دور الروح القدس في تاريخ الخلاص
بحسب القديس باسيليوس العظيم
– “إن آباء الكنيسة هم نموذج لا منازع له في الإيمان الذي لا يتوقف على الصيغ، بل على الحقيقة”، هذا ما قاله واعظ الدار الرسولية الأب رانييرو كانتا لامسا الكبوشي معلقًا على وصف القديس توما الأكويني للإيمان عندما يقول: “الإيمان لا يتوقف على ما يقال، بل على الواقع [أي واقع الحقيقة الإيمانية الملموس]”.
جاء تعليق الأب الكبوشي في معرض عظة الصوم الثالثة التي تلاها في كابيلا أم الفادي في الفاتيكان بحضور قداسة البابا بندكتس السادس عشر، والتي كان موضوعها “القديس باسيليوس والإيمان بالروح القدس”.
وقد افتتح الواعظ تأمله مذكرًا بالشعار الذي يلخص برنامح الفيلسوف إدموند هوسرل الظواهري: “Zu den Sachen selbst “، الذي يمكننا ترجمته كما يلي: “الرجوع إلى الأشياء” كما هي في حقيقتها، قبل إثقالها بالمفاهيم والصيغ. واعتبر أن برنامج الآباء كان كذلك: رجوعًا وخبرة معمقة للسر الإلهي في حيويته وواقعيته. أما الفترة التي تلت ذلك “العصر الذهبي” فقد مالت إلى التجريد. ولذا بدأ “عصر انتصار الصيغ” حيث بات التفكير اللاهوتي رهينةً ورهنًا بالمفاهيم والتعابير مثل الجوهر، الأقنوم، الشخص، وذلك دون رجوع متواتر إلى الواقع الذي كان الآباء يتحدثون عنه.
فرادة فكر باسيليوس
بالطبع، إن القديس باسيليوس لم يقل الكلمة الأولى ولا حتى الكلمة الأخيرة بشأن الروح القدس. فمن عرض موضوع الروح القدس قيد التعمق كان القديس أثناسيوس. وقد بين القديس الإسكندري أن الروح القدس هو الله، مساوٍ في الجوهر للآب والابن، وأنه لا ينتمي إلى عالم المخلوقات بل إلى طبيعة الخالق. يعبّر باسيليوس عن الإيمان بألوهية الروح القدس وباستحقاق السجود له كما للآب والابن. إلا أن التعابير “التقنية” لتحديد مفهومنا للروح القدس إنما تأتي من مجمع القسطنطينية في عام 381، حيث أدرجت في قانون الإيمان التعابير المتعلقة بالروح القدس، والتي نتلوها نحن الآن في قانون الإيمان.
إن تحفظ باسيليوس كان يعود إلى حسه نحو المقدونيين، إذا أراد ألا يقول ما يزيدهم ابتعادًا. هذا الأمر تسبب بانتقاد له من قِبل صديقه القديس غريغوريوس النزينزي، والذي اعتبر أن باسيليوس تحلى بشجاعة كافية للتفكير بألوهية الروح القدس، إلا أن الشجاعة خذلته في الإعلان بشكل واضح عن ألوهية الروح. ولذا يصرح النزينزي قائلاً: “هل الروح القدس إذا هو الله؟ بكل تأكيد! وهل هو مساوٍ بالجوهر؟ نعم، إذا كان حقًا الله فهو مساوٍ بالجوهر!”.
لماذا نختار باسيليوس إذًا للحديث عن الروح القدس إذا لم يكن هو من قال الكلمة الأولى والأخيرة؟
الجواب هو أن باسيليوس لم يهتم كثيرًا بالتعابير المحددة والدقيقة، بل ركز انتباهه على الواقع، واقع ألوهية الروح القدس في الكتاب المقدس.
لاهوت الروح القدس في باسيليوس هو ملموس، معاش، لا مدرسي أو “وسائلي”. للأسف، في تاريخ الكنيسة، تم حصر التفكير بالروح القدس في مسألة “والابن” (Filioque) أي الاختلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس حول انبثاق الروح من الآب فقط (الأرثوذكس) أو من الآب والابن (الكاثوليك). إلا أن لاهوت الروح القدس أوسع من هذه المسألة بكثير، وأغنى منها بكثير. على سبيل المثال، إن “مواهب الروح القدس السبع” هي من الإرث الآبائي بشأن لاهوت الروح القدس.
لقد كتب الطوباوي يوحنا بولس الثاني رسالة رسولية قال فيها: “إن كل عمل تجديد الكنيسة الذي أطلقه وبدأه المجمع الفاتيكاني الثاني… لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الروح القدس، أي بعون نوره وقوته. إعادة اكتشاف معنى لاهوت الروح القدس يمر من خلال التأمل بعمله في تاريخ الخلاص، في حياة الكنيسة والأفراد.
