فرح البشارة
عيد التجسد الالهي: بشارة والدة الاله بالحبل الالهي
النص الانجيلي: لوقا1: (39-49و56)
في ذلك الزمان حبلت أليصابات امرأة زخريا فاختبأت خمسة أشهر قائلة هكذا صنع بي الرب في الأيام التي نظر فيها إليّ ليصرف عنّي العار بين الناس* وفي الشهر السادس أُرسل الملاك جبرائيل من قبل الله إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود واسم العذراء مريم* فلما دخل إليها الملاك قال: “السلام عليك أيتها المنعم عليها، الرب معك؛ مباركة أنت في النساء”* فلما رأته اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى أن يكون هذا السلام* فقال لها الملاك: “لا تخافي يا مريم فإنك قد نلت نعمةً لدى الله، وها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع* هذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه انقضاء”* فقالت مريم: “للملاك كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً”* فأجاب الملاك وقال لها: “إن الروح القدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يُدعى ابن الله* وها إن أليصابات نسيبتك قد حبلت هي أيضاً بابن في شيخوختها وهذا الشهر هو السادس لتلك المدعوة عاقراً* لأنه ليس أمر غير ممكن لدى الله”* فقالت: “مريم ها أنا أمَةٌ للرب فليكن لي بحسب قولك”* وانصرف الملاك من عندها.
العظة :
باسم الآب والابن والروح القدس،آمين
اسبشيري ايتها الأرض بفرح الاعظم ويا سماوات سبحي مجد الهنا .
ايها الاحباء:نحن في هذا الاحد المميز تحتفل كنيستنا المقدسة، بعيد بشارة العذراء مريم. يا ترى ما هي البشارة ؟ او النبأ السار ؟ وما هو سر هذه البشارة ؟ ولماذا اصلا دعي بعيد البشارة ؟.
الجواب يكون في ترتيلة العيد التي ترتلها الكنيسة والتي تقول :” اليوم رأس خلاصنا، وظهور السرّ الذي منذ الدهور لأنّ ابن الله يصيرُ ابن البتول وجبرائيل بالنعمة يُبشِّر.”. فاذا دققنا وتمعنا في كلمات هذه الترتيلة ،نجد ان جوهر عيد البشارة هو في ان يصير الله انسانا ،لان بقبول العذراء بشارة الملاك بملء حريتها اتحدت الطبيعة الالهية بطبيعة البشرية ، لنشاهد بعد 9 اشهر مولودا جديدا هو الرب يسوع الاله المتجسد السائر نحو الصليب والقائم من بين الاموات ،من هنا ترتل الكنيسة اليوم :”اليوم يولد من البتول” على لحن ” اليوم علق على الخشبة “
اذا العيد هو عيد سيدي بامتياز وليس عيدا يتعلق بالعذراء مريم فقط دون الجوهر، نحن اذا نعيّد عيدين في عيد البشارة : عيد بشارة مريم العذراء وعيد التجسد الالهي .
ان تبشير والدة الاله بالحبل بالرب يسوع ،هذا الحبل هو الحدث الاعظم منذ انشاء العالم وحتى نهاية العالم ، لان ابن الله يصير ابن البتول .
اذا لما قالت مريم العذراء “ها أنذا أَمَةٌ للرب”، في تلك اللحظة تمَّ الحَبَل بيسوع المسيح وفيه جسدٌ وروحٌ بشريةٌ. فاذن، لم تلتصق الروح بالجسد يوم عيد الميلاد كما يكتُب البعض بل التصقت الروح بالجسد يوم البشارة.
الروح القدس خَلَقَ الجسد ليسوع وفي هذا الجسد وضَعَ روحاً بشريةً فما كان الجسدُ موجوداً قبلاً ولا الروح موجودةً قبلاً، ولِدا في أقل من رمشة عين واتحدا بالأقنوم الالهي في الرمشة العين نفسِها. فاذن في لحظة التجسد، الطبيعة البشرية موجودة في تمامها روحاً وجسداً. وبناءً عليه يقول آباء الكنيسة الأرثوذكسية إن المرأة حين تحبَل يخلَقُ الله في لحظة الحَبَل شخصاً فيه روحٌ وجسدٌ، الجسد من الوالدَين والروح من الله.” ( اسبيرو جبور).
العيد الثاني هو تجسد الكلمة الازلي ،لهذا تقول الكنيسة ان هذا العيد هو عيد التجسد الالهي ،لان هذا السر الخفي منذ الدهور وغير المعلوم من الملائكة ظهر في هذا اليو،م اي ان ابن الله تجسد في البتول في اللحظة التي فيها حبل به في بطن مريم العذراء ،اذا لحظة الحبل هي لحظة التجسد .
