اسبيرو جبّور
كنائس الشرق الأوسط
(5)
الذكرى 1550 لمجمع خلقيدونيا
الطبعة المجدّدة والمنقّحة
الكورة (لبنان 2010)
23- الكنيسة الأرثوذكسيّة في القرن العشرين
هي كنيسة عشرات ملايين الشهداء الأبرار. من العام 1917 حتى العام 1950 استشهد 50 مليوناً بينهم رجال دين. على يدي السفاحين بيريا وزير الداخلية وأخو زوجة ستالين الثالثة اليهودية. وكان ابنه متزوجاً من إبنة ستالين. في السنكسار الأرثوذكسي الفرنسي يُعيَّد في الأحد التالي للخامس والعشرين من كانون الثاني لشهداء روسيا خلال هذه الفترة. الإكليريكيون والرهبان المقتولون نصف مليون.
في الحرب العالمية الثانية وبعدها أفنى هتلر وستالين وأتباعهما في روسيا ورومانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا واليونان ملايين الأرثوذكس. في 15 حزيران تعيّد كنيسة يوغوسلافيا لسبعمئة ألف شهيد اغتالهم الكروات بوحشيّة نادرة إبّان الإحتلال النازي (المرجع نفسه 553:4 – 554). في القرن العشرين قدّمت من الشهداء ما يزيد بكثير عن جميع شهداء المسيحيّة عبر التاريخ. كانت وستبقى كنيسة الصليب والإستشهاد، كنيسة الجلجلة. بهذه الدماء الزكيّة ستنهض في العالم كلّه لابسة حلّة الظفر على الشيطان والجحيم.
24- الملك هرقـــل
تركنا الأمر إلى النهاية لتعلّق الأمر بالموارنة كآخر انشقاق في الكنيسة القديمة. كان اليهود في العام 609 قد أعدموا البطريرك أنستاسيوس الثالث وجرّوا جثّته في شوارع أنطاكيا. أجرى هرقل انقلاباً في العام 610 واستولى على السلطة. دائرة المعارف البريطانية (1978) تقول إنّه من المحتمل أن يكون هرقل أرمني الأصل. هو من بلاد الأناضول. كانت زوجة الشاهنشاه الفارسي أرمنية. وكان طبيب الشاه أرمنياً. واختلى بطريرك الأقباط وبطريرك السريان، فأنذرت السلطات الأوّل بمغادرة سوريا.
وكرّت جيوش الفرس تحتلّ سوريا، وتدخل مصر، وتأسر بطريرك أورشليم زخريا، وتستولي على خشبة الصليب. وتستمرّ الحرب حتى وصلت جيوش الفرس القسطنطينية، فطردتها سيّدتنا العذراء، (626). هل كان الأرمن يفكّرون في أمبراطوريّة أرمنيّة بيزنطيّة-فارسيّة؟ أترك تحليل ذلك لمعهد البيزنطينولوجيا بموسكو ذي الكفاءة العالميّة الأولى. على كل حال تحالف الفرس والأرمن والسريان والأقباط واليهود واضح. هرقل نقم على اليهود في فلسطين. واشترط عليه أثناسيوس الجمال أن يكون بطريرك أنطاكيا الأوحد[1]، فحرم الأرثوذكس من انتخاب بطريرك. هل مقابلة بطريرك السريان يوحنا لعمرو ابن العاص باسم الأرثوذكس والسريان استمرار لرئاسة سلفه الجمال؟ المصادر التاريخيّة عن تلك الفترة ضحلة جداً. آنذاك صمّم هرقل على استعادة الأملاك المسلوبة، فشنَّ الحرب وهاجم فارس في عقر دارها من الشرق، فسقطت العاصمة وعُقد صلح مشرِّف يعود فيه كل واحد إلى حدوده السابقة. كان سرجيوس بطريرك القسطنطينية سورياً من سرمين. أنشأ لهرقل صيغة توفيقيّة لمصالحة الأرثوذكس واليعاقبة: “يسوع أقنوم واحد ذو طبيعتين وفعل واحد”.
