رسالتان عن البتوليّة
للقديس اكليمنضس الروماني
Two Epistles Concering Virginity
في عام ١٧٥٢م اكتشف Wetstein في مكتبة “المحتجين The Remonstrants” بأمستردام نصًا بالسريانيّة Syric Peschitta لرسالتين موجّهتين إلى المتبتّلين من كلا الجنسين، كملحق للعهد الجديد اليوناني المشهور، الذي يرجع تاريخ كتابته إلى عام ١٤٧٠م. وقد أُعطيت له هذه النسخة بواسطة Sir James Porter الذي صار فيما بعد سفير بريطانيا بالقسطنطينيّة.
قام Wetstein بنشرها في نفس الوقت العام بالسريانيّة مع ترجمة لها باللاتينيّة مع ترجمة لها باللاتينيّة من عنده، مع مقدّمة نقديّة أيد فيها نسبتهما لإكليمنضس الروماني.
هذا أدى إلى ظهور عملين أحدهما قام به Landner عام ١٧٥٣م والآخر قام به Venema عام ١٧٥٤م وقد أثار كلاهما نزاعًا من جهة أصالة نسبتهما إلى إكليمنضس.
وقد قام بعض الدارسين، خاصة الكاثوليك الرومان يدافعون عن أصالة نسبتهما لإكليمنضس مثل Vilecourt و Beelon و Mohler و Champagny و Bruck أمّا بين البرتستانت فلم يوجد سوى Wetstein نفسه مكتشف النص السرياني. كما قام بعض الدارسين من الكاثوليك يؤكدون أنهما من كتابات منتصف القرن الثاني، أي في فترة لاحقة لإكليمنضس مثل Mansi و Hefele و Alzog و Funk.
ويدلّل أغلب الدارسين على عدم صحة نسبتهما لإكليمنضس بالآتي :
1. صمت المؤرخ يوسابيوس عن ذكرهما؛ هذا لو كانا عملين أصيلين لإكليمنضس لاقتبس الآباء من بعده عنهما.
2. النغمة ذاتها من الجانب النسكي تكشف أنها لا تخص كتابات العصر التالي للرسل مباشرة، بل تشير إلى مرحلة من مراحل التطور الكنسي في الفترة ما بعد إكليمنضس.
3. لو قارنا الرسالتين بالرسالة الأصيلة لإكليمنضس لوجدنا إختلافًا في طريقة إقتباس العبارات من الكتاب المقدّس، إذ هنا يستخدم الكاتب رسائل بولس بكثرة، خاصة الرسائل الرعويّة، كما أن الإقتباس القديم أقل.
هذا ويرى Questen مثل Lightfoot أنهما من كتابات النصف الأول من القرن الثالث.
أول إشارة إليهما في كتابات أبيفانيوس و ايرونيموس
وقد فقد النص اليوناني لهما اللهمّ ألاّ بعض فقرات وُجدت في كتاب الراهب انتيوخوس القدّيس سابا Antiochos of St. Saba علاوة على هذا يوجد نص قبطي للفصول ١ – ٨ من الرسالة الأولى وقد أشير فيه أن أثناسيوس واضعها.
هذا وفي الواقع أن الرسالتين في حقيقتهما رسالة واحدة، ومع الزمن قسّمت إلى جزئين كرسالتين.
أمّا مكان كتابتهما فغير معروف، قد يكون سوريا أو فلسطين، لم يعرف واضعهما، إلاّ إنّه من طريقة كتابته يكشف عن شخصيّته إنّه ناسك متعبّد على مستوى روحي عالي ومملوء وقارًا.
ملاحمهما ومحتوياتهما
1. هاتان الرسالتان يمثّلان مدحًا لحياة البتوليّة، حيث يكشف الكاتب عن طبيعة البتوليّة ومفهومها. يتطلّع إليها كعمل إلهي فائق للطبيعة، تدخل بنا إلى الحياة الملائكيّة، وينعم أصحابها بمكانة خاصة في السموات.
2. يوضّح بكل صراحة أن البتوليّة حياة يعيشها الإنسان في روحه وبجسده، وليست لقبًا أو أسما يحمله البتول.
3. يقدّم نصائح وإرشادات تخص النساك والناسكات تحت سقف واحد Syneisaktoi، الأمر الذي ظهر في بدء القرن الثالث… وهذا ما جعل بعض الدارسين يؤكدّون نسبتها لهذا الزمن.
كما حارب بشدّة حياة البطالة بين النسّاك.
4. تظهر أهميّة الرسالتين إذ يقدّمان لنا أقدّم وثيقتين كمصدر للتاريخ النسكي المسيحي الأول وقوانين الحياة النسكيّة وعاداتها…
الرسالة الأولى للطوباوي إكليمنضس
تلميذ بطرس الرسول
١
افتتاحيّة
إلى كل الذين يحبّون حياتهم التي في المسيح من خلال الله الآب وينشغلون بها، الذين يطيعون حق الله على رجاء الحياة الأبديّة؛
إلى أولئك الذين يحملون حبًا لاخوتهم وأقربائهم محبّة لله؛
إلى المتبتّلين الطوباويّين، الذين يكرّسون أنفسهم لحفظ البتوليّة من أجل ملكوت السموات
وإلى القدّيسات المتبتّلات في الله؛
السلام (لكم).
٢
كل البتوليّين من الجنسين الذين وطّدوا العزم أن يحفظوا البتوليّة بحق من أجل ملكوت السموات، يلتزمون كل واحد فواحد منهم أن يكونوا متأهلين لملكوت السموات في كل شيء.
فإن ملكوت السموات لا يُقتنى بفصاحة الكلام أو الشهرة، ولا بالمركز الاجتماعي أو النسب، ولا بالجمال أو القوّة، ولا بطول الحياة، إنّما يُقتنى بقوّة الإيمان، عندما يُظهِر الإنسان أعمال الإيمان.
من كان بالحق بارًا، تشهد أعماله عن إيمانه، إنّه مؤمن حق، له إيمان عظيم، إيمان كامل، إيمان في الله، أيّام يشرق في أعمال صالحة تمجّد أب الكل في المسيح. فإن الذين هم متبتّلين من أجل الله حقيقة، يلتفتون إلى ذلك الذي قال : “لا تدع البرّ والإيمان يتركانك. تقلدهما على عنقك، فتجد نعمة وفطنة صالحة قدّام الله والناس”.
“سبل الصدّيقين كنورٍ مشرق، يتزايد نورهم إلى النهار الكامل “
فإن أشعّة نورهم، تضيء الخليقة كلّها من الآن بأعمالهم الصالحة، إذ هم بحق “نور العالم ” يضيئون “للجالسين في الظلمة “ حتى ينطلقوا ويخرجوا من الظلمة على ضوء الأعمال الصالحة في مخافة الله، إذ “يروا أعمالنا الصالحة ويمجّدوا أبانا الذي السماوي “ فإن رجل الله ملتزم أن يكون كاملاً في كلماته وأفعاله، متزيّنًا في حياته بسلوكٍ نموذجي بترتيب ، يصنع كل أعماله في برّ كرجل الله.
