النص الانجيلي:
لوقا (لو18: 10-14)
قال الرب هذا المثل إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصليا أحدهما فريسي والآخر عشّار. فكان الفريسي واقفاً يُصلي في نفسه هكذا اللهم إني أشكرك لأني لست كسائر الناس الخطفة الظالمين الفاسقين ولا مثل هذا العشار. فإني أصوم في الأسبوع مرتين وأعشِّر كل ما هو لي. أما العشار فوقف عن بعد و لم يُرد أن يرفع عينيه إلى السماء بل كان يقرع صدره قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مُبَرَّراً دون ذاك. لأن كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع.
العظة
باسم الآب والابن والروح القدس. آمين
التواضع أم الفضائل
" اتضعوا قدام الرب فيرفعكم " ( يعقوب 4: 10)
ايها الاحباء: نحن الآن على مشارف الصوم الكبير الذي فيه نتدرب روحيا لنكتسب الفضائل لكي نحياها باقي السنة . فلذلك نكتشف في الصوم الدعوة الى الوداعة اي التواضع.
ولاهمية التواضع رتبت الكنيسة المقدسة ان يقرأ المقطع الانجيلي الشريف الذي تلي عليكم الآن المختص بالفريسي والعشار.ان هذا المثل موجه الى جميع البشر الذين نقابلهم في كل الاوقات والى الاشخاص الذين يعتبرون انفسهم كاملين من ناحية العبادة والمعرفة ، والى الذين يدينون الاخرين ويعتبرونهم خطأة وايضا الى الذين لهم دائما بان يصفوا العذاب الذي سيعاقب به الله كل انسان خاطئ ناسين بهذا ايضا سقيفون يوما ما امام الله ومحاكمته العادلة.
اذا لهذا وضعت الكنيسة المقدسة هذا النص الالهي في بداية تحضيرنا للصوم الكبير بهدف حماية المؤمنين من التكبر وعظمة الفريسي ، وان يأخذ كل مسيحي مؤمن تواضع العشار الذي صل بتوبة ودموع.
لان التواضع هو الفضيلة الاولى في حياة الروحية والكنسية، التواضع هو السور الذي يحمي الفضائل ويحمي المواهب .وكل فضيلة خالية من التواضع عرضة ان يختطفها شيطان المجد الباطل.
فاذا اعطكم الرب موهبة طلبوا اليه ان يعطيكم معها اتضاعا ، او ان يأخذ هذه الموهبة منكم لئلا تقعوا بسببها في الكبرياء وتهلكون
التواضع اذن هو اساس الذي تبني عليه كل الفضائل، هو ام الفضائل.ويظهر الاتضاع في تعاليم المسيح ورسله واضحا .ففي الموعظة على الجبل جاء كلام الرب يسوع يطوب المتواضعين فقال:" طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات"(كتى5- 3).
حتى ان الرب يسوع كان مثلا للتواضع وحث الجميع على اتباعه " تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم " ( متى 11: 29) .اكد يسوع ان من يضع نفسه يرتفع (لوقا 14: 10 -11).ويقول بطرس الرسول فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه" ( 1 بطرس 5- 6) .
لماذا التواضع مهم واساسي في حياتنا الروحية وفي سلوكنا المسيحي اليومي فالاتضاع يعني اكتشاف الإنسان لحقيقة نفسه، وإدراك عجزه وقلة حيلته أمام المرض والمحن والموت، وأنه تراب ورماد، وأن حياته بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل (يعقوب 4: 14)، وأنه بدون الله واهب الحياة لا يقدر على فعل شيء. وأنه ضعيف ويُخطئ، وأن أي فعل طيِّب يعمله ينتسب مباشرة إلى الله صانع الخيرات ومصدر كل بر، وأنه محدود القوة والمعرفة والأيام، وأن أحداً لا يملك حياته أو مواهبه أو فضائله أو صحته أو ماله أو جماله أو نسبه، وأن أحداً لا يستطيع وحده أن يفعل البر أو ينتصر على الخطية. هي كلها عطايا الله الغني.
وهكذا يُترجم الاتضاع إلى إنكار الذات أي عدم الاعتزاز بالنفس ، كي يصير الله هو المهيمن على الكيان دون منازع. وهكذا جعله الرب شرطاً أولياً لتبعيته، إذ بدونه ترفض النفس تبعية آخر، وبدونه لن تقبل حمل الصليب أي التألُّم من أجل المسيح، أو احتمال التجارب الداعمة للإيمان أو الجهاد ضد ميول الجسد. ومن هنا يكون الاتضاع هو المفتاح للدخول إلى سائر الفضائل.
لذا الله يعطي مواهبه ونعمه للمتواضعين لانه يعرف انها لا تؤذيهم . ويقول الكتاب المقدس ان الله يكشف اسراره للمتواضعين ،هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجدا زادوا انسحاقا قدامه.
يكفي ان الله يكون قريبا من المتواضعين والمنكسري القلوب يخلصهم ويشفيهم ويجبر كسرهم (مزمور 34: 18) (مزمور 147:3) (لوقا 4:18) ويعزيهم (2 كورنثوس 7:2) ويعطيعم نعمة(يعقوب 4: 6).(ابطرس 5:5).
وإن دخول المسيح إلى مجده كان من باب الاتضاع: "لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شِبه الناس. وإذ وُجـِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفَّعه الله أيضاً، …." (فيليبي 2: 7-10)
ايها الاحباء: دعوتي لكم بكل محبة وصدق اقطعوا الكبرياء وتمسكوا بالتواضع كصديق لكم في هذه الحياة الفانية ،لان الكبرياء هو رأس الشر،والتواضع هو رأس كل عمل صالح.
ايضا لا يكون تواضعكم مظهريا فريسيا او باللسان فقط ،انما ليكن تواضعا حقيقيا من عمق القلبوب بيقين داخلي، ليكن تواضعا بالروح.
وان عشتم بالتواضع حتما ستحيون باستمرار في حياة شكر وتمجيد لله،شاعرون على الدوام ان الله يعطيكم فوق ما تستحقون.
لا يوجد شيء يمنعكم عن ان تيعشوا على الارض وكأنها سماء مثل عيشكم بالتواضع . لان التواضع هو راس فرح الهي وكل محبة اخوية وكل محبة الهية حتى نعيش حياة طاهرة كل حين ،الان وكل آن والى دهر الداهرين امين.