بتولية الأساقفة
عرف القرن الرابع المسيحي هجمة رهبانية واسعة جداً واكبت بتولية الإكليريكيين وبخاصة في الغرب، فصار فيه الإكليريكيون متبتلين. وشيئاً فشيئاً سيطرت البتولية على الأسقفية فقرر المجمع المسكوني الخامس – السادس في العام 691 بتولية الأساقفة. ودرج المسيحيون المعروفون اليوم باسم الأرثوذكس والكاثوليك على ذلك حتى اليوم. ومع أن الأقباط والسريان والأرمن والأحباش قد انفصلوا عنا بعد العام 451، فقد ساروا في الخط نفسه. وفي الكنيسة القبطية لا يكون البطريرك إلا راهباً. أما في الكنيسة اللاتينية فالاكليروس جميعه متبتل.
اللاهوتي الكبير سيرج فيرخوفسكي الروسي كتب مرة في الـ Messager Orthodoxe أن بتولية الأساقفة صارت عقيدة في الكنيسة الأرثوذكسية.
كان المطران أبيفانيوس زائد في اللاذقية رئيساً للكنيسة المستقلة منذ العام 1935 وإلى 1941. نادى بزواج المطارنة ولكنه فشل في إقناع الناس. وفي العام 1974 صرّح مطران اللاذقية إغناطيوس هزيم في طرطوس بزواج المطارنة، فأصدرتُ منشوراً ضد الموضوع.
الكنيسة الأرثوذكسية في العالم وحدةٌ لا تنفصم أبداً. قال لي مرة المغبوط ألكسي عبد الكريم ما مفاده: الكنيسة الروسية لا تقبل بتغيير حرف واحد مما هو موجود في الكنيسة الأرثوذكسية. ورومانيا ويوغوسلافيا وبلغاريا يعادلن روسيا نسبياً في التشدد، وقد يتنافسن أحياناً. فإن خالفنا هذه الكنائس كفَّرتنا، ونحن كمشة بالنسبة إلى تلك الكنائس العامرة. إنما أنعم الله علينا بمولانا غبطة البطريرك الراهب الناسك يوحنا يازجي، فأجمعت الأرثوذكسية والكثلكة على جعله صدراً كبيراً في الكنيسة عامةً. وهو راهب متأثر بأديرة جبل آثوس، فلا يستطيع المرء أن يتصوّر خروجه على تقليد جبل آثوس والكنيسة الجامعة. إن خرقنا قانون البتولية صرنا سخرية العالَمين الأرثوذكسي والكاثوليكي، فضلاً عن ذلك فإن ضمير الأرثوذكس في العالم يرفض رؤية أسقف متزوج. لذلك نحن على رأي الأستاذ سيرج فيرخوفسكي.
من هو سيرج فيرخوفسكي؟ كان قُطباً لاهوتياً مرموقاً انتزع من الكاهن الكاثوليكي Paul Henri في العام 1949 اعترافاً لاهوتياً دقيقاً في لاهوت توما الأكويني، فصار مشهوراً بين اللاهوتيين بهذا الظفر اللاهوتي التوضيحي للاهوت علاّمة الغرب الكبير. وسافر فيرخوفسكي إلى أميركا فصار أستاذاً في سانت فلاديمير يلقِّن العقائد متمسِّكاً بيوحنا الدمشقي كمرجع أوَّل في اللاهوت الأرثوذكسي. هذا الفهم العميق ليوحنا الدمشقي جعله في نظري حُجَّة كبيرة في اللاهوت الأرثوذكسي، فليس من السهل الغوص في أعماق يوحنا الدمشقي، المرجع رقم 1 بين آباء القرون الثمانية الأولى والقرون اللاحقة. قلتُ مرة للمرحوم الأستاذ قسطنطين سكوتيوري: “لو لم يقبض يوحنا الدمشقي على ناصية اللاهوت الأرثوذكسي، فصار مرجعاً للاّحقين، أما كان اللاهوتيون في عصور الانحطاط قد انقسموا طويلاً بين المراجع اللاهوتية؟” أجاب، قال: “هذا صحيح”.
في القرن السادس الميلادي كانت سوريا الطبيعية العاصمة الأولى للرهبانية. ولكن مصر كانت أيضاً في ذلك الحين قلعة رهبانية تعدّ عشرات الألوف من الرهبان. ولكن في العصور الحديثة تداعت الرهبانية في مشرقنا، إنما ما زلنا نتمسّك بأرثوذكسيتنا على دين القسطنطينية وموسكو وبوخارست وبلغراد وصوفيا وأثينا. لا تستطيع قوى العالم أن تفصلنا عن هذه العواصم. كل مسعى للافتراق عنها يجعلنا هراطقة في عيونها. وجاء في أقوال الرهبان إن الهرطقة أمر فاحش. أحد الرهبان قَبِل الاتهام بكل أنواع الخطايا تواضعاً، ولما قيل له: أنت هرطوقي، قامت قيامته.
لا تقبل الأرثوذكسية القفز في الهواء. فإما أن تكون على دين العواصم المذكورة أو لا تكون أرثوذكسياً. اللاهوتيون الأرثوذكسيون الحقيقيون يتمسكون بأهداب المجامع المسكونية وآباء الكنيسة حتى الموت شهداء.
الشماس
اسبيرو جبور
31 أيار 2013