بذلك يعترف المونوفيسيت بالطبيعتين ويسايرهم الأرثوذكس بالقول بالفعل الواحد: هذا سياسة لا دين، ومساومة لا يقين. تاريخياً رفضت الأرثوذكسية هذه “الطبخات”. علمتُ من الأب فييه Fiey أن هرقل سمح في العام 630، وهو في سوريا، بتنصيب أسقف على مسيحيي فارس الموجودين في سوريا. ويرى أن ذلك دليل رضاه عنهم، بينما كان Fiey هذا يعتقد بأن مونوفيسيت سوريا كانوا مع هرقل. فبدّل رأيه استناداً إلى كلامي. وخلع الفرس أساقفتنا في شرق سوريا أثناء مرورهم واستبدلوا بهم مونوفيسيتيين. اجتمع بطريرك السريان أثناسيوس الجمال و12 من أساقفته في منبج بهرقل. المصادر الأرثوذكسيّة تقول إن أثناسيوس اتفق معه واشترط عليه أن يكون بطريركاً أوحد لأنطاكيا. واستمرّ خلفه يوحنا بطريركاً أوحد حتى سمح لنا الخليفة بانتخاب بطريرك تقديراً لموقفنا ضدّ أمبراطور بيزينطيا المعادي لنا. المسألة بحاجة إلى دراسة معمّقة. فإن كان طرفاً في الغزو الفارسي وفي ملاينة هرقل يكون قد لعب دوراً مزدوجاً ضدّ الأرثوذكس مع الفرس ومع هرقل. التاريخ الجديد ورستم يذكران عطف الفرس على المونوفيسيتيين واضطهادهم للأرثوذكس. أسد رستم ذكر المجمع الذي عقده الشاه برئاسة سنباد الأرمني في طيسفون في العام 614 بين المونوفيسيتيين ومسيحيي فارس، فأقرّ للمونوفيسيتيين بالغلبة (رستم 426:1). وهذا يويّد رأيي: رضى هرقل عن مسيحيي فارس. فمنذ قسطنطين الكبير كانت الدولة الرومانية تتدخّل لدى الفرس للكفّ عن الإضطهاد، وتستفيد من علاقات السلام، لتحسين معاملتهم. وكانوا في معظمهم من الناطقين بالسريانية, ثم تغلغلوا في الفرس الأصليين (التاريخ الجديد).
في العدد 383 من الينابيع المسيحيّة يذكر المترجم أن منصور بن سرجون تعامل مع الفرس، لذلك غضب عليه هرقل فغرّمه 100 (وربما 130) ألف دينار ذهبي، فنقم على هرقل. أميل جداً إلى هذا الرأي.
كان منصور زعيم دمشق آنذاك الآخذة في منافسة العاصمة أنطاكيا في جميع الميادين وبخاصة اللاهوتيّة. وكانت روابطها بجنوب سوريا وحمص متينة. فهذا الزعيم البورجوازي الأكبر في سوريا (قلب الأمبراطورية الرومانيّة على ما قال تونبي) ذو مصالح ماديّة كبيرة فحافظ عليها بالخنوع للفرس. أذلّه هرقل، فحقد عليه حقداً دمشقياً مشهوراً في الإنتقام. وبالفعل انتقم هو وابنه سرجون أضرى الإنتقام من عائلة هرقل، فأقام على جثتها دولة الأمويّين التي كان كل شيء فيها، كما قال لي المؤرّخ الكبير ابراهيم الخوري أكبر كاتب في الأسطول العربي.
هرقل قائد عسكري ألمعي. نابوليون طبّق خططه العسكريّة أثناء غزوه ألمانيا. هو الأمبراطور الروماني الوحيد الذي غزا شرق فارس. جاء يفرض نظريته بالقوة. فشل. سايره قسم، منهم رهبان دير مار مارون في منطقة أفاميا (محافظة حماه حالياً). كانوا مجروحين من الغزو الفارسي ومظالمه، فحرصوا على الإنقاذ. ساروا في خطّ هرقل. وإنما جلُّ الموارنة من السريان في شمال سوريا ممّن ساروا في ركاب البطريرك الجمّال. رهبان مار مارون حضورا لقاء القسطنطينية في العام 536 (باباذوبولوس، ص 347) والمجمع الخامس المسكوني (مجموعة مانسي 624:8). Muret ورستم أوردا جميع المراجع الآبائيّة التي تسمّيهم “أصحاب المشيئة الواحدة”. لم يعترفوا بالمجمع المسكوني السادس (680 – 681). معجم التاريخ والجغرافيا الفرنسي صنّفهم في المجلّد 3 (583 – 584) “مونوثيليت” (المشيئة الواحدة). ولكن لما اتفقوا مع روما في العام 1736 كانوا مثل الأرثوذكس في كل شيء ما عدا رفض المجمعين المسكونيين السادس والسابع. إلاّ أنّ روما فرضت عليهم الإعتراف بهما وبالقول بالمشيئتين والفعلين.
ضلّله سرجيون. قبل وفاته تاب وتبرّأ من الأمر، والقى بالمسؤولية على سرجيوس (لاجييه 378:1 وموريه 113:1 والله في اللاهوت المسيحي، ص 129). إلاّ أنّ نسله تابع المعركة بضراوة حتى ارعوى منهم قسطنطين الرابع فمدّ يده إلى البابا بعد انتصاره الساحق في العام 678 على العرب.
استقرّ هرقل في سوريا لإنهاء الخلاف الديني. فشل رغم نجاحه في كسب سرجيوس وهونوريوس روما وكيرس الإسكندرية وأثناسيوس الجمال (أنطاكيا المونوفيسيّة). رحَّب به رهبان أديرة مار مارون الأرثوذكسيّة لحرصهم على إنقاذ الأمبراطوريّة من التفكّك. كان المردة سكّان جبال الأمانوس والجراجمة (من جرجومة الأمانوس) عسكر بيزنطيا. قبلوا هرقل ولاهوته، فنشأت في سوريا الطبيعية كما في كل مكان كنيسة جديدة سمّاها الأرثوذكس مونوثيليتية. بعد عودة بيزنطيا إلى الأرثوذكسيّة في العامين680 – 681 تقلّصت هذه الكنيسة حتى انحصرت في قسم سوريا الطبيعية. إذاً: قامت على غرض سياسي لا غرض ديني، وإنما كانت صارمة كصرامة الحمويّين وعسكر المردة الأشاوس، الجدار النحاس لبيزنطيا كما قال المؤرّخ البيزنطي القديس ثيئوفانيس المعترف.
