( الفصح )
مقدمة :
قلَّما تكون في مجلس مسيحي، بل وغير مسيحي أحيانا، ولا تثار فيه مشكلة الأعياد، فتسمع فيه من الأسئلة أشكالاً وألوانا: لماذا يعيِّد الكاثوليكُ والأرثوذكس الميلادَ معا، لماذا في هذه السنة الكبيس 2008 لا يعيِّد جميعُ المسيحيين الفصحَ معا، والفرق بين العيدين خمسة وثلاثون يوما، وفي سنةٍ كبيسٍ أخرى 2004 قد عيَّدوا معا؟ لماذا في السنة الماضية 2007 غير الكبيس عيَّدوا كلهم معا، وفي السنة القادمة 2009 غير الكبيس أيضا لن يعيِّدوا معا، وقد يسألك جارك أو صديقك، أو زميلك في العمل: أنت متى تعَيِّد حتى نأتي لمعايدتك؟ على الحساب "الغربي" او "الشرقي"؟ غدًا او بعد أسبوع، او بعد شهر؟.
لذا تعتبر جذور اختلاف الأعياد المسيحية بين الكنائس الغربية والشرقية تاريخية وشديدة التعقيد، وتعود أسبابها إلى التقويم الذي يعتمده كل منها حيث يصل الفارق بين التقويمين إلى 13 يوماً.
وبدأت جذور الاختلاف مع انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى روما الغربية من جهة وبيزنطة الشرقية من جهة ثانية، حيث اتبعت الكنائس التي دارت في فلك البابوية بروما التقويم الغربي وتعرف بالكاثوليكية مع وجود مذاهب لا تتبع البابوية لكنها تعتمد التقويم ذاته.( الاصلاحية ).
أما الكنائس الشرقية فهي ثلاثة أقسام يضم الأول منها الكنيسة اليونانية والكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، ويضم الثاني الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، بينما يشمل القسم الثالث السريانية والأرمنية والأشورية والكلدانية، ويتبع بعض هذه الكنائس التقويم الغربي كذلك. ( الروم الكاثوليك )
ونتيجة لذلك الخلاف اتفقت الكنيستان الشرقية والغربية على توحيد العيد ( عيد الميلاد) بالموعد الذي اعتمدته الكنيسة الغربية، على أن يتم اعتماد التقويم الشرقي بأعياد الفصح في الربيع.
غير أن الكنيسة الغربية لم تف بالتزامها باعتماد التقويم الشرقي لأعياد الفصح بعد أن ربحت إقرار الكنيسة الشرقية بموعدها لعيد الميلاد.
نتيجة ذلك انقسمت الكنائس الشرقية بين ملتزم بالتحديد الجديد للميلاد يوم 25 ديسمبر/كانون الأول مثل الكنيسة اليونانية والأرثوذكسية الأنطاكية، فيما تراجعت بقية الكنائس الروسية والأرمنية والأشورية والكلدانية والسريانية عن التزامها وعادت لاعتماد التاريخ السابق لعيد الميلاد يوم 6 ديسمبر/كانون الأول.
الا ان الكنسية الشرقية والغربية حددت موعد عيد الفصح استنادا الى التقويم القمري والتقويم الشمسي ؟ !
ماهو ( حساب )التقويم القمري والشمسي .؟
مقدمة:
لقد أجمعت القبائل والأمم والشعوب، على اتّخاذ حركات الفَلَك مقياسًا للزمن، فقد "صنع الله الكواكب والنيّرَين العظيمين: الشمسَ لحكم النهار، والقمر لحكم الليل" (تكوين 1: 16)، "صنع القمرَ للأوقات، والشمس عرفت غروبها" (مزمور 104/103: 19) اذا للقمر والشمس أهمية مميّزة في علاقتهما بكوكبنا الأرضي، فكان لكل منهما الدور الكبير في نشأة مقياس الزمن، وفقا للحساب القمري او الشمسي.