دور الروح القدس في تاريخ الخلاص
إن الشهادة الأولى لمساواة الروح بالجوهر للآب والابن نجدها في صلاة “المجد”: المجد للآب والابن والروح القدس. ونظرًا لجو الجدل اللاهوتي الذي كان سائدًا في زمانه، قام باسيليوس بكتابة مؤلف حول الروح القدس لكي يشرح فكره بهذا الشأن. وآنية فكر باسيليوس تنبع من تسليط الضوء على دور الروح القدس في كل تاريخ الخلاص وتاريخ الكنيسة. يبين باسيليوس دور الروح القدس مع الآب والابن في الخلق وفي الخلاص: “إذا حاولت أن تزيل الروح القدس من الخلق، تختلط كل الأمور ويظهر وجودها دون شريعة، دون نظام، دون هيكلية”.
بكلمات أخرى “الروح القدس هو الذي يجعل الخليقة تعبر من الخراب إلى النظام، ويجعلها واقعًا جميلاً، نظيفًا”. هذا ونعلم أن الله لم يقم بالخلق في الماضي وحسب، بل هو الخالق دومًا، هو الخالق الآن. الروح القدس هو من يجعل الخليقة تعبر من الخراب إلى التناغم.
ثم يتحدث باسيليوس عن دور الروح القدس في عمل الفداء: “في ما يتعلق بعمل الفداء بالنسبة للإنسان على يد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح، الذي تم بحسب إرادة الله، من يستطيع أن يناقض ما يتم بواسطة نعمة الروح القدس؟”.
ويتأمل الكبادوكي العظيم بدور الروح القدس في حياة يسوع، فيشير إلى أن عمل الروح يبدأ حتى قبل مجيء المسيح بالجسد، من خلال إعداد مجيئه في الأنبياء؛ بقوة الروح القدس يتحقق تجسد المسيح في أحشاء مريم؛ الروح هو المسيح التي يُمسح بها يسوع في المعمودية. كل عمل قام به يسوع قد تم بحضور الروح القدس. “فقد كان الروح حاضرًا عندما جربه الشيطان، وكان حاضرًا عندما اجترح العجائب، لم يتركه عندما قام من بين الأموات”.
وبعد حياة المسيح يبين باسيليوس دور الروح وحضوره في حياة الكنيسة. وأخيرًا يتحدث عن حضور الروح في الاسكاتولوجيا (الزمن الأخيري) فيقول: “حتى في لحظة تجلي ربنا من السموات، لن يكون الروح القدس غائبًا”.
روبير شعيب
دور الروح القدس في تاريخ الخلاص
بحسب القديس باسيليوس العظيم
– “إن آباء الكنيسة هم نموذج لا منازع له في الإيمان الذي لا يتوقف على الصيغ، بل على الحقيقة”، هذا ما قاله واعظ الدار الرسولية الأب رانييرو كانتا لامسا الكبوشي معلقًا على وصف القديس توما الأكويني للإيمان عندما يقول: “الإيمان لا يتوقف على ما يقال، بل على الواقع [أي واقع الحقيقة الإيمانية الملموس]”.جاء تعليق الأب الكبوشي في معرض عظة الصوم الثالثة التي تلاها في كابيلا أم الفادي في الفاتيكان بحضور قداسة البابا بندكتس السادس عشر، والتي كان موضوعها “القديس باسيليوس والإيمان بالروح القدس”.وقد افتتح الواعظ تأمله مذكرًا بالشعار الذي يلخص برنامح الفيلسوف إدموند هوسرل الظواهري: “Zu den Sachen selbst “، الذي يمكننا ترجمته كما يلي: “الرجوع إلى الأشياء” كما هي في حقيقتها، قبل إثقالها بالمفاهيم والصيغ. واعتبر أن برنامج الآباء كان كذلك: رجوعًا وخبرة معمقة للسر الإلهي في حيويته وواقعيته. أما الفترة التي تلت ذلك “العصر الذهبي” فقد مالت إلى التجريد. ولذا بدأ “عصر انتصار الصيغ” حيث بات التفكير اللاهوتي رهينةً ورهنًا بالمفاهيم والتعابير مثل الجوهر، الأقنوم، الشخص، وذلك دون رجوع متواتر إلى الواقع الذي كان الآباء يتحدثون عنه.فرادة فكر باسيليوسبالطبع، إن القديس باسيليوس لم يقل الكلمة الأولى ولا حتى الكلمة الأخيرة بشأن الروح القدس. فمن عرض موضوع الروح القدس قيد التعمق كان القديس أثناسيوس. وقد بين القديس الإسكندري أن الروح القدس هو الله، مساوٍ في الجوهر للآب والابن، وأنه لا ينتمي إلى عالم المخلوقات بل إلى طبيعة الخالق. يعبّر باسيليوس عن الإيمان بألوهية الروح القدس وباستحقاق السجود له كما للآب والابن. إلا أن التعابير “التقنية” لتحديد مفهومنا للروح القدس إنما تأتي من مجمع القسطنطينية في عام 381، حيث أدرجت في قانون الإيمان التعابير المتعلقة بالروح القدس، والتي نتلوها نحن الآن في قانون الإيمان.