ينبغي أن يدرك كل مسيحي ، أن المسيحية أولاً وأخيراً شهادة للمسيح"ونحن شهود له" (أعمال الرسل 5 / 32 ) ، وكلمة شهيد تعني شاهد ، وكانت تطلق في البدء على الرسل فقط ، بصفتهم شهوداً لحياة المسيح وموته وقيامته ، كما أوصاهم الرب ، وتكونون لي شهوداً (أعمال الرسل 1 / 8 ).
وأيضاً أطلقت على كل من قبل الموت من أجل المسيح باعتبار أنه قد دخل في رؤية فعلية لوجه الحبيب. فالشهادة للمسيح حب لا يقف إزاءه أي حب آخر في العالم ولكي لا يأتي حب الشهيد للمسيح من فراغ، الشهيد يطرح الخوف لأن المسيح حقيقته العظمى التي أمسك بها ، إن غلبة الشهيد للخوف هي غلبة كل شهوة وكل العالم معاً من هنا تتضح الشهادة الحقيقية ، التي يأتي إليها كل إنسان مؤمن، ويرتفع بها بحسب المسيح فوق كل حب.
هذا ما فعله وطبقه في حياته الشهيد في الكهنة الأب يوسف مهنا الحداد ( الدمشقي ) ،والعلاَمـة واللاهوتي الكبير ، والنموذج في الفضيلة والتقوى. لذلك في العاشر من شهر تموز تعيّد كنيستنا المقدسة ليوسف الدمشقي أخر قديس أعلنت قداسته في كنيسة الإنطاكية( 1993).
سيرته:
هو الأب يوسف بن جرجس موسى بن مهنا الحداد المعروف، اختصارا باسم الخوري يوسف مهنا الحداد. وهو بيروتي الأصل ، دمشقي الموطن ، أرثوذكسي المذهب. ولد في دمشق خلال شهر أيار من العام 1793 من عائلة فقيرة تقية ، تعلم العربية واليونانية ، صار يعمل في نسج الحرير ، يعمل نهارا ويدرس ليلا ، فزوجوه أهله من فتاة دمشقية تدعى مريم الكرشة لكي يبعده عن دراسة اللاهوتية إلا ان زواجه لم يمنعه من تحصيل المعرفة اللاهوتية.
فصار شماسا فكاهنا في خلال أسبوع وهو في الرابعة والعشرين (1817). امتاز في وعظه وقوة الحجة والجواب الدامغ المقنع. كان دؤوبا في مؤاساة البؤساء ، كان صبورا ومتواضعا جدا وهادئا.
استشهاده :
بدأت مجزرة العام 1860 ، في دمشق ، في اليوم التاسع من شهر تموز. يومها لجأ عدد كبير من المؤمنين الى الكنيسة المريمية ، بعد سدّت دونهم منافذ الهرب ، وكان الخوري يحتفظ في بيته بالذخيرة المقدسة ، فأخذها في عبّه وخرج باتجاه المريمية فوق سطوح المنازل ، من بيت الى بيت الى ان انتهى.
وقد أمضى النهار و الليل يشدد المؤمنين ويشجعهم على مواجهة المصير وان لا يخافوا من الذين يقتلون الجسد لان النفس لا يقدرون ان يقتلوها. ثم في صباح العاشر من شهر تموز حصلت على كنيسة المريمية هجمة شرسة واخذ المهاجمون بالسلب والقتل والحرق فسقط العديدين شهداء وتمكن الخوري يوسف من الخروج الى الأزقة والطرقات.
وسار من الأمتار الى ان وصل الى الناحية المعروفة بمأذنة الشحم. هناك عرفه احد المهاجمين وكان من العلماء ، وقد سبق ليوسف ان أفحمه في جدال فأضمر له الشر.
هذا لما وقع نظره عليه صاح بمن كانوا معه : " هذا إمام النصارى. إذا قتلناه قتلنا معه كل النصارى " وإذ صاح الرجل بهذا الكلام أدرك الخوري يوسف ان ساعته قد دنت ، فأخرج لتوه الذخيرة الإلهية من صدره وابتلعها وإذ بالمهاجمين ينقضون عليه بالفؤوس والرصاص حتى شوّهوه ثم ربطوه
من رجليه وصاروا يطوفون به الأزقة مسحوبا على الأرض الى ان هشّموه تهشيما. فبصلوات أبينا الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته ، أيها الرب يسوع المسيح ، إلهنا ارحمنا وخلصنا آمين. وإذا كان يوسف الدمشقي ورفقته متواضعين ، ومحتقرين ، ومتضايقين ، ومطرودين ، وغير مشهورين لكي يكتبوا في كتب التاريخ ، ولكننا نعلم تماماً ، أن أسماؤهم قد كتبت في سفر الحيـاة ، وشركتهم سوف تكون مع هؤلاء الذين كتب عنهم أنهم :
" هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة.
وقد غسلوا ثيابهم. من أجل ذلك هم أمام عرش الله.
ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله. والجالس على العرش يحل فوقهم
لن يجوعوا بعد ، ولن يعطشوا بعد. ولا تقع عليهم الشمس ، ولا شيء من الحرَ.
لأن الخوف الذي في وسط العرش يرعاهم.
ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيَة.
ويمسح الله كل دمعة من عيونهم ". ( رؤية 7 : 14 – 17