الحساب (التقويم) القمري:
يعتمد القمرَ وحركته مقياسا للزمن. فالشهر القمري هو المدة التي يستغرقها القمر، لإتمام دورة كاملة حول الأرض، وهي 29 يوما ونصف اليوم تقريبًا (29 يوما + 12ساعة + 44 دقيقة = 29,37 )، والسنة القمرية هي 12 شهرا قمريا، أي 354 يوما، اي 11 يوما أقل من سنتنا الشمسية العادية. وهذا الحساب القمري يتبعه المسلمون، ويسمى حينئذ الحساب او التقويم الهجري؛ كما يتبعه اليهود، ويسمّى حينئذ الحساب او التقويم العبري. أما المسيحيون فيتبعونه جزئيا، اي فقط في ما يتعلّق بالفصح وما اليه، كالصوم الأربعيني والصعود والعنصرة. وفي ما سوى ذلك، فهم يتبعون الحساب او التقويم الشمسي، الذي به تؤرَّ خ السنين الميلادية.
والفرق بين التقويمين الهجري والعبري هو أن الأول لا يرتبط إطلاقَا بفصول السنة، ، بل تتوالى فيه الشهور القمرية الاثنا عشر، متعاقبة، بشهر من 30 يوما وآخر من 29 . وإذا انقضت سنة قمرية، تبدأ بعدها للحال سنة قمرية جديدة، تقصُر، كما قدّمنا، 11 يوما عن السنة الشمسية. وعن هذا ينتج : (1) ان تاريخا قمريا بعينه (كعيد الفطر او الأضحى مثلا) يتقدم كل سنة 11 يوما عن موعده في السنة السابقة الشمسية، متدرجا بالتعاقب من الصيف الى الربيع فالشتاء فالخريف. (2) ان عيدا معيَّنًا من السنة القمرية يمكن أن يقع مرتين
اما التقويم العبري فيتدارك تراكم الفروقات عن السنة الشمسية، بإضافة شهر عل سنته كل ثلاث سنوات. وهذا الشهر الإضافي يدعى "آذار الثاني"‘ ويأتي بين "آذار" و "نيسان" في التقويم الشمسي، فالاسمان في التقويمين، وإن تقارب زمنهما عموما، قلما يتطابقان بالتمام على وجه الإجمال). وبهذه الطريقة يبقى الحساب العبري والأعياد اليهودية مرتبطة الى حد كبير بفصول السنة، تتقدم او تتأخر بمدة لا تتخطّى الشهر الواحد بالنسبة الى السنة الشمسية، لتعود فتلتقي سَيْر الفصول.
الحساب (التقويم) الشمسي :
وهو المتداوَل اليوم عالميا، ويسمّى أيضا "الميلادي"، وقد يطلقون عليه اسم "المدني". هذا الحساب يعتمد الشمس مقياسا للزمن. فالسنة الشمسية هي المدة التي تستغرقها الأرض، لإكمال دورة تامة حول الشمس، من نقطة معيَّنة من مسار الأرض حول الشمس، حتى العودة الى تلك النقطة. والمتعارَف عليه أن تلك النقطة هي نقطة "الاعتدال الربيعي" (21 آذار). وهذه الدورة، اي السنة الشمسية، تستغرق 365 يوما و+- ربع اليوم، أي 5 ساعات و 48 دقيقة و(+-)46 ثانية.
ماهو الحساب اليولي " الشرقي" ؟ :
في زمن يوليوس قيصر (101-44 ق.م.)، كان الإصلاح الكبير (45 ق.م.)، إذ أمر يوليوس أن يزاد على كل سنة ست ساعات، ومن هذه الزيادة يتألف كل أربع سنوات يوم كامل يضاف الى آخر شباط، ويكون لشباط في تلك السنة 29 يوما بدل 28 ، وتسمّى تلك السنة حينئذ "كبيسا" (اي انها تُكبَس، إذ يضاف عليها يوم). فهذا إذن هو الحساب المعروف ب"اليولي" (نسبة الى يوليوس قيصر)، والمسمّى أيضا ب"الشرقي"، لأنه المتّبَع لدى أغلب الكنائس الشرقية. وهو يَعتبر السنة مؤلفة من 365 يوما و6 ساعات. فهو يزيد عن السنة الحقيقية الفلكية ب +11 دقيقة و 14 ثانية. ومن هذه الزيادة يتألف كل مئة عام + 18 ساعة و35 دقيقة، وفي كل ألف سنة يصل الفرق الى 7 أيام و17 ساعة و50 دقيقة.
