الكنيسة الأَنطاكيَّة هي كنيسة الصلاة والعامودِيِّين
تاريخيًّا اشتهرَ الكرسي الأَنطاكي بإِنشاءِ الصلوات الكنَسيَّة ونَظِم الشِعر الكَنَسي وتأسيس الموسيقى الكَنَسيَّة. القدِّيس أَفرام هو أَقدم آباء الكنيسة الأَنطاكيَّة المشهورين في الزمان وُلِدَ في العام 306 في نصيبين شمال القامشلي وإِنتقلَ من ثَمَّ في العام 363 الى أُورفا (الرَّها). أُعجِبَ بهِ في القرن التاسع عشر أَكبر لاهوتي روسي وهو الحبيس تيوفانوس الَّذي توفيَّ في العام 1894 . إِستخرجَ من كُتب أَفرام الصلوات ونَظَمَها 150 مزموراً يُحاكي فيها مزامير النبي داوُد. ترجَمَها من الإِنكليزيَّة الى العربيَّة الدكتور عدنان طرابلسي بعنوان ” المزامير الروحيَّة”. الكتاب هو تُحفةٌ نادرة للصلاة والتخَشُّع والقراءة.
أَمَّا يوحنا فم الذهب المعاصِر لهُ ( 344 – 407؟) فمشهور بِصَلواتِه وقُدَّاسِه المقام يوميًّا في الكنيسة الأُرثوذكسيَّة.
صفرونيوس الدمشقي بطريرك أُورشليم ( 638) هو صاحب الصلوات أَهمُّها خِدمة تقديس الماء التي تُضاهي صَلوات باسيليوس الكبير في القداس الإِلهي ومساء عيد العنصرة إِن لم تتفوَّقَ عليها قليلاً.
ننتقل منهُ الى إندراوس الدِمشقي أُسقف كريت ( 740) الَّذي أَدهشَ ويُدهِشُ العالمَ الأُرثوذكسي بقانونِهِ الكبير في الكتاب التريودي. يتألَّف القانون من 250 أُنشودة وهي روائعُ في التوبة.
ومنهُ ننتقل الى يوحنا الدمشقي ( 749 او 750 ؟) وصديقِهِ كوزما المرنِّم. خدمة عيد الفصح التي تُدهِش كل العالم المسيحي هي من نَظم يوحنا. خِدمات الميلاد والظهور الإِلهي ورُقاد العذراء من نَظم يوحنا وكوزما. سيِّدُنا يوحنا يازجي وجوقتُه سجَّلا خِدمة الفصح والميلاد. إِنهما تُسكِران أَكثر من الخمر بمراحل عديدة.
هل في الشُعراء أَرقّ من كوزما؟ ننتقل الى رِقَّة كوزما في خِدمة دخول السيِّد الى الهيكل وخِدمة عيد الصليب في 14 ايلول. إِنَّهما السِحرْ الرُّوحي بِعَينِه!
أَكبر شاعر مسيحي هو رومانوس المرنِّم الحمصي ( 555) . ربَّما كانَ صاحب المدائح لأَنَّها غنيَّة بالصُوَر الشِعريَّة. فهو شاعرٌ مُبدِع إشتهَر بِنَظم القناديق. وأَشهر ما أَعرِفهُ من قناديقِه هو قنداقا عيد الميلاد: ” اليومَ العذراء تأتي الى المغارة لِتَلِدَ الكَلِمة الَّذي قبلَ الدهور…” ، ” اليومَ العذراء تلِدُ الفائقَ الجوهر …” مَن لا يتمايل كالسكارى عند سماعِهِ هَذَين القنداقَين!
فضلاً عن ذلك كُلِّه هناك “قانون يسوع” المتأَثِّر بالقدِّيس أَفرام. وهناك “المعزِّي” الَّذي في جُلِّهِ من نَظم الدِمشقي أَو من مدرسة الدِمشقي الَّلاهوتيَّة والشعريَّة. أَمَّا كتاب “التريودي” الَّذي جَمَعَهُ القدِّيس ثيودورس الأُستوديتي وأَخوهُ لا يخلو من تأثير الكنيسة الأَنطاكيَّة. فثيودورس في لاهوت الأَيقونة هو في خُطى الدِمشقي. في “التريودي” خُطى عديدة للأَنطاكِيِّين. أَمَّا البنديكوستاري الخاص بفترة القياميَّات فمَدينٌ كبيرٌ “للمعزِّي”. هناك ايضاً صلاة “المطالبسي” وفيها أَدعيَة للذهبي والدِمشقي وباسيليوس الكبير وسمعان الَّلاهوتي الجديد وسمعان التسالونيكي. إِنَّها روعةٌ من الرَّوعات!
