الاعياد السيدية ( مقالات ومواعظ
الفصل العاشر :
المسيح قام، حقاً قام
الشماس اسبيرو جبور
هذا هِتافُ نصرٍ يهتِفُ به الأرثوذكس في دَور الفِصح منذ فجر الفِصح حتى حتى وِداع الفِصح في اليوم التاسع والثلاثين أي قبل خميس الصعود في اليوم الأربعين. تحيّةُ المسيحيين في ذلك الزمان هي دوماً ” المسيحُ قام، حقاً قام” هِتافٌ يزلزلُ كِيانَ الإنسان. كان الموت يَخنُقُ البشر . ما من أحدٍ كان واثقاً مما سيكون بعد الموت. ألَّفَ النّاسُ حولَهُ آراء متضاربة جدّاً ولكن بقيامة المسيح، علِمنا أن هذا الجَسد الفاسد الترابيّ يتحوَّل في قبرِ المسيح الى جسدٍ روحاني، سماويّ، غيرَ قابلٍ للفساد. يسوع، أخذَ من العذراء مريم جَسَداً مثلَ جسَدِنا ما عدا الخطيئة كما يقولُ بولس للعبرانيين 4 :15 وفي رومية وفي سوى ذلك “اخذَ طبيعَتَنا الساقطة ليشفيَها بِرُمَّتها”. غريغوريوس اللاهوتي العظيم وكيريلّوس الاسكندري ردَّدا قولاً هاماً : ما لم يأخذهُ يسوع لم يُشفى، لم يَخلُص. فإن لم يأخذ طبيعتي برُمَّتِها، فطبيعتي بِرمَّتها لم تَخلُص. إن لم يأخذ إرادتي بِرُمَّتها، فإرادتي لم تَخلُص. لم يأخذ طبيعةً مثل طبيعةِ آدم في الفردوس قبل السقوط، أخذ طبيعتي الساقطة ولكن بدونِ ميلٍ الى الخطيئة ليُخلِّصَ طبيعتي الساقطة. ما أخذَه خَلُص وشُفيَ، أما ما لم يأخُذه فلم يَخلُص ولم يُشفى، أخذَ طبيعتي برُمَّتها فشفاها برُمَّتِها. كان الموتُ يَخلُق البشر، أما الآن فصارَ الموتُ بدايةً لحياةٍ جديدة. صارَ الموتُ خلاصاً من جسدِ آدم لنَلبُسَ جسَد المسيح القائم من الأموات، لنصَعدَ معه الى السماء ونجلِسَ فيه عن يمينِ الآب. فنحن الآن عن يمينِ الآب في يسوعَ المسيح. لم تكن قيامة المسيح حدَثاً عابراً في التاريخ، ولم يكن صَلبُه ودفنُهُ كذلك. فصَلبُه ودفنُه وقيامتُه، أمورٌ مستمرَّة في الكنيسة في حياةِ المؤمنين. بالمعمودية لَبِسنا المسيح برُمَّتهِ منذ الحبَل به وحتى جلوسِه عن يمين الآب ولذلك أخذنا صليبَه على عاتقِنا ودَفْنَه على عاتِقنا وقيامَته على عاتِقِنا. نحن باستمرارٍ مصلوبونَ معه، مدفونونَ معه، وقائمونَ معه. هو نفسَه قال: مَن أرادَ أن يتبَعني فليكفِر بنفسِه وليحمِل صليبَه كل يومٍ ويَتبعني. فاذن، نحن نحمل صليبَه كلَّ يومٍ. كيف؟ نحن أخَذنا بالمعمودية الصليبَ والدفنَ والقيامة وأغتَسَلنا بدمِ المسيح، ولكن هذا الاغتسال لم يكن للحظة فقط بل للعمر كلِّه. كيف؟ انا إنسانٌ خاطىءٌ بإستمرار، في الليلِ والنهار، لا أستريحُ من شوكةِ الخطيئة لا في الليلِ ولا في النهار. حبكة الخطيئةُ مستمرَّة ّفيَّ حتى في لحظة الوفاة. لا خلاصَ لي منها الّا بالوفاة في المسيح، فإن لم ألتصق بالله في المسيح ذهبتُ الى الجحيم. أما في المسيح، فأنتقل الى النورِ والمجد في كلِّ لحظةٍ من لحظاتِ العمر. ما هو عمري على الأرض كمسيحي؟ عُمري على الأرض هو تَوبة متواصلة. في الليل والنهار، عُمري هو التَوبة. كل لحظات حياتي منذ المعموديّة حتى ملاقاة الرب في الموت هي توبة . مَن هو المسيحي الحقيقي؟ هو التائب يإستمرار. ليسَ للتوبةِ زمانٌ ومكان. التوبةُ عمليةٌ مستمرّة في آلام ربِّنا يسوع المسيح ودفنِه وقيامَتِه. كل عمري هو صلبٌ لخطاياي. أصلبُ شهواتي وأهوائي وميولي ورغباتي وأفكاري وهواجسي وعواطفي وكلُّ ما فيَّ، أصلُبُه وأدفُنُه في المسيح، لأقومَ في المسيح. ما هي حياتي؟ حياتي هي صلبٌ ودفنٌ لكلِّ ما هو رديءٌ فيَّ. وما هو الرديء فيّيَ انا؟ انا رديءٌ برُمَّتي. ولذلك مهنتي الدينية الحقيقية هي أن أَصلُبَ ذاتي مع المسيح، أن أدفُنَ ذاتي مع المسيح في المعمودية فأقوم معه في المسيح. اغتَسَلتُ بدمِ المسيح في المعمودية ولكن لهذا الإغتسال قوة فعلٍ دائمة حتى النهاية. فأنا بالتوبة أغتسلُ دوماً بدم المسيح. دم المسيح الذي اغتَسلتُ به في المعمودية يفعل فيَّ بإستمرار، أخذتُه كقبلة فعّالة تَغسلني باستمرار من خطاياي. بالتوبة انا أغتسل باستمرار ، فاذن، انا باستمرار مصلوبٌ مع المسيح، مدفونٌ مع المسيح لكي أقوم مع المسيح. فالتوبة صلبٌ ودفنٌ وقيامة. ليست التوبةُ حزناً مستمراً، التوبةُ انغماسٌ في دم المسيح، في صليب المسيح، في قبر المسيح. قبر المسيح حوَّلني من ميتٍ الى حيّ. وفي قبر المسيح أدفنُ ذاتي باستمرار وأقوم مع المسيح بإستمرار. كلَّ يومٍ أصلبُ ذاتي وأدفُن ذاتي واقوم مع المسيح. فعملية الصلب والدفن والقيامة هي عمليةٌ حيّة، ديناميكية، ايجابية، جدّية، هي حياتي. حياتي كلُّها في الجُلجلة على الصليب وفي القبر مع المسيح. في كل لحظاتِ حياتي أصلبُ اذن ذاتي وأدفنُ ذاتي وأقومُ مع المسيح. لا مناصَ لي من ذلك. لا خلاصَ الّا بالتوبة. المعمودية إمكانية، عليَّ أن أستثمِر هذه الإمكانية. وظيفتي المسيحية، مهنتي المسيحية هي استثمارُ نعمةِ المعمودية. إن استثمرتها بالتوبة والتنهُّدات والصلوات والأصوام ومحاربة اهوائي وشهواتي ورغباتي وكل ما هو رديءٌ فيَّ، يقوم المسيح فّي بفضل دمِ المسيح الذي اغتسلتُ به. ولذلك فعيدُ القيامة هو عيدُ النصرِ الكبير على الموت، على الخطيئة، على الجحيم . ألَم ينزِل المسيح بعد ان لَفَظَ أنفاسَه على الصليب الى الجحيم ليُبشِّر في الجحيم ويُخرِجَ من الجحيم كلَّ الذينَ يتبعونَهُ ويؤمنونَ بهِ وأخرَجهم معه الى الفِردوس وفي يوم القيامة؟ اذن، حطَّمَ يسوع الجحيمَ، حطَّمَ الموت، حَطَّمَ الخطيئة، حطَّمَ الفناء، حطَّمَ الفساد. طبيعتي الفاسدة الموروثة من آدم، ماذا كان مصيرها يوم القيامة؟ تحوَّلت الى جسَدٍ شفّاف روحاني خَرجَ من القبر وهو مُغلَق، دخلَ يومَ الفصح والأبواب مُغلَقة. فاين غَلَبة الموت واينَ شوكة الخطيئة؟ قيامةُ المسيح نصرٌ باهرٌ على أعداء الإنسان، على الشيطان، على الخطيئة، على الضعف، على الإنهزامية، على الجُبُن، على الفساد، على الإنحلال، على الضعف البَشَري على كل ما هو شِر وشريرٌ فيَّ، على الجحيم برُمَّتِها. قيامة المسيح تجديدٌ كامل، ولادة ثانيةٌ من نوعٍ آخر. وُلِدتُ من آدم فوَرِثت من آدم طبيعةً ساقطة. قال في هذا باسيليوس الكبير” ما من انسانٍ بلا خطيئة ولو كان عمرُه يوماً واحداً “. ما من انسانٍ يحيا بدون ان يَخطأ ولو كان عمره يوماً واحداً كما تقولُ الخِدَم الأرثوذكسية. آدم الساقط أورَثَني طبيعةً ساقطة. هذه الطبيعة الساقطة جدَّدها يسوع المسيح وأعطاني بالمعمودية طبيعةً جديدةً. يبقى عليَّ أن أستثمرَها جيداً وِفقاً لأحكام الإنجيل بتعليم العهد الجديد بنور الرب يسوع المسيح، لكي أصِلَ لدى الوفاة الى إمكانية الإنتقال من هذا العالم الفاسد الى عالم عدَم الفساد. بولس الرسول في رومية أوضَحَ لنا أننا مولودون من آدم للفساد والموت، ومولودونَ من المسيح للحياة الأبدية. هذه الحياة الأبدية نعيشُها في المعمودية وبعدَ المعمودية إن جاهَدْنا الجِهاد الحَسَن. هذا الجهاد الحَسَن نحصُد ثمارَه لدى الموت فننتقل من الموت الى الحياة الجديدة. في الحياة الجديدة بعد الموت، نكون في النور الاهي، في المجد الاهي ريثما يُقيمُ يسوع أجسادنا المائتة ليُغيِّرهَا، ليُحوِّلَها الى أجسادٍ روحانية، سماوية غير فاسدة مثل جسَدِه هو. ولذلك فعيدُ القيامة هو عيدُ الحياةِ الجديدة، هو حياة الملكوت الجديد. بسبب الخطيئة كلنا مُعَدّون للجحيم. الَم يكن ابراهيم نفسُه في الجحيم؟ في اقوال الآباء القديسين وبخاصة القديس ابيفانيوس: ماذا نزل يسوع يعمل في الجحيم ومن رأى في الجحيم؟ الَمْ يرى ابراهيم واسحق ويعقوب ويوحنا المعمدان؟ في تراتيلِنا، يوحنا المعمدان نفسُه كان في الجحيم، في تراتيلنا لعازر نفسه، قضى الأيام الأربعة قي الجحيم. ما كان من الممكن لأي إنسانٍ في العالم أن يخلُصَ لولا دمِ المسيح. موتُ المسيح على الصليب ونزوله الى الجحيم هما اللذان أنقذانا من الجحيم والّا لدخل الجحيم البشر أجمعون من آدم وحواء وحتى نهاية العالم. محكومٌ على الناس جميعاً بالجحيم. لا خلاصَ من الجحيم الا بربِنا يسوع المسيح. موتُه على الصليب حطَّمَ الموت وحطَّمَ الجحيم. قام من بين الأموات فقام البَشرُ من جديد ليعيشوا حياةً جديدةً فلذلك القيامة هي عيدُ النصر. عيدُ الفصح هو عيدُ الأعياد وموسِمُ المواسم الذي فيه نبارك المسيحَ الى نهاية الدهور. بقيامة المسيح تجدَّدَ كلُّ شيء. استضَاءَ العالم بأسرِه بالنور الآلهي، الحياة بلغت الى القدر. اين شوكة الموت، اين شوكة الخطيئة، اين شوكة الجحيم؟ يسوع المسيح بقيامته حطَّم الموت والخطيئة وابليس، وحقَّق لنا نصراً كبيراً. كلّ البشر كانوا مخلوقين وأتى المسيح بقيامته يخلصُنا من كُربَتنا، من سجننا، من ضيقِنا، من يأسِنا، من بؤسِنا ومن فسادِنا. قيامة المسيح أدخلَت السعادة الى القلوب، صرنا بها أُناساً جديدين، صرنا نحيا لعالَمٍ جديد، لمستقبلٍ جديد في يسوع المسيح. أين غلَبَتُكَ يا موت؟ انتهى. أين غَلَبتُكِ يا خطيئة؟ انتهت. أين غَلَبتُكِ يا جحيم؟ انتهت. بيسوع المسيح انتصرنا على كلِّ اعدائنا. لم يبقَ عدوٌّ من اعدائنا م ينهزم بقيامة المسيح. فساد الطبيعة البشرية نفسُه، إنهزم. فننتقل بالموت من هذا الجسد الترابي الفاسد و من هذه الطبيعة الساقطة، الى حياةٍ جديدة. تنتقل روحي من هذا العالم الفاسد، من هذا الجسد الفاسد الى ملاقاة الرب يسوع بالنور الالهي والمجد الالهي. ما الفرق بين حياتي على الأرض وحياتي في هذا النور العظيم؟ لا يستطيع العقل البشري أن يُقارِن بين الحالتَين لأني أنتقلُ من التراب الى يسوع المسيح الذي جَلسَ الى يمين الآب. وأي فخرٍ نالَه البشر بقيامة المسيح، أي مجدٍ نالَه البشر بقيامة المسيح؟ قيامة المسيح جدَّدت الطبيعة برُمَّتِها. الطبيعة برُمَّتِها في يوم القيامة ستشترك في مجد يسوع المسيح. هي الآن تئنُّ كما يقول بولس الرسول على رجاء الإشتراك في مجد أبناء الله. ولذلك عيدُ القيامة هو عيد الأعياد وموسِمُ المواسم الذي فيه نبارك المسيح الى الأدهار. خصَّهُ الآباء القديسون بمدائح وتراتيل هي روعة الطقوس الأرثوذكسية. عيدُ الفصح عيدٌ، أيُّ عيدٍ، عيدٌ عظيمٌ جداً فيه نتناول المسيحَ المصلوبَ المدفونَ القائمَ من بين الأموات. المسيح على الصليب نُحِرَ كذبيحةٍ فصحية ولكن وضِعَ في القبر ليقومَ في اليوم الثالث فكان قبرُه مائدةَ الخلاص. نُحِرَ على الصليب وقُدِّم لنا في القدر مائدةَ طعامٍ أبديّ. ولذلك مناولتُنا الفصحية لا تكون يومَ الجمعة، وفي الكنيسة الأرثوذكسية لا يُقام قداسٌ يومَ الجمعة العظيم. مناولتنا الفصحية هي يوم الأحد لأن المسيح ليس خروفاً مذبوحاً فقط بل خروفٌ قائمٌ من بين الأموات فنتناول في القربان، المسيح القائم من بين الأموات الحيّ، لا نتناول خروفاً ميتاً فقط، نتناول خروفاً فصحياً قائماً من بين الأموات ولا يسودُ عليه الموت فيما بعد، بل يدخُلُ في قلوبِنا في أفواهنا، حياةً ابدية لأرواحنا وأجسادنا لنعيشَ مع