٣
البتوليّة حياة وليست لقبًا
المتبتّلون هم مَثل للمؤمنين وللذين سوف يؤمنون.
الاسم وحده بغير الأعمال لا يُدخِل ملكوت السموات، لكن إن كان الإنسان بحق مؤمنًا مثل هذا يخلص.
إن دُعى الإنسان مؤمنًا بالاسم، لكنّه ليس كذلك في الأعمال، لا يقدر أن يكون مؤمنًا. لذلك “لا يغرّكم أحد بكلام باطل “ فإنه لا يقدر أحد أن يخلص بمجرّد تلقيبه بتولاً، وهو خالٍ من الأعمال الممتازة الكاملة التي تليق بالبتوليّة. فقد دعى ربّنا مثل هذه البتوليّة “جهلاً” كما جاء في الإنجيل وإذ لم تحمل زيتًا ولا نورًا تُركت خارج ملكوت السموات، وطُردت من فرح العريس، وحُسبت ضمن أعدائه. مثل هؤلاء الأشخاص “لهم فقط مظهر مخافة الله ولكنّهم منكرون قوّتها “
“إنهم يظنّون في أنفسهم إنّهم شيء وهم ليسوا شيئًا، يغشون أنفسهم. ولكن يمتهن كل واحد عمله على الدوام “ ويعرف نفسه لأن من يمتهن البتوليّة والقداسة منكرًا قوّتها إنّما يقدّم عبادة باطلة.
البتوليّة التي من هذا النوع دنسة، تتبرّأ منها كل الأعمال الصالحة، إذ “كل شجرة تعرف من ثمرها “
“انظر أن تفهم ما أقول، فلعيطِك الرب فهمًا “ فإنه يليق بمن يتعهّد قدّام الله أن يحفظ القداسة أن يلتحف بكل قوّة الله المقدّسة. وأن في مخافة الله الحقيقيّة يصلب جسده، فمن أجل مخافة الله يعفي نفسه من قول الكتاب: “اثمروا واكثروا “ عارضًا عن كل تفاخر واهتمام وملذّات حسيّة ومباهج هذا العالم وأفراحه وسكره وكل مسرّته وترفه، منسحبًا من كل حياة هذا العالم، وفخاخه وشباكه وعوائقه، إذ وأنت تسير على الأرض تتحمّس أن يكون عملك وصنعتك هما في السموات.
٤
البتوليّة… صلب الذات
من أولعت نفسه بهذه الأمور العظيمة الساميّة، ينسحب فاطمًا نفسه عن العالم كلّه، لكي يذهب ويختبر حياة إلهيّة سماويّة على مثال الملائكة القدّيسين، في عملٍ طاهرٍ مقدّس “بتقدّيس روح الله “ خادمًا يسوع المسيح القدير، من أجل ملكوت السموات.
على هذا الأساس يفطم نفسه عن كل شهوات الجسد؛ ليس فقط يعفي نفسه من هذا “اثمروا واكثروا”، إنّما يشتاق نحو الرجاء الموعود به والمُهيّأ و”المذخّر في السماء “ بواسطة الله الذي يُعلن بفمه ولا يكذب إنّه “أفضل من البنين والبنات “ فيهب البتوليّين مكانًا مرموقًا في بيت الله هو أفضل من البنين والبنات، وأفضل (ممّا يناله) الذين قضوا حياتهم في الزيجة في قداسة “ولم يكن مضجعهم دنسًا “
يعطي الله البتوليّين ملكوت السموات كما لملائكة قدّيسين بسبب عملهم السامي العظيم.
٥
البتوليّة… جهاد
أتُرِد أن تكون بتولاً؟
أتعرّف ما هي أتعاب البتوليّة الحقّة ومشاقّها؟ إذ تقف على الدوام في كل وقت أمام الله ولا تتوقّف عن خدمته، “تهتم كيف ترضي ربّها بجسد مقدّس وبروحها “
أتعلم عظمة مجد البتوليّة، فتضع في نفسك أن تعشها؟
هل أنت مولع بعمل البتوليّة المقدّسة الكريم؟
اعرف كي تكون كمن ينزل هذه ؟
إن كنت تتوق إلى هذا كلّه اغلب الجسد،
اهزم شهوات الجسد،
اغلب العالم بروح الله،
انتصر على الزمنيّات التي تعبر وتشيخ وتفسد وتنتهي،
اغلب التنين
اغلب الأسد
اغلب الحيّة
اغلب الشيطان بيسوع المسيح الذي يقويك، بسماعك كلماته وتمتّعك بالأفخارستيّا في الله.
“احمل صليبك واتبعه ” ذاك الذي يطهّرك، يسوع المسيح ربك.
جاهد أن تجري في استقامة وشجاعة، لا في خوف بل في شجاعة، متكّلاً على وعد ربك أنك تحصل على “إكليل الغلبة” الذي لدعوتك العليا ” بيسوع المسيح. لأن من يسلك سلوكًا كاملاً بإيمان في غير خوف ينال في نفس العمل إكليل البتوليّة، الذي هو عظيم في أتعابه، وعظيم في مكافأته.
هل فهمت وعرفت كرامة القداسة؟
هل عرفت عظمة مجد البتوليّة وسموّها ورفعتها؟!
٦
يا لعظمة البتوليّة!
لقد حملت أحشاء البتول القدّيسة ربّنا يسوع المسيح ابن الله، والجسد الذي لبسه ربّنا، الذي حمله للصراع في هذا العالم، أخذه من بتول قدّيسة من هذا افهم عظمة البتوليّة وشرفها.
أتريد أن تكون مسيحيًا؟ امتثل بالمسيح في كل شيء.
القدّيس يوحنا الذي جاء قبل ربّنا والذي “لم يقم بين مواليد النساء أعظم منه ” رسول ربّنا، كان بتولاً. تشبه إذن بنذير ربّنا، وكن له صديقًا في كل شيء.
كذلك يوحنا الذي “اتّكأ على صدر ربّنا الذي كان (ربّنا) يحبّه جدًا ” هو أيضًا كان إنسانًا قدّيسًا إذ لم يحبّه الرب باطلاً.
بولس أيضًا وبرنابا وتيموثاوس وآخرون أجمعوا أن “الذين كُتبت أسماؤهم في سفر الحياة “ أقول هؤلاء جميعهم اعتزّوا بالقداسة وأحبّوها وتسابقوا في المصارعة، وأكملوا دورهم بغير لوم، متشبّهين بالمسيح كأبناء الله الحيّ.
