مولد يوحنا المعمدان
(24 حزيران )
النص الانجيلي :
( لوقا 1:1-25و 57-67 و 76 و 80 )
“اذ كان كثيرون قد اخذوا في تأليف قصص الأمور المتيقنة عندنا، كما سلّمها إلينا الذين كانوا معاينين منذ البدء وخُداما لها، رأيت أنا أيضا وقد تتبعتُ جميع الأشياء من الأول بتدقيق أن أكتبها لك على الترتيب ايـها العـزيز ثـاوفيـلس، لتـعرف صحة الكلام الذي وُعظتَ به. كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زخريا من فرقة أبيّا وامرأته من بنات هرون اسمها أليـصابات. وكانـا كلاهـما بـارّيـن امـام الله سائـريـن في جميع وصايا الرب وأحكامه بغيـر لـوم. ولم يكـن لهما ولدٌ لان أليصابات كانت عاقرا، وكانا كلاهما قد تقدّما في ايامهما. وبينما كان يَكهن في نوبة فرقته امام الله، اصابته القرعة على عادة الكهنوت أن يدخل هيكل الرب ويبخر. وكان كل جمهور الشعب يصلي خارجًا في وقت التبخير. فتراءى له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور، فاضطرب زخريا حين رآه ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لا تخف يا زخريا، فإن طلبتك قد استُجيبت، وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنًا فتسمّيه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج ويفرح كثيرون بمولده، لانه يكون عظيمًا امام الرب ولا يشرب خمرًا ولا مسكرًا، ويمتلئ من الروح القدس وهو في بطن امه بعد، ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم، وهو يتقدم امامه بروح ايليا وقوّته ليرد قلوب الآباء الى الابناء والعصاة الى حكمة الأبرار ويهيء للرب شعبًا مستعدًا. فقال زخريا للملاك: بمَ أعلم هذا، فاني انا شيخ، وامرأتي قد تقدمت في ايامها. فاجاب الملاك وقال: انا جبرائيل الواقف امام الله وقد أُرسلتُ لأُكلمك وأبشرك بهذا، وها انك تكون صامتا فلا تستطيع ان تتكلم الى يوم يكون هذا، لانك لم تصدق كلامي الذي سيتم في اوانه. وكان الشعب منتظرين زخريا متعجبين من إبطائه في الهيكل. فلما خرج لم يستطع ان يكلّمهم، فعلِموا انه قد رأى رؤيا في الهيكل، وكان يُشير اليهم وبقي أبكم. ولما تمت ايام خدمته مضى الى بيته. ومن بعد تلك الايام حبلت أليصابات امرأته فاختبأت خمسة اشهر قائلة: هكذا صنع بي الرب في الايام التي نظر اليّ فيها ليصرف عني العار بين الناس. ولما تم زمان وضعها، ولدت ابنا فسمع جيرانها واقاربها ان الرب قد عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي فدعوه باسم ابيه زخريا. فاجابت امه قائلة: كلا لكنه يُدعى يوحنـا. فقـالـوا: ليس احد في عشيرتك يُدعى بهذا الاسم. ثـم اومـأوا الى ابيـه ماذا يـريد ان يُسمى. فطلب لوحا وكتب فيه قائلا: اسمه يوحنا، فتعجبوا كلهم وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم مباركا الله. فوقع خوفٌ على جميع جيرانهم وتُحدّث بهذه الامور كلها في جميع جبال اليهودية. وكان كل من يسمع بذلك يحفظه في قلبه ويقول: ما عسى ان يكون هذا الصبـي؟ وكانـت يـد الـرب معـه. فامتـلأ أبـوه زخـريـا مـن الروح القدس وتنبأ قائلا: مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد وصنع فداء لشـعبه. وأنـت ايـها الصبي نـبـي العـلـي تـُـدعى لانك تـسبـق امام وجــه الرب لتُــعِدّ طـرقـه. امـا الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح، وكان في البراري الى يوم ظهوره لاسرائيل. “
العظة :
باسم الاب والابن والروح القدس ، آمين
” وله ينبغي ان ينمو ولي ان انقص ” (يوحنا 3: 13)
ايها الاحباء: نعيّد اليوم لمولد من عمّد المسيح ، اي نعيّد لميلاد يوحنا المعمدان ، وقليلون القديسون الذين حصلوا على شرف التعييد لميلادهم . لم يذكر الكتاب المقدس من العهد القديم او الجديد سوى ثلاثة اشخاص ،ذكروا يوم ميلادهم ،هم في العهد القديم مولد فرعون ،في العهد الجديد مولد يوحنا المعمدان ومولد يسوع المسيح .