في خطبة التتويج قال البطريرك الماروني نصرالله صفير إن البطريركية المارونية نشأت في العام 685، على ما قال الأب يوسف الخوري حرب في كتابه تاريخ بطاركة الموارنة. عاشت هذه البطريركية معزولة عن العالم المسيحي بدون تبادل رسائل سلامية مع بطاركة روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم. أثناء الحروب الصليبيّة انتمت إلى روما طوال 80 عاماً ثم انفصلت. عادت إلى روما في العام 1584، فعاملتها روما بلين حتى تمّت ليتنتها في العام 1736 بموجب اتفاقات ضمّها كتاب “المجمع اللبناني” (جونيه 1900).
يتملّص الموارنة اليوم من تهمة المشيئة الواحدة بينما هم الآن على مذهب روما. لا لزوم للخجل من الماضي. المهم زماننا الحاضر. جميع المراجع الأرثوذكسية والكاثوليكيّة تسمّيهم أصحاب المشيئة الواحدة:
1- الأب ميري ذكر ذلك وأورد المصادر القديمة:
أ- Muret, III, 119-120; n. 3.
ب- Germain de Constantinople, Migre grec, 98:82.
جـ- تيموثيئوس جاثليق المسيحيين العراقيين في القرن الثامن كما ذكره لابور:
د- Labourt, de Tomathso, Paris, 1904, p. 18.
هـ- يوحنا الدمشقي، مين 143:94.
ز- ثيئوذوروس أبو قرّة (825) وسعيد ابن البطريق (القرن العاشر، مين 1078:111 و1091 و1096).
حـ- Pargoire, l’Eglise byzantine, p. 169.
ط- Echos d’Orient, 1906, p. 257 et s., p, 134 et s..
يـ– Chabot, Hist. de la littérature syriaque, p. 134 et s..
2- إبن المسعودي في رستم 57:2.
3- Fliche et Martin, Hist. générale de l’Eglise, tome V, p. 116 et 481.
4- وليم الصوري المؤرّخ الصليبي المشهور، في فيليب حتي، تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، 141:2، وأسد رستم 28:2.
5- من جهة أخرى المراجع المارونية تنهال سبابا على مكسيموس المعترف وتسمّي الأرثوذكس مكسيموسيين كما في رسالة مطرانهم على كفرطاب (خان شيخون) إلى بطريركنا في العام 1089 (رستم 60:2 – 62) فقد كانوا موجودين بعد في محافظة حماه. وفي حماه نفسها حيّ اليوم ما زال اسمه حيّ الجراجمة.
6- أسد رستم ومراجعه (56:2 – 62) والشتائم على مكسيموس.
وجاء في كتاب المجمع اللبناني الصادر في جونيه العام 1900 ما اتفقوا عليه مع روما في العام 1736. ماذا في هذا الكتاب؟
1- في الصفحة 13 فرضت عليهم روما أن يتلوا دستور الإيمان مثل روما أي أن يضيفوا “المنبثق من الإبن”. بذلك صاروا مثل اللاتين، بينما كانوا مثل الأرثوذكس.
2- كان قدّاسهم يتضمّن عبارة استدعاء الروح القدس على القرابين. أمرتهم روما بحذفها (ص 13 و18). أما الآن فقد أعادوها مؤخراً.
3- كانوا يناولون الأطفال بعد المعموديّة مباشرة، فمنعتهم روما ليتبعوا عادتها في القربانة الأولى (ص 186 – 188). وفي كراستنا “الكنيسة الأولى ومعمودية الأطفال” أثبتنا أن هذه العادة الدخيلة إلى روما تعود فقط إلى العام 1215. إذاً هي محدثة لا أصيلة.
4- سمحت روما بمناولة الشعب مثل الأرثوذكس أي كما كانوا قبلاً (ص 15 و13 من الذيل).
5- فرضت روما عليهم استعمال الفطير بدلاً من استعمالهم الخمير (ص 6 من الذيل).
6- كانوا يعمدون مثلنا. فرضت روما عليهم عبارتها (ص 40).
7- في الصفحة 10 – 11 تعداد لأغلاط منسوبة إلى الموارنة هي: المشيئة الواحدة، الفعل الواحد، الإنبثاق من الأب فقط، المطهر، الخطيئة الأصيلة، الدينونة الخاصة، الخمير.
هذا يعني: أولاً أنهم كانوا على مذهب المشيئة الواحدة. ثانياً أنهم كانوا أرثوذكساً يرفضون عقائد المطهر والخطيئة الأصليّة، والدينونة الخاصة، والفطير، والإنبثاق من الإبن. فرضت عليهم روما استبدال عقيدتهم الأرثوذكسية، وفرضت عليهم عقائدهم الرومانية المحدثة.
