مجوس
كلمة مأخوذة عن كلمة “ماجو” الفارسية، والتي تعني كاهناً أو عالماً بالفلك.
( ا ) في العهد القديم:
ترد كلمة “مجوس” في العهد القديم في نبوتي إرميا ودانيال. فمن رؤساء بابل الذين دخلوا أورشليم بعد أن فتحها نبوخذ نصر ملك بابل، وجلسوا في الباب الأوسط “نرجل شراصر رئيس المجوس” (إر 39: 3و 13). ويري البعض أن الكلمة الكادية المستخدمة هنا وهي “رب موجي” معناها “أمير عظيم”. وكان الفرس والماديون والبابليون يستخدمون كلمة “مجوس” للدلالة علي الكهنة والحكماء. وكان المفروض أنهم رجال حكماء ماهرون في معرفة الأسرار، تلك المعرفة التي نشأت منذ عصور قديمة في مصر الفرعونية، وانتقلت إلي كلديا وبابل. وكان المجوس ينقسمون إلي خمس فئات: “الهارتوميم” (Hartummim) أي مفسرو الكتابات المقدسة وقارئو العلاقات. والأشافيم” (Ashaphim) وهم قارئو الأفكار أو مستحضرو الأرواح. و”الميكاشفيم” (Mekashephim) وهم طاردوا الأرواح الشريرة والسحرة، و”الجوزريم” (Gozerim) وهم قارئو النجوم وعلماء الفلك، و “الكاديم” وهم الكلدانيون (في أضيق معاني الكلمة).
وكان المجوس يحسبون بين المنجمين، أي الذين يتنبأون عن الأحداث بقراءة النجوم. ونقرأ عن دانيال وأصحابه، إنهم “في كل أمر حكمة فهم الذين سألهم عنه الملك، وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته” (دانيال 1: 20). وقد جعل نبوخذ نصر دانيال “كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين. من حيث إن روحاً فاضلة وتعبير الأحلام، وتبين ألغاز وحل عقد، وجدت في دانيال” (دانيال 5: 11و 12).
( ب ) المجوس عند اليونانيين:
كانت كلمة “مجوس” عند اليونانيين ترتبط بنظام أجنبي للعرافة وبديانة شعب عدو، قد هزموه، وسرعان ما أصبحت نعتاً لأسوأ أنواع الدخل والخداع، فلا عجب أن وجدنا الكلمة تطلق علي رجل يهودي ساحر ونبي كذاب اسمه “بار يشوع” أو “عليم الساحر” الذي يفسد الوالي سرجيوس بولس- والي قبرص- عن الإيمان (أع 13: 4- 8). كما تطلق علي “سيمون الساحر” (أع 8: 9)، فكلمة “ساحر” في الموضعين هي نفس كلمة “ماجوس”.
ويذكر هيرودت “المجوس” (magi) علي أنهم فئة كهنوتية من الماديين أو الفرس، وحيث أن ديانة الفرس في ذلك العصر كانت هي “الزرادشتية”، فالأرجح أن المجوس الذين ذكرهم هيرودت كانوا زرادشتييت. ويقول المؤرخون اليونانيون (هيرودت وبلوتارك وسترابو) إن “المجوس” كانوا مسئولين عن تقديم الذبائح والقيام بالطقوس الدينية، كما كانوا يعملون مستشارين للبلاط الملكي في الشرق، فقد كان حكام الشرق يؤمنون بأن أحداث التاريخ تنعكس علي حركة النجوم وبعض الظواهر الفلكية الأخرى. ويقول هيرودت إن الحكام الشرقيين كانوا عادة يستخدمون معرفة المجوس بالتنجيم وتفسير الأحلام، للاسترشاد بها في إدارة شئون البلاد.
