وقد أدى بناء الهيكل أيام سليمان وظيفة سياسية هامة بالإضافة إلى وظيفته الدينية فان بناء الهيكل مع صورة الملك الحكيم جعلا من سليمان شخصية فريدة في تاريخ إسرائيل وذاكرته التاريخية، والهيكل بقي المركز الروحي لليهود حوالي الآلف سنة وتجدر الإشارة إلى أنه لم يفتتح الهيكل إلا بعد سنة من الانتهاء من بنائه .لكيما يتفق الموعد مع تاريخ تتويج سليمان أو ربما المناسبتان اتفق موعدهما مع احتفالات بعل !
وقد استفاد سليمان من الهيكل ليقوم ببعض الوظائف المختصة بالكهنة أو ذات الطابع الكهنوتي .أدخل التابوت بنفسه إلى الهيكل ،صلى دعاءين ،بارك الجماعة بشكل طقوسي وذبح ليهوه ،بهذا جعل نفسه الرأس الثيوقراطي لإسرائيل وترافق بناءه للهيكل مع إكماله بناء القصر الملكي الذي بدأه داود في مكان مجاور ،فهل كان هيكل أورشليم ذريعة دينية لهوية سياسية ؟
هذا أمر تصعب الاجابة عليه لاسيما أن تاريخ الهيكل يمتد عبر حقبات تاريخية طويلة تتراكم فيها الأحداث والمعطيات السياسية والدينية والثقافية التي شكلت الوعي المجتمع الإسرائيلي لهويته الاجتماعية والسياسية والدينية وسنحاول في هذا البحث أن ندرس العلاقة بين هيكل أورشليم والهوية السياسية الدينية للجماعة الاورشليمية بدءاً من الظروف التي أدت إلى العودة من السبي حتى خراب الهيكل عام 70م على يد جيش تيطس .
تبدل في المجريات التاريخية أيام السبي:
بعد موت نبوخذنصّر (562 ق.م.)، وتدهوُر حال الامبراطورية البابلية الجديدة، جرت حوادث هامّة في الأراضي الإيرانية كان لها أن تؤثر بشكل كبير على كل المشرق القديم. وقد ساهم المادّيّون إلى حدّ بعيد في ضرب الإمبراطورية الأشورية. غير أن أمراء الفرس الذين كانوا يملكون على العيلام عادوا في القرن السادس وضربوا الماديين. وقام المُلك الفارسي ليحلّ محلّ المُلك البابلي. وقد امتدّت سيطرة الامبراطورية المادية الفارسية إلى الشواطئ الغربية لآسيا الصغرى بعد انهزام كريزوس ملك Lydie أمام قورش (عام 546)، الذي عاد فأخضع أراضي واسعة في شرق إيران.
وقد وجدت الشعوب المحكومة في الإمبراطورية البابلية الجديدة، في هذه الحوادث، أسباباً لتأمل في سقوط قريب لبابل (أشعيا الثاني…). كان قورش يعلم أنه أكثر قوةً من الإمبراطورية البابلية الجديدة التي كانت تهيمن على ما بين النهرين وسوريا وفلسطين. احتلّ بابل في 539 لتسقط باقي الإمبارطورية بسهولة في يده. وقد أصبح الشرق القديم بجملته إمبراطورية واحدة تتخطّى حدود الإمبراطورية الأشورية الجديدة حين أخضع ابنه وخليفته قمبيز عام 525 مصر للفرس. فباتت إسرائيل وكل جماعاتها المتفرّقة في يد ملك واحد كبير.
ظروف دينية جديدة:
هذا وقد أدّى تأسيس الإمبراطورية الفارسية إلى تغيير جذري في مجريات الأحداث. فقد اعتمد ملوك الفرس سياسة جديدة في التعاطي مع الشعوب الخاضعة لهم. وكان لهذا الأمر تأثير كبير على إسرائيل. فإن الغزاة الأوائل عمدوا إلى تثبيت سلطانهم عبر اقتلاع جذور الشعوب القاطنة في الأراضي المخضَعة، مدخلين إلى جانب الديانات المحلية ديانة، إن لم يكن في سائر الأراضي فعلى الأقل إلى عواصم الأصقاع. أما الفرس، فعلى العكس، كانوا يحترمون تقاليد الشعوب المخضعة وخصوصيّتها. وقد كانت اللغة الآرامية في سورية وفلسطين ومصر اللغة الرسمية. غير أن احترام التقاليد المحلية للشعوب لم يقف عند حدود اللغة، بل تعدّاها إلى العبادات. وقد استفاد ملوك الفرس من هذا الأمر لمصالحة الشعوب المستعمرة.
بيان قورش:
هذا وينتمي بيان قورش عن إعادة بناء هيكل أورشليم والصادر عام 537، إلى هكذا إجراءات. فهو يأمر أن "يُعاد بناء بيت الله في أورشليم في المكان الذي جرت العادة أن تقدّم فيه الذبائح…" أي مكان الهيكل حيث كانت الطقوس الدينية مستمرة بشكل من الأشكال، إلى ذلك اليوم. ويتابع البيان أن تمويل المشروع يكون من أموال الدولة وأنه ينبغي أن تعاد إلى أورشليم آنية الهيكل التي جلبها نبوخذنصّر مع غنائمه إلى بابل.