8- كانوا يحرّمون عزف الموسيقى في القدّاس (ص 217).
9- كان مسموحاً لديهم اشتراك عدة كهنة في خدمة القداس (ص 227).
10- كان لباسهم الكهنوتي شرقياً (ص 212).
11- انتخاب الشعب للبطريرك، فتمّ في العام 1596 انتخاب البطريرك يوسف بإثبات الشعب ورضاه (ص 17 من الذيل).
12- حضر العلمانيون مجمع 1736 ووقّعوا على محاضره ( 559 و562). من الواضح أن مجمع 1736 صنع من الموارنة لاتيناً بعد أن كانوا أرثوذكساً ينقصهم فقط الإعتراف بالمجمعين السادس والسابع المسكونيين. استغرقت ليتنة الموارنة من العام 1584 حتى العام 1736، 152 عاماً. فلا أدري كيف يمكننا تخليص الروم الكاثوليك منها بجرّة قلم.
وهكذا نرى روما نفسها تقرّ في هذا المجمع بأنهم ما كانوا يعترفون بهذين المجمعين، فأقرّت، ضمناً، بأنهم كانوا يعترفون بالمجمع الخامس. ونأخذ هنا على الأب الدكتور سمير خليل في مقاله المذكور أعلاه في مجلة “الشرق الأدنى المسيحي” الفرنسية عدم نقد ثيئوذوروس أبي قرة الذي اتهمهم بأنهم لم يقبلوا المجمع الخامس. وكذلك الدكتور أسد رستم الذي لم ينقد الغلط نفسه لدى جرمانوس القسطنطينية، ولا أخطاء ابن المسعودي (رستم 53:2 – 63). فقد كان الموارنة من أنصار الأمبراطورين جوستينوس وجوستنيانوس نكاية بسويروس الأنطاكي المونوفيسيتي. فرسالة رهبان دير مار مارون إلى البابا هورميسداس تشكو من قيام عناصر سويروس بذبح رهبانهم الذاهبين لزيارة مقام القديس سمعان العمودي. وكانت اللغة اليونانية لغتهم (فليش ومارتان، 116:5 – 481). وحضروا المجمع الخامس المسكوني (مجموعة مانسي 624:8) الذي شجب كتابات ثيئوذوريتوس القورشي. ولذلك لا يصحّ كلام الأب بولس نعمان بتجمّع في قورش وجوارها حول ثيئوذوريتوس خرج منه الموارنة. والقديس مارون أرثوذكسي-كاثوليكي سابق لثيئوذوريتوس وصراعه مع كيرللس الإسكندرية.
وما زالت ملكة النقد وقول الحق فقط، ضعيفة لدى العرب. فرستم بارع في النقل، إنما نَقَصه النقد مراراً.
ومحاولات علماء المورانة التملّص من الحقيقة لا يليق بهم[2]. فهم في العام 1736 على مذهب روما. هذا أفضل من إنكارهم المجمع السادس المسكوني. لا ندافع عن أجدادنا الوثنيّين، ولا أجدادنا الشريرين، ولا عن أجدادنا المخطئين. فقول الحق جهاراً. لا يضيرهم في شيء أن يكون أجدادهم القدامى مونوثيليت ما داموا هم اليوم كاثوليك. الذهبي الفم يعتبر فضيلة الشخص لا نذالة نَسَبه (تفسير إنجيل متّى، ترجمة عدنان طرابلسي).
ولا أساس لادّعائهم الإستقلال عن أنطاكيا بسبب الفتح العربي. فليس في كراسي الشرق أي تبادل للرسائل السلامية معهم. في أيام الصليبيّين اتّحدوا بروما مدّة ثمانين سنة. وليم الصوري المؤرّخ الصليبي الموثوق يسمّيهم “مونوثيليت” (في رستم وحتي). قبل ذلك التاريخ: الكراسي الخمس (روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم) كانت بلا علاقات بهم. ما اعترف أحد بالإستقلال المزعوم. فالمعروف أن البطاركة – منذ القديم – يتبادلون الرسائل السلامية. وما كان مذهبهم في المشرق فقط. التاريخ الجديد (105:2) يعترف بأن البابا أونوريوس كان على مذهب المشيئة الواحدة أي مثل سرجيوس القسطنطينية وكيروس الإسكندرية. وفي العام 662 هدّد بطرس القسطنطينية مكسيموس المعترف في “القاووش” بائتلاف الأمبراطور وبابا روما وبطاركة القسطنطينية وأنطاكيا والإسكندرية ضدّه (البطريرك الياس، الصورة لدى بالاماس، ص 63). فهوذا الأمبراطور والبطاركة على مذهبهم. كالعادة، كان الإنشقاق يقع ضمن الأمبراطورية لا ضمن قرية أو مدينة أو قبيلة.
