلها روحية وستمنح كل شيء دون خوف0 في القداس الإلهي تطلب من الله الخبز السماوي أي المسيح هذا هو الواحد والوحيد والأوحد الذي يوافقنا 0
"أن نُتمِّمَ بقيَّةَ زمانِ حياتِنا بسلامٍ وتوبةٍ، الربَّ نسأل": أيضا نسأل ان يمنحنا زمان التوبة لكي نمضي بقية حياتنا بالسلام وان نحيا حياتنا مسيحية حقة لكي يكون وقوفنا أمام دينونة المسيح وقوفا لا عيب فيه، لذا فالأشخاص الذين تابوا فان الموت لا يشكل دخولا الى الظلام والخوف، بل هو باب حيث الختن، الباب المؤدي الى الحياة الجديدة 0 يكتب القديس اغناطيوس الانطاكي في رسالته الى أهل رومية بينما هو متجه الى الاستشهاد يقول: " ساعة ولادته قريبة لا تعيقوني ان أعيش، دعوني آخذ نور نقيا، حالما اصل الى هناك قرب الله سأغدو إنسانا 0
قصة: ( كيف يواجه القديسون الموت ) سكن الأنبا مخائيل الجيورجي، الذي لما حان وقت خروجه من هذا العالم، دعا تلميذه وقال له: احضر لي لأغسل يدي وأتناول 0 وعندما تناول، قال له:" يا بنيّ أنت تعرف ان هذا الموضع خطر وسريع الانحدار للنزول الى القبر إذا ما توفينا فوق 0 ستتعرّض أنت لخطر كبير عندما ستحملني للدفن 0 فلننزل الآن خطوة خطوة 0 بمساعدتك 0فنزل الشيخ مع تلميذه ثم فبله قائلا:" سلام يا بنيّ صلي لأجلي "0 وتمدد في القبر ورحل الى الرب بكل فرح واغتباط 0
أفشين التقدمة
بعد نهاية الطلبات هناك صلاة ( أفشين ) صغيرة تسمى "صلاة التقدمة " (أيها الرب الإله الضابط الكل القدوس وحده. المتقبل ذبيحة التسبيح من الذين يدعونك من كلّ قلوبهم. تقبّل منّا نحن الخطأة طلبتنا وقدمها إلى مذبحك المقدس. واجعلنا كُفئاً لأن نقدم لك قرابين وذبائح روحانية من أجل خطايانا وجهالات الشعب وأهلنا أن نجد نعمة أمامك لتكون ذبيحتنا حسنة القبول لديك. ويحلّ روح نعمتك الصالح علينا وعلى هذه القرابين الموضوعة وعلى كل شعبك ) 0
فيه يتوسل الكاهن الى الرب ان يؤهله لتقديم القرابين المقدسة، لأجل خطاياه وجهالات الشعب، اذا القداس الإلهي يقدم الى الله من اجل خطايا الكاهن وكل ما فعله الشعب عن الجهل.كلنا خطأة،لكن بينما يخطئ الشعب الى الله عن جهل،لايجوز للكاهنان يفعل هكذا.أدنى خطايا الكاهن كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم هي عظيمة.الكاهن مرتبط بالجسد والشهوات.يقدم القرابين الروحية عن نفسه وعن الشعب الجاهل.المسيح هو الوحيد المنزه عن الخطايا لذلك يجثو الكاهن امام رئيس الكهنة يسوع ويتوسل اليه ان يحل روحه الكلي قدسه على قلوب المؤمنين حتى تصير الذبيحة مقبولة لديه.