ورشة إعادة البناء وآمال جديدة بالعودة:
ولعلّ بعض الجماعات الأورشليمية عادت في هذه الفترة إلى ديارها، لكن المرجّح أن عدد هؤلاء لم يكن كبيراً خاصة وأن الدمار الشامل في أورشليم لم يترك فيها شيئاً جذاباً.
هكذا وضع قورش أساس الهيكل، لكن العمل عاد فتوقّف. ولكن الصراعات التي دارت ما بين 522 و521 ما بين داريوس بن هيستراب (Hystrape) وقمبيز بن قورش والتي أدّت إلى استيلاء داريوس على سائر الإمبراطورية، وما رافق هذه الصراعات من اضطراب في كل أرجاء الإمبراطورية، عادت فأحيت في إسرائيل الأمل في تحقيق نبوءات الأنبياء عن آخر مرحلة في تاريخهم. ففي النصف الثاني من العام 520 لفظ النبي حجي نبوءته، وفي بداية الـ519 عاين زخريا رؤياه الليلية. وكان النبيان ينتظران مجيء ملكوت الله، الذي بدا أن الاضطرابات الحاصلة هي بداية له. لكن حضور الله لم يكونا ليتصوّرا إلا في مكان العبادة، ما حدا بحجّي إلى التشجيع بشكل خاص على العودة إلى ورشة البناء التي انطلقت من جديد عام 520. أما النبي زخريا فقد ساهم من جهته في إحدى رؤاه في تطهير وتكريس رئيس كهنة الهيكل الجديد (زخريا 1:3).
تكريس الهيكل أو بداية سلطة العنصر الكهنوتي:
وكان زربابل الداودي حاكماً لأورشليم في هذه الفترة. هذا كان حفيداً للملك يواكيم وابناً لبكره شألتئيل. كان عاملا فارسيا وحاكما لليهودية. أوكل زخريا إليه إنجاز عمل البناء، وقد تولى هذه المهمة. لكن آمالاً أخرى تعلّقت بشخصه: أن يصير ملكاً على اليهودية وأورشليم… ولكن سرعان ما عاد اليهود ولاحظوا أن اضطرابات عهد قمبيز لم تكن سوى مرحلة عابرة وليس "بداية المخاض". وقد سمح داريوس بإكمال بناء الهيكل مانحاً دعمه الماديّ.
وجرى الاحتفال بتكريس الهيكل الجديد في اليوم الثالث من شهر آذار عام 515. فاستعاد شعب إسرائيل مركزه الديني والطقوس السليمانية فيه ليضحى إسرائيل الجماعة الكبيرة لعبادة الهيكل.
هذه الحال أعطت العنصر الكهنوتي أهمية لم يتمتّع بها من قبل. فقد صار الكاهن الأول على رأس كل إسرائيل. صار "رئيس الكهنة"، بينما إسرائيل القديم لم يعرف قط تراتبية كهنوتية (Hiérarchie Sacerdotale). وقد شكل الصدوقيون في الهيكل الجديد جماعة من الكهنة أدّت دوراً أوليا في قيادة إسرائيل. فباتت العبادة الكهنوتية إذاً مركز السلطة في إسرائيل.
إعادة تنظيم الحياة في ظل التأثير الفارسي:
أمّا حركة الإصلاح "المعنوي" فقد أتت أخيراً من مسبيي بابل. فإن هؤلاء، إذ كانوا محاطين بالأعاجم، ظلّوا متمسّكين بتقاليدهم ومؤسساتهم التراثية، بأشد غيرة من القبائل التي مكثت في فلسطين… وقد كان يهم الفرس أن يحافظوا على الأمن والاستقرار في مقاطعاتهم، فأذعنوا لطلبات الجماعات الإسرائيلية وسمحوا لها بإعادة إحياء تراثها. ويمكن في هذا السياق التاريخي تحديد وفهم مهمّة عزرا ونحميا في أورشليم.
جهود نحميا:
المعطيات التاريخية التي بين أيدينا عن عزرا ونحميا والعلاقة بينهما هي مضطربة بعض الشيء. نعلم أن نحميا وفد للمرة الأولى على أورشليم عام 445 ق.م.، على الأرجح قبل عزرا الذي لا يمكن تحديد زمان مجيئه.
كان نحميا من جماعة المسبيّين في بابل. تمكن بسبب وظيفته الرفيعة من أن يتصل بالبلاط الملكي الفارسي بل بالملك نفسه. فاستفاد من ثقة الملك ورضاه ليدبّر إرساله، في أقرب فرصة، في مهمّة رسميّة إلى أورشليم من أجل إعادة بناء المدينة. وقد مكث بالمدينة حتى من بعد إتمام مهمّته أي بعد إعادة تشييد الأسوار. أدّت ترقيته إلى رتبة حاكم إلى منح اليهودية شيئاً من الاستقلال الذاتي. وقد تسبّبت عودة جماعات جديدة إلى أورشليم بإعادة بناء المدينة. ذلك أن المسبيّين في بابل حفظوا حنيناً وتذكُّراً لصهيون.