المسيح، ليتغلغل المسيح في كل كياننا روحاً وجسداً، لنُصبح مع المسيح وفي المسيح وبالمسيح. يمتَزج المسيح بنا ونَمتزَج به فنُصبح والمسيح نتيجةً واحدة. نحن فيه وهو فينا، هذا هو عيد الفصح المجيد. عيد الفصح المجيد هو عيد المناولة الفصحية التي فيها يمتزج كل كياننا بكيان يسوع المسيح لنتحوَّل نحن أنفسنا من كِياننا الزائل المائت الفاسد المهترىء الجهنّمي التافه، الى يسوع المسيح فيُصبح هو المسيح ونحن المسَحاء في يسوع المسيح. ويُصبح المسيح الكلَّ في الكلّ في حياتِنا ونصبح نحن برمَّتنا في يسوع المسيح. ولذلك عيد الفصح فهو عيد السرور والفرح والاغتباط، هو عيد الاشتراك في الملكوت السماوي سَلَفاً. يوحنا فم الذهب يَعتبر قيامة المسيح هي الملكوت الذي يشارك المسيح فيه عصيرِ الكرمةِ الجديد الى الأبد. عيدُ القيامة هو عيد خروجِنا من ذواتِنا لنلاقي المسيح، لا نلاقِيه فقط بعد الموت، منذ الآن تلاقيه. في كل مناولةٍ نلاقي المسيح، نتناوله. يعود المسيح يمشي في رُبوعِنا وينام في بيوتِنا ويأكل على موائدِنا ويعيش بيننا. في يوم الفصح المجيد، صار المسيح يعيش فينا ونحن نعيش فيه. صار فينا وصرنا فيه، صار هو حياتَنا وخلاصَنا وملاذَنا وقوَّتنا وصار هو كلَّ شيءٍ في وجودِنا وحياتِنا. لم يعد لنا وجودٌ خارج المسيح، صرنا موجودين في المسيح. ولذلك فعيدُ الفصح هو عيدُ ميلادِنا الجديد، نولدُ لا من آدم وحواء ومن تراب، إنما نولد من المسيح بالروح القدس الذي أعطانا إيّاه في يوم العنصرة المجيدة. هذا الروح القدس الذي حلَّ على العذراء مريم وصنعَ من أحشائها طبيعةً بشرية ليسوع المسيح، هو نفسه الذي يَلِدُنا في المعمودية في المسيح لنَلبَسَ المسيح ونكونَ في المسيح ويكون المسيح فينا. ربّي يسوع المسيح ابنُ الله الوحيد، كيف أذكرُ عيدَ الفصح، عيدَ القيامة بدون أن ترتعش نفسي، بدون أن أخرُجَ من ذاتي لألاقيك؟ كيف أشكرك، كيف أمدَحُكَ، كيف اسبِّحكَ، كيف أشكركَ يا الهي؟ انا عاجزٌ لأني ابن آدم. فيا يسوع المسيح الذي ارسَلَ الروح القدس الى تلاميذه الأطهار، إجعلْ روحك هذا دائماً يجدِّد كياني برُمَّته بدمك الطاهر القدوس. ربي يسوع المسيح ماذا فعلتُ انا لكي تفعلَ لي كلَّ هذه الأفعال الفائقة الطبيعة؟ هل أستحقُّ انا أن تتجسَّد من أجلي، وان تولَدَ من العذراء من أجلي، وان تموتَ على الصليب من أجلي، وأن تُدفَنَ من أجلي وأن تقومَ من أجلي؟ لماذا تحمّلتَ كل هذه الأعباء الخارقة الطبيعة من أجلي وانا فسادٌ في فساد وانا خطايا، انا حقارةٌ وإنزلاقٌ في جحيم الخطايا. لماذا فعلتَ كلَّ هذا من أجلي وانا لا أستحق الا نار جهنَّم؟ ربي يسوع المسيح هذا لطفُك ولطفُ ابيك وروحك القدوس. ما من أجلي فَعَلتَ هذا ولكن لأجل مجدِكَ لأنك انتَ المجيد، انت العظيم، انت الفائق البرّ والصلاح والقداسة والمحبة. لأجل برِّك لأجل صلاحِك، لم تتركني انا الخروف الضال أن أهلَك في الجحيم في جهنَّم النار، فَتَّشتَ عليَّ انا الخروف الضال وحَمَلتني على منكبَيك وقدَّمتني ذبيحةً لأبيك السماوي. يا يسوع المسيح، بسَطتَ يدَيكَ على الصليب لتَضُمَّ اليك الجنسَ البشريّ والكونَ برمَّته. بهاتان اليدان المبسوطتان على الصليب، ضُمَّ حقارتي الى مجدِك الالهي لتغسُلَني وتَغسُلَ البشريةَ جمعاء بالدم النازف من رِجلَيك ويديَكَ وجنبك ورأسِك وكل جسمك. يسوع المسيح ابن الله، هذا الدم النازف من كل جسمِك صار للبشرية جُرنَ معموديةٍ يولد من جديد فيك لا في آدم ليلبسوكَ انتَ لا ليلبَسوا آدم. فلذلك ايها الرب يسوع المسيح ابن الله بذلتَ من اجلنا لطفاً هو لطف الاله العظيم الذي لا حدودَ لعظَمتِه. كل لُطفِك ومجدِك تراىء لنا في آلامِك ودفنِك وقيامتك. فيا ايها الرب الاله العظيم يسوع ابن الله الأزلي أتيتَ لتخلِّصنا من ضُعفِنا، فتدارَكنا. ما زلنا ضعفاء، ما زلنا نزلّ ونخطأ، ما زلنا نقاوم مشيئَتِك، ما زلنا أعداءك بأفعالنا الشريرة. الحجارة لا تخطأ، الحيوانات لا تخطأ، اما انا الإنسان فأعيشُ في الخطايا والشوائب. أعِدُكَ بالتوبة وأكذِب لأن الكذب هو معدَني اذ اني عاجزٌ لا أستطيع أن اُنفِّذ الوعود التي أقطَعُها لكَ. ولكن انت بدمكَ الطاهر الكريم أُغسلْ ضعفي برمَّته، انا الضعف ولكن انتَ القوة، فاجعلْ قوَّتك تلبس ضُعفي وتلهيني من كل ضعفٍ وشفقٍ وابتعادٍ عنك بمراحمِك الالهية التي لا تُحَدّ ولا توصَف. تَناولني بيمينِك الطاهرة وأصعدني من جحيم آثامي وخطاياي. ايها المسيح الاله ربّ السماوات والأرض، يا من زلزَلتَ السماوات وأتَيتَ الأرض وصِرتَ انساناً من أجلنا، واحتَمَلت الآلام والصلب والدفنَ والقيامة في اليوم الثالث لتُقيمَ آدم الساقط وكلّ ذرِّيته، أن تشمل بلطفِك وعطفِك ودمك الطاهر الكريم الجنسَ البشري برُمَّته، الأرضَ برُمَّتِها، وخَلِّص الناس جميعاً بدمِكَ الطاهر، واحفظ الناسَ جميعاً بدمِكَ الطاهر واجعل دمكَ الطاهر حياةً لكل إنسانٍ على وجه الأرض ولا تُعامِلنا على حَسَب أعمالِنا، بل عامِلنا بحَسب برِّك ولطفِك وقداسَتِك ومحبَّتِك للجنس البشري. ربّي يسوع المسيح قيامتك من بين الأموات، إجعلْها مغروسة في حياة كل إنسانٍ على الأرض لينتقل البشرُ جميعاً في قبرِ الخلاص، من فسادِ آدم الترابي الى نورانية جسد القيامة. ربّنا يسوع المسيح يا ابن الله الأزلي الأبدي، فليكن مجد القيامة خالداً في حياة كل إنسان. ربنا يسوع المسيح لا تحرُمنا بهجة