قبلة السلام (المحبة )
بعد انتهاء الطلبات يقف الكاهن في الباب الملوكي ويعلن: " السلام لجميعكم "(لمرة الثانية في القداس الالهي)
وهذا يعني ان يطلب للمؤمنين السلام أي المصالحة مع الله والمسلمة بعضهم لبعض وللجميع كي يستطيعوا ان يشتركوا اشتركا فعليا في ذبيحة الرب وان يتناولوا القرابين الإلهية، فيجيب المؤمنون:" ولروحك "، طالبين للكاهن هذا السلام الذي يحتاج إليه بنوع خاص لأنه خادم الأسرار والصلة بين الله والشعب فيعلن الكاهن عندئذ:" لنحب بعضنا بعضا لكي بعزم واحد نعترف مقرين " فيجيب المؤمنون:" بآب وابن وروح قدس ثالوث متساوي الجوهر وغير منفصل " 0
وفي هذه الأثناء كان المؤمنون قديماً يقبلون بعضهم بعضاً للتعبير عن محبتهم المتبادلة وذلك عملاً بتوصية الرسول بولس"سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة"( رو16: 16).
كان الاسقف يصافح الشعب ويقول :"نعمة الرب مع جميعكم" . الكهنة يقبلوا الاسقف ،الشعب يصافح بعضهم بعضا الرجال يصافحون الرجال والنساء يصافحون النساء،ويقل كل للاخر :"المسيح في وسطنا"،ويجيب الاخر:"الآن،وهكذا يبقى حالا بيننا". .هذا ما جاء في قانون الرسل الثامن من قوانين الرسل وكما موجود في مجمع اللاذقية.وكما جاء ايضا في الدسقولية، ان الشماس في لحظة التقبيل ، ينادي بصوت عال :"ان كان لاحد شيء على الاخر؟ وكأنه يقدم تحذيرا اخيرا،حتى متى وجد شيء بين اثنين يقوم الاسقف بمصالحتهما.اشار يوسينوس الشهيد الى القبلة الليتورجية كاعداد للافخارستيا وخاتمة للصلوات السابقة لتقديس القداس (القرن الثاني). وكان ايضا بعد المعمودية كان الاسقف يقبل المميرن حديثا قبلة سلامية قائلاله:"ليكن الله معك" كما كانت كل الجماعة من كهنة وعلمانيين تقبل الاسقف قبلة سلامية بعد رسامته ليرأس بعد ذلك القداس الالهي للمرة الاولى،علامة "شركة الروح القدس" التي تحمل "شركة الكنيسة"كنتيجة طبيعية وعلامة خارجية لهذه الشركة.
اذا القبلة السلامية ليست عملا ليتورجيا يتبع في القداس الالهي فحسب اذ كانت جزءا لايتجزأ من الليتورجيا المسيحية عموما.بهذه القبلة يؤكد الحاضرون انهم يودون ان يكونوا بالفعل "عائلة واحدة".وبها ايضا يعلن لمن يقدم قربانا ان يصطلح مع اخيه اولا.
يقول القديس كيرللس الاورشليمي:"لا تظن ان هذه القبلة كتلك التي اعتاد الاصدقاء على ممارستها في الاجتماعات .هي ليست من هذا الصنف.انما هذه توحد النفوس معا وتزيل كل حقد ..هي علامة اتحاد النفوس معا."و " بهذه القبلة يصبغون نوعا من الوحدة والحب فيما بينهم،فانه لا يليق بمن يمثلون جسدا واحدا في الكنيسة ان يكره احدهم أخا له في الايمان".
أما الآن فالكهنة وحدهم يقومون بهذا العمل في الهيكل قائلين:" المسيح معنا وفيما بيننا كان وكائن ويكون"، معلنين هكذا أن المسيح يسوع يوحّد المؤمنين حسب قول الإنجيل (أن يسوع سيموت ليجمع في الوحدة أبناء الله المتفرقين ) (يو11: 51-52 ).هذه التحية التي ترافق المعانقة الاخوية غنية بمعانيها:"المسيح فيما بيننا" من خلال لقائنا معا باسمعه كما من خلال التفاتتنا المحبة الى بعضنا البعض ليس فقط اثناء القداس ولكن ايضا في الحياة اليومية.وانه"كائن وسيكون"هذا يعني ان نتيجة المحبة التي نحتفل بها ونغتذي منها لن تكون الا استمرا المسيح معنا ،نحن الكنيسة، لاننا لا نريد ان نجتمع الا باسمه. والبرهان لحضوره الدائم فيما بيننا لن يكون الا بالمحبة .