ولم تكن قيامة ملوك يهوذا لتطمئن أهل السامرة. فأدّت شكايتهم إلى الملك إلى إيقاف العمل وذلك لفترة ليست بقصيرة.
وقد كانت آلية عمل نحميا على الشكل التالي: بعد الانتهاء من تشييد أسوار أورشليم، نقل إليها نحميا عُشر سكان كل من المقاطعات المجاورة لها. وقد تمّ اختيار هؤلاء بالقرعة. كذلك أصدر بياناً عن إلغاء سائر الديون المترتبة على الشعب للدولة. وحارب الزيجات المشتركة بين اليهود والنساء الغريبات. ونظّم شؤون الهيكل موكلاً مداخيله إلى "رؤساء الشعب"، كما سهر على فرض راحة السبت.
وقد بدا أن الأوان آن لكي تؤسس جماعة أورشليم دستوراً جديداً إلزاميا لحياتها. فقد كان إسرائيل المشتت في السبي متمسكاً بتقاليده ومتحداً حول عبادة أورشليم، غير أنه لم تكن له بعد البنية التنظيميّة الخاصة به. من هنا جاء دور عزرا.
نشاط عزرا:
أما نشاط عزرا التنظيمي فإن المصدر الأساسي له هو "إرشادات عزرا الإلهية" الواردة في سفره (عزرا 7: 12-26). ولكن هذا المصدر لا يعتبر تاريخيّاً. جاء عزرا وبيده "ناموس من إله السماء". كان الكاهن عزرا ينتمي إلى أسرة من الصدوقيين المسبيين في بابل. وفد بإيعاز من ملك الفرس Artaxerxès الذي سبق فأرسل نحميا. يبدو أن نحميا لم يتمكن من ضبط بعض المخالفات والاضطرابات التي حصلت في اليهودية وأورشليم. فكلّف عزرا بالإصلاح. وقد لقّب بـ "كاتب ناموس إله السماء" ثم بـ"عزرا الكاتب". جاء ليحكم بهذه الشريعة الجديدة كل الشعب في اليهودية والشتات. وكان لا بدّ له من إقامة قضاة لتنظيم هذا الأمر. وكل هذا بمهمة رسمية من الملك الفارسي.
أصبح إذاً "ناموس الله" مفروضاً بدعم من السلطة الفارسية العليا. وهكذا استُبدل إسرائيل القديم بجماعة من أتباع الناموس. هؤلاء كانوا أقلّ عددا من سليلي الشعب الإسرائيلي. ولكن أيضاً لم يكن شيء ليمنع من انضمام أعضاء جدد إلى الجماعة عبر قبول الناموس واتّباعه. فانحلّت اليهودية القديمة القائمة على الأسباط والأسر ليصبح الناموس المحور المركزي للانتماء الإسرائيلي.
وقد وصل عزرا إلى أورشليم على رأس جماعة رافقته من بابل، ومعه المال الوفير وبعض الآنية للهيكل وتعهُّدٌ من الدولة لتأمين ما يحتاجه الهيكل من ذبائح بالإضافة إلى إعفاء خدامه من الضرائب.
أمّا "ناموس إله السماء" الذي جلبه عزرا فيبدو أنه شريعة استنّها المشتتون في بابل ليحافظوا على ولائهم لإله إسرائيل عبر انصياعهم لأوامرها (أشعيا الثاني…). وهو غير الأسفار الخمس التي دوّنت على الأرجح فيما بعد في فلسطين. ولكن لا يمكننا تحديد ماهية ناموس عزرا. الأمر الأكيد هو أن عزرا تمكن من خلق حالة مستقرّة في المجتمع اليهودي وأمّن بالتالي لإسرائيل إمكانية العيش والاستمرار.
وعي ديني جديد:
إذاً، خلال الفترة الفارسية، اتخذت العبادة اليهودية الشكل الذي ستحافظ عليه فيما بعد. فإن أورشليم أضحت بعد بناء الهيكل المركز الديني ليس للذين يسكنون من حوله فحسب، بل وأيضاً لكل الإسرائيليين المشتّتين في العالم. كل العبادات المحليّة الموجودة أو التي كانت تظهر في مكان ما سقطت تحت الحرم. اعتبرت غير شرعية وهرطوقيّة. وكانت تسيطر في أورشليم طغمة كهنوتية تتألف من "رئيس الكهنة" الذي يتزعم مدرسة كهنوتية ضيّقة بل منغلقة تتحدّر من سلالة الصدوقيين الكهنوتية من الحقبة الداودية. وقد عمدت هذه الفئة فيما بعد إلى ربط جذورها بهارون شقيق موسى لأن هذا كان له دور هام في التقليد… لكن أسراً عديدة رفضت هذه الادعاءات. وقد نشأ إلى جانب هذه المدرسة الكهنوتية لون من الكهنوت الأدنى (Clerus minor) الذي سُمّي فيما بعد "باللاويين".