يوحنا المعمدان هو اخر الانبياء واول الرسل وهو موضع تكريم خاص في الكنيسة الارثوذكسية ،هو الشخصية الوحيدة بعد والدة الاله القديسة مريم الذي خصصت له الكنيسة الارثوذكسية اعيادا عدة في السنة ، اذ يذكر يوحنا المعمدان ستة مرات في السنة الطقسية :
1- الحبل به 23 ايلول
2- مولوده 24 حزيران
3- قطع رأسه 29 آب
4- اول وثاني ظهور لهامته 24 شباط
5- ثالث ظهور لهامته 25 ايار
6- عيد جامع له 7 كانون الثاني
ولهذا السبب نرى السابق ووالدة الاله يحيطان بالرب يسوع في ايقونة الشفاعة وفي تحضير القربان المقدس للذبيحة ،حيث يذكر يوحنا المعمدان بعد والدة الاله وايضا مع القديسين في اخر صلاة الاستحالة ( كلام الجوهري) .
هذا مما يدل على اهميته في تاريخ الكنيسة وعلى تأثر المؤمنين بشخصية يوحنا المتميزة التي جعلت الكنيسة تطلق عليه القابا عدة فهو ملاك المرسل والنبي والسابق والصابغ والمنادي بالتوبة والغيور والشاهد والمشهود له .لهذا قال عنه الرب يسوع بان يوحنا المعمدان هو اعظم مواليد النساء(متى 11: 11) .
يستدل من انجيل لوقا (1: 26) ان ولادة يوحنا المعمدان كانت قبل ولادة المسيح بستة اشهر . لان الانجيلي لوقا يحدد ان بشارة العذراء حصلت عندما كانت نسيبة مريم اي اليصابات حبلى في شهرها السادس.
وقد حددت الكنيسة يوم ميلاد المعمدان في 24 حزيران اي عندما ياخذ النهار في النقصان وحددت ميلاد المسيح في 25 كانون الاول ،اي عندما يأخذ النهار في الزيادة .
كانت احدى مهام يوحنا الاساسية تكمن في اعداد وتهيئة الشعب لاستقبال المسيح الآتي ،وفي هذا السياق يكون يوحنا هو الملاك الذي تحدث عنه الكتاب المقدس في نبؤة ملاخي اذ قال :” هائنذا ارسل امام وجهي ملاكي فيهيء الطريق امامي ” (3: 1) .و (متى 11: 10) .لذا تصور الكنيسة يوحنا المعمدان في ايقوناتها ملاكا مرسل من الله .
ولد يوحنا من والدين عجوزين لا سيما زكريا الشيخ الابكم ،واليصابات العاقر الممتلئة من الروح القدس ، سمعنا من قصة مولد يوحنا قصة ختانه في يوم الثامن وتسميته ، بالنسبة لتسميته إذ نستغرب كيف أنّ الجيران هم من أرادوا تسميته، رغم أنّ العادة اليهوديّة، كانت تعطي هذا الحقّ للوالد في الدّرجة الأولى، وللأمّ في بعض الأحيان النّادرة.
نلاحظ أن الجيران كانوا يريدون تسمية الصّبيّ “زكريّا” على اسم أبيه، تبعًا للعادة والعرف. أمّا أليصابات وزكريّا، فقد توافقا على اسم “يوحنّا”، خلافًا للأعراف والتقاليد السّائدة في مجتمعهما.
فالجيران، المتمسّكون بوجوب تسمية الولد “زكريّا” على اسم أبيه، هم يمثّلون الشّريعة الّتي تكتفي بفرض أحكامها الموجبة. أمّا زكريّا وأليصابات، اللّذين سمّيا ابنهما “يوحنّا”، فهما يمثّلان عمل الله، الّذي ملؤه الرّحمة والنّعمة.