الإنحسار إلى سوريا ومصر وأرمينيا جاء تدريجياً بعد فراغ بيزنطيا من الموهنوفيسيت والمونوثيليت. والأرمن والسوريون تفاعلوا تاريخياً بسبب الجوار والهجرات. في العام 1890 كان منهم 225 ألفاً في كيليكيا من أصل 400 ألف (كتاب من أنقره إلى لوزان، 1924، فرنسي).
25- الأزمة المونوثيليتية أزمة سوريا
1- بطريرك القسطنطينية سرجيوس السوري من أصل مونوفيسيتي. كان السوريون يحتلون مناصب العاصمة بفضل كفاءاتهم وتقدير الدولة لهم.
2- البطريرك اليعقوبي أثناسيوس الجمال سوري.
3- رهبان أديرة مار مارون سوريون.
أبطال معارضة هرقل:
1- صفرونيوس الدمشقي الذي صار بطريرك أورشليم 634 – 11/3/638 وسلّم القدس إلى الخليفة عمر ابن الخطّاب بالذات.
2- تلميذه مكسيموس المعترف مدين له. عاد في 2001 قول إنه من خفسين الجولان.
3- منصور ابن سرجون جد يوحنا الدمشقي الذي سلّم دمشق إلى خالد ابن الوليد بالإشتراك مع مطرانها ورهبان دير صليبا (فتح العرب للشام). رستم يذكر المطران. باباذوبولوس يذكر الترجمان الراهب اليوناني. اسبيرو لا يتعصّب لا لمنصور ولا لأحد. منصور والمطران والرهبان والترجمان حلفاء ضدّ هرقل(31).
في لندن مخطوطة سريانية ترجمت إلى الإنكليزية في العام 1973 وظهرت في مجموعة الآباء البولنديست. المترجم يقول إنها شبه معاصرة لمكسيموس وإنها تحوي الشتائم المارونية التقليدية ضدّ مكسيموس. وتلقّب هرقل بالمظفَّر. الأب الفرنسي دالمي Dalmais كتب عن مكسيموس في معجم الروحانية. أيَّد قول المترجم إن كاتبها ماروني، إلا أن الموارنة عيَّنوا 30/10 عيداً لمكسيموس و4/12 عيداً ليوحنا الدمشقي. وبذلك انطوى سفر الشتائم الأسود. قرّب الله القلوب إذاً: السوريون طوّحوا بهرقل. ذهب ضحيّتهم. المستشرقون قالوا إنه ذهب ضحيّة سياسته الدينيّة. إنها من وحي سوري. انشقّت الأمبراطورية برمّتها بسببه. فصفرونيوس كان رئيس دير في قرطاجة (تونس). في العام 632 كان مكسيموس لديه. وكان والي أفريقيا سورياً من أفاميا. تعرَّف عليه صفرونيوس ومعلّمه يوحنا موخوس أثناء طوافهما على الأديرة السوريّة. تعصّب لهما فانعقدت المجامع العديدة في شمال أفريقيا ضدّ المونوثيليتية. وقفز مكسيموس إلىروما فأثَّر في البابا القديس مرتينوس ومعظم خلفائه حتى القديس أغاثون بطل الدعوة إلى المجمع السادس. عقد البابا مرتينوس مجمع لاتران (649) الذي شجب المونوثيليتية. وخلف هذا البابا الفلسطينيّ الأصل إسمه ثيئوذوروس (642 – 649). والجدير بالذكر هنا أن أربعة سوريين اعتلوا السدّة البابويّة خلال قرن من 642 إلى 741 هم ثيئوذوروس المذكور (742 – 749)، وسرجيوس (687 – 701) وغريغوريوس الثاني (715 – 731) وغريغوريوس الثالث (731 – 741) المجموع قد يكون 47 – 48 عاماً أي حوالي نصف القرن (642 – 741). هذا فضلاً عن ثلاثة آخرين.
التاريخ الجديد يذكر تشدّد البابوات ضدّ المونوثيليتيّة، ما عدا هونوريوس الذي وقع فيها (105:2). هذا الإعتراف مهمّ لأن المراجع السابقة كانت تتحذلق للدفاع عنه. وبذلك سجّل الكتاب نزاهةً في التقدير. المجمع السادس المسكوني صنّف هونوريوس مع الهراطقة.
26- هرقل وكنيسة فارس
استدعى هرقل الكاثوليكوس إلى حلب فحضر على رأس وفد. فاوضهم فوجد إيمانهم قريباً من إيمانه لأنهم يقولون بالطبيعتين والمشيئة الواحدة. فسمح له بإقامة القدّاس ثلاث مرات في حضرته. وتطوّرت الأمور لدى فئة منهم حتى انتهت في العام 680 إلى موقف أرثوذكسي.
وعدو هرقل وسلالته الأكبر هو منصور وابنه سرجون الذي كان يجهِّز الأسطول والجيش العربي ضدّ القسطنطينيّة. ومع ذلك تبنّت الكنيسة لاهوت يوحنا ابن سرجون الراهب في دير مار سابا، فكسرت به أباطرة القسطنطينية المعادين. وما ازدهرت القسطنطينية إلاّ على يد التراث الأنطاكي فنسج القديس ثيئوذوروس الستوديتي (826) على غرار يوحنا الدمشقي. ثم تبنّى البطريرك فوثيوس الكبير القسطنطيني (891) التراث الأنطاكي فأطلقه في دنيا الأرثوذكسية – الكاثوليكية بفروسيّة، فضمن للعالمين الأرثوذكسي والكاثوليكي المعاصرين روابط الوحدة.