لقد احتلت هذه القبلة السلامية(ليتورجية)مكانة رفيعة لانها لم تكن بالنسبة الى المسيحين الاوائل مجرد رمز للمحبة ولا حتى تذكيرا بها،بل كانت عملا ليتورجيا ( اسراريا)وعلامة مرئية وطقسا بكل معنى الكلمة،تنسكبمنه المحبة الالهية في قلوب الجميع.
اذا كانت القبلة المقدسة من اولى الاعمال التي يؤديها المؤمنون قديما في القداس المؤمنين والواقع ان هذه القبلة لم تكن ايذانا ببدأ القداس الالهي بقدر ما كانت شرطا يجعل من الممكن الشروع في هذا العمل الاسراري المقدس في سر العهد الجديد وسر ملكوت محبة المسيح.اذ لا يمكن ان نقيم ذكرى المسيح والاتحاد بجسده ودمه والتوق الى الملكوت الالهي وحياة الدهر الاتي ما لم نلبس حلة المحبة هذه. اذ هي الشرط الاساسي للمشاركة في الاحتفال الافخارستي.
يبقى ان نشير الى ان الاقباط والنساطرة والايثوبيون والارمن ابقوا على هذه الممارسة( تقبيل المؤمنين بعضهم البعض) لم يتأثروا بالشكل البيزنطي الذي جاء في وقت متأخر وهي اليوم اقرب ما تكون الى الشكل القديم لهذا الطقس في ذلك الوقت .
اذا فنحن بسبب من محبة المسيح الموجودة فينا وبشكل طبيعي لا تقدر الا ان نحب هذا " الغريب " الذي يقف بقربنا، نحبه دون ان ننظر اليه ولا نرى عيوبه، ألم يوصينا الرب بالمحبة: " وصية أعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي " وبأن " تحبوا أعداءكم " هذه الدعوى ان نحب بعضنا البعض اذ نحن نستعد للمناولة، وهي دينونة لنا ان تجرأنا على التقدم الى المناولة ولا نحب أخانا فهو مجرم بحق جسد ودم الرب 0 إذا عبر تبادل القبلة المقدسة نعلن للعالم محبتنا وأننا فعلا واحد هو جسد المسيح زان المسيح معنا وفيما بيننا 0 وأيضا تعبر على ان النفوس اتحدت معا وأنها أقصت كل ذكر للسوء، بالقبلة المقدسة نعبر عن تماهي الكل مع الكل وقبل كل شيء كل واحد مع نفسه ومع الله، يؤكد الذهبي الفم على تماهي الكل بالمحبة التي تبني وتجمع الكل وتجعل تجانسا بينهم 0
الأمر الثاني المهم هو ارتباط محبتنا لبعضنا بإعلان وإقرار إيماننا بالثالوث القدوس ، ان الشرط الأساسي للفكر الواحد هو المحبة التي هي على صورة محبة يسوع لنا وأيضا المحبة شرط أساسي لاشتراكنا بالذبيحة كذلك إيماننا المشترك الواحد بالثالوث هو شرط أساسي لهذه الشركة ولذلك وضع هذا الإعلان :" لكي نعترف بعزم واحد مقرين 000 "
إذا الإيمان المشترك الواحد هو الركيزة الأساسية للمناولة المشتركة 0 المناولة المشتركة مع الآخرين هي تتويج لعملية الإيمان وليست وسيلة الى الوحدة، إذا كنا في المناولة نصير واحد في المسيح يجب ان يكون فهمنا وإيماننا بهذا المسيح واحد مشتركا 0