إن تحفظ باسيليوس كان يعود إلى حسه نحو المقدونيين، إذا أراد ألا يقول ما يزيدهم ابتعادًا. هذا الأمر تسبب بانتقاد له من قِبل صديقه القديس غريغوريوس النزينزي، والذي اعتبر أن باسيليوس تحلى بشجاعة كافية للتفكير بألوهية الروح القدس، إلا أن الشجاعة خذلته في الإعلان بشكل واضح عن ألوهية الروح. ولذا يصرح النزينزي قائلاً: “هل الروح القدس إذا هو الله؟ بكل تأكيد! وهل هو مساوٍ بالجوهر؟ نعم، إذا كان حقًا الله فهو مساوٍ بالجوهر!”.لماذا نختار باسيليوس إذًا للحديث عن الروح القدس إذا لم يكن هو من قال الكلمة الأولى والأخيرة؟الجواب هو أن باسيليوس لم يهتم كثيرًا بالتعابير المحددة والدقيقة، بل ركز انتباهه على الواقع، واقع ألوهية الروح القدس في الكتاب المقدس.لاهوت الروح القدس في باسيليوس هو ملموس، معاش، لا مدرسي أو “وسائلي”. للأسف، في تاريخ الكنيسة، تم حصر التفكير بالروح القدس في مسألة “والابن” (Filioque) أي الاختلاف بين الكاثوليك والأرثوذكس حول انبثاق الروح من الآب فقط (الأرثوذكس) أو من الآب والابن (الكاثوليك). إلا أن لاهوت الروح القدس أوسع من هذه المسألة بكثير، وأغنى منها بكثير. على سبيل المثال، إن “مواهب الروح القدس السبع” هي من الإرث الآبائي بشأن لاهوت الروح القدس.لقد كتب الطوباوي يوحنا بولس الثاني رسالة رسولية قال فيها: “إن كل عمل تجديد الكنيسة الذي أطلقه وبدأه المجمع الفاتيكاني الثاني… لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الروح القدس، أي بعون نوره وقوته. إعادة اكتشاف معنى لاهوت الروح القدس يمر من خلال التأمل بعمله في تاريخ الخلاص، في حياة الكنيسة والأفراد.دور الروح القدس في تاريخ الخلاصإن الشهادة الأولى لمساواة الروح بالجوهر للآب والابن نجدها في صلاة “المجد”: المجد للآب والابن والروح القدس. ونظرًا لجو الجدل اللاهوتي الذي كان سائدًا في زمانه، قام باسيليوس بكتابة مؤلف حول الروح القدس لكي يشرح فكره بهذا الشأن. وآنية فكر باسيليوس تنبع من تسليط الضوء على دور الروح القدس في كل تاريخ الخلاص وتاريخ الكنيسة. يبين باسيليوس دور الروح القدس مع الآب والابن في الخلق وفي الخلاص: “إذا حاولت أن تزيل الروح القدس من الخلق، تختلط كل الأمور ويظهر وجودها دون شريعة، دون نظام، دون هيكلية”.بكلمات أخرى “الروح القدس هو الذي يجعل الخليقة تعبر من الخراب إلى النظام، ويجعلها واقعًا جميلاً، نظيفًا”. هذا ونعلم أن الله لم يقم بالخلق في الماضي وحسب، بل هو الخالق دومًا، هو الخالق الآن. الروح القدس هو من يجعل الخليقة تعبر من الخراب إلى التناغم.ثم يتحدث باسيليوس عن دور الروح القدس في عمل الفداء: “في ما يتعلق بعمل الفداء بالنسبة للإنسان على يد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح، الذي تم بحسب إرادة الله، من يستطيع أن يناقض ما يتم بواسطة نعمة الروح القدس؟”.ويتأمل الكبادوكي العظيم بدور الروح القدس في حياة يسوع، فيشير إلى أن عمل الروح يبدأ حتى قبل مجيء المسيح بالجسد، من خلال إعداد مجيئه في الأنبياء؛ بقوة الروح القدس يتحقق تجسد المسيح في أحشاء مريم؛ الروح هو المسيح التي يُمسح بها يسوع في المعمودية. كل عمل قام به يسوع قد تم بحضور الروح القدس. “فقد كان الروح حاضرًا عندما جربه الشيطان، وكان حاضرًا عندما اجترح العجائب، لم يتركه عندما قام من بين الأموات”.وبعد حياة المسيح يبين باسيليوس دور الروح وحضوره في حياة الكنيسة. وأخيرًا يتحدث عن حضور الروح في الاسكاتولوجيا (الزمن الأخيري) فيقول: “حتى في لحظة تجلي ربنا من السموات، لن يكون الروح القدس غائبًا”. روبير شعيب