خدمة المديح لوالدة الإله … الذي لا يجلس فيه
وضع هذا المديح أو التسبيح و النشيد (إيمنوس HYMNOS) في اليونانية على أربعة وعشرين بيتاً بعدد حروف الهجاء اليونانية (من أحرف B-A إلى حرف F ) وكل بيت منها يبتدئ بحرف من حروف الهجاء على التتابع بعضها مطول ويختم بالهتاف (افرحي يا عروسة لا عروس لها) وبعضها موجز العبارة ويختم بالهتاف
(هليلويا) أي سبحوا الرب
وقد قسمت الكنيسة اليونانية الملكية البيوت الأربعة والعشرين إلى أربعة أدوار لكي يكون لكل أسبوع من الصوم العظيم دور بستة بيوت ومجموع الأدوار كلها للأسبوع الخامس من الصوم ويتلى معها القانون المؤلف مثل سائر القوانين من تسع أوديات ( تسابيح (ODIES= فجاء مع الأربعة والعشرين بيتاً من أجمل ما حررته أقلام الكتبة الكنسيين القدماء وألسن البلغاء
ويجدر بنا أن نذكر هنا بالإضافة إلى هذا النشيد
كانت تلاوته محصورة بين جدران كنيسة واحدة
من كنائس الله في القسطنطينية البيزنطية
ونعني بها كنيسة فلاخرنون ومن أوائل القرن
الثالث عشر عمّت تلاوته كنائس الشرق كافة
في أيام معدودات من الصوم الكبير
الدور الأول
البيت الأول: في هذا البيت إشارة واضحة إلى الملاك المتقدم أي الملاك جبرائيل وهو في مقدمة الألوف المتألفة من طغمات الملائكة وهو الذي أرسل من السماء ليبشر والدة الإله مريم بأنها ستلد المسيح الذي لا نهاية لملكه وذلك بقوة الروح القدس وحلوله عليه وفحوى هذا البيت مأخوذ لا شك من رواية القديس والرسول لوقا في إنجيله حيث يقول: وفي الشهر السادس أرسل الملاك جبرائيل من قبل الله إلى مدينة في الجليل تسمى ناصرة …
( 1: 26-38) ويلي ذلك الحوار الذي تم بين مريم والملاك جبرائيل وهذا الملاك ظهر للكاهن زكريا ليقول له أن امرأته العاقر اليصابات ستلد ولداً
البيت الثاني: إن القديسة (مريم) لما عاينت نفسها في غاية الطهارة قالت لجبرائيل بجرأة… في هذا البيت جواب مريم البتول للملاك جبرائيل وهنا تدعى مريم العذراء قديسة لطهارتها من كل عيب وجاء في ختام هذا البيت وسواه من البيوت التالية الهتاف الموجز (هليلويا) وهو هتاف موجز ويدل على تسبيح الله (سبحوا الله)
البيت الثالث:في هذا البيت من النشيد التماس من مريم العذراء أن تعلم ما لا يمكن أن يرتقي العقل إلى معرفته وهو بنصه تابع للحوار بينها وبين الملاك هنا يتمثل الخوف للملاك في إجابته على السؤال المطروح أمامه من البتول: (كيف يمكن أن يولد من أحشاء نقية ابن) في الإجابة البليغة من جهة لاهوتية سامية نقرأ فيما نقرأه أن البتول مريم هي حافظة سر الرأي الذي لا يوصف وإيمان المحتاجين إلى الصمت
وإن هذا الذي تسأل عنه هو مقدمة عجائب المسيح ومنه تشعبت بقية عجائبه المدونة على صفحات الإنجيل الشريف وفيما يلي كلام يشير إلى سلّم يعقوب الذي رآه في المنام
البيت الرابع: فيه الرد على سؤال والدة الإله وهو حقيقة تجسد الكلمة في أحشائها بحلول الروح القدس ولا نشك بأن هذا البيت من النشيد جاء مبنياً على آية الرسول لوقا 35 في الفصل الأول من إنجيله الشريف (فأجاب الملاك وقال لها أن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله
البيت الخامس:فيه إشارة إلى ذهاب مريم البتول إلى مدينة يهوذا عند نسيبتها اليصابات لتهنئها بما وعدت به من ولادة ابن يمون عظيماً وفي هذه المقابلة بين مريم واليصابات نرى انقضاء العهد القديم في حبل وولادة يوحنا وهو خاتمة أنبياء هذا العهد وبداية العهد الحديث في حبل وولادة سيدنا يسوع المسيح من مريم العذراء وهنا نلاحظ أن هتافات الجنين مأخوذة من البيئة التي عاش فيها يوحنا المعمدان