الكنيسة الأرثوذكسيّة عالمية، لا عرقية، ولا قوميّة، ولا لغوية. انتشار اللغة اليونانيّة في حوض المتوسّط فرض عليها اللغة اليونانية. ولكن آباء الكنيسة القدامى ليسوا من أثينا. هم من شرقنا.
الإثارات العرقية مرفوضة فيها مئة بالمئة على مستوى الدين. تحترم القوميات لا تنحصر في قوم، وإلا انتحرت. هي عالمية لا مكانية. تحترم خصائص الناس. والآن عادت روما إلى التراث اليوناني بقوة هائلة، فوجدت جذورها الأصلية. ونهاية المطاف هي زوال الفوارق السطحيّة.
حتى اللوثيريون أعلنوا اتفاقهم مع الأرثوذكس في جوهر العقيدة. علمتُ أن أحد أكابر أساتذتهم في ألمانيا صرَّح: “لو عرف لوثر الأرثوذكسيّة حقّ المعرفة لما قامت البروتستانتيّة”. أسأل الله أن يكون الحياد والنزاهة والموضوعيّة رائد هذا البحث المجرَّد الذي لم يساير أحداً، بل نطق بالحقيقة السافرة.
27- الفتـــح العربـــــي
أتى الملك هرقل سوريا يحمل معه هرطقة الفعل الواحد والمشيئة الواحدة التي صاغها له سرجيوس القسطنطيني السوري والمونوفيسيتي الأصل. وهو قائد عسكري شرس سمّاه أتباعه السوريون “المظفّر” بسبب انتصاره الباهر على الفرس الذين أهانوا الأرثوذكس جداً. استعمل الشراسة في فرض عقيدته، فرفضها الأرثوذكس إلا بعضاً منهم. اجتمع في منبج ببطريرك السريان أثناسيوس الجمال و12 من أساقفته، فاتفق معه بشرط أن يكون البطريرك الأوحد لأنطاكيا الشاغرة باغتيال بطريركنا في العام 609 على يد اليهود الذين قاموا بثورات في الأمبراطورية. ولائحة بطاركتنا تورد اسم الجمال ولكن مصادرها تعتبره من أصحاب المشيئة الواحدة. في أيام هرقل تبدأ الغزوات العربية على الحدود الجنوبية. تختلف المصادر في رواية الأحداث. إلاّ أنّ نصّاً مشهوراً لأقدم المؤرّخين وأوثقهم إجمالاً البلاذري يقول إن الفتح كان يسيراً. وأورد النصّ التالي البالغ الأهميّة: “وحدَّث شيوخ دمشق فيما بعد أن الفاتحين لم يقاتلوا بعد عربة، ولم يمرّوا بشيء من الأرض مذ فصلوا من الحجاز إلاّ عبروا عليه بدون حرب وصار في أيديهم” (عن رستم، تاريخ كنيسة أنطاكية 27:2). وكان هرقل قد أصدر أمراً بذبح اليهود، ففرّوا إلى الحجاز، وتجنّدوا في الجيش العربي، ووزّعوا أنفسهم فيه على 12 فرقة. وكان هرقل قد عرّم منصور ابن سرجون بـ130 ألف دينار ذهبي عقوبةً له على تعامله مع الفرس. فنقم عليه. وسافر رجال دين إلى الحجاز يحرّضون العرب على القدوم. كان قائد جيش اليرموك ورطان أرمنياً. وكان نصف الجيش أرمنياً، وسدسه عربياً (جبلة ابن الأيهم) وثلثه أخلاطاً. خان ورطان وجبلة وانتهى الأمر. الأب ديمتري أثناسيو يقول إن ورطان ندم وصار راهباً في دير سيناء.
منصور ابن سرجون هو زعيم دمشق. ربما أبوه سرجون لا هو. المراجع “تخربط” أحياناً بين سرجون ابن منصور الوزير وبين منصور. إن قلنا إن سرجون العتيق هو الذي سلّم دمشق إلى خالد ابن الوليد استقام الأمر. فسرجون هذا كان مسؤولاً عن المالية لدى البيزنطيّين لمّا قدم الفرس في العام 611. فلمّا قدم العرب كان ابن 55-65 عاماً. اشترك معه في الأمر مطران دمشق الأرثوذكسي، وقدّم رهبان دير صليبا السلالم لتسلّق السور. وكان الترجمان راهباً يونانياً. حمص فاوضت قبل عام وفتحت الأبواب، وموّنت العرب، ووجَّهتهم إلى حماه. وتسلّم أعيانها شؤونها. أفاميا وقلعة شيزر (لاريسا) والمعرة خرجت لاستقبالهم بالهتافات والترحيب. ورئيس بصرى رومانوس رافقهم. وكان اليهود مرشدين وأدلاّء ومموّلين. والسامريّون كانوا كذلك مرشدين وأدلاّء. وفي العام 638 سلّم البطريرك صفرونيوس الدمشقي أورشليم القدس إلى عمر ابن الخطّاب بالذات ومعه كعب الأحبار. وكان كعب الأحبار هذا لدى عثمان ابن عفّان ومعاوية ابن أبي سفيان. وزوّر الأحاديث النبويّة لصالح الأمويّين. ويعتبره المدقّقون الآن المسؤول عن اغتيال عمر بن الخطاب. والطبري لا يبرئه من البقاء على يهوديّته.