القيامة بل اجعَلها بهجة حياتِنا باستمرار في التوبة والندامة والاعتراف والعودة الدائمة اليك. ربنا يسوع المسيح لك المجد والإكرام، نحن ننحرف دائماً عن طريقِك وانتَ ردَّنا الى طريق القيامة، نحن عاجزون ولكن بقيامتك من بين الأموات صرنا قادرين على سَحق قوى الشرِّ جميعاً. فاجعلْ القيامة حياةً دائمة لكلِّ إنسانٍ على الأرض. لقيامتك ايها المسيح الاله، كل انسانٍ في العالم يُمجِّد إن كان يعلَمُ قيمة هذا السرّ. سرُّ قيامَتِك سرٌّ عظيمٌ جداً. كان الموتُ يخنُقُنا، الموت حجراً كبيراً على صدرِنا، قيامَتَك من بين الأموات أزاحت هذا الحجر الى الأبد وصِرنا بقيامتِك نعيشُ على رجاء القيامة والحياة الأبدية. لم يعُد للموتِ سلطاناً علينا. كنّا نكره الموت ونتجنّبه، اما اليوم فصار الموت شيئاً رائعاً نشتهيه لا كمنتحرين بل نشتهيه كلحظة عظيمة جداً للإنتقال اليك. صِرنا نشعر أن وجودنا في الجسد هو غُربة وأن الوطن الحقيقي هو لديك انت القائم من بين الأموات. صرنا نشعر أن وجودَنا على الأرض وجودٌ عابرٌ بائسٌ لا أمل فيه الا بمقدار تبعيَّتنا لك، ولذلك لم نعُد نكره الموت صرنا نرى في الموتِ قيامةً حقيقية. لا نريد أن نموت كبائسين، يائسين، انتحاريين، لا. صرنا نستقبل الموت كرجاء في حياةٍ مجيدة ابدية، صرنا نرى في الموت انتقالاً الى مجدِ الثالوث القدوس. فيا ايها الثالوث القدوس الذي تدَبَّرتَ خلاصَنا وانتقالنا من الموتِ الى الحياة ومن الأرض الى السماء ومن الذلِّ الى الشَرَف ومن البؤس الى المجد. ايها الثالوث القدوس إرحَمنا اجمعين واجعلْ القيامة قيامة المسيح، قيامة كل واحدٍ منّا في المجد والكرامة والعزّ والتسبيح والتعظيم. ربَّنا يسوع المسيح أعطِنا دائماً أن نعيشَ ملءَ القيامة، أعطِنا دائماً الروح القدس لنتجّدَّد دائماً في قيامتِك ونتحوَّل باستمرار من فَسادِ حياتِنا الى نورانية مجدِكَ. إجعلْ قيامة المسيح لكل إنسانٍ واعٍ مؤمن، قيامةً وحياةً جديدة ولا ننتظر الا لحظة الوفاة لننتقل من الأرضِ الى السماء، ومن الفساد الى عدَم الفساد. يا ايها الرب يسوع المسيح ابن الله الوحيد، أهِّلنا باستمرار لكي نتحوَّل في قبرِك المقدَّس من أناسٍ خاطئين الى أناسٍ مبرَّرين بدمِكَ الطاهر المجيد وبقيامتِك المجيدة لك المجد والإكرامُ والسجود مع ابيكَ وروحك القدوس الى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين. المسيح قام، حقاً حقاً حقاً قام. له المجد والإكرام الى أبد الآبدين بقلوب المؤمنين أجمعين[1].
[1] – سَبَق لي أن نَشَرت أربع كلمات في القيامة. مَن شاء مطالعَتها فليُراجع كتابَنا “سرّ التدبير الالهي” وكتابَنا ” الله في اللاهوت المسيحي”.