ماهو الحساب الغريغوري ("الغربي")؟ :
ففي سنة 1582 كان الفرق بين السنة الفلكية الحقيقية والحساب اليولي او "الشرقي" قد بلغ 10 أيام. فأصلح البابا غريغوريوس الثالث عشر هذا الخطأ، فأمر ان يُنتَقَل من يوم الخميس 4/10/1582 (اليولي) الى الجمعة 15/10/1582 (الغريغوري)، وأن يداوَم على إضافة يوم كامل كل أربع سنوات.
فأصبح الفرق اليوم بين الحسابين 13 يوما، بعد أن كان 10 فقط سنة 1582. – وبرغم هذا الإصلاح الغريغوري، فقد تبين انه لا يزال فرق بنحو 34 ثانية كل عام ما بين السنة الفلكية والسنة الغريغورية، بحيث يتألف من مجموع تلك الثواني يوم كامل كل 3500 سنة ! – هذا الحساب الغريغوري اتّبعته أولا الكنيسة الكاثوليكية الغربية، ثم جميع كنائس الإصلاح بالتوالي، ومنذ نحو مئة عام أخذت بعض الكنائس الأرثذكسية تتبعه تدريجيا، ولكن للأعياد الثابتة فقط، لا لحساب الفصح وما اليه، حيث بقيت على الحساب اليولي.
مسألة تعييد الفصح
كان من الواجب ان يقام عيد الفصح اليهودي ( الناموسي ) في الخامس عشر من نيسان وهو الشهر القمري العبري المتميز عن شهر نيسان المتبع حاليا في التقويم المدني . شهر نيسان العبري يعق بين آذار ونيسان من تقويمنا الحالي المدني .
كانت ايام الشهر القمري عند اليهود وعند المسلميم وعند المسيحيين " ليتورجيا حتى في التقويم الشمسي ( المدني ) يبدأ من غروب الشمس الى غربها في اليوم التالي .
اذا الخامس عشر من نيسان القمري يبدأ من مساء ايوم الساق اي الربابع عشر مساء ، لذا مساء الرابع عشر اقام المسيح العشاء الاخير والفصح اليهودي ( وفق الطقوس اليهودية ، لذلك كان المسيح يهوديا يتبع في العبادات العامة طريقة بني قومه( دخوله الى الهيكمل .. والمجمع .. يحضر الطقوس والاحتفالات ويسترك في تلاوة الاسفار المقدسة والصلوات … ) وكان الرسل ايضا من يهود ، فكان من الطبيعي ان يتبعوا خطى معلمهم وتقاليد شعبهم ، لذلك نراهم بعد الصعود يلازمون الهيكل .
لا نتعجب بان نقول او نصف الكنيسة الاولى في اورشليم انها حافظت على طابع اليهودي لفترة محددة ، وهكذا نرى ان الكنيسة منذ مطلع نشؤها يتنازعها تياران :
التيار الاول : مسيحيون من اصل يهودي حافظوا على تقديس يوم السبت والختان .
التيار الثاني: مسيحيون من اصل اممي وثني رفضوا الخضوع للشريعة القدمية . وحلت الامور من خلال المجمع الاورشليمي .
كيف نشأة المشكلة
عرفنا ان الفصح اليهودي الناموسي يقع في الخامس عشر ويبدأ مساء الرابع عشر من نيسان ، لكن ارابع عشر من نيسان لا يقع كل سنة في نفس اليوم الاسبوعي نفسه ، ( نحن نعرف ان الاحد ارتبط بذكرى القيامة منذ القرن الثاني الميلادي او اواخر القرن الاول الميلادي ) .
بعد خراب الهيكل ، بعض الكنائس المسيحية لا تتقيد في الرابع عشر من نيسان ، بل كانت تحتفل بالفصح في اقرب احد اليه بذكرى القيامة مثل كنيسة روما . اما في اسيا وكيليكيا وسوريا الشمالية وبلاد النهرين وانطاكية كانت تتمسك بـ الرابع عشر من نيسان في اي يوم يقع وتعيد الفصح .
صار قي مجموعة من المسيحيين او جالية مسيحية كبيرة من بلاد اسيا الصغرى من اصحاب التعلق بـ الرابع عشر من نيسان ، في روما هؤلاء حاقظوا على تقليدهم بالنسبة للفصح ان يعيدوا مع اليهود في اي يوم من الاسبوع ، بينما المسيحين من اهالي روما يعيدون الفصح في يوم الاحد ، لذلك حدث تشويش وبلبلة في كنيسة روما من جراء هذا الامر ، فجرت محاولات تقريب بين الطرفين ولم تنجح .
