أيهما الأفضل !
الغباء والغنى أما الحكمة والفقر؟
الاحد التاسع من لوقا
(الغني الغبي )
النص الانجيلي :
لوقا (12: 16-21)
” قال الرب هذا المثل. إنسان غني أَخصبت أرضَه* ففكر في نفسه قائلاً ماذا أصنع. فإنه ليس لي موضع أخزن فيه أثماري* ثم قال أصنع هذا. أهدم أهرائي وأبني أكبر منها وأجمع هناك كل غلاتي وخيراتي* وأقول لنفسي: يا نفس إن لكِ خيراتٍ كثيرة موضوعة لسنين كثيرةٍ فاستريحي وكلي واشربي وافرحي* فقال له الله يا جاهل في هذه الليلة تُطلَب نفسُك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون* فهكذا من يدخر لنفسه ولا يستغني بالله* ولما قال هذا نادى من له أذنان للسمع فليسمع.”
العظة:
باسم الآب والابن والروح القدس،آمين
“فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ ” ( لوقا 12: 20 )
” …لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ” ( افسس 5: 17 )
” لأَنَّ هَكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ” (بطرس الاولى 2: 15)
من هو الغبي ؟
ايها الاحباء: أينما توجهنا في هذه الأيام نرى الأكثرية الساحقة من الناس مثلهم مثل هذا الغني، الذي سمعنا قصته الان، همهم الوحيد جمع الأموال بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وهم يعيشون في خوف شديد من المستقبل القريب، غير مفكرين في المستقبل الأبدي الذي هو قريب من كل إنسان، لأن حياتنا كما يقول الكتاب المقدس “تُقرض سريعاً فنطير” (مزمور 10:90).
وبعد ذلك تأتي الأبدية، الحياة التي ليس لها نهاية. فهل فكرنا كيف وأين سنحيا الأبدية؟.
يا احبائي: اذا سمحت لكم الفرصة ان تطلبوا امرا واحد في حياتكم ماذا تطلبون ؟ ان تصبحوا أغنيا ؟ ان تكونوا مشهورين ؟ ليس من الخطأ ان يكون الانسان غنياً او مشهوراً لكن ثمة ما هو اكثر اهمية من هذين الامرين : هو الحكمة .
الهدف الرئيسي للمسيحي هو ان يحصل على الحكمة. الحكمة هي الكمال الفهم السليم ،انها معرفة الذات والله والاخرين بشكل صحيح قادرا على التواصل مع كل منهم .
كيف للانسان ان يكون حكيما ؟.
يخبرنا الكتاب المقدس ان يسوع عندما كان طفلا ترعرع بحكمة و بمحبة الله و الانسان . كان يدرك اهمية اكرام والديه و اعتبار الله في الموضع الاول من حياته كان يعلم كيف يفهم المبادئ من خلال كلمة الله أي الكتاب المقدس.
لقد علمنا يسوع ان الحكمة تُنشأ حين يبني الانسان بيته على اسس متينة . الشخص الحكيم يبني حياته على صخرة و ليس على التراب فمتى واجهتنا المتاعب في حياتنا يبقى بيتنا صامدا ان كان مبنيا على اساس الله و على العلاقة المتينة مع يسوع المسيح .
لماذا نحتاج الحكمة ؟:
الحكمة هي رؤية الاشياء من وجهة نظر الله. كل مسيحي يحتاج الحكمة يحتاجها في ربح النفوس وفي العمل وفي التغلب على الاغراءات وفي الصداقات وفي اتخاذ القرارات وفي تربية الاطفال. المسيحي بدون حكمة هو مثل بحر بدون ماء او طير بدون اجنحة او كنيسة بدون الكتاب المقدس .
الحكمة كلمة هامة جداً تملأ الكتاب المقدس بعهديه، ويتحدث الكتاب كثيراً عن أهميتها وفاعليتها فيقول أن “الرب بالحكمة أسس الأرض..” (أم3: 19)، وكذلك “حكمة المرأة تبني بيتها..” (أم14: 1).
لذا اصغوا واسمعوا جيدا كيف يمدح الكتاب ويعظم قيمة الحكمة ومن يمتلكها قائلاً “طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم لأن تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص.. وكل جواهرك لا تساويها”.