لهذا عيد البشارة هو اول الاعياد من حيث ترتيب احداث التجسد ،فلو لا البشارة وتجسد المسيح في بطن العذراء ما كانت بقية الاعياد ،لذلك الاباء يسمونه رأس الاعياد والبعض يسمونه نبع الاعياد او اصل الاعياد .
لذلك نحن نرتل :” اليوم هو رأس خلاصنا : اي اننا في لحظة التجسد نحصل على بداية الخلاص ،او بداية خلاصنا وكأننا نتذوق او نرتشف بداية الخلاص الذي تم على الصليب الذي ينتظرنا بعد قليل في الاسبوع العظيم .
لاجل هذا الكنيسة تحتفل بعيد البشارة ،لتعبر عن فرحتها بهذا النبأر السار ،وهذه البشارة . وايضا الكنيسة تعيد بهذا العيد لتعلن مشاركتها العذراء فرحتها بهذه البشارة المفرحة التي اتت اليها من السماء ، والتي هي لخلاص البشرية جمعاء.لذا تصرخ بفرح وتقول الكنيسة:” استبشري ايتها الارض بالفرح الاعظم ويا سماوات سبحي مجد الهنا، ان والدة الاله بما انها تابوت حي لله لا تمسها يد مدنسة بالكلية “.
ما هو فحوى او جوهر عيد التجسد ،عيد البشارة ؟
ايها الاحباء: عيد البشارة او عيد التجسد الالهي ،يعني اعلان حب الله للبشر ،اذ اخذ صورتهم وطبيعتهم . بتجسد يسوع اخذ طبيعتنا الساقطة لا طبيعة آدم في الفردوس كما يقول البعض.
اخذ طبيعتنا الساقطة ولكن بدون ميل الى الخطيئة .يقول الرسول الالهي بولس:” صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة” ( عبرانيين 4: 15) .او ” ليكون شبيها في اخوته في كل شيء” ( رومية : 3) .
اي اخذ طبيعتنا كلها ليشفيها، اخذ جسدنا الساقط ليشفي جسدنا الساقط ، اخذ روحنا الساقطة ليشقي روحنا الساقطة ، اخذ ارداتنا الساقطة ليشفي ارادتنا الساقطة .
يعني عيد البشارة تم فيه اعادة ملكية الله على الانسان وطرد الشيطان ،ادى هذا الى الغفران والفداء واعلان حب الله للبشر .في عيد البشارة ، عيد التجسد الالهي ،صار هناك امكانية تحقيق القداسة ونحن في الجسد .
في عيد التجسد الالهي حررنا من عبودية والموت بعد كنا عبيدا ونخاف الموت ، قال يسوع : ” ثقوا اني غلبت العالم ” .فنحن ننال الحياة لكوننا نأكل من الخبز النازل من السماء ،لستم عبيدا فيما بعد للخطيئة لان لكم المغفرة ولستم عبيدا للموت ،لان الموت يزول بالقيامة وخوفكم من الموت يزول برجاء القيامة.
هذا هو اهمية وفحوى عيد التجسد الالهي اي عيد البشارة .
هل توجد محبة اعظم من ان يكون الخالق يصبح انسانا ليشاركنا انسانيتنا دون الخطيئة والخوف، ويرفعنا الى العلى ،فبتجسد يسوع الاله اصبحنا نحن مواطني السماء.
احبائي يدعونا هذا العيد الى ان حياتنا يجب ان تتحول الى مسيرة فيها روح الله ،فيها فرح الله ونوره وفيها محبة الله وكل الناس .لان من ملئه نلنا جميعا نعمة فوق نعمة (يوحنا1: 14- 16) .
نحن يا احبائي مسؤولون مثل العذراء مريم عن حضور المسيح في العالم واستمرار سر تجسده،فالمسيح بحاجة الى ان نعطيه كل كياننا جسدا وروحا لكي يستمر عائشا بيننا ويتحقق وعده :” انا معكم حتى منتهى الدهر”.
حتى يتحقق هذا الامر علينا ان نقول مثل ما قالته مريم العذراء :”ها انا امة للرب ليكن لي حسب قولك .
اي عليكم ان تتضعوا بمعنى ان تسلموا ذواتكم للرب بنبذكم الكبرياء والانانية وان تكونوا المحبة المتجسدة وان تعيشوا المحبة الباذلة المضحية من اجل خير الانسان، كل الانسان ،وان تحملوا فرح البشارة لكل البشرية.وقتها تصبحون مصدر نعمة وبركة عندئذ يكون الله متحد فيكم الى الابد ، آمين