وتجمّع الكهنة واللاويّون بشكل طبيعي حول الهيكل. ولكنهم كانوا يسكنون أيضاً في محيط المدينة. والقدوم إلى الهيكل كان يقتصر على فترة خدمتهم فكان منظّماً بغاية الدقّة. وقد ترك ملوك الفرس للكهنة حرية تنظيم العبادات.
ومن الخصائص الدينية الهامّة لهذه الفترة المحاولة الأولى لقوننة الأدبيّات والأسفار اليهوديّة التي جرت آنئذ. فإنه لا يمكن الشك في أن الأسفار الخمسة (Pentateuque) اتخذت بنيتها النهائية في هذه الفترة بل وإنها صارت نصّا مقدّسا له قيمة الناموس بالنسبة إلى كل الجماعة.
وكانت هذه الخطوةَ الأولى نحو تأسيس "المجمع" وعلوم الشريعة. واستمرت في الفترة ذاتها قراءة وتصنيف كتب الأنبياء التي اعتبرت الميراث الأدبي للماضي فعُمل بتأنّ على حفظها. وقد أضيفت إلى مؤلّفات الأنبياء جملة من النصوص الجديدة التي تحمل وعوداً مصاغة بأسلوب يلائم حاجات وعقلية ذلك العصر. وحصل في القرن الأوّل تثبيت للتقليد النبوي بإيقاف كل نموّ للأسفار. جمعت الأسفار النبويّة مع الكتب الخمس. أصبح إذاً بالإمكان الحديث عن "قانون الأنبياء" وقد شكّل هذا القسم النصفَ الثاني للكتاب المقدس الذي بات له سلطة النصف الأول ذاتها. وقد اعتبرت الكتابات التي ظهرت في الفترة الفارسية جزءا ثالثاً في العهد القديم.
هكذا، وبعد تدهور واندثار الأحوال التي سادت زمن الأشوريين والبابليين، شهد الملك الفارسي تجدّداً وإعادة صياغة لحياة الجماعة الأورشليمية، جاءت بعد بيان قورش وأمره ببناء الهيكل. هذه النهضة تعود أيضاً إلى نشاط المسبيّين في بابل الذين تمكّنوا من التأثير في السلطات الفارسية من أجل إعادة إحياء أورشليم وعباداتها. وقد أخذت المؤسسات التي نشأت عن ذلك شكلاً وأهمية استمرّت حتى يومنا.
وقد دخلت بعض عناصر الحضارة اليونانية قبيل الإجتياح المقدوني لتؤثّر في حياة وثقافة اليهوديّة ومحيطها.
إجتياح مقدونية للمشرق، مفترق طرق في حياة جماعة الهيكل:
هذا وقد أدى انتصاران كبيران لجيوش الاسكندر إلى وضع حد لهذه المرحلة من تاريخ المنطقة. فقد تمكنت جيوشه من الزحف على مصر مروراً بآسية الصغرى وسورية وفلسطين من بعد انتصار العام 333 في إيسوس (Issus) على مقربة من ميناء الاسكندرون. وعاد في العام 331 عاد الاسكندر فكسر الإمبراطورية الفارسية (في Gaugamela و Arbèle) لينجز بناء إمبراطوريته الإغريقية الشرقية. بهذا انتهى تاريخ مملكة المشرق القديمة وابتدأت المرحلة الهلينستية في شرق المتوسط.
وقد ربضت القوات المقدونية، ابتداءًا من 332-331، بجوار الأراضي الفلسطينية المأهولة بالقبائل الإسرائيلية فشكلت بالقرب منها مركز ثقل عسكري. بيد أننا لا نجد في العهد القديم أية إشارة واضحة إلى هذه الوقائع.
أما الصراعات التي خاضها "الخلفاء" على السلطة بعد وفاة الاسكندر، فقد حصل قسط منها في سوريا وفلسطين اللتين كانتا ملتقىً للطرق.
السيطرة البطلوسية:
ولا نعرف، في حقبة السيطرة البطلوسية، سوى الأشياء القليلة عن المجتمع الأورشليمي.
