كان المسيح ورسله من شعب الله القديم، اسرائيل. فكانوا يشتركون في الصلوات الحاصلة في المعبد لكنهم لم يكهنوا البتة فيه. نجدهم في العهد الجديد في اعمال الرسل، يشتركون في الصلوات مع الشعب ويصعدون في الاعياد الى اورشليم ويقدمون تقدمات بحسب الشريعة الموسوية. لكن سرعان ما انفصلت المسيحية عن اليهودية.
ان الانقطاع عن العبادة اليهودية تم تدريجيا، وذلك اولا: بسبب عداء اليهود للمسيحيين، ثانيا: بسبب قرارات مجمع اورشليم الذي لم يفرض على المسيحيين من الامم الخضوع للناموس الموسوي. ثالثا: ان خراب الهيكل في سنة
الاعياد المسيحية وطقوسها كتابية، فالكتاب المقدس يعتبر مصدرا اساسيا للاعياد المسيحية الكنسية حيث يحتوي على مادة ليتورجية مهمة نستطيع من خلالها ان نتعرف على الاعياد في الكنيسة الاولى.
ان اغلب الاعياد المسيحية ذات مصدر كتابي، فهي مأخوذة من حياة المسيح او بعض وجوه العهد القديم او الجديد، كالفصح والميلاد والعنصرة واعياد الانبياء والرسل.
الاعياد في الكنيسة الاولى كانت عيدا واحدا متصلا، هو عيد الحياة الجديدة، عيد الخلاص. يوم هذا العيد هو الزمن كله، هو الدهر الجديد بتجسد المسيح في ملء الزمن وقيامته في اليوم الثالث الذي هو اليوم الثامن.
في الواقع ما هو العيد؟ هو تذكار حوادث ماضية والحدس بأشياء آتية، هو تفسير شاعري وعقائدي للاثنين معا. العيد يظهر في آن واحد الذاكرة والنبوءة للكنيسة. الحياة الحاضرة للكنيسة متجهة نحو الماضي الذي هو قاعدتها، ونحو المستقبل الذي هو نهايتها. انها تتجه نحو النهاية وتخلقها. ترتكز على التقليد متجهة نحو الازلية. حاليتها متشكلة من تجربة "الماضي" ومن "تهيؤ الجديد". تطورها من مرحلة الى مرحلة اخرى يشكل زمن الانسانية. انها تحقق سر زمن اتمته الانسانية، هذا السر هو حاضر وحالي لأنه معاش لا يمكن سبره لأن طرفيه الاول والاخير آتيان من الازلية كونهما فعل حكمة الله.
من القديم الى الجديد، من السقوط في الزمن الى التجديد في الازلية. من الافتراق حتى العودة، اي من لجنة عدن الى جنة عدن، ومن الله الى الله، فالتاريخ مرتبط بالتجسد، ويدور حوله حتى المجيء والدينونة الاخيرة.
الاعياد تحتفل بذكرى هذه المراحل وتفسر عناصرها الاساسية. كل منها يمدح، يتأمل، يندهش، يعلم مذكّراً أو كاشفاً وموسعاً حدثاً ما. في بضع ساعات أو بضعة أيام، فان كل عيد يعاش بالمشتركين به، ويلقي بهم نحو البدء والنهاية. كل عام تعود هذه الاعياد بدورات مفتوحة على أزلية الله المطلقة، وأزلية الانسان النسبية. إذ الله لا بدء له ولا نهاية، أما الانسان فله بداية، ولكنه مدعو لكي لا تكون له نهاية.
الاعياد تبين لنا بماذا، وكيف يحدث ذلك. أنها اساسية للمسيحيين أولاً. فإنهم يجدون في مضمون الاعياد، وحتى في جوّها، معنى الملكوت الذي ابعدوا (نفوا) منه الزمن، وهو بالضبط زمن التاريخ الذي تحييه دورة الاعياد من خلال الليتورجيا، ولكن ان كانت أعياد متعددة صارت ذات تواريخ محددة على مدار أيام السنة الكنسية الواحدة، فصار محوران للتعييد لاحداث تدبير الخلاص: محور الميلاد (أعياد الظهور الإلهي: الميلاد الختان والغطاس)، محور الفصح بأعياده حتى يوم الخمسين، إلا انه في وعي الكنيسة ما زال العيد واحداً، وما هذه الاعياد إلا تركيز ليتورجي في أيام محددة تستعيد فيها الكنيسة بالسر حضور الحدث بنعمته الخلاصية، من خلال حضور الرب الممجد بنفسه وسط شعبه في سر الافخارستيا.
الاعياد جميعها عيد واحد دائم، مع أنها أعياد متعددة ذات تواريخ متعددة، الا أنها منفصلة بأي حال، وكأن كل عيد منها هدف في حد ذاته. كلها وقفات ليتورجية تعبر فيها عن فرحها السماوي (الذي ليس من هذا العالم) بكل حدث من أحداث حياة عريسها السماوي الحبيب، لتنال لنفسها وللعالم من خلالها تجديداً لنعمته الخاصة التي هي جانب من جوانب نعمة الحياة الجديدة والخلاص.
من هنا أهمية الاعياد. من خلالها نتعلم عمق الخدم الالهية الصائرة في كنيستنا وسموّها، ونمتلئ فرحاً وقوة عندما نعلم ان آباءنا وقديسينا هكذا تعبدوا، ونكتشف عندئذ إننا كلنا بفم واحد وقلب واحد، مع الكنيسة جمعاء، نسجد لله. ان الاعياد تجعل المؤمنين يغوصون أكثر وأكثر في أعماق الليتورجية، لأنها تعلّم ما الذي يحدث في العبادة والطقوس، إذ من خلال المعطيات التاريخية واللاهوتية والكتابية للاعياد، نتعرف الى ما هو اساسي في ليتورجية الاعياد، والذي لا غنى عنه.
هذا يعني ان الاعياد أبعد من كونها مجموعة طقوس وعبادة. الطقوس تتغير وتتبدل. أما الاعياد في معناها الاخير فهي واحدة لا تتبدل، هي "واقع سر تجسد المسيح" وبذلك تحتوي على كل "تدبير الله".