علاوة على هذا نجد إيليّا وإليشع وقدّيسين آخرين كثيرين يسلكون حياة مقدّسة بلا لوم.
إن رغبت أن تكون مثلهم تشبّه بهم بكل قوّتك، إذ يقول الكتاب : “اكرموا شيوخكم، انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثّلوا بإيمانهم”. ويقول أيضًا : “كونوا متمثّلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح”.
٧
بتوليّة الجسد وبتوليّة الروح
من يتشبّه بالمسيح فليتشبّه باجتهاد، لأن الذين “يلبسون المسيح “ في حق يعبِّرون عن التشبّه به في أفكارهم وفي كل حياتهم وكل سلوكهم: في الكلام والأعمال، في صبر وجلد، في معرفة، في طهارة، في طول أناة، في نقاوة القلب، في رجاء، في حب تام وكامل نحو الله.
إنهم ليسوا بتوليّين ما لم يكونوا مثل المسيح في كل شيء، فإن الذين هم مسحاء يمكن أن يخلصوا.
فإن كل عذراء مقدّسة في الله في جسدها وفي روحها، تخدم ربّها على الدوام، لا تتركه أينما وجدت، بل تنتظره على الدوام في نقاوة وقداسة في روح الله، إذ تهتم أن ترضي ربّها بالحياة النقيّة غير الدنسة، تهتم أن ترضيه في كل شيء. هذه التي لا تتراجع عن ربّها بل تكون معه دومًا في الروح كما هو مكتوب: “كونوا قدّيسين لأني أنا قدّوس، يقول الرب “
٨
البتوليّة وشهوات الجسد
إن كان أحد يُدعى قدّيسًا بالاسم، فهو ليس قدّيسًا، إنّما يلزمه أن يكون مقدّسًا في كل شيء. في جسده وفي روحه، والذين هم متبتّلون فليفرحوا كل الوقت لأنهم يصيرون مثل الله (الآب) ومسيحه، وأنهم يتشبّهون بهما. فلا يكون فيهم “فكر الجسد”.
لا يمكن أن يوجد فكر الجسد في المؤمنين الحقيقيّين الذين فيهم “يسكن روح المسيح “ الذي هو زنا ودنس ودعارة؛ عبادة أصنام وسحر؛ عداوة وغيرة وحسد وحقد وشقاق ونيّة شرّيرة؛ سكر ومزاح ومجون وكلام باطل وضحكات صاخبة؛ نميمة وسب؛ مرارة وحقد؛ ضجيج ومذمّة وعجرفة في الحديث؛ ثرثرة وكلام باطل؛ تهديدات وصرير أسنان واستعداد للخصومة وحب المنازعات؛ ازدراء وضرب وتضليل للحق وعدم تدقيق في الحكم؛
تشامخ وزهو وتفاخر وغرور وافتخار بالعائلة وبالجمال وبالقوّة والثروة وقوّة الجسد؛ مشاكسات وظلم وحب الغلبة (على الآخرين)، كراهيّة وغضب وحسد وغدر ونكوص للشر؛ فسق ونهم واحتيال ومحبّة مال (الذي هو أصل كل الشرور) وحب الظهور والمجد الباطل وحب السيطرة والعجرفة والكبرياء (الذي يسمى الموت، هذا الذي يحاربه الله).
كل من أتمم بهذه الأمور أو ما على شاكلتها، مثل هذا هو “في الجسد”، فإن “المولود من الجسد جسد هو، والذي من الأرض من الأرض يتكلّم “
فكر الجسد “هو عداوة لله، إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله لأنه لا يستطيع “ إذ “ليس شيء صالح ساكنًا في الجسد ” , لأن “روح الله ليس في الإنسان إلى الأبد لأنهم جسد “من ليس فيه روح الله، لا يكون (تابعًا لله)، كما هو مكتوب: “وذهب روح الله من عند شاول وبغته روح رديء من قبل الرب “
٩
البتوليّة وثمر الروح
من كان فيه روح الله يكون على وفاق مع إرادة روح الله، وإذ يكون على وفاق مع روح الله يميت أعمال الجسد ويحيا لله. “يقمع الجسد ويستعبده حتى متى كرز للآخرين” يكون مثالاً جميلاً وقدوة للمؤمنين، يقضي حياته في أعمال تليق بالروح القدس “فلا يصير مرفوضًا ” , بل يتزكّى قدّام الله والناس. أقول ليس شيء من فكر الجسد يوجد في “رجل الله”، خاصة البتوليّين (من كلا الجنسين)، إنّما تكون ثمار الروح وثمار الحياة هي ثمرهم جميعًا. ويكونون بحق مدينة وبيوتًا وهياكل يقيم فيها الله ويسكن، يتمشّى بينهم كما في مدينة سماويّة مقدّسة.
في هذا تظهرون للعالم “كأنوارٍ، متمسّكين بكلمة الحياة” وهكذا تكونون في الحق مدحًا وافتخارًا وإكليل فرح وبهجة للخدّام الصالحين في ربّنا يسوع المسيح. فإن كل من يراكم “يعرف أنكم نسل باركه الرب”، في نفس الوقت نسل مكرّم مقدّس، “ملكوت كهنوتي، شعب مقدّس، شعب الميراث”، ورثة مواعيد الله، التي لا تفسد ولا تذبل، هذه “التي لم ترها عين ولا سمعت بها أذن ولا خطرت على قلب إنسان، ما أعدّها الله للذين يحبّونه ويحفظون وصاياه”.
١٠
تصرّفات خاطئة
إنّنا واثقون من جهتكم يا إخوتي أن أفكاركم مشغولة بالأمور الخاصة بخلاصكم. لكنّنا نتحدّث هكذا بسبب الإشاعات الشرّيرة، وما بلغنا عن أناس مصدري خزي، هؤلاء الذين تحت مظهر خوف الله يسكنون مع متبتّلات، معرّضين أنفسهم للخطر، وسالكين معهن طول الطريق في أماكن منعزلة وحدهم. هذا حال مملوء بالمخاطر والعثرات والشباك والفخاخ، لا يليق – بأي حال – أن يسلكه المسيحيّون أو الذين يخافون الله.
آخرون يأكلون ويشربون معهن في ضيافات، ويسمحون لأنفسهم أن يفسدوا سلوكهن بدنس كثير. يليق ألاّ يبقى أمثال هؤلاء بين المؤمنين خاصة بين الذين اختاروا القداسة لأنفسهم.
آخرون يلتقون معهن في أحاديث باطلة وتافهة في مزاح، يتكلّمون بالشرّ عن بعضهم البعض، ويتصيّدون قصصًا ضدّ بعضهم البعض، وهم بطّالون (كسالى). مثل هؤلاء لا نسمح لهم حتى أن يأكلوا خبزًا.