ثم اصغوا ماذا يقول عن الشخص الذي ينالها “في يمينها طول أيام وفي يسارها الغنى والمجد… هي شجرة حياة لممسكيها.. ” (أم3: 13-18). ويُكمل وصفه للحكمة وأهميتها لحياة الإنسان الذي يملكها “اقتن الحكمة. اقتن الفهم.. لا تتركها فتحفظك أحببها فتصونك. الحكمة هي الرأس فاقتنِ الحكمة… ارفعها فتعليك. تمجدك إذا اعتنقتها. تعطي رأسك إكليل نعمة. تاج جمال تمنحك” (أم4: 5- 9).
نعم الحكمة هامة جداً في كل مجالات الحياة وطوبى لمَنْ يجدها ويحيا بها.
بكل تأكيد لا يقصد الكتاب هنا الحكمة الطبيعية البشرية، فهذه الحكمة الأرضية كثيراً ما تكون بعيدة عن مقاييس الله.
ويعطينا الرب يسوع نفسه مثالاً عن هذه الحكمة الأرضية التي يحكم عليها الرب نفسه أنها غباء وليست ذكاء، النص الانجيلي الذي قراناه منذ قليل،
إنسان غني ولكن الرب وصفه بالغباء! لقد عاش كل حياته على الأرض وذهنه مُحاصر بفكرة واحدة فقط وهي كيف يجمع الأموال.. مجهوده وسنين عمره خارج مشيئة الرب. كل حكمتهالبشرية أثمرت أموالاً، كنوزاً في مخازن على الأرض ولكنه نسى أبديته! كان يظن أن ما يصنعه هو الحكمة ذاتها، ولكن في الواقع هو مثال للحكيم في عيني نفسه. أما بحسب مقاييس الله، فقد كان غبياً بعيداً عن الحكمة الإلهية.
لم تكن المشكلة أنه غنياً أو ناجحاً في عمله، فالرب يريد البركة لحياتك وهو ليس ضد الغنى، ولكن المشكلة الحقيقية كانت في علاقته بأمواله وقيمتها في حياته. لم يكن مُمَيِّزاً أن حياته على الأرض محدودة وأن حياته مهما طالت ستنتهي، ولذا لم يكن غنياً لله حكيماً يحسن استغلال امكانياته في تحقيق خطة الله.
لم تكن له الأولويات والاهتمامات التي حسب قلب الرب. ولكن كان المال والغنى هو الهدف في حد ذاته وكان هو مصدر سروره وأمانه الذي عليه يتكل، لهذا كان يقول لنفسه “يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكُلي واشربي وافرحي
لذا فكلمة الرب تقول “ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله” (مرقس10: 23). ليس لأن الله ضد المال أو الغنى، ولكنه لا يريدك متكلاً على أموالك، أو عملك، أو حكمتك، أو سلطتك أو نفوذك لأنها قد تؤخذ منك في لحظة “ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله”(مرقس10: 24). ولكن المؤمن الحقيقي المتكل على الرب يعرف كيف يرتب أولوياته حسب فكر الرب “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم” (متى6: 33).
يا احبة الصليب المحيي: اطلبوا الحكمة لكي تعرفوا أن ترتبوا شؤون حياتكم ولكي تمتلئ حياتكم من خطة ومشيئة الرب. ثقوا في وعد الرب “هذه كلها تزاد لكم..”، وهو الذي يعطيكم الغنى والكرامة.
الحكمة تعلمكم كيف تسلمكم للرب ضعفكم وتتكلوا على قوته. الحكمة تعلمكم كيف تكونون أقوياً عندما تحتمون بالرب وتتكلوا على نعمته حتى عندما تكون ضعفاء
إنها الحكمة التي تعلمك كيف تستخدم إمكانياتك القليلة ولكن بطريقة فعالة ومؤثرة. الحكمة هي التي تعلمكم كيف تمارسون إيمانكم. الحكمة تجعلكم تميِّزون عندما تكون مخطئين وتقودكم إلى التوبة. لا لا تكون جهلاء في المسيح والسلطان الممنوح لكم في دم يسوع.
اخيرا :أحبائي، إن كل مؤمن يحتاج للحكمة في كل تعاملاته؛ في الأسرة، الزوج مع الزوجة، الأباء مع الأبناء، في العمل، في التعليم المسيحي، في الكنيسة. “مَنْ هو حكيمٍ وعالم بينكم فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة” (يعقوب3: 13)، ” .
صلوا لتمتلؤ من معرفة مشيئة الرب على حياتكم فتثمرون يوماً بعد يوم في كل شيء. وتذكَّروا “طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة…)
اذهبوا بسلام و ” اسلكوا بحكمة” (كولوسي 4: 5).