هذا، وقد تجمهر في العاصمة البطلوسية الاسكندرية، ابتداءً من القرن الثالث، عدد هام من الرعايا الأرشليميين. هذه الجماعة استبدلت الآرامية باللغة المستعملة في الاسكندرية أي اليونانية. فباتت الاسكندرية بسرعة أحد المراكز الأشهر، لشتات يهودي هلينستي يوناني اللسان، الذي بدأ يظهر كذلك في مدن أخرى هلينستية في شرق المتوسط. وانضم إلى المشتتين عناصر جدد، اجتذبتهم عبادة وشريعة الجماعة الأورشليمية، فخضعوا "لناموسها". وقد سموا بالدخلاء (Les prosélytes)، أي "الواصلين حديثا". وإذ كانت هذه الجماعات لا تعرف لا عبرية العهد القديم ولا الآرامية الشعبية لإسرائيليي فلسطين، برزت الحاجة إلى ترجمة يونانية للأسفار المقدسة التي كانت تتألف آنئذ من "الناموس" (Pentateuque). ولهذا بدأت خلال القرن الثالث الترجمة إلى اليونانية لفصول "الناموس" التي كانت تقرأ وتفسر في خدمة العبادة في المجمع. ثم جرت في الاسكندرية ترجمة تدريجية للمقاطع الأخرى للعهد القديم رافقت صيرورتها قانونية. وهكذا تخلى النص عن العبرية لصالح اليونانية وانفتح على تأثيرات الروح الهلينستية. والحق يقال أن البطالسة أفادوا من سيطرتهم على فلسطين وفينيقية في القرن الثالث، ليعمدوا إلى هلننة جماعة أورشليم أو ليمهدوا لانتقال مركز الثقل اليهودي إلى شتات هلينستي أو مهلنن. وكما في مصر كذلك في فلسطين وفينيقية عمدوا إلى العبادات التقليدية فيها وما يستتبعها من مؤسسات.
سيادة السلوقيين:
وقد خسر البطالسة فلسطين وفينيقية، اللتين انتقلتا إلى سلطان السلوقيين عام 198. وقد رحّب الإسرائيليون بالأسياد الجدد فأظهر أنطيوخوس الثالث لهم عطفه في مبادرة منه إلى استمالتهم. كما توضح بعض الوثائق التي استشهد بها يوسيفوس. فقد أجزل عطاياه من أجل التعويض لهم عن خسائر الحرب وأطلق أسراهم ومنح هيكل أورشليم امتيازات عديدة.
ولكن هذه الحال لم تدم طويلاً. فإن الرومان سرعان ما هزموا أنطيوخوس عام 190 في آسية الصغرى واضطروه في العام التالي على الموافقة على السلام المذل في أفاميا. وكانت هذه بداية تدهور حال السلوقيين. وكان خلال مرحلة التدهور هذه أن اندلعت تحت حكم أنطيوخوس الرابع إبيفانيوس نار الفتنة مع الجماعة الأورشليمية، والتي افتتحت مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل.
وقد حصل خلال هذا الوقت أمر هام بالنسبة إلى تاريخ الجماعة. فقد انشقت الجماعة السامرية عن أورشليم لتؤسس عبادة سامرية خاصة بها على جبل جريزيم المقدس قرب شكيم.
المؤامرات والدسائس في بلاط السلوقيين، والتدخلات الرومانية المستمرة في شرق المتوسط، ومواجهات السلوقيين مع البطالسة الذين بدأوا أيضاً بإيعاز ودعم روماني يتحركون، كل هذه الأمور زعزعت استقرار السيادة السلوقية وأمنها الخارجي والداخلي وجعلت حالها الاقتصادية المتدهورة تدفعها إلى المساس بخيرات الشعوب الخاضعة لسلطانها.
وقد حدث صدام بين محبذي الحضارة الهلينستية والمتمسكين بالحضارة المحلية الخاصة. فإنه إلى جانب الكثيرين الذين انفتحوا على حضارة الإغريق وتقبلوا بسهولة أسبابها، قامت جماعات محافظة تنكرت لهذا الأمر ورفضت بشدة الحضارة الغربية حرصا منها على تقاليدها. فقد رأت فيها صدى للوثنية ولتعدد الآلهة. هذه العداوة ظهرت للمرة الأولى في أسفار المكابيين حوالي الـ175. وقد راح الأورشليميون يتساءلون حول كيفية التعاطي مع الهلننة. ما أدى لأن تكون الأوضاع الداخلية للمجتمع الأورشليمي متشنجة، هذا مع الخطر المتربص في مصر والذي جعل السلوقيين مستعدين للتدخل في أية لحظة لضبط الأحوال في أورشليم بسبب تزايد حدة الضغط.
وبعد اغتيال سلوقيوس، استولى أنطيوخوس الرابع على السلطة عام 175، وقد أقنعه شخص يدعى ياسون وهو شقيق الكاهن الورع أونياس (Onias) واعداً إياه بترويج الهلينستية في أورشليم وبمبالغ من المال كبيرة، أقنعه بإزاحة أونياس بأمر ملكي ليحل هو محل رئيس الكهنة. والواقع أن هذا التدخل لم يكن هيمنة ملكية على الملكوت بقدر ما كان نزاعاً كهنوتيًّا دعا الملك إلى التدخل بأمور الملة. فبات الملك الآن يقحم أنفه في تعيين رئيس الكهنة، وبقضايا أورشليم الدينية. وبالفعل فإنه بعد ثلاث سنوات دفع رجل يدعى مينيلاوس مبالغ أكبر فأزيح ياسون، وحل هو محله. وحين انتشرت الإشاعة الزائفة عام 169 بأن أنطيوخوس سقط في حملة مصر، عاد ياسون واستولى على رئاسة الكهنوت. لكن بعودة أنطيوخيوس اضطر إلى الفرار إلى شرق الأرض وعاد مينيلاوس إلى مهامه.