وعُيّن يزيد أخو معاوية والياً لدمشق، فكان صديقاً لآل الدمشقي. خلفه أخوه معاوية. مات عثمان، فطمع معاوية في الخلافة. زوجته ميسون مسيحيّة أخت لزعيم بني كلب. الأب لامنس وجون كلوب ومحمد زكي النقاش يؤكّدون أن جيش الأمويين كان من العرب المسيحيين. تناوبوا بين اليمنيين والقيسيين، فسقطت أمبراطوريتهم على يد اليمنيين.
كان سرجون ابن منصور وزير المال والدفاع والبحريّة. يجهّز الجيوش والأسطول ويسيّرها. وكانت الدواوين تكتب باليونانية أي حتماً بيد الأرثوذكس بينما الجيش بمعظمه يعقوبي مونوفيسيتي. وكان في القصر يهود. وبذلك حافظ آل الدمشقي على حقوق الأرثوذكس. وكان سرجون هذا نافذ الكلمة جداً. إلاّ أنّ الغلبة في العام 678 كانت للأسطول البيزنطي، فانهزم العرب أمامه، ومدَّ الأمبراطور قسطنطين الرابع يده إلى روما، ففرض عليه البابا أغاثون انعقاد المجمع السادس المسكوني (680 – 681) والإعتراف بالمشيئتين والفعلين أي لاهوت صفرونيوس ومكسيموس وأسلافهما.
أمر الخليفة عبد الملك بتعريب الدواوين. وهذا سيستغرق وقتأً. اغتال ابنه الوليد زعيم بني تغلب. خلفه أخوه سليمان. أقنعه رجاء ابن حيوة أن يكتب الخلافة لصهره ابن عمّه عمر ابن عبد العزيز لأن أخاه يزيد فاسد. خلفه عمر (717 – 720)، فأوقف الحروب، إنما أتلف الأسطول البيزنطي مجدداً الأسطول العربي وانهزم مسلمة ابن عبد الملك. هل حقد على صهره، فاشترك في تسميمه لمصلحة أخيه يزيد؟ الله أعلم. الروايات مغرضة ومشوّشة جداً.
برز عمر مصلحاً كبيراً نادراً. قام بثورة على فساد أهله الأمويّين. وعاش عيشة النساك. كان في دير مار سمعان العمودي في المعرّة، فسمّمه أهله. فدفنه الرهبان في الدير. إلى جانب قبره قبر يسمّيه أهل المعرة قبر الأب سمعان. وفي المكان بناء بيزنطي الشكل.
روى الإمام الأوزاعي والإمام مالك دهش الرهبان به في المعرة. رثاه الشاعر الفرزدق الشيعي أفضل رثاء. روى أحدهم أن خصمه السابق الأمبراطور البيزنطي لاون الأرمني فُجع به فاجعة كبيرة وامتدح نسكه ورهبانيّته.
ولكن كان معاوية قد سمح لليهود بإنشاء هيكل سليمان من الخشب والصلاة فيه. منعهم عمر وسمح لهم بالصلاة على أحد الأبواب. نقم اليهود عليه. فدسّوا عليه الأكاذيب.
خلفه يزيد. دسَّ يهودي من طبريا (رستم) أو اللاذقية (فاسيلييف) أن عمره سيطول إن هدم الإيقونات. فباشر هدمها (723). دبَّ الخلاف بين يزيد ويوحنا الدمشقي، فغادر يوحنا القصر في العام 724 إلى دير مار سابا في غور الأردن. ونقم خليفته هشام على ثيئوذوروس أخي يوحنا. فنفاه إلى أقصى البادية. جاء يوحنا دمشق في 734 وأخذ ابنه استيفانوس وربّاه على يديه (السنكسار اليوناني – الفرنسي الأرثوذكسي).
هناك إذاً قطيعة بين آل الدمشقي والأمويّين، فلم تعش الإمبراطوريّة طويلاً بعدهم، فسقطت في العام 749/750 ولها عمر رجل واحد معمّر: خسرت أدمغتها المفكّرة.