أَمَّا المعموديُّون والحُبَساء فَظَهروا أَوَّلاً في كنيسَتِنا الأَنطاكيَّة، ماذا كانوا يعمَلون؟ كانوا يُصلُّون أَي كانت الصلاة مهنتَهم. القرن السادس الميلادي هو عالميًّا قرنُ الرهبانات في مشرِقِنا فالرُهبان كانوا يمتهِنونَ الصلاة والعِبادة. دِيارُنا المشرقيَّة كانت عشوشاً للرُهبان. مَن وَلَدَ هذا الجيش الرهباني؟ حتماً آباؤنا وأُمَّهاتُنا الفاضلات.
فضلاً عن كلِّ ذلك، لا يجوز أَن ننسى أَنَّ بولس الرسول وبرنابا الرسول كانا من الكرسي الأَنطاكي. وعلى الخرائط تظهر بيت صيدا تابعةً لقيصريَّة فيليبُس (بانياس) في الجولان. هناكَ خمسةُ رُسُلٍ من بيت صيدا وهم بطرس وأَندراوس ويعقوب ويوحنا وفيليبس. بعضُ الباحثين المعاصِرين يقولون إِنَّ التجلِّي الإِلهي جرى في جبل الشيخ وغالباً في “تل أبي الندى” من الجبل المذكور. وفي “تل كوكب” قرب دمشق ظهَر الربُّ لبولسَ ظِهراً في نورٍ أَشعَّ من نورِ جبل ثابور. فإّذن هناكَ تجليَّان كبيران قرب دمشق حيثُ إِعتمدَ بولس وبشَّرَ أَوَّلاً.
أَمَّا نهر الأُردن، فهو يَنبُع من الجولان وفيهِ إِعتمَدَ الربُّ يسوع يومَ الظهور الإلهي. يذكر يوحنا الدمشقي في خِطبتِهِ عن التجلِّي نهر الأُردن ليجمع بينَ حرَمون ( جبل الشيخ ) وثابور. العيدان: عيد الظهور الإلهي وعيد التجلِّي هما عيدان للثالوث القُدُّوس.
مَن لدَيهِ هذا التُراث المجيد بعدَ أُورشليم القُدُس والناصرة؟ أَهَّلَنا اللهُ للتمتُّع بالتجلِّي الإِلهي مثل مواطنينا بطرس وبولس ويعقوب ويوحنا.
هذه السُمعة الطيِّبة في العالم المسيحي كلِّهِ تفرُض علينا نحنُ الأَحفاد أَن نُجَدِّدَ إِيمانَ أَجدادِنا في الصلاة والعِبادة. ولا أَنسى مهارة الأَجداد في بِناء الكنائس كدَير سمعان العامودي وكنيسة ” قلب لوزة” ومئات البقايا الأَثريَّة هنا وهناك.
الأَحفاد الأُصَلاء يُحافظون على تراث الأَجداد الأُصَلاء. ولذلك أَنصَحُ الأَحبَّة في أَرجاء الكرسي الأَنطاكي وَطَناً ومهجراً بالعودةِ الى أُصولِنا التاريخيَّة المجيدة لنبقى قُرَّةَ عيون الأُرثوذكس في الدنيا كلِّها. لا يجوز أَن يكونَ أَفرام ويوحنا فم الذهب ويوحنا الدِمشقي السَحابة النيِّرَة التي تُغطِّي روسيا ورومانيا واليونان وسواها ونحنُ بَراءٌ منهم.
فإلى الصلاةِ والعبادة يا أَهلَ الجودِ والكَرَمِ والأَصالة.
ايَّار 2012
الشمَّاس
اسبيرو جبُّور