وبسبب أزمته الاقتصادية، استفاد أنطيوخيوس من إعادة مينيلاوس إلى وظيفته ليستولي على أدوات الخدمة في هيكل أورشليم. وقد تجرأ حتى على اقتحام الهيكل، ما أثار حفيظة الإسرائيليين التقليديين إلى أبعد حد. فاعتبر أنطيوخيوس عدوا لإيمانهم. ولم يعد يسهل كبت مشاعرهم العدائية. فكان أن واجه أنطيوخيوس تمرداً جديداً على سلطانه.
وكانت الطامة الكبرى بعد سنتين. ففي العام 168 خلال حملته على مصر، اضطر على أثر بيان صادر عن مجلس الشيوخ في روما إلى مغادرة مصر والعودة عن مشاريعه في هذه البلاد. وإذ عاد ذليلاً غاضباً، أمر أمين صندوقه بأن يأخذ مدينة أورشليم الثائرة عنوة. وقد دمرها ونهبها جزئياً واستبدل بناء القصر الداودي بقلعة للجند. فمات الكثيرون من سكان القدس خاصّة الذين كانوا يزورون الهيكل ولاذ كثيرون بالفرار. وقد عوملت أورشليم كمدينة عدوّة. وكان أن تخلّص أنطيوخوس من جماعة العبادة في القدس التي بدت له في أساس التمرّد. فأصدر بياناً منع فيه التجمعات والتظاهرات الدينية، ومنع الذبائح التقليدية، ألغى حفظ السبت وعادة الختان. أتلف مخطوطات الأسفار المقدسة. وكان الموت عقاب كل من يخالف تعليماته. وأقام في هيكل أورشليم عبادات هلينستية غريبة.
وقد عومل هيكل جريزيم بالمثل. إذ أرغم الملك الجميع على المشاركة في العبادة. وكان أعوانه يشرفون على تطبيق هذه الأمور بدقة. وقد افتتحت العبادات الجديدة في هيكل أورشليم في كانون الأول 167. وقد وزّعت في سائر مناطق الحملة مذابح لإرغام الناس على تقدمة الذبائح للأوثان.
ولكن الأمر كان مستحيلاً بالنسبة لأهل أورشليم مع أن سكاناً آخرين رضخوا للأمر الواقع. فقد آمن أهل القدس أنهم يعبدون إلهاً لا مجال لدخوله في التشبيه مع آلهة الشعوب المجاورة. فكان لا بد من اندلاع حرب دينية لا هوادة فيها على أرضهم. وقد برز في الصفوف الأمامية للحرب الرجال الذين لم يقبلوا يوماً بأسباب الحضارة الهلينستية. وكانوا حتى الآن لم يلعبوا أي دور ظاهر، أما اليوم فقد انفسح المجال أمامهم للتعبير عن مكامن أنفسهم. وقد وضعت اليد على من أتباع الهلينستية. وأوقف مينيلاوس رئيس كهنة أنطيوخوس. وخضع للثورة عنوة ومعه القسم الأكبر من الإكليروس الهلينستي. أما الآخرون فخوفاً من السلوقيين قبلوا أن يقدموا ذبائح للأوثان. وكان عدد الذين فضلوا الموت عن التضحية قليلاً جداً. وقد تجنب بعضهم الموت بالفرار. ولكنهم فيما بعد اضطروا للمواجهة وقد اتخذت قضية مقاومة الملك منحىً آخر هو مقاومة الهلينستية نفسها.
وقد أدت هذه الظروف إلى تشكيل التكتل اليهودي المعارض (حوالي 166ق.م.) والذي كان النواة الأولى لما عُرف فيما بعد بالثورة المكابية.
وقد كتبت في هذه المرحلة بالذات رؤى النصف الثاني من سفر دانيال. وكأن المرحلة هي آخر خطوة قبل حلول سلطان الله في الأرض. ورؤى دانيال كانت تشرح بأن الأحداث التي أدت إلى تدخل الله هي بداية النهاية لسلطان العالم. نهاية الممالك الكثيرة التي سادت في الأرض. هكذا أدت مآسي وتوتر المرحلة إلى ولادة أدب نشوري.
وقد اقترح يهوذا بعد هذه الانتصارات تحرير القدس وإعادة بناء الهيكل. فإنه بعد احتلال الهيكل وتدنيسه عام 167 أقام المؤمنون هيكلاً بديلاً في ميزبا شمالي القدس. ولكن لم تكن تُقدم فيه الذبائح. كان يكتفى بأن تُعقد فيه الاجتماعات وقد أُحضر إليه ما تبقى من آنية الهيكل وملابسه… ولكن الهيكل الحقيقي يبقى هيكل أورشليم.
عام 164 زحف يهوذا وأتباعه على القدس. أرغم الجيش السلوقي على الاعتكاف في قلعة شمال الهيكل. ثم اعتنى بإعادة تأهيل الهيكل. عين فيه كهنة حافظوا على تقليد الأجداد، وأخرج منه كل ما يختص بالعبادة الوثنية هادماً مذبح زوس.