آخرون يجولون بين بيوت المتبتّلين، إخوة واخوات، يتظاهرون بتفقّدهم أو الاشتراك معهم في قراءة الكتب المقدّسة والتلوات، وإذ هم كسالى لا عمل لهم يتظاهرون بمثل هذه الأمور التي لا تطلب منهم، وهكذا يتاجرون باسم المسيح بالكلمات المنمّقة.
هؤلاء يتحفّظ الرسول الإلهي منهم بسبب شرّهم المتزايد، كما هو مكتوب: “الشوك ينبت في أيدي الكسلان”، “طريق الشرّير مملوء شوكًا “
١١
نصائح لهم
مثل هذه الطرق التي يستخدمها كل الذين لا يعملون إنّما يتصيّدون قصصًا، ظانّين أن في هذا ربحًا وحقًا، هؤلاء يشبهون الأرامل البطّالات المهذارات اللواتي يطفن في البيوت يمزحن ويتصيّدن قصصًا باطلة، ينشرن إيّاها من بيت إلى بيت في مبالغة زائدة في عدم مخافة الله.
بجانب هذا كلّه، هم أناس سافرون، يقدّمون تعاليم متنوّعة (مغايرة) تحت مظهر التعليم، وليتهم يعلمون تعاليم الحق، إنّما يعلّمون تعاليم مزعجة، حتى أنّهم لا يفهمون ما يعنونه، ويؤكّدون ما هو ليس حقًا. إنّهم يرغبون في أن يكونوا معلّمين فيظهرون أنفسهم كأنهم متقنون الكلام وهم بشر يتاجرون في اسم المسيح، الأمر الذي لا يليق بخدّام الله أن يفعلوه.
إنهم لا ينصتوا لقول الكتاب: “لا يكن بينكم معلّمون كثيرون يا إخوتي، ولا يكون جميعكم أنبياء، لأنه إن كان أحد لا يعثر في كلمة فذاك رجل كامل، قادر أن يلجم كل الجسد ويخضعه “
إن كان يتكلّم أحد فكأقوال الله “
“إن كان لك فهم فلتجب على أخيك، وإن لم يكن لك فضع يدك على فمك “.
“للسكوت وقت وللتكلّم وقت “
“إن قال إنسان كلمة في محلّها يكون ذلك كرامة له “
“ليكن كلامكم كل حين بنعمة، ليعلم الإنسان أن يُجيب كل واحد في محلّه “
“من ينطق بك ما يطرأ على فمه ينتج صراعًا، ومن ينطق كلمات لا لزوم لها يزيد التكدّر، من يتسرّع بشفتيه يسقط في الشرّ، فبسبب عدم ضبط اللسان يأتي الغضب، أمّا الرجل الكامل فيحفظ لسانه، ويحب الحياة لنفسه “
هؤلاء “بالكلام الطيّب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب البسطاء، وبينما يقدّمون لهم بركات إذا بهم يضلّلونهم “
لنخف من الحكم الذي ينتظر المعلّمين، فإن الذين “يعلِّمون ولا يعملون “ دينونيتهم قاسية. هؤلاء الذين يحملون اسم المسيح باطلاً، قائلين: إنّنا نعلم الحق، وهم يطوفون في كسل، يتكبّرون وينتفخون في “فكر الجسد”.
إنهم مثل “أعمى يقود أعمى فسيقطان كلاهما في حفرة “
إنهم ينالون دينونة، لأنهم في كثرة كلامهم وتعاليمهم الطائشة يعلمون بالحكمة الطبيعيّة “بكلمات منمّقة خاطئة وطائشة التي لحكمة البشر ” , حسب إرادة رئيس سلطان الهواء، الرب الذي يعمل في العصاة، حسب خبرة هذا العالم، وليس حسب تعاليم المسيح
لكن إن قبلتم كلمة معرفة أو كلمة تعليم أو نبوّة فمبارك الله الذي لا يضنّ على أحدٍ بالعون؛ الله يعطي الجميع ولا يعير
إذن اخدموا بالموهبة المعطاة لكم من ربّنا الإخوة الروحيّين الملهمين، الذين يعرفون أن ما تنطقون به هي كلمات ربّنا، وتعلن الموهبة التي تقبلونها في الكنيسة لأجل بنيان الإخوة في المسيح، لانها صالحة وسامية هي الأمور التي تعين رجال الله وذلك إن كانوا بحق معكم
١٢
نصائح خاصة بالخدمة
علاوة على هذا فإنه حسن ومفيد أن “يفتقد الإنسان الأيتام والأرامل” خاصة الفقراء الذين لهم أبناء كثيرون.
هذه الأمور بدون جدال مطلوبة من خدّام الله، وهي حسنة ولائقة بهم.
(أقول) أيضًا إنّه لائق وحق وحسن بالاخوة في المسيح أن يفتقدوا المتضايقين بأرواح شرّيرة، ويصّلون ويردّدون التلوات عنهم في تعقل، مقدّمين بهذا صلاةً مقبولة لدى الله، وليس في كثرة كلمات منمّقة أُحسن تنسيقها وتنظيمها لكي يظهروا للناس إنّهم فصحاء ذوو ذاكرة حسنة. فإن مثل هؤلاء يكونون “كصوتٍ يدوي أو صنج يرن ” , لا يفيدون من يقدّمون عنهم تلواتهم في شيء، إنّهم ينطقون بكلمات مرعبة، ويخيفون الشعب، لكنّهم لا يعلّمون بإيمان حق حسب تعليم ربّنا الذي قال: “هذا الجنس لا يخرج بشيء ألاّ بالصوم والصلاة ” , يقدّمونها على الدوام بدهنٍ جاد.
ليت عملهم يكون في قداسة، يبتهلون إلى الله بابتهاج وتعقل ونقاوة، في غير كراهيّة أو خبث، بهذا يقتربون نحو الأخ – أو الأخت – المريض، ويفتقدونه بطريق سليم بغير خداع ولا طمع ولا ضجيج ولا كثرة كلام، ولا يسلكون سلوكًا غريبًا عن مخافة الله، إنّما في غير تكبر، في وداعة روح المسيح واتّضاعه.
ليتهم يقدّمون تلواتهم بالصوم والصلاة، لا بكلمات التعليم المنمّقة والمرتّبة حسنًا، بل كأناس تقبلوا موهبة الشفاء من قبل الله، بثقة لمجد الله.