من اشهر المحاولات هي التي قام بها القديس بوليكربوس اسقف ازمير سنة 154 وهوتلميذ يوحنا الانجيلي مع بابا روما لم تؤدي الى نتجية ايجابية او سلبية بقيت معلقة حتى مجمع نيقية 325م .
بعد 300 سنة من الاضطرابات والقلق اثبت مجمع نيقية قانونا لم نزل نسير عليه اليوم وهو : ان عيد الفصح يقع في الاحد الاول الذي يلي القمر بدرا الواقع في 21 آذار او بعده مباشرة . يعني بعد اول اكتمال للقمر يعني ان يصبح القمر بدرا بعد اعتدال الربيع ( بلوغ الشمس منتصف السماء ، حيث يتساوى الليل والنهار ) .
المشكله هنا :
اعتدال الربيع في التقويم الغربي هو 21 آذار .
اعتدال الربيع في التقويم الشرقي هو 3 نيسان .
في هذين التاريخين يصير القمر بدرا والسؤال متى نعيد نحن الشرقيون الفصح ؟! .
الجواب :
1- اذا صار القمر بدرا بين 21آذار و3 نيسان : العيد يبتعد بين الشرق والغرب ، لان الشرقيون ينتظرون بدرا اخر لتحديد فصحهم.
2-اذا صار القمر بدرا بعد 3 نيسان ، العيد اقترب او تطابقا .
معهم الحق الكاثوليك انهم يطبقون القاعدة النيقية ، اي بعد اعتدال الربيع وبعد اكتمال القمر ، ولكن يصادف عيد الفصح آنذاك قبل الفصح اليهودي وهذا مخاالف لكتاب المقدس. فكيف يحتفلون بفصح المسيحي قبل الفصح اليهودي .( مثل هذه السنة ، الفصح الغربي 27 اذار الفصح اليهودي 26 نيسان والفصح الشرقي 27 نيسان )
اذا الفصح الشرقي يفترض وقوعه شرطين :
الاول : تطبيق القاعدة النيقية
الثاني : وقوعه بعد الفصح اليهودي ويكون حتى بعد يوم واحد او اسبوع .
اذا الفرق بين الفصح الغربي والشرقي قد يطول او يقصر او يتطابقان. يبتعد الفصح الشرقي عن الغربي اذا كان هناك شهر ثالث عشر في التقويم العبري ويدعى آذار الثاني وهو ياتي كل ثلاث سنوات .
ملاحظات
1 – الفصح الغربي يقع دائما بين 22آذار و23 نيسان
2 – الفصح الشرقي يقع دائما بين 4 نيسان و 8 أيار
3 – ان التقويم الغربي( يولي المصحح،غريغوري، المدني.) بدأ في مدنية روما عام 1582 على يد البابا غريغوريوس . اما التقويم الشرقي هو ايضا بدأ من مدينة روما على يد يوليوس قيصر سنة ( 45 ق. م ). لذلك التقويم الغربي غربي ، والتقويم الشرقي غربي ايضا .
4 – الفرق بين التقويم الشرقي ( اليولياني ) والتقويم الغربي الغريوري( اليولي المعدل)من ناحية الشهر الشمسي 13 يوما . ومن الناحية الاخرى الفرق بين التقويمين من ناحية الشهر القمري 4 ايام .
5 – اختار اليهود القمر بدرا في الرابع عشر نيسان القمري العبري ، لانه يأمن الضوء للمسافرين ليلا الى حضور العيد وايضا لانه قي 16 نيسان كانوا يقدمون للرب بواكير الشعير سنبلا ( قمحا) . هذا يعني الربيع قد اتى والفصح قد بدأ وحان موعده . هكذا كان فصح اليهود يشترك في توقيته القمر والشمس ، الشمس لتعين بدء الربيع عند نضج الشعير والقمر لتأمين الضوء لليلة البدر .
خاتمة : بعد هذا العرض السريع والموجز لمسألة عيد الفصح نقول : لقد قبلت الكنيسة في الغرب التقويم الغريغوري الجديد في حين ان الكنسية في الشرق استمرت على اتباع التقويم اليولباني القديم ، والفرق بينهما 13 يوما( التقويم الشمسي) و 4 اربعة ايام ( التقويم القمري ) وسيبقى هكذا حتى سنة 2100.
المسيح قام … يا فرحي حقا قام