في كانون الأول 164، ثلاثة أعوام بعد التدنيس، أعيد الهيكل إلى العبادة الناموسية في عيد دام ثمانية أيام مع ذبائح، صلوات، وتسابيح. وقد بنيت من حوله حصون وانتدبت لحراسته فرقة من الجند.
ولكن الاضطراب السياسي الداخلي عند السلوقيين أدى إلى تبدل الوضع. فإن منافساً لليسياس مقرّب إلى أنطيوخوس الرابع برز مطالباً بحقوقه في الوصاية على الأمير الصغير. ما أدّى إلى حسم ليسياس قضية يهوذا بإقامته سلاماً مع اليهود بعد أن أخلوا الهيكل من الجند. وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية الأخيرة التي سادت أيام أنطيوخوس الرابع.
وقد عاد ديميتريوس بن سلوقيوس الرابع عام 162 إلى انطاكية من روما، إذ صار بعد وفاة والده الوريث الشرعي للعرش. فأقام على سدّة رئاسة الكهنوت في القدس رجلاً يدعى "عليم"، وهو عضو شرعي من أسرة رؤساء الكهنة، من أجل خدمة عملية السلام بينه وبين الإسرائيليين. ثم أرسل وفداً لدعوة يهوذا وأتباعه لتوقيع السلام. لكن يهوذا وأعوانه لم يكونوا يرون الأمور بهذه الطريقة. فقد اعتبروا تعيين الملك لرئيس الكهنة وتنصيبه إياه في جو احتفالي استعراضي عسكري أمراً مهيناً. وقد شاؤوا التخلص إلى ما لا نهاية من السلطان الأجنبي. وهكذا ظهرت نواياهم الحقيقية. فقد بدأت الحرب من أجل الدفاع عن حقوقهم ولكنها الآن اتخذت أهدافاً جديدة تتجاوز ذلك. وقد أدّى هذا إلى انشقاقات في صفوف أتباع يهوذا. من جهة وقف مطالبو الحرية الكاملة وسمّوا "بالأتقياء"، ومن الجهة الأخرى قام أولائك الذين أوحت إليهم السياسة بالتحرر. وبالإضافة إلى كليهما وجدت جماعة مهلننة لها علاقة بالأسر الكهنوتية، وهم الصدوقيون. وكان عليم كبير الكهنة يتقدمهما.
في نيسان 160، وبسبب تفوق العدد وضعف معنويات جيشه هُزم يهوذا وقتل في المعركة. فحاول باخيديس بالتعاون مع رئيس الكهنة إحلال السلام في البلاد. وقد تم التخلص من كل أتباع يهوذا. وقد فرّت أعداد قليلة منهم إلى البادية لتعيش في ظروف تشبه ما كان عليه متتيا ومحيطه أيام الثورة المكابية الأولى. وعينوا مكان يهوذا يوناثان أخوه. وكان أمل هؤلاء بإقامة حرب كبيرة ضعيفاً. لا سيما وأن أهل أورشليم اكتفوا بالحرية الدينية الممنوحة لهم. بينما تحصن السلوقيون في سائر نواحي اليهودية.
وقد أدّت اضطرابات داخلية جديدة لدى السلوقيين إلى خدمة مآرب يوناثان، فقد دعاه باخيديس إلى مفاوضات. فأعاد إليه الأسرى وغنائم الحرب وسمح له بالاستقرار في مشماس (12 كلم شمالي شرق أورشليم)، وأن يقوم من هناك مقام "قاضي إسرائيل" (سنة 157).
انتهت الحرب وألكيمس توفي منذ عامين، وكان يسيطر في أورشليم حزب الصدوقيين. وكان يوناثان يرفض في بداية الأمر الانضمام إليهم، فكان يقضي من مشماس. وقد استغل فيما بعد الصراعات الداخلية في صفوف السلوقيين ليحقق مآربه. سمح له بتشكيل جيش يدربه وأن يقوم بتحضيرات عسكرية أخرى… فعاد يوناثان إلى القدس وبنى من جديد حصون الهيكل. وفي الوقت نفسه سعى بالاس إلى استمالة يوناثان. فبوّأه سدّة رئيس الكهنة. ثم أرسل له ثوباً من مع تاج من ذهب علامتين للسلطة الزمنية. فبدا كملك مساعد تحت مظلة السلوقيين. فتلاعب ما بين ديمتريوس و إسكندر بالاس قدر المستطاع.
فعظم شأن يوناثان إذ امتد وتوسع بسبب حملاته والعلاقات التي أقامها مع روما وسبارطا، ثم التحصينات الكبيرة التي بناها في أورشليم ما أدى إلى تحرك ذيوذوروس تريفونوس والقضاء عليه.