فبأصواكم وصلواتكم ورعايتكم المستمرّة هذه مع أعمالكم الصالحة الأخرى، أميتوا أعمال الجسد بقوّة الروح القدس فإن من يصنع هذا هو “هيكل لروح الله القدّوس ” , مثل هذا الإنسان ليخرج الشياطين والله يعينه. لأنه حسن للإنسان أن يعين المرضى، إذ يقول ربّنا: “اخرجوا شياطين” آمرًا في نفس الوقت بأعمال شفاء أخرى: “مجانًا أخذتم مجّانًا تعطوا “
مثل هؤلاء تُعطى لهم مكافأة حسنة من قبل الله، إذ يخدمون الله بالمواهب التي قبلوها بالرب. فإن هذا حسن بخدّام الله ومفيد لهم إذ يعملون حسب أمر ربّنا القائل: “كنت مريضًا فزرتموني وهكذا… “
حسن وحق وعدل أن نفتقد اخوتنا من أجل الله بطريقة لائقة في نقاوة سلوك، كقول الرسول: “من يمرض وأنا لا أمرض؟! ومن يتضايق وأنا لا اتضايق؟! ” . إذ نطق بهذه الأمور الخاصة بالمحبّة، خلالها يحب الإنسان قريبه.
لننشغل بهذه الأمور لكن دون أن نضع عثرة ولا نصنع شيئًا محاباة تؤدي إلى خزي الآخرين.
لنحب الفقراء كخدّام لله، لكي نفتقدهم، فإنه حسن في عينيّ الله والناس أن نذكر الفقراء ونحب الإخوة والغرباء من أجل الله ومن أجل الذين يؤمنون في الله، كما يعلّمنا الناموس والأنبياء وربّنا يسوع المسيح عن محبّة الإخوة والغرباء، فإنكم تعرفون الكلمات التي قيلت عن محبّة الإخوة ومحبّة الغرباء. قويّة هي الكلمات التي قيلت عن الذين يفعلون كل هذا.
١٣
سمات فعلة الله
أيّها الإخوة الأحبّاء، واضح ومعروف إنّه يليق بالإنسان أن يبني الإخوة ويؤسّسهم على الإيمان بالله الواحد.
مرّة أخرى حسن للإنسان ألاّ يحسد قريبه.
وأيضًا من اللائق والحسن أن الذين يعملون أعمال الرب يصنعونها في مخافة الله، هذا مطلوب منهم في تدبير حياتهم.
أما أن “الحصاد كثير والفعلة قليلون” فهذا أيضًا معروف وواضح. إذن “فلنطلب من رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده ” . “يفصلون كلمة الحق باستقامة”،
فعلة “بلا لوم ”
فعلة أمناء،
فعلة يصيرون “نورًا للعالم “
فعلة “يعملون لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة “
فعلة كالرسل،
فلعة يتشبّهون بالآب والابن والروح القدس الذين يهتمّون بخلاص البشر،
ليسوا أجراء
لا يظهرون إنّهم بلا مخافة الله والبرّ،
ليسوا فعلة يخدمون ذواتهم،
ليسوا فعلة “بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يضلّلون قلوب السلماء ”
ليسوا فعلة يقلّدون أبناء النور وهم ليسوا نورًا بل ظلمة، “أناس نهايتهم الهلاك “
ليسوا فعلة يمارسون الظلم والشرّ والغش،
ليسوا فعلة مخادعين،
ليسوا فعلة سكّيرين غير مؤمنين،
ليسوا فعلة يتاجرون في المسيح، ولا كمضلّلين ولا محبّين للمال ولا حاقدين
إذن لنتأمّل ونتشبّه بالمؤمنين الذين يسلكون سلوكًا حسنًا في الرب، إنّهم لائقون ومناسبون لدعوتنا ومهنتنا.
لنخدم أمام الله في عدلٍ وبرّ بلا لوم “منشغلين بالأعمال الصالحة والحسنة قدّام الله والناس ”
فإن هذا هو الكمال أن يتمجّد الله فينا في كل شيء.
هنا تنتهي رسالة إكليمنضس الأولى
الرسالة الثانية لإكليمنضس ذاته
١
بخصوص الخلطة بين النساك والناسكات
علاوة على هذا، أريد يا إخوتي أن تعرفوا ما هي كيفيّة سلوكنا في المسيح الذي يسلكه كل إخوتنا في المواضع (المتنوّعة) التي نقطن فيها، حتى إذا ما استصوبتموه تسلكون أنتم أيضًا ذات المسلك في الرب.
نحن بمعونة الله نسلك هكذا:
لا نسكن مع متبتّلات، وليس لنا شركة معهنّ في شيء،
لا نأكل مع متبتّلات ولا نشرب معهنّ،
حيث ينام المتبتّلات نحن لا ننام،
ولا نسمح لنساء أن يغسلن أقدامنا أو يدهنونا،
ومهما كان السبب لا نسكن حيث تنام بتول، سواء كانت غير متزوّجة أو ابنة عهد (نذرت للبتوليّة)،
وإذا ما وجدت في موضع لا نقضي الليل في ذلك الموضع
علاوة على هذا إن حدث أن باغتنا وقت الراحة، سواء في بلد أو قرية أو مدينة أو “عزبة”، أيًا كان هذا الموضع ووجدنا هناك إخوة، فلنذهب عند أخ منهم وندعوا كل الإخوة نتحدّث معهم بكلمات التشجيع والتعزية؛ وليتكلّم لن لهم موهبة الكلام، في جدّية وغيرة وطهارة، في مخافة الله (ينصحونهم) أن يرضوا الله في كل شيء، وأن يكثروا من الأعمال الصالحة، “غير مهتمّين بشيء في كل شيء ” , الأمر الذي يليق بشعب الله ويحق لهم.
٢
سلوك النساك في موضع به نساك
علاوة على هذا إن حدث أن كنّا في موضع بعيد عن منازلنا وعن أقربائنا ومال بنا النهار وباغتنا المساء، وألزمنا الإخوة من أجل المحبّة الأخويّة وحبهم للغرباء أن نقيم عندهم، نسهر معهم، ويسمعون (معنا) كلمة الله لكي يفعلوها، ويتغذّون بكلام الرب لكي يتذكّروه ويقدّمون لنا خبزًا وماءً وممّا أعطاهم الله، فإنه إن وُجد هناك قدّيس ندخل عنده ونلتجيء إليه، ويقوم بعض الإخوة بسد احتياجاتنا وتدبير الضروريّات، ويقول (القدّيس) بنفسه بإعداد المرقد لنا حتت ننام متكّلين على الله. كل هذه الأمور يصنعها بنفسه المكرس الموجود في الموضع الذي نحن فيه. وهكذا يخدم الإخوة بنفسه، أمّا بقيّة الإخوة الذين في نفس الموضع فكل واحد منهم يتبعه في تنفيذ خدمة الضروريّات.
لكن، لا يكون في ذلك الوقت بيننا امرأة، سواء كانت عذراء صبيّة أو امرأة متزوّجة،
ولا امرأة عجوز،
ولا من قدّمت نفسها نذرًا،
ولا أمة،
سواء كانت مسيحيّة أو وثنيّة،
إنّما ليكن الرجال مع الرجال.