هذا، ونشير إلى أنّ اسم “يوحنّا”، ومعناه = “الله تحنّن وأنعم”، لم يكن حصيلة تفكير مسبق بين أليصابات وزكريّا، بل نتيجة اختبارهما الإيمانيّ لتدخّل الله في حياتهما.
فأليصابات، التي امتلأت من الرّوح القدس وتعرّفت إلى يسوع في أحشاء مريم، فهمت إرادة الله الحنّان في عقمها، لذلك، سمّت ابنها يوحنّا.
وزكريّا الأبكم، والذي كان أصمّا لا يسمع، لأنّ الجيران كانوا يسألونه بالإشارة، سمّى ابنه يوحنّا، لأنّه سمع كلمة الله، لا كلمة الجيران. وحين اختبر أنّ الله حنّان، وآمن أن الله يحنّ عليه، وصل إلى الإيمان، فأصبح قادرًا على النّطق، لأنّ صلاته حملت الرّجاء، وما عادت تمتمة لا روح فيها.
اذا الله يتكلم مع زكريا خلال العمل( الصلاة)، ولا توجد بشرى إلا خلال العمل، فالإنسان الراكد الكسول والواقف في مكانه لا يستقبل شيئاً، وحده العامل المتحرك أي المتجدد هو التي تأتيه البشرى دائما، لان الإيمان يتفاعل فيه.
عمل زكريا كان عمل طقسي بحت، جاف، ولهذا نرى أنه يشك في كلام الملاك، مع انه قضى عمره يخدم في هيكل الرب…. نحن أمام محورين أساسيين، الأول الله يسمع طلب زكريا، والثاني صمت زكريا… صمت زكريا هو درس بليغ مفاده أن صمت اللسان هو أولى الخطوات لكي يفتح القلب أبوابه للاستقبال نعمة الإيمان…
ينظر كثير من الناس إلى صمت زكريا كعقاب له من الله لأنه شك في كلام الملاك ولكن هذا العقاب أصبح فرصة لزكريا لكي يتأمل في كلام الله…. لم يكن قصاص انتقامي بل قصاص تعليمي وتربوي الله يقول له قف، ليس علي أن أسمعك لوحدك، عليك انت أيضاً أن تسمعني، فيسكت ويصمت ويتأمل بعمق ويرى حقيقة ما يجري…. زكريا يريد ان يكون هو الاول في الكلام والله دائما مستمعاً، ولكن الله كاب يعلم زكريا كيف يجب عليه كابن ان يسمع أيضاً، ان يسمع لله أبيه….
يا احبائي : علينا أن نعرف كيف نربي اولادنا ونعلمهم ان يسمعوا وأن نأمن لهم فرصة للتأمل والرجوع إلى الذات، أن نجعلهم يشعرون بأننا نحبهم، علينا أن لا نتعامل في علاقتنا مع اولادنا على أساس الخوف، فليس علينا أن نكون إرهابيين على أولادنا، وخاصة عندما نتدربهم ونعلمهم في مدارسنا يوم الاحد .
عليكم أن تكونوا فعلاً مربين حقيقيين لأولادكم ..عليكم أن تكونوا مربين بالقول والفعل، ان تعيشوا ما تربوا وإلا أصبحتم أناسا منافقين إزدواجيين.
اخيرا : يا احبائي، عليكم ان تجعلوا يوحنا المعمدان ان يولد في احشاءكم ،اعملوا مثل يوحنا على تهيئة قلوبكم لاستقبال يسوع المسيح الذي يحرركم من عقم الروحي،ولتحل البركات السماوية عليكم كما حلت على بيت زكريا واليصابات .
اطلبوا من يسوع ان يهبكم القوة والشجاعة كما كانت عند يوحنا ،لتقوموا حق القيام في خدمة الدعوة التي هي تهيئة كل البشر لا ستقبال المسيح التي دعاكم الله اليها ويثبتكم فيها لتمارسوا الفضائل وتأتوا بثمار يانعة . آمين