الأب جوزيف نصرالله في كتابه 1951 عن الدمشقي وفي مقال في مجلة Melto (1978) التي تصدرها جامعة الروح القدس المارونية أجهد نفسه ليثبت أن عمر ابن عبد العزيز اضطهد المسيحيّين. منذ كتابي “سمعان العمودي، ص 69 و72) حتى اليوم تصدّيت للأمر. وأنشأت مؤخراً دراسة تثبت صداقته للرهبان وفضله. وإن انعدم الدليل فيمكن الإفتراض أن وزيره يوحنا الدمشقي هو الذي استماله، فغار اليهود. قصة عمر ابن عبد العزيز معقّدة بالأهواء. الروايات متناقضة. أنشأت دراسة بعد تبرِّئه من الإفتراءات عليه. نشر المستشرق المشهور برنار لويس نصّين يهوديّين هامَّين: اليهود متيّمون بهشام ابن عبد الملك حليفهم في الأندلس. فهو الذي نفى ثيئوذوروس أخا الدمشقي. ولكنه سمح لنا بانتخاب بطريرك تقديراً لعدائنا للأمبراطور البيزنطي المحارب للإيقونات. فكانت القسطنطينية تنتخب لنا البطريرك ويقيم فيها. وهذا الشغور يؤيّد وجهة نظري: بقي بطاركة السريان بعد هرقل محتكرين اسم بطريرك أنطاكيا. وهكذا حُرمنا طيلة 133 سنة (609-742) من بطريرك ننتخبه في أنطاكيا. إلا أن الغريب في الأمر هو أن الوليد الثاني ابن يزيد الثاني، الذي خلف عمّه هشاماً نقِم على البطريرك استيفانوس الرابع هذا وعلى مطران دمشق بطرس لأنهما دخلا في جدل مع المسلمين. ولم يكن الأمر دفاعاً عن الإسلام – كما يزعم رستم – لأن الوليد سكّير عربيد ملحد مزّق القرآن وهجاه فمات اغتيالاً (حتّي). المسألة هي انتهاء شهر العسل، وزوال الحظوة التي كانت لآل الدمشقي والأخطل الشاعر الكبير، فاستشرى
الإستبداد الذي أطاح بالأمبراطورية الشاسعة بعد 5-6 سنوات من الحادث (رستم، تاريخ
الكنيسة 90:2 – 91).
المصادر اليهودية والسريانية والأرمنية تشير إلى دور اليهود التخريبي ضدّنا أثناء الفتح. وزوال مكانتنا على يد يهودي دفع يزيد الثاني إلى تحطيم الإيقونات، ونفوذ اليهود لدى خليفته أخيه هشام يقنعاني بأن عمر ابن عبد العزيز خصم اليهود كان صديقاً ليوحنا الدمشقي. في دراستي هو صديق الرهبان وهو مدفون في ديرهم. فمن غير الدمشقي لإبرام هذه الصداقة؟
أما الأمبراطور لاون فقد اندسّ عليه يهودي دفعه إلى حرب الإيقونات في العام 726 كما أثبت ذلك في محاضرتي في مهرجان الإيقونة في 20/10/1987 في دمشق. ولذلك لا تصحّ رواية قطع يد يوحنا الموجود في الدير منذ العام 724. ومن هناك حارب الأمبراطور.
إذاً: الإصطدام بين المسيحيّين في بلاد الشام والعرب المسلمين ما كان حربياً. فاستمرّوا بأكثرية ساحقة. في تقدير الأب لامنس وسواه كان المسلمون في بلاد الشام ربع مليون في نهاية القرن الأول الهجري (719). الأقباط سلّموا مصر نكاية بهرقل. قال الرئيس أنور السادات لغبطة البطريرك شنوده: لكم فضل علينا. سلّمتمونا مصر. وبناءً عليه عليكم أن تخضعوا لشرعنا.
عود على بدء: البطريرك اليعقوبي يوحنا خليفة أثناسيوس الجمال قابل عمرو ابن العاص كبطريرك أنطاكيا[3].
[1] راجع عن الجمّال رستم 42:1 و432 و435 و4:2….
[2] في جدول كنائس أنطاكيا الفرنسي (المجلّد 583:3 – 584) روما سمّتهم البطريركية المارونية. برقية البابا للتعزية بوفاة الرئيس رينيه معوض المتلوة أثناء الجناز قالت: “البطريركية المارونية”. المترجم العربي زوّرها، فتلا: “البطريركية الأنطاكية المارونية”.
[3] فلهاوزن وسواه أخذوا بكلام الياس أسقف نصيبين (الأشوري) ونصّ ماروني: معاوية زار الجلجلة المقدّسة وقبر سيدتنا مريم العذراء عشية تنصيبه في اليوم التالي في أورشليم. بنوا كلب أهل زوجته دعموه ودعموا ابنه يزيد وحفيده معاوية الثاني، وأتوا بمروان ابن الحكم والد عبد الملك وجدّ عمر ابن عبد العزيز. وكتاب “المسيحيّة العربية” يثبت أن المسيحيون العرب لم يدخلوا في الإسلام تماماً حتى القرن العاشر. وجبلة ابن الأيهم ذهب إلى بيزنطيا في 30-40 ألفاً من القساسة واستقروا فيها. ويذكر رستم أن بني تغلب وسواهم فتروا إليها في القرن العاشر من قسوة ضرائب سيف الدولة الحمداني التغلبي ودخلوا بيزنطيا وعادوا إلى المسيحيّة. وانقسم الذين أسلموا بين شتّى المذاهب والملل والنحل.