البيت السادس:فيه تعبير عن اضطراب يوسف خطيب مريم العذراء الذي لم يطمئن له بال إلا حين ظهر له الملاك في الحلم وأنبأه بقضاء الله الأزلي بأن يرسل الفادي إلى العالم مولوداً من مخطوبته القديسة وكان اضطراب يوسف معقولاً لأن الفتاة التي توجد في حالة الحبل بدون زواج كان قصاصها الرجم بالحجارة وذلك حسب ناموس موسى
الدور الثاني:
البيت السابع: فيه إشارة إلى سجود الرعاة للمولود العظيم وتسبيح الملائكة الذين ظهروا حين ولادته يسبحون الله ويمجدونه وبشروهم بالفرح العظيم الذي يخص كل الشعوب هنا تتمثل أمامنا قصة ولادة سيدنا يسوع المسيح في بيت لحم حيث كان رعاة يبيتون وظهور جمهور من الجند السماويين كما وردت في إنجيل القديس لوقا
البيت الثامن: في هذا البيت إشارة واضحة إلى مجيء المجوس من المشرق (ربما من بلاد الفرس) إلى أورشليم والذين لما رأوا كوكباً (نجماً غريب المظهر) ومسيّراً نحو هذه المدينة اتبعوه ليستقصوا عن الملك الذي يشير إليه بظهوره وسيره الغريب
البيت التاسع: جاء هذا البيت من النشيد متمماً للبيت السابق وفيه كلام عن فتيان الكلدانيين أي المجوس الذين قاموا بتقدمة الهدايا إلى البتول وفي نص الإنجيل إلى الصبي (أي المسيح) وهتافهم إلى العذراء لأنها والدة النجم (المسيح) الذي لا يغيب وفجر النهار السري وفي هتافات المجوس الموجهة إلى البتول يشار إليها بنعوت متعددة :مطفئة أتون الضلالة أي مبطلة عبادة الديانات الفاسدة ومستنيرة مساري الثالوث أي معلنة الإيمان بالثالوث الأقدس ومخرجة المغتصب العادم الإنسانية عن الرئاسة ومظهرة محبة المسيح للبشر ومخلصة ومنقذة العالم من عبادة الأصنام المتنوعة ولا سيما من عبادة النار
البيت العاشر: فيه الكلام عن رجوع المجوس إلى بلادهم وتبشيرهم بالمخلص المولود في بيت لحم اليهودية في هذا البيت من النشيد تتمة للبيتين السابقين وخاتمة لزيارة المجوس للمولود العظيم في بيت لحم وحكاية هذا البيت المختصر مدونة في إنجيل متى حيث يقول: (ثم أوحى الملاك إلى المجوس في الحلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس فرجعوا في طريق أخرى إلى بلادهم بابل )
البيت الحادي عشر: في هذا البيت إشارة إلى ذهاب الأسرة المقدسة إلى مصر التي سقطت أصنامها عند وصول السيد المسيح إليها ونرى في هذا النشيد أن أشخاصاً جديدة ترفع الهتافات إلى البتول وبعد أنت تنسب لها نهوض البشر وسقوط الأبالسة ووطأة ضلالة الخديعة وفضح غش الأصنام يقتبس الهاتفون مادتهم الرمزية إلى بعض حوادث العهد القديم أرض الميعاد التي يدر منها اللبن والعسل في ذلك غرق فرعون وإرواء الظمأى من الصخرة والعمود الناري وحكاية المن وأرض الميعاد التي يدر منها اللبن والعسل
البيت الثاني عشر: فيه إشارة إلى ترحيب سمعان الشيخ بالمسيح لما ذهب به يوسف وأمه مريم إلى الهيكل عند تمام الأربعين يوماً من ولادته بحسب الأوامر الشرعية الموسوية
الدور الثالث:
البيت الثالث عشر: في هذا البيت من النشيد تمجيد لبتولية مريم العذراء وهنا الهاتفون يزينون ذكر بتوليتها بنعوت بسيطة في وضعها ولكنها عميقة في معناها وهكذا فإنهم يدعونها زهرة وإكليل الإمساك ورسم القيامة وسيرة الملائكة وشجرة لذيذة الطعم و غرسة ذات أوراق حسنة وحاملة مرشد الضالين ووالدة منقذ المأسورين وشفيعة عند الديان وغفران الخطأة وسربال ووداً لكل شوق
