في القرن الرابع نجد فترة تهئية لعيد الظهور الالهي مدته ثلاثة اسابيع وذلك عند القديس هيلاريون اسقف بواتيه وبعد ذلك في مجمع ساراجوسا في اسبانيا . في الاسكندرية يذكر القديس ثيوفليس الاسكندري صوما ليوم واحد في هذه الماسبة وذلك في نهاية القرن الرابع " اذ صدف ( يوم احد ) في يوم صوم عيد الظهور ، فلنتصرف بتدبير … وهكذا بتناولنا بضع حبات البلح يمكننا دحض الهرطقات التي لا تكرَم يوم قيامة الرب يسوع المسيح وفي وقت ذاته نحترم يوم الصوم باشتراكنا في الصلوات المسائية . " امتدت هذه المدة حتى اصبح اربعين يوما في القرنين الخامس والسادس، وارتبطت في هذين القرنين بعيد الميلاد .
يبدو ان العظات في الاحاد التي تسبق عيد الميلاد كرسيت في القرن الخامس لموضوع العيد . بريتيوس اسقف تور يذكر صوما يسبق عيد الميلاد ويبدأ في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني . انتقلت هذه المارسة الى بعض الكنائس الفرنكية لاخرى في مجمع عقد السنة 581.
ابتدأ الصوم تهئية لعيد الميلاد في الغرب ومنه انتقل الى الكنائس الشرقية وامتد اربعين يوما تشبها بالصوم الكبير ومن هنا عرف ايضا بصوم القديس فيلبس لانه اصبح يبدأ في 15 تشرين الثاني اي مباشرة بعد عيد القديس فليبس ( 14 تشرين الثاني ) .
بقيت هذه الممارسة محلية وغير موحدة غير انها انتشرت خصوصا في الاوساط الرهبانية في اديرة سورية وفلسطين خلال القرن السادس، وفي الوقت ذاته ضمن الاديار المونوفيزية في تلك المناطق، وكانت الزامية . اما بالنسبة الى المؤمنين غير الرهبان فكانت ممارسة هذا الصوم موضوع جدل وتطبيقها بشكل كبير . يشهد على ذلك في القرن السابع ، انسطاسيوس رئيس دير سيناء وبطريرك انطاكية لاحقا ، في كلامه على الاصوام الاربعينية الثلاثة : " ولكن كما ان الشيطان الكاره الخير والغشَاش شوَه وصية الصوم المعطاة للجدَ الاول في الفردوس ، وبالاكل من ثمرة الشجرة اخضعه وسلمه للموت ، فهو حتى يومنا هذا لا يكفَ عن التفريق بيننا وبين الوصايا الالهية التي حددها الله من اجل خلاصنا . هكذا ظهر بيننا اناس ليسوا علمانيين او مجهولين واميين فقط، لكن ايضا ممن يدعون البلاغة والحكمة الكبيرة ويحبون المظاهر، اعني اساقفة ومتروبوليتية وكهنة وشمامسة ومن عموم الاكليروس وحتى من الرهبان الذين يعتبرون بطونهم آلهتم ، هؤلاء يعلَمون من دون خجل او حياء انه لا يوجد إلا صوم واحد سلمه الينا الرسل القديسون والاباء الالهيون، وهو المسمى بالكبير .
ويؤكدون ان صوم الميلاد المسمى لدى البعض يصوم القديس فيلبس ، والصوم الذي يسبق عيد القديسين هامتي الرسل بطرس وبولس غير موجودين لانهما ليسا من تحديد رسولي او ابائي ، ولكنهما من اختراع بعض الرهبان ورغباتهم . وهكذا فالبعض من الذين يقامون الله يمتنعون مدة ثمانية عشر يوما عن اللحم والجبن والبيض ، والبعض الاخر عن اللحم فقط يأكلون كل شيء غيره الا يوما واحدا ، واخرون لا يصومون الا اثني عشر يوما ، وغيرهم ستة ايام او اربعة . وهؤلاء لا يكتفون بان يكونوا وحدهم على خطأ بل يجلبون اليهم اشخاصا لا معرفة لديهم بقصد مشاركة الاخرين في خطيئتهم .
رغم ذلك فان الحجج التي قدمها انستاسيوس حول قدم هذين الصومين وكونهما من الرسل ، غير دقيقة وغير مقنعة . فالبنسبة الى صوم الميلاد الاربعيني اورد رواية حول القديس قيلبس عندما كان يكرز بكلمة الحق في ايرابوليس مع برثلماوس واخته مريم ، وذلك في مدينة كانت تعبد الحيَة وبعد كثير من العناء لم يقبل احد من تلك المدينة الرسل باستثناء شخص واحد اعتمد هو وكل اهل بيته واقاربه ، كذلك زوجة نائب القنصل . فثقب اهل المدينة أرجل فيلبس وصلبوه وعلَقوا برثلماوس على خشبية . ووضعوا مريم في السجن. حين جاء القديس يوحنا فطلب منه فيلبس ان يتضرعوا لكي تنزل نار من السماء وتبيد اهل المدينة فامتنع . بعد ذلك صلَى القديس فيلبس فانفتحت الارض وابتلعت كل الوثنيين . بعدها ظهر الرب له وذكَره بوصية ألا يقابل الشر بالشر واضاف بما انك تعديت هذه الوصية سترقد هنا وسيحملك ملائكتي بمجد حتى الفردوس ، لكنك لن تدخل بل تبقى اربعين يوما في الخارج نادما .
بعد ذلك تدخل وتعتلي مكانك المخصص . فأرسل القديس فيلبس برثلماوس ومريم الى القديس يعقوب وباقي الرسل لكي يصوموا مدة اربعين يوما ويصلوا من اجله . هكذا صام الرسل وسائر المؤمنين اربعين يوما . وحفظ الرسل هذا الصوم وبعدهم المجامع المسكونية ، كما سمي هذا الصوم بصوم الميلاد لان عيد الميلاد ميلاد المخلص يأتي في نهايته . لكن هذه الرواية غير دقيقة ومأخوذة من كتاب منحول يسمى " حلقات فيلبس " .
يظهر كلام انسطاسيوس تباينا كبيرا في ما يختص بتبتي مختلف اعضاء الكنيسة اكليروسا وعلمانيين ورهبانا ، لصومي الميلاد والرسل . غير ان انه يعكس اتجاها ساد لاحقا في الكنسية يرى في هذين الصومين منفعة روحية كبيرة وقصدا الهيا ويحاول تعميمها بفرض ممارستها على اعضاء الكنيسة كلها .
في هذا الاطار ومع توسع تأثير هذا التيار النسكي نجد في مطلع القرن التاسع يثبت صومي الميلاد والرسل في حياة الرهبانية . " خلال صوم الرسل وصوم القديس فيلبس ( اي صوم الميلاد) يجب على الرهبان الذين يقضون يومهم بالدير ان يتناولوا وجبة طعام واحدة يومي الاربعاء والجمعة اما الذين يمارسون اعمالا فيستطيعون ان يتناولوا الطعام مرتين ، عند الساعة السادسة وعند المساء . كذلك يذكر القديس ثيودوروس الستوديتي بين القرنين الثامن والتاسع ، هذين الصومين ، بالاضافة الى الصوم الاربعيني . الا انهما لم يثبًَتا ضمن قانون مجمعي ، وطابعهما الملزم المؤمنين بقي موضع نزاع مدة قرون عدة ."