(جـ) المجوس في إنجيل متي: يستخدم متي كلمة “مجوس” بمعناها الطيب، حتى إنها تترجم في الإنجليزية إلي “حكماء” (مت 2: 1و 7و 16). ولكن متي لا يمدنا بتفاصيل كثيرة عن أولئك المجوس، إلا أنهم جاءوا من “المشرق” (2: 1و 2)، وهي عبارة غامضة لا تحدد بلداً معيناً، وهكذا تترك المجال واسعاً للتخمين. فقال بعض الآباء إنهم جاءوا من جنوبي الجزيرة العربية، وذلك بناء علي الهدايا التي قدموها “الذهب واللبان والمرّ”، وكانت تشتهر بها هذه البلاد لا تعتبر “مشرقاً” بالنسبة لفلسطين، لذلك قال آخرون إنهم جاءوا من كلديا أو ميديا أو فارس. ومع أنه لا يمكن الجزم برأي، إلاَّ أن الأرجح أنهم جاءوا من فارس، حيث كان هذا الاسم يطلق علي كهنتهم.
ولا يذكر متي كم كان عدد المجوس الذين جاءوا ليروا الطفل يسوع. فالكنيسة الشرقية تعتقد أنهم كانوا 12 سائحاً، ولعل ذلك نتج عن أهمية العدد “12” في الكتاب المقدس (كما في 12 سبطاً، 12 تلميذاً). وتقول الكنيسة الغربية إنهم كانوا ثلاثة رجال حكماء، بافتراض أن كل واحد منهم قدم نوعاً من الهدايا الثلاث المذكورة.
كما لا يذكر متي البشير أسماءهم، فأسماء “جسبار وملكيور (ملكون) وبلتازار” هي أسماء أسطورية، وبالمثل لا أساس للقول بأن “جسبار” كان ملكاً للهند، و “ملكيور” كان ملكاً لفارس، و “بلتازار” كان ملكاً لبلاد العرب.
( د ) أهمية قصة المجوس في إنجيل متي: تلعب زيارة المجوس لبيت لحم دوراً هاماً في إنجيل متي، فمن البداية تعلن حقيقة شخصية الطفل الوليد باعتباره ” مسيا إسرائيل” الذي طال انتظارة تحقيقاً للنبوات العديدة. وقد بدا هذا أولاً في ظهور النجم، إذ يبدو أنهم كانوا علي علم بنبوة بلعام: ” يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل” (عد 24: 17- ارجع ايضاً إلي إش 60: 1- 3). كما أن الحوار بين المجوس وهيرودس ورؤساء الكهنة والكتبة، يُعلن أن يسوع كان تحقيقاً لنبوه ميخا عن المسيا: عن بيت لحم يهوذا التي منها سيخرج “الذي يكون متسلطاً علي إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل” (ميخا 5: 2). كما أن تقديم الهدايا يستحضر للذهن الوعود النبوية الواردة في المزامير (68: 29، 72: 10).
وبالإضافة إلي إثبات أن يسوع هو المسيا الذي طال انتظاره، فإن قصة المجوس- كجزء من مقدمة إنجيل متي- تقدم عدة مواضيع بارزة تعود للظهور في الأصحاحات التالية. فهي تؤكد أولاً أن يسوع المسيح لم يأت لليهود فقط بل للأمم أيضاً (ممثلين في “المجوس من المشرق”). كما كان سجود هؤلاء الأمم صورة مسبقة للإرسالية العظمي للكرازة بالإنجيل لجميع المم (مت 28: 19،
وأيضاً 8: 11و 12، 12: 21).
والموضوع الثاني الذي تعلنه هذه القصة، هو هذا الإيمان المذهل الذي أبداه أولئك المجوس، والذي كان ينقض الشعب الذي جاء منه الرب يسوع، فبينما قدم هؤلاء المجوس الغرباء الإكرام والسجود للمسيا المولود فإن هيرودس- ولعله كان بموافقة رؤساء الكهنة أيضاً- دير مؤامرته لقتل الطفل يسوع (2: 3- 6و 16). وهكذا نجد في فصول أخري من الإنجيل، الأمم يؤمنون، بينما لم يؤمن غالبية الشعب اليهودي (ارجع إلي 8: 5- 13، 15: 21- 28، 27: 19و 54).