البيت الرابع عشر: في هذا البيت سلام جميع المؤمنين للبتول العذراء
البيت الخامس عشر: في النشيد يعلمنا بأن المسيح الإله المتجسد ما برح وهو على الأرض حاضراً بألوهيته في السماء لأنه ابن الذي يملأ الكون والسماوات والأرض في وقت واحد وهنا يمثل والدة الإله بأنها باب للسر المكرم وسماع ملتبس عند الكفار وفخر للمؤمنين ومركبة للذي على الشاروبيم ومنزل لمن هو على السيرافيم وباب مفتوح للفردوس ومفتاح لملكوت المسيح وبالتالي رجاء الخيرات الأبدية وكل هذه النعوت لها صداها في شخصية والدة الإله التي فتحت للمؤمنين أبواب الفردوس وملكوت السيد المسيح وكانت قد أغلقتها حواء بمعصيتها لإرادة الله
البيت السادس عشر: فيه دهشة الملائكة من تجسد المسيح ابن الله الأزلي وتواضعه على الأرض وبين الناس وسبب دهشة الملائكة لأنهم لم يكونوا يعرفون من قبل شيئاً عن تجسد مخلصنا وسيدنا يسوع المسيح
البيت السابع عشر: في هذا البيت سلام من المؤمنين للعذراء مريم التي بولادتها السيد المسيح ابن الله أدهشت عقول العلماء والفصحاء فصاروا في معناها كالسمك لا صوت لهم ولا كلام وهتافات هذا البيت موجهة إلى طبقات العلماء والفصحاء من فلاسفة ورجال أشداء في المناظرات حتى وإلى الأثينائيين المشهورين بصف الكلام والخطابة والشعر وما إلى ذلك وعلاوة على ذلك فإن والدة الإله تدعى إناء الحكمة وخزانة عناية الله وسفينة الذين يؤثرون الخلاص وميناء سبّاحي العمر
البيت الثامن عشر: فيه تسبيح إلى السيد المسيح الذي من أجلنا تجسد وأصبح إنساناً مثلنا وذلك ليخلص العالم
الدور الرابع :
البيت التاسع عشر: فيه اعتراف صارخ بأن والدة الإله عذراء وسور للعذارى وطاهرة وقد سكن في أحشائها صانع السماء والأرض ومربية صالحة للعذارى ولذا فإنها تستحق كل تمجيد وتسبيح
البيت العشرون: فيه تسبيح إلى الملك القدس من المؤمنين مع إقرارهم بأنهم إذا قدموا إليه ما يساوي الرمل عدداً من التسابيح فلا يقومون بحق ما أنعمه علينا من الخيرات
البيت الحادي والعشرون: في هذا البيت يوجه ناظم النشيد الكلام إلى البتول القديسة داعياً إياها مصباحاً منيراً الذي ينير عقول الجالسين في ظلام المعصية لمعرفة الأسرار المقدسة
البيت الثاني والعشرون: في هذا البيت تسبيح(هليلويا) إلى سيدنا يسوع الذي حضر بذاته إلى جميع البشر ليوفي ديونهم ويعيدنا إلى الفردوس بعد أن كنا في عالم الخطيئة ولذا فإنه مزق الصك المكتوب على حساب ديوننا وهكذا أصبحنا أحراراً من كابوس المعصية والخطيئة ومستحقين نعمته والنعمة هنا جاءت بمعنى محبة المسيح التي لاحدود لها لخلاص الإنسان من اللعنة
البيت الثالث والعشرون: فيه مديح وتسبيح لوالدة الإله لأن الرب حلّ في بطنها وقدسها ومجدها ولذا فإنها أصبحت مظلة الإله الكلمة وقديسة أعظم من كل القديسين وتابوتاً مذهباً بالروح وكنزاً لحياة لا تفنى وتاجاً مكرماً للملوك وفخراً موقراً للكهنة وبرجاً للكنيسة لا يتزعزع وسوراً للمملكة لا يهدم وبها يقوم الظفر ويسقط الأعداء وهي شفاء الجسد وخلاص النفوس
البيت الرابع والعشرون: فيه هذا البيت وهو خاتمة نشيد الأكاثيسطوس تضرعات إلى البتول مريم الكلية القداسة والطهارة لكي تتقبل صلواتنا وتنقذنا من أصناف الشرور والشدائد