فارتدّ ابنه وخليفته سمعان إلى ديمتريوس الذي كان يجاهد من أجل الحفاظ على ملكه. وأقام حلفاً معه. فسمح له بمتابعة تحصين أورشليم. ثم عين سمعان نفسه "رئيس كهنته عبداً، عماد ورئيس اليهود" وبدأ يؤرخ ابتداءً من ملكه. ويتصرف باستقلال كبير عن السلوقيين. وفتح باب العلاقات من جديد مع روما واسبارطا. حتى إنه تمكن من جعل قلعة القدس تستسلم وتنسحب دون اعتراض السلطات السلوقية (عام 141). وأضاف سمعان بعد التغيير لدخول الحصن تحصينات إلى الهيكل وإلى القلعة.
وبعد مقتله ملك يوهنس تحت اسم يوحنا هرقان الأول في مقاطعات أبيه ذاتها.
قيام وسقوط الملك الأشموني
وقد أطلق موت أنطيوخوس السابع ليوحنا هرقان الأول العنان. فقام بحملات عسكرية عديدة لبسط سلطانه كرئيس كهنة وحاكم. اعتمد بشكل كبير على المرتزقة كما فعل داود من قبل. اقتحم جنوب الأردن الشرقي، غزا مادابا، أخذ تل بلخا الذي كان أيام داود جزءاً من إسرائيل. هجم على السامرة، أخذ نابلس، احتل جبل جريزيم، وهدم الهيكل السامري. اقتحم مقاطعة آدوم مرغماً أهلها على اتباع الناموس (ختانة…). وبعد حصار دام حوالي السنة الكاملة وتدخل السلوقيين للدفاع عنها، دخل ابنا يوحنا أريسطوبولس وأنطيغونوس عاصمة السامرة عام 107 ودمراها بالكلية. ولكن يوحنا واجه مشاكل داخلية. فالفريسييون رفضوا سياسته وممارساته. فتقرب من الصدوقيين. وقد ضرب في نهاية المطاف دراهم تحمل اسمه.
هذا توفي العام 104. وأوصى بأن تخلفه زوجته. لكن ابنه البكر أريسطوبولس، استولى على السلطة وأخذ لقب الملك وتوّج نفسه.
هذا أخضع الجليل لسلطانه مرغماً أهله الايطوريين على الختان وناموس موسى. لكنه توفي بعد عام سنة 103. فأخرجت زوجته سالومة ألكسندرا إخوته الثلاثة من السجن وأقامت أحدهم الاسكندر جاني على العرش. ثم تزوجته وخلفته في الحكم بعد وفاته. وقد حكمت هذه تسع سنوات من بعده تاركةً لابنه هرقان الثاني وظيفة رئاسة الكهنوت. كانت حاكمة داهية، حافظت على السلم والأراضي وتقربت إلى الفريسيين ما جعل الصدوقيين يستاؤون. وقد توفيت العام 67 تاركة العرش لابنين متنازعين.
هرقان الثاني ورث العرش بعد أن كان رئيس كهنة لكن أخاه أريسطوبولس أخذ منه السيادة عنوة بعد حرب فهدأت الأحوال من ثمة.
لكن سرعان ما ظهرت شخصية جديدة هي أنتيباتروس أو أنتيباس حاكم الأدوميين. هذا حالف الأنباط هو و هرقان الثاني فزحفوا على أراضي اليهود الممتدة وكسروا أريسطوبولس ثم حاصروه في القدس وقضوا عليه. وهيمن الأنباط على كل أراضي اليهود. فكانت هذه نهاية ملك الأشمونيين.
خاتمة:
زمن يسوع المسيح، لم يفقد الهيكل شيئاً من المكانة التي تمتع بها عبر تاريخ إسرائيل.
تم ترميم وتجديد الهيكل بشكل كامل أيام هيرودس الملك بعد أن عُمل على توسيع محيطه عبر بناء أسوار لتدعيم الموقع. و قد كلّف هذا العمل مبالغاً كبيرة. بدأ العمل سنة 20\19ق م. وبعد عشر سنوات كان يمكن تكريس الهيكل. ورشة البناء لم تتوقف ههنا بل استمرت فترة قصيرة قبل الثورة ضدّ الرومان. و قد شهد المسيح و تلاميذه على روعة وضخامة البناء. ذلك انّ هيرودس تميّز بالمنشآت الضخمة التي بنيت في أيامه. أيّام الأعياد الكبيرة، كانت حشود الحجّاج تتوافد إلى الهيكل، عددهم كان يفوق سكّان أورشليم الخمسة و العشرين ألف.
عيد الفصح كان الذي كان يعيّد له في الربيع، كان رمزاً هامّاً في الذاكرة الجماعيّة: تذكّر تحرير إسرائيل من الغبوديّة في مصر. ولكن لمّا تمّ تدمير الهيكل عام 70م، لم يعد في الإمكان ذبح و تحضير حملان الفصح. صار يُحتفل بالعيد من غير حمل. و تنامى في الوجدان نوع من الشوق إلى ذلك اليوم الذي سيأتون فيه من جديد بحملان فصحية إلى الهيكل المستعاد. هذا، و تشهد استمرارية الجماعات اليهوديّة في الشتات على أنّ الحياة الدّينيّة لهؤلاء لها مقوّمات أساسيّة غير الهيكل والعبادة فيه.