ميلاد المسيح
للقديس غريغوريوس اللاهوتي.
اسمان للاحتفال: ثيئوفانيا والميلاد:
أما اليوم، فالإحتفال هو بالظهور الإلهي أي الميلاد. هذا الإحتفال الواحد يطلق عليه اسمان لأن الله ظهر للبشر بواسطة الميلاد. الكلمة هو كائن أبدي من الكائن الأبدي فوق كل عِلة وكلمة (لأنه لا توجد كلمة قبل اللوغوس) صار جسدًا لأجلنا لكي ـ كما منحنا الوجود ـ يعطيينا أيضًا الوجود الأفضل الذي سقطنا منه بسبب شرورنا أو بالحري لكي يعيدنا إليه بتجسده. هكذا أطلق اسم “ثيئوفانيا” إشارة إلى هذا الظهور، وكذلك أيضًا أُطلق اسم الميلاد إشارة إلى مولده.
لماذا نحتفل بهذا العيد؟:
بالنسبة لنا هذا هو مفهوم الاحتفال، وهذا هو ما نحتفل به اليوم: نُعيد لسكنى الله بين البشر الذي يرفعنا لنسكن بجوار الله، أو بالحري لنرجع إليه، لكي بخلعنا الإنسان العتيق، نلبس الإنسان الجديد. وكما متنا في آدم، هكذا يمكننا أن نحيا في المسيح، إذ نولد معه، ونُصلب معه ونُدفن معه لكي نقوم بقيامته. لأنه ينبغي أن نتغير التغيير الحسن الصالح. فكما أن الأمور الحسنة (الحالة الفردوسية الأولى) تبعتها الأمور التعسة (حالة السقوط)، هكذا ينبغي بالأحرى أن تأتي الأمور الحسنة من الأمور التعيسة. ” لأنه حيثما تكثر الخطية تزداد النعمة جدًا” (رومية20:5). وإذا كان تذوق الأكل قد جلب الإدانة فكم بالأكثر تبررنا آلام المسيح. إذن فلنُعيد، ليس بطريقة الإحتفالات الوثنية الصاخبة، لكن بطريقة إلهية، ليس بطريقة العالم لكن بطريقة روحية. لا باعتباره عيدنا نحن بل باعتباره عيد ذاك الذي هو لنا (أى المسيح) أو بالأحرى عيد ربنا. نعيد ليس بما للمرض بل بما للشفاء. نُعيد ليس بما يخص الخلق، بل بما يخص إعادة الخلق.
كيف نحتفل بالعيد؟:
وكيف يصير هذا التعييد؟ لا بأن نزين الأبواب، ولا نقيم حفلات رقص، ولا نزين الشوارع ولا نبهج عيوننا، ولا نُطرب أسماعنا بموسيقى صاخبة، ولا نلذذ أنوفنا بروائح أنثوية غير لائقة، دعونا لا نفسد حاسة التذوق، ولا نسمح لحاسة اللمس أن تتلذذ بلمس أشياء غير لائقة. هذه الحواس التي يمكن أن تكون مداخل سهلة للخطيئة؛ لنكن غير متخنثين بلبس الملابس الناعمة والكثيرة الثمن، والتي لا نفع لها. ولا نتزين بأحجار ثمينة وبذهب لامع، وبأصباغ تشوه الجمال الطبيعي الذي خُلِقَ على صورة الله، ولا للهزء والسكر الذي يصاحبه دائمًا الفسق والدعارة (انظر رومية13:13)، لأن التعاليم الشريرة تأتي من المعلّمين الأشرار، أو بكلام أفضل، لأن البذرة الشريرة تنبت نباتًا شريرًا، فلا نفترش الفرش الناعم الذي يرضى لذّات البطن والشهوات العابرة.ولا نُقبِل على شرب الخمور الممزوجة برائحة الزهور، ولا على الطعام الشهي الذي يتفنن الطهاة في طهيه. ولا نُدهن بطيب غالي الثمن. لا ندع الأرض والبحر يقدمان نفاياتهما الثمينة كهدية ـ لأن أسمى الرفاهية نفاية ـ دعونا لا ننافس أحدنا الآخر في إرتكاب المعاصى، فكل شيء زائد عن الحاجة الضرورية هو إفراط. بينما يوجد آخرون ،من نفس طينتنا وطبيعتنا ، يتضورون جوعًا، وهم في غاية العوز.فلنترك كل هذه الأمور للوثنيين ولإحتفالات الوثنيين، الذين تسر آلهتهم برائحة شواء الذبائح، ويقدمون لها العبادة بالطعام والشراب، فهم مخترعون للشر، وكهنة وخدام للشياطين. أما نحن الذين نقدم عبادتنا “للكلمة”، إن كان يجب أن نستمتع بشيء، فلنستمتع بالكلمة، بالناموس الإلهي وبالشواهد الكتابية خاصةً تلك التي تحدثنا عن موضوعات مثل موضوع إحتفال اليوم، حتى تكون متعتنا قريبة من ذاك الذي جمعنا معًا للإحتفال به (أي المسيح) وليست بعيدة عنه.هل تريدون (لأني أنا اليوم سوف أقدم لكم المائدة يا ضيوفي) أن أضع أمامكم رواية هذه الأحداث (الميلادية) بأكثر غزارة وأجمل كلام أستطيعه لكي تعرفوا كيف يستطيع شخص غريب أن يُغذى مواطني البلد، وساكن الريف أن يغذي سكان المدينة، والذي لا يهتم بالمتع أن يُغذي أولئك الذين يسرون بالمتعة، ومَن هو فقير وليس له بيت ولا يملك أي شيء أن يغذي أولئك المشهورون بسبب غناهم.