وإن رأينا الضرورة تقتضي أن نقف ونصلّي عند النساء، ونحدّثهن بكلمات النصح والبنيان، فإنّنا ندعوا الإخوة وكل الأخوات المقدّسات والعذارى وكل بقيّة النساء الموجودات هناك، ندعوهم بكل احتشام وسلوك حسن أن يأتوا إلى بهجة الحق. وليتكلّم معهم الموهوبون في الكلام وينصحونهم بالكلمات التي أُعطيت لنا من قبل الله. عندئذ نصلّي ويسلم الواحد على الآخر، الرجال مع الرجال، والنساء والعذارى يغطين أيديهن في ثيابهن، ونحن أيضًا بكل احتراس في نقاوة وأعيننا مرفوعة إلى فوق، نخفي أيدينا في ثيابنا، عندئذ يأتين ويحيّين يدنا اليمنى المغطاة بالثياب.
بعد الله نذهب إلى حيث يشاء لنا الله.
٣
سلوك النساك في موضع به متزوجون
وأيضًا إذا حدث أن جئنا إلى موضع حيث لا يوجد به أخ مكرّس إنّما الكل متزوّجون، وقد استقبل جميع الموجودين هناك الأخ القادم إليهم ويخدمونه ويسدّون احتياجاته في كل شيء بغيرة ونيّة صالحة، فعلى الأخ المخدوم منهم كما يليق أن يقول للمتزوّجين الذين في هذا الموضع: نحن القدّيسون لا نأكل مع نساء ولا نشرب معهن، ولا يخدمنا نساء ولا عذارى، ولا تغسل النسوة أقدامنا ولا يدهنونا، ولا يعددن لنا المضجع ولا ننام حيث ينمن، حتى لا نُلام في شيء لئلا يتعثّر أحد بسببنا. وإذ نحن نلاحظ هذه الأمور جميعها “لا نوجد عثرة لأحد ” كأناس عالمين مخافة الرب نقنع الناس، وأمّا لله فقد صرنا ظاهرين له
٤
سلوك النساك في موضع به نسوة فقط
لكن إن حدث أن أتينا إلى موضع حيث لا يكون به رجال مسيحيّون بل الكل من النساء المتبتّلات المؤمنات، هؤلاء ألزمنا أن نقضي الليل في ذلك الموضع، ندعوهن جميعًا إلى موضع مناسب ونسألهنّ ماذا يفعلنّ، وحسبما نعلمه منهن ونراه في ذهنهن نتحدّث معهن بما يناسبهن كأناس نخاف الله.
وإذ يجتمعن معًا، ويّاتين ونرى أنهن في سلام، نحدّثهن بكلمات النصح في مخافة الله ونقرأ لهن الكتاب المقدّس بنقاوة بكلمات مختصرة موزونة بمخافة الله. نصنع كل شيء لبنيانهن. نحدثهن في الرب بطريقة تناسبهن. علاوة على هذا إذا مال النهار وحل المساء واخترنا أن نقضي الليلة هناك فلنجد امرأة مسنّة (عجوز) أكثرهنّ عفّة ونسألها أن تعطينا موضعًا لنا جميعًا لا تدخله امرأة ولا بتول. وتقوم العجوز بنفسها بإحضار سراج لنا وجسد بنفسها احتياجاتنا. من أجل المحبّة الأخويّة تحضر ما هو ضروري لخدمة الغرباء. وإذ يحل وقت الرقاد ترحل هي وتترك بيتها في سلام.
٥
موقف النساك في موضع به امرأة واحدة
علاوة على هذا إذا حدث أن كنّا في موضع ووجدنا به امرأة مؤمنة بمفردها وليس معها آخر لا نقف هناك، ولا نصلّي هناك، ولا نقرأ الكتب المقدّسة، بل نهرب كما من وجه حيّة، كما من مواجهة الخطيّة. لسنا بهذا نهين المرأة المؤمنة – حاشا لنا أن نفكر هكذا تجاه الاخوات في المسيح! – لكنّه إذ هي بمفردها نخشى لئلا تقع دسائس ضدّنا بكلمات باطلة، لأن قلوب البشر قد ثبّتت على الشرّ. ولا نترك مجالاً للذين يريدون أن يجدوا علة ضدّنا. لهذا السبب يليق بنا أن نكون “بلا عثرة لليهود وللأمم ولكنيسة الله. إذ يجب علينا ألاّ نطلب ما يوافق نفوسنا وحدها بل الكثيرين لكي يخلصوا ” . فإن هذا لا يفيدنا إن كنّا نُعثر أحدًا بسببنا.
ليتنا نلاحظ بإتقان في كل حين ألاّ نسيء لإخوتنا ونجعلهم يتعثّرون فينا بضمير قلق. لأنه “إن كان اللحم يُحزن أخي أو يصدمه أو يُضعفه أو يُعثره، نحن لا نسلك بعد حسب محبّة الله، إذ من أجل اللحم نُهلك ذلك الذي مات المسيح لأجله “
فإنه في هذا “إذ تخطئون إلى إخوتكم وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح نفسه. لذلك إن كان أكل اللحم يعثر أخي فلنقل نحن المؤمنون لا نأكل لحمًا إلى الأبد لئلا نعثر أخانا “
من يحب الله حقًا يفعل هكذا.
بحق يحمل صليبه ويلبس المسيح ويحب قريبه.
الذي يلاحظ نفسه ألاّ يكون حجر عثرة لأحدٍ، ولا أن يتعثر أحد ويموت بسبب معيشته المستمرّة مع عذارى في بيتٍ واحد معهنّ، الأمر غير اللائق، والذي يحطّم الذين يسمعون ويرون سلوكًا كهذا مملوءً عثرات ومخاطر، قريبًا من الموت.
طوبى للإنسان المتّزن، الحذر في كل شيء من أجل النقاوة!
٦
سلوك الناسك في وضع به وثنيّون
إن حدث أن ذهبنا إلى موضع حيث لا يوجد به مسيحيّون وكان من الضروري أن نقيم هناك عدة أيّام، فلنكن “حكماء كالحيّات وبساطاء كالحمام ” , ولا نكون “كجهلاء بل كحكماء ” , بكل إنكار الذات في مخافة الله، لكي يتمجّد الله في كل شيء خلال ربّنا يسوع المسيح، وذلك بطهارتنا وسلوكنا المقدّس.
“فإذا كنتم تأكلون وتشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله “
ليت كل الذين يروننا يعرفون إنّنا “نسل مبارك ” , “أبناء الله الحيّ ” في كل شيء، في كل كلماتنا، في نقاوة، في اتّضاع، ما دمنا لا نتشبّه بالوثنيّين في شيء، بل في كل شيء نتغرّب عن الأشرار. ولا “نعطي القُدس للكلاب، ولا نطرح دُررْنا قدّام الخنازير “ بل نسبح الله بكل إنكار ذات ممكن وكل تمييز وكل مخافة الله وغيرة ذهن.
فلا نخدم حيث يسكر الوثنيّيون ويجدّفون في ولائمهم بكلمات دنسة بسبب شرّهم.
ليتنا لا نترنّم بمزامير حيث يوجد المغنّون الذين يلعبون بالقيثارة أو يتغنّون بأصواتهم مثل المتكهّنين، فإن كثيرين يفعلون هذه الأمور من أجل كسب لقمة العيش بطريقه رديئة، ومن أجل كأس خمر تافه يترنّمون بترانيم الرب في أرض الوثنيّين الغريبة فاعلين ما هو شرّ.
أسألكم يا أخوتي ألاّ تفعلوا مثل هذه الأفعال بل اطردوا الذين أرادوا أن يفعلوها في عار وخزي.
لا تليق مثل هذه الأمور يا إخوتي، لكنّنا نتوسّل إليكم – أيّها الإخوة في البرّ – أن تفعلوا الأمور كما نفعلها نحن لنكون مثالاً للمؤمنين وللذين سوف يؤمنون.
لنكن من قطيع المسيح في كل برّ وكل سلوك مقدّس غير معيب، سالكين بالبرّ والقداسة كما يحق بالمؤمنين، مهتمّين بالأمور الممدوحة النقيّة المقدّسة المكرّمة والحسنة، مشجّعين كل هذه الأمور النافعة. فإنكم أنتم “سرورنا وإكليلنا ورجاؤنا وحياتنا إن كنتم تثبُتون في الرب “
٧
لنتشبه بآباء العهدين
لنتأمّل يا إخوتي ونتطلّع إلى كل الآباء الأبرار كيف عاشوا كل أيّام غربتهم في هذه الحياة، ولنبحث ونختبر ذلك من الناموس والعهد الجديد؟ فإنه لائق ومفيد لنا أن نعرف كيف هلك كثيرون من الرجال بسبب النساء، ومن النساء بسبب الرجال، وذلك خلال اجتماعهم معًا بصفة مستمرّة.
لنفس السبب حري بنا أن نرى كثيرين من الرجال وقد أمضوا حياتهم في كمال أعمال الطهارة بلا لوم حتى النهاية.
هذا يظهر ويُعلن أن الأمر هكذا
٨
يوسف ومحبّة إخوتنا
كان يوسف مؤمنًا ومتعقلاً حكيمًا يخاف الله في كل شيء، ألم تحمل له امرأة عاطفة عنيفة من أجل جمال هذا الرجل البار العفيف؟ لكنّه إذ لم يخضع لها ولا وافقها على إشباع رغبتها الشهوانيّة ألقت بالبار في مأزق وعذاب قاربت به من الموت من خلال شهادة باطلة، لكن الله خلّصه من كل الشرور التي حلّت به من المرأة البائسة.
إذن ليتنا لا نمكث باستمرار مع نساء أو عذارى، فإن هذا غير مفيد للّذين يرغبون أن “يمنطقوا أحقّاءهم ” . فإنّنا نطالب بحب الأخوات بكل نقاوة وعفّة وبكل ضبط فكر في مخافة الله، دون أن نتجمع دومًا بهنّ ولا أن نتآنس بهنّ في أي ساعة.
٩
سقوط شمشون الجبار
ألم تسمع عن شمشون النذير الذي كان يرافقه روح الله، الرجل الجبار؟
كان هذا الرجل نذيرًا للرب ومكرّسًا ووُهب قوّة وقدرة، حطّمته امرأة بجسدها البائس وعاطفتها الدنيئة. ألعلّك مثله؟ اعرف نفسك واعرف قامتك فإنه “بسبب امرأة متزوّجة تُقتنص النفس الكريمة ” لذلك نحن لا نسمح لأي إنسان – مهما يكن – أن يجالس امرأة متزوّجة أو يعيش مع بتول نذرت نفسها في بيت واحد، ينام حيث تنام أو يلازمها على الدوام، فإن هذا أمر يكرهه خائفوا الله ويمجونه.
١٠
سقوط داود
أما يُعلّمك حال داود، الذي وجد الله فيه إنسانًا حسب قلبه إنسانًا مؤمنًا بارًا وورعًا وصادقًا؟ هذا الرجل رأى جمال امرأة. أقصد بَتْشبْع التي رآها تغتسل وتستحم. رأى القدّيس المرأة فأُسِر حقًا بالشهوة خلال نظره إليها.
انظر أيّة شرور ارتكبها بسبب امرأة، فقد أصدر أمرًا بقتل زوج المرأة في المعركة!
لقد رأينا تدابير شرّيرة وضعها ونفّذها، وبسبب شهوته ارتكب الجريمة داود الذي دُعي “مسيح الرب ” !
تيقّظ يا إنسان، فإن كان أناس مثل هؤلاء هلكوا بسبب النساء، فما هو برّك أنت؟ أو ماذا تكون بين القدّيسين حتى تصاحب نساء ومتبتّلات نهارًا وليلاً في سخافة بغير مخافة الله؟ لا، ليس هكذا يا إخوتي، لكن لنتدبّر ونتعقّل بالكلمة التي قيلت عن المرأة: “يداها ترميان شباكًا وقلبها يبسط أشراكًا، أمّا الصالح فينجو منها، وأمّا الخاطئ فيسقط تحت يديها “.
إذن ليتنا نحن المقدّسون نكون حذرين، فلا نعيش مع نسوة نذرن أنفسهنّ في بيت واحد، فإن سلوكًا كهذا ليس لائقًا ولا مناسبًا لخدّام الله.
١١
آمون وثامار
ألم تسمعوا عن آمون وثامر ابني داود؟ آمون هذا اشتهى أخته وأذلّها ولم يبقها، إذ كان اشتياقه لها مجرّد شهوة مخجلة، وقد ثبّت شرّه وخلاعته خلال اتصاله بأخته على الدوام، في غير مخافة الله صانعًا الشرّ في إسرائيل.
إذن لا يليق بكم ولا يحق لكم أن تجتمعوا مع حدثات في ضحك واستهتار، إنّما في طهارة ونقاوة في مخافة الرب.
١٢
سليمان
ألم تقرأوا عن تاريخ سليمان بن داود، هذا الله وهبه الله حكمة ومعرفة واتّساع قلب وغنى مجد عظيم أكثر من كل الناس؟ ومع هذا فقد هلك هذا الرجل بسبب النساء وترك الرب.
١٣
سوسنّة والشيخان
ألم تقرأوا وتعرفوا عن الشيخان اللذين كنّا في أيّام سوسنّة، إذ كانا على الدوام مع نساء يتطلّعان إلى جمال امرأة آخر، فقد سقطا في عمق الطياشة ولم يقدرا أن يحفظا نفسيهما بفكر عفيف. غُلبا بتصرّف أحمق، فقد جاءا إلى سوسنّة المغبوطة فجأة لكي يفسداها، لكنّها لم توافق عاطفتهما الدنسة بل صرخت إلى الله الذي أنقذها من أيدي الشيخين الرديئين.
أما يُخيفنا ويُرعبنا أن كان الشيخان القاضيان والكبيران بين الشعب قد سقطا من كرامتهما بسبب امرأة؟ فإنّهما لم يضعا في ذهنهما ما قيل:
“لا تنظر إلى جمال امرأة آخر”،
“جمال المرأة يفسد كثيرين”،
“لا تجالس متزوّجة (لآخر) “
كما قيل “أيأخذ نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟! أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟!ُ هكذا من يدخل على امرأة صاحبه لا يكون بريئًا من الشرً، ومن يقترب منها لا ينجو ”
وأيضًا “لا تشتهي امرأة لئلا تأخذك بهُدبها ”
“لا تتطلّع إلى عذراء لئلا تهلك بشهوتها “
“لا تبقى على الدوام مع امرأة تغنّي حسنًا “
“من يظن إنّه قائم فلينظر لئلا يسقط “
١٤
أمثلة من العهد القديم
لكن انظر ماذا يُقال عن القدّيسين والأنبياء وعن رسل ربّنا، لننظر إن كان أحد هؤلاء القدّيسين على الدوام مع عذارى أو متزوّجات صبيات أو مع الأرامل اللواتي أمر الرسول أن نرفض قبولهنّ.
لنتأمّل في خوف الله حياة هؤلاء القدّيسين. نعم، نجد إنّه قد كتب عن موسى وهرون أنهما عملا وعاشا مع رجال يسلكون على مثالهما، وهكذا يشوع بن نون.
لم يكن معهم امرأة بل خدموا الرب بالقداسة، رجالاً مع رجال. ليس هذا فقط وإنّما علموا الشعب إنّه إذا ما تحرّك الجيش يتحرّك كل سبط على حدة والنساء مع النساء وحدهن، ويخرجن وراء الجيش من خلف، والرجال وحدهم مع أسباطهم. وهكذا ينطلقوا كشعب حكيم لا يكون فيهم تشويش بسبب وجود النساء أثناء تحرّك الجيش. لقد كانوا ينظّمون مشيهم بلا عثرة في ترتيب جميل ورائع.
هوذا الكتب المقدّسة تشهد لكلماتي:
“حينما عبر شعب بني إسرائيل بحر سوف رنَّم موسى وبنو إسرائيل تسابيح للرب وقالوا: نرنم للرب فإنه قد تعظّم. وإذ أنهى موسى ترنيمة التسبيح عندئذ أخذت مريم أخت موسى وهرون الدف بيديها وخرجت مع جميع النساء وراءها وترنّمن بتسابيح معها، النساء مع النساء وحدهنّ، والرجال مع الرجال بمفردهم.
كذلك نجد إليشع وجِحزي وأبناء الأنبياء يعيشون معًا في مخافة الله، لا يعيشون مع نساء.
ميخا والأنبياء أيضًا نجدهم يسلكون ذات الأسلوب في مخافة الرب.
١٥
تعاليم السيّد المسيح
حتى لا نطيل مقالنا أكثر ماذا نقول عن ربّنا يسوع المسيح؟ فقد كان الرب نفسه على الدوام مع تلاميذه الإثني عشر، وعندما أرسلهم اثنين اثنين معًا، رجالاً مع رجال، ولم تخرج النسوة معهم، لم يختلطوا بنساء أو عذارى في الطريق أو في البيت، وهكذا أرضوا الرب في كل شيء.
كذلك عندما تكلّم ربّنا يسوع المسيح نفسه مع المرأة السامريّة عند البئر بمفرده جاء تلاميذه ووجوده يتكلّم معها، وكانوا يتعجّبون أن يسوع جالس يتكلّم مع امرأة . أليس هذا بكونه قاعدة لنا ومثالاً ونموذجًا لكل أنواع الناس، حتى لا نجلس جنبًا إلى جنب (مع امرأة)؟
وليس الأمر هكذا فقط بل وعندما قام ربّنا من الأموات، وجاءت مريم إلى القبر أسرعت وسقطت عند قدميّ ربّنا وسجدت له وأرادت أن تمسك به، لكنّه قال لها: “لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ” . أليس مدهشًا أن الرب لا يسمح لمريم المغبوطة أن تلمس قدميه وهو الحيّ في وسطهم، وأنتم ينتظركم نسوة وعذارى، وتنامون حيث ينمن، تغسل النسوة أقدامكم، ويطيّبونكم؟!
يا للعار، هذا ذهن مذنب!
يا للعار، هذا ذهن خالٍ من المخافة!
يا للعار، هذا اجتراء وغباء ليس فيه خوف الله.
ألا تدينوا أنفسكم؟
ألا تمتحنوا أنفسكم؟
ألا تعرفوا أنفسكم وقدر قامتكم؟
إن هذا جدير بالثقة، صدق وهو حق، وهي أحكام ثابتة يتدبّر بها السالكون بحق في الرب. فإن كثيرًا من القدّيسات خدمن رجالاً قدّيسين من مالهنّ الخاص، الشونميّة التي خدمت إليشع لكنّها لم تعش معه، بل سكن النبي في منزل خاص به. وعندما مات ابنها أرادت أن تنطرح عند قدميّ النبي، لكن خادمه لم يسمح لها بل قاومها. أمّا إليشع فقال له: “دعها لأن نفسها مرّة فيها ”
بهذا ينبغي أن نفهم طريقة مسلكهم، أمّا بالنسبة ليسوع المسيح الذي كان يخدمنه بأموالهنّ لكنهنّ لم يعشن معه إنّما في طهارة وبلا لوم سلكن أمام الرب وأنهين حياتهنّ وتقبّلنّ الإكليل في الله بربّنا ضابط الكل.
١٦
لذلك نسألكم أيّها الإخوة في الرب أن تلاحظوا هذه الأمور كما نلاحظها نحن، فيكون لنا الفكر الواحد، فنكون نحن واحدًا فيكم وأنتم واحدًا فينا.
ونكون في كل شيء بروحٍ واحدٍ وقلب واحد في ربّنا.
من يعرف الرب يسمع لنا، والذي ليس من الله لا يسمع لنا.
من يرغب بحق أن يحفظ القداسة يسمع لنا،
العذراء التي تودّ بحق أن تحفظ بتوليّتها تسمع لنا،
أما التي ليست بصدق ترغب في حفظ بتوليّتها لا تسمع لنا.
أخيرًا وداعًا في ربّنا، فرحًا في الرب أيّها القدّيسون أجمعين.
سلام لكم وفرح من قبل الله الآب بابنه يسوع المسيح، ربّنا. آمين.
هنا تنتهي الرسالة الثانية